داعش يعرّض بعض مقاتليه (للتمحيص) |
المقاله تحت باب قضايا نقاش / خاص اغرورقت عينا احمد السبعاوي بالدموع ثم بكى أمام رفاقه عندما بلغه خبر نقله وعددا من عناصر الحسبة الى جبهة بيجي (200 كم جنوب الموصل) الملتهبة، وقال متوسلا مسؤوله: "ابو احمد أرجوك تراجع عن هذ القرار، فكما تعلم أنني متزوج ولدي طفل ولا معيل لهما سواي". استشاط ابو احمد غضبا ووبخ السبعاوي بلهجة شديدة متهما اياه بالجبن والتخاذل والنفاق مستشهدا بآية من القرآن: "وليمحص الله الذين آمنوا"، أي يختبرهم وقت الشدائد لينكشف مدى صدقهم وإيمانهم. هذه الآية القرآنية صارت شبحا يلاحق بعض عناصر التنظيم ممن يمارسون نشاطهم بعيدا عن جبهات القتال في الحسبة والشرطة الإسلامية والمهام الإدارية، او المشكوك في ولائهم "للدولة الإسلامية". في شباط (فبراير) الماضي اتجه "داعش" لخفض رواتب عناصره إلى الثلث، بحسب الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية هشام الهاشمي الذي أجرت "نقاش" مقابله معه عبر الفيسبوك. اليوم بعدما طبق القرار انخفض راتب المقاتل الأعزب على سبيل المثال من(250) ألف دينار الى (75) ألفاً فقط.
لا يعترف التنظيم بان ذلك يعود الى نقص التمويل بل ينسبه إلى مبدأ التمحيص، لتمييز من بايعوا "الدولة الاسلامية" إيماناً بها، ومن انظموا طلبا للمال لاسيما وان مدينة الموصل تعيش حالة شلل اقتصادي شبه تام منذ اكثر من سنة.
واذا لم يكن معيار المال كافيا، فان الالتحاق بجبهات القتال حتى الموت كفيل بوضع العناصر المترددين على المحك ليتخذوا قرارا لا تراجع عنه، لذا برزت جبهة بيجي لتكون أفضل اختبار لولاء مقاتلي تنظيم "داعش". بدأت معركة تحرير قضاء بيجي في تشرين الاول (اكتوبر) الماضي على يد القوات العراقية وفصائل الحشد الشعبي الشيعية التي تشكلت استجابة لفتوى المرجع الاعلى علي السيستاني عندما اقترب داعش من المراقد الدينية في سامراء، وبعد ثلاثة أسابيع من القتال العنيف الذي شاركت فيه طائرات التحالف الدولي، تم تحرير القضاء وقد لحقت بالتنظيم خسائر بشرية هي الاكبر حتى الآن. الخبير الهاشمي، يقدر خسائر داعش البشرية بـ (350) الى (400) قتيل ومفقود، ونحو (50) انتحاريا، الى جانب تدمير اكثر من (150) آلية للتنظيم، وكان لهذه الارقام صدى واسع في مدينة الموصل؛ فلأنها رفدت التنظيم بعدد كبير من المقاتلين في بيجي ومكحول استقبلت بالنتيجة عشرات القتلى وأعدادا اكبر من الجرحى. احمد السبعاوي الذي يروي قصته لـ"نقاش" شقيقه، حضر مجلس عزاء ثلاثة من رفاقه الذين قتلوا في بيجي. "بيجي صارت مصدر رعب للسبعاوي بعدما سمع قصصا كثيرة من العائدين من القتال عن شراسة المعارك التي تدور في ظل ظروف صعبة جدا، لاسيما وان الطائرات تكثف غاراتها على مقاتلي التنظيم بلا هوادة"، يقول شقيقه الذي تحفظ على ذكر اسمه. السبعاوي اظهر ضعفا علنيا عندما صار على المحك، بينما آخرون يتحايلون على الأوامر بطرق شتى للهرب من جحيم الحرب. "احدهم أطلق النار على كفه عندما وجد نفسه في الخطوط الامامية من الجبهة، متحججا بأنه اصاب نفسه بالخطأ ليعيدوه إلى المنزل"، حسبما يقول موظف في مدينة طب الموصل التي استقبلت عشرات الجرحى القادمين من بيجي الشهر الماضي. ويوضح ان احد المصابين صديق مقرب منه روى له ما جرى "وضعت قطعتي خشب على وجه وباطن الكف للتخفيف من حدة الاصابة وبالنهاية تم لي ما اردت وها انا اعود الى المنزل سريعا، فلن يجبروني على العودة مجددا للقتال إلا بإرادتي". قصة السبعاوي وغيرها لا يمكن تعميمها على مقاتلي التنظيم، لكن ثمة نسبة منهم انضموا بدوافع غير عقائدية، كالحصول على الراتب او امتيازات القوة والسلطة وغيرها، وهنا نجد ان الهاشمي مؤلف كتاب (عالم داعش)، يعتقد بأن "غالبية مقاتلي داعش مؤمنين بفكر التنظيم ويتنافسون بقوة على الذهاب الى القتال حيثما كان لذا تجرى لهم القرعة، كما ان قادة التنظيم لا يدفعون احدا الى المعركة كرها خاصة وان التجنيد ليس إلزامياً حتى الآن". ورغم انه يقول بأن هزيمة داعش في بيجي كبيرة لكنه يؤكد "لم تكن الخاتمة أو الحرب حاسمة". حقاً ان معركة قضاء بيجي انتهت لصالح القوات العراقية والحشد الشعبي لكن قتالا شرسا يدور في منطقة مكحول الجبلية القريبة من بيجي، إلى جانب الجبهات المفتوحة في محافظة الأنبار، ليستمر معها مسلسل التمحيص. |