العدوان / هو أي تصرف يقصد به إيذاء الآخرين والأعتداء عليهم بالكلام أو بالضرب ، سواء كان موجها من فرد لآخر أو من جماعة لأخرى . يظهر السلوك العدواني عند الأطفال كردود فعل على سلوك عدواني مقابل نظمه الكبار نحوهم ، فنحن حين نكتشف أنواعا مختلفة من السلوك في أبنائنا ، وجب علينا التوقف قليلا ومراجعة ما قدمناه لهؤلاء الأطفال وما أثار فيهم أسباب العدوان . يأتي العدوان عند الأطفال كحالة عن الغضب الذي قد يشعرون به تجاه والديهم والمحيطين بهم ، إذ أن أغلب الآباء والأمهات ، يميلون لوضع قوانين صارمة في الحد من رغبات الأطفال وميولهم ، فالطفل الذي يمنعه والديه من اللعب بالدراجة الهوائية خارج البيت ، لا يقدّر سبب منعه ، إذ تسيطر رغبته في اللعب على عقله ، فلا يفهم ما يقال له عن مخاطر اللعب في الشارع ، أو حتى على الأرصفة ، وهناك بعض الأطفال الذين قد يجاروا فهم أسباب أهلهم في منعهم من اللعب خارجا بشكل مؤقت ، إذ يضغطوا على والديهم بطريقة غير مباشرة ، كالعبث في المنزل ، أو إحداث فوضى في المطبخ ، أو ممارسة أي سلوك يُغضب الأم أو الأب ، مما يدفعهم الى السماح له باللعب خارجا تخلصا من سلوكه المتذمر . إن الطفل إنسان ذكي جدا ، بالرغم من عمره الصغير وخبرته المحدودة ، كما أنه يمتاز بسرعة التعلم والأستفادة من كل ما يدور حوله ويخدم مصالحه الشخصية ، وال ( أنا ) ، تسيطر عليه طوال فترة طفولته ، لذا نجده دؤوب على إتقان طرق مختلفة في تحقيق أغراضه . كذلك لا يمكن أن نتناسى أن الطفل يمارس سلوكه العدواني كحالة من الدفاع عن وجوده ، وهو يعكس السلوك الذي واجهه من قبل الكبار ، فالأهل الذين يقومون بأستخدام أساليب التربية التسلطية بشكل مستمر ، يدفع الطفل الى مواجهتهم بنفس الأسلوب ، إذ لا يجد غير ذلك في الرد على الأذى الذي يلحق به . كذلك ، كثرة العقاب على جميع تصرفاته وسلوكه ومعاقبته أحيانا ، لأنه الأخ الأكبر مثلا ،... لخطأ أحدثه أخاه الأصغر ،... يبني في نفسه مشاعرا متراكمة من الغضب الذي قد يتحول ويتوجه الى أخيه الصغير ، كرد عن الأذى الذي لحق به بسببه ، فتتولد مشاعر الكره والغيرة والعدوان تجاه أخيه الصغير . ويلعب المجتمع الذي يتواجد فيه الطفل دورا كبيرا في تربيته عدوانيا ، فالمجتمعات التي تمتاز بالعنف في توجهاتها وتصرفاتها نحو أبنائها ونحو الآخرين يجعله سلوكا مقبولا لسلوك الجماعة التي ينتمي اليها . كما أن الطفل الذي يتواجد في مجتمع دائم الحروب والتوترات ، يخلق منه أنسانا عدوانيا أكثر من الآخرين ، ويتبنى هذا السلوك العدواني كنوع من الأساليب التي يتعامل بها في حياته المستقبلية لتحقيق رغباته وأمنياته ، ويصاب بحالة من الأحباط تجاه المجتمعات المدنية الهادئة ، إذ تصبح طرق عيش هذه المجتمعات صعبة عليه للتكيف معها . والسلوك العدواني يمنح صاحبه شعورا باللذة في الأنتصار على الآخرين وقدرته على السيطرة والتملك ، ويجده طريقا سهلا لتحقيق مبتغاه الذي يراه يتحقق بخضوع الآخرين له وعدم معارضته . وتلعب وسائل الأعلام الدور الكبير في توجيه سلوك أبنائنا ، فالبرامج التي تكثر فيها المواقف القتالية والأحداث العسكرية والحربية وأستخدام التقنيات الحديثة ، جعلت أمكانية التنافس كبيرة على تقديم البرامج التي تحتوي على العدوان والقتال ، وحتى البرامج الرياضية وأفلام الكارتون التي يلعب فيها الأطفال مباراة بكرة القدم مثلا ، نجدهم يخلقون مواقف عدوانية تجاه الفريق الآخر يدفعهم الى الفوز ، كل هذا يمنح الطفل مجانا أساليبا عدوانية تنمو وتندمج في شخصيته وسلوكه فيصعب التخلص منها في المستقبل . ولثقافة المجتمع أثر في توريث الأطفال السلوك العدواني ، إذ تربي بعض المجتمعات القبلية أبناءها على الأغارة والهجوم على الآخرين وتعتبر الطفل الذي لا يتبنى هذا السلوك أنسانا ضعيفا لا يُعتمد عليه ، ويعتقد القائمون على مثل هذه المجتمعات ، أن مثل هذا السلوك ليس إلا ترجمة للشجاعة والبطولة والأقدام ، وأعتبار الطفل الودود ، طفلا غير شجاع يُخاف عليه ، ويصبح عرضة لسخرية الآخرين وأتهامهم له بالجبن . فالسلوك العدواني عند الأطفال ، ما هو إلا سلوك تراكمي ، يدّخر في نفس الطفل ، ليتفجر بعد حين نحو الآخرين ونحو نفسه كذلك . وتلعب عناصر مساعدة في نمو السلوك العدواني وتفاقمه لدى الطفل ، مثل 1- الغيرة / التي تعتبر إحدى أهم العوامل التي تثير في سلوك الطفل ونفسه خاصية العدوان ، فالطفل الذي لا يستطيع أن يحصل على مبتغاه ، ويرى أقرانه وأخوانه يحصلون على ما يريدون ، ... عندئذ ، تتولد لديه مشاعر الغيرة ، كما أن التمييز في التعامل من قبل الوالدين بين الأخوان يثير في نفسه عوامل الغيرة ، وما يراه كذلك في سلوك والديه ونظرتهم نحو الآخرين فيما يملكون من قدرات وعناصر مادية وعمل ناجح ، يدفعه الى الشعور بالغيرة بشكل فطري ، فهذا ما يقدمه الأهل الى أبنائهم دون أنتباه مسبق . 2- الغضب / الذي قد يشعر به الطفل تجاه الذين يسببون له الأذى ، وقسوة القوانين الوالدية ونظام المدرسة الصارم وتقاليد المجتمع الغير مرنة ، تمنع الأطفال من تحقيق رغباتهم ، الأمر الذي يسهم في توجيه غضبهم نحو الآخرين دون أستثناء . 3- الرفض / إن الطفل بحكم سنه الصغير ، محكوم بتحكم الكبار والأنصياع الى قوانينهم الصارمة دون مفر ، فيلجأ الى التعبير عن رفضه لها عن طريق ممارسة السلوك العدواني تجاههم ، كحالة من دعم الرضا لما يملونه عليه 4- الظلم والشعور بالغبن / إن الأطفال يشعرون ويفهمون الظلم الذي يقع عليهم من خلال مقارنة أنفسهم مع أخوانهم أو أقرانهم الذين قد لا يلقون نفس العقاب الذي قد يقع عليهم لنفس السبب ، فهذا التمييز في التعامل يولد شعورا بالظلم ، ينمو فيتحول الى سلوك عدواني خطير الى حد ما ، نحو الآخرين والمجتمع . في النهاية ، نحن الكبار مسؤولون أمام الصغار في أعطائهم كل السبل لتبنيهم هذا السلوك أو التخلي عنه ، فكما يقول عالم النفس الأجتماعي ( واطسن ) ( لايوجد أطفال سيئون ، بل يوجد أهل سيئون ) . إن أنتباه ذوي الأمور لأنفسهم ، هو أنتباه أكيد لأبنائهم .
|