إن الكذب من العلامات الواضحة والطبيعية في سلوك الطفل وفي كلامه ، ويصدر عنه كنوع من أنواع الحماية التي يلجأ اليها حين يشعر أنه سيتعرض الى الأذى ، فهو وسيلة سهلة لتجنب الأذى والعقاب ، إلا أن هذه العادة السيئة تنمو إذا ما توفرت لها عوامل النمو المناسبة في سلوك الطفل ، ومنها :
(1) الخوف من العقاب / يلجأ الطفل الى الكذب ، فيقول ما يريده الكبار ، ويخفي الأمور التي قد تسبب غضبهم وسخطهم وأذيتهم له ، وبذلك يتبنى هذا الأسلوب لتفادي المواقف الصعبة وليجد منفذا سهلا لتحقيق رغباته الممنوعة وسترها بستار الكذب .
(2) التخيل / يمتلك بعض الأطفال قدرة واسعة على أضافة أحداث كثيرة لحدث بسيط ، قد يعتبره الكبار كذبا ، فحين نسأل الطفل عن حالته الصحية بعد توعك بسيط ،.. يروي لنا قصة مفادها ذهابه الى الطبيب وحقنه بالأبرة ، وقد يعطي أعراضا إضافية لم تحصل له ، وقد يهول في وقوع الحدث ، فنراه كذبا ، ويراه الطفل إبداعا وقدرة على التعبير وجذب الأنتباه .
(3) المساندة وتقديم العون / قد يرى الطفل من وجهة نظره ، أنه إذا ما أخفى الحقيقة عن الكبار ، نتيجة لخطأ قام به زميله أو أخاه ، فهو يراها مساندة ودعم ومساعدة لهذا الصديق أو الأخ ، .. بينما تنمو في داخله ( بشكل شبحي ) مادة سيئة ، قد يلجأ اليها بين الحين والآخر .
إن الكذب بمفهومه العام لدى الطفل ، أمر غير معترف به ، فهو لا يعرف ماذا يعني الكذب ، بقدر ما يستعمله تجنبا للمخاطر التي تجابهه في حياته اليومية .
والكذب عند الأطفال ، يعبر عن سعة في التخيل وصوغ الأحداث ، فالشخصيات التي قد يراها في أفلام الكارتون المفضلة ، يتقمصها ، أو البعض منها ، وقد يصوغ قصة ذات أحداث مترابطة لها بداية وخاتمة ، ولا تحمل في ثناياها سوى كلمات حقيقية بسيطة مزينة بكثير من الأحداث الأبداعية التي يضيفها لها .
وتلعب التنشئة الأسرية ، الدور الأعظم في توضيح المفاهيم الأجتماعية ومدى قبولها أو رفضها من وجهة نظر المجتمع الذي ننتمي اليه بالنسبة للطفل ، فبعض الوالدين يعلمون الأطفال الكذب ، دون قصد مسبق ، من خلال محاولتهم تجنب محادثة صديق على الهاتف مثلا ، فيطلب الأب من ولده الرد ، بعدم تواجد الأب في المنزل ! ، والحقيقة هي عكس ذلك ، أو قد يتجنب الطفل عقاب المدرسة ، فيدعي المرض ، .. وقد يجد الكثير من الأعذار التي توفرها بيئته الأسرية ، كأرض خصبة يقطف منها ما يريد من الأعذار ويقدمها على طبق من الكذب .
وقد يلعب الجانب النفسي دورا مهما في تكوين قواعد الكذب ، فالطفل الذي يخاف الظلام مثلا ، ولا يريد أن يظهر خوفه من الظلام ، تجنبا لسخرية الآخرين أو الأستهانة بخوفه ، فيلجأ الى أعطاء الكثير من المبررات ( الكاذبة ) المقنعة ، كي يتفادى وجوده في غرفة مظلمة ، أو النوم لوحده ليلا ، ... الخ .
وفي بعض الأحيان ، حينما يتقن الطفل مهارة الكذب ، من خلال ترتيب أحداث معينة يبتدعها من خياله ، ويشجعها الكبار من خلال الضحك والمرح الذي قد يجلبه هذا التصرف الطفولي ، فيتحول من كذب لمجرد المتعة الى كذب يدفع صاحبه الى إيذاء الآخرين بأتهامهم بتصرفات قد لا تنسب اليهم فيجدها متعة لفائدة سلبية بقصد إيذاء الآخرين ، وقد ينقل كلاما وأحداثا خالية عن الصحة ، بهدف تحقيق مآرب شخصية أو تحقيق غاية معينة ، أو لتعويض نقص قد حصل لديه ، .. فالطفل الذي لا يؤدي فروضه المدرسية بشكل جيد ، ويرى زميله ناجح في دراسته ، فأنه يغويه ويحبب فيه بعض ما يرغبه ذلك الزميل ، فيلهيه عن واجباته بقصد الأيذاء وتحويله الى تلميذ كسول مثله ، وقد يصبح الطفل أداة لأيذاء الآخرين بشكل غير مباشر ، حين يكذب على والدته ، فيتهم أخاه ، بأنه قد كسر القدح ، بينما تعمد هو كسره ، وأتهام أخاه ، كي يتعرض للعقوبة ، وبذلك يصبح أداة للعقوبة الغير مباشرة .
إن ما يجب أن نفرق بينه ، هو الكذب لمجرد الكذب وإحداث إيذاء للآخرين ،.. والكذب ( الأبداعي والتخيلي ) الذي يتصف به الطفل في طفولته المبكرة ، فهذا الأخير هو حالة من الأبداع ، ويعتمد على ما يلي :
( أ ) - ذكاء الطفل / إن الأطفال الأذكياء ، هم الذين يصوغون أحداثا أضافية للأحداث التي وقعت فعلا ، أكثر من أقرانهم الأقل ذكاءاً ، فيصبحون قادرين على التلون في الحديث ، ونرى فيهم قدرات على حل المشكلات الفرضية التي يضعونها ويجدون حلا ً لها بأنفسهم .
( ب ) – المثيرات الحسية / تعمل المثيرات الحسية ( والتي تشمل كل ما يراه الطفل ويسمع عنه ويلمسه ) وكل ما يتعلق بالحواس الى أضافة خبرات جديدة الى خبراته ، يستفيد منها في أضافة العناصر المهمة لصوغ كلامه ،.. وخلق مواقف جديدة فيها الكثير من التخيل للحوادث والشخوص .
( ج ) – الأحتكاك مع الآخرين / إن أتساع دائرة أتصال الطفل مع أفراد المجتمع الذي ينتمي اليه ، يجعله عرضة للتعرف على السيء والجيد من سلوك الآخرين ، فينتقي ما يجده مناسبا من سلوكهم مع الموقف الذي يتواجد فيه ، فيستعمل الكذب للتخلص من مأزق ما ،.. أو تكليف ما .
ويمكن القول ، أن الكذب ، سلاح ذو حدين ،.. يجب على الوالدين الحذر منه والعمل على أعطاء النصح والتوجيه المستمرين للأطفال وتقييم سلوكهم وعدم السكوت على كذب الأبناء ، وإن كان بسيطا ، ومحاولة تفهم كذبهم وتدريبهم على قول الحقيقة التي فيها النجاة الأكيدة .