(صنع في العراق) علامة تجارية تتلاشى أمام المنافسة الأجنبية

المقاله تحت باب  قضايا
في 
30/10/2015 06:00 AM
GMT



نقاش /عمار الصالح
توقّفت الكثير من المعامل والورش الأهلية في البصرة خلال السنوات العشر الماضية لعدم قدرتها على منافسة أسعار المستورد الرخيص الذي أغرق السوق.

يواصل الحاج كريم ناصر تفكيك وبيع ما تبقى من ورشته الخاصة بصناعة الموبيليا والأثاث بعد ربع قرن أمضاه في عمله حيث نقشت ذاكرته بصور تشكيل الخشب وأصوات مكائن النجارة ورائحة الأصباغ.

 الحاج ناصر واحد من بين آلاف الحرفيين وأصحاب المعامل الصناعية الخاصة في البصرة الذين تأثروا بسياسات السوق المفتوحة التي اتبعها العراق منذ 2003.

وقد اضطر لإغلاق ورشته وتسريح 25 عاملاً والتحول للعمل بالصيرفة وهو يصف وضع السوق المحلية قائلا  لنقاش "لم نعد نستطيع مواجهة المستورد الأجنبي الرخيص، فعلى سبيل المثال تبلغ كلفة إنتاج غرفة النوم الواحدة في ورشتنا (1600) دولار تقريبا وتعرض للبيع بـ(2000) دولار فيما تتوفر في الأسواق غرف نوم ماليزية أو صينية بـسعر (1250) دولاراً وهي لا تضاهي جودة صناعتنا لكن الناس تفضل الرخيص".

ركود المنتج المحلي استمر منذ سنوات ما أدى إلى إغلاق المئات من المصانع والورش الخاصة وتحوّل أصحابها إلى مزاولة مهن أخرى.

وفي إحصائية لاتحاد الصناعيين بالبصرة فأن المحافظة ضمت سابقاً (15360) مشروعا صناعيا صغيرا ومتوسطا وكبيرا بمختلف أنواع الصناعات عائداً إلى القطاع الخاص موزعة على (13) تجمعاً صناعياً، إلا أن (7000) مشروع منها توقف بعد 2003، نتيجة غياب الدعم الحكومي لها وفرض ضرائب كبيرة على دخول المواد الأولية وإغراق السوق بالمستورد الأجنبي.

  وأدى توقف المعامل التابعة لوزارة الصناعة في البصرة كشركة الحديد والصلب ومعمل الورق وشركة الأسمدة الكيمياوية إلى توقف معامل أهلية صغيرة اعتمدت في إنتاجها على الخامات الأولية التي وفرتها لهم شركات القطاع العام.

 وإزاء تجاهل الحكومة لشريحة الصناعيين المحليين تتعالى الأصوات لإنقاذ هذا القطاع الحيوي مما يعتقدون أنه عملية مقصودة لتدمير الصناعة الوطنية.

 وهناك شكوك بإتباع دول الجوار والدول الأخرى المصدرة سياسة إغراق السوق المحلية ببضاعة مدعومة ورخيصة للسيطرة على المستهلك العراقي.

يقول سجاد سلمان وهو ناشط في الدفاع عن حقوق الصناعيين انه زار بعض البلدان المجاورة ولاحظ أن منتجاتهم المحلية التي تصدّر للعراق تعرض في أسواقهم بأسعار أغلى.

ويضيف "ينطبق ذلك على اغلب الصادرات الأجنبية إلى العراق لاسيما منتجات الأقمشة الصينية التي لا تبلغ أسعار بعضها سعر كلفة تصنيعها ما أدى إلى إغلاق أكثر من (70) معملا أهليا لصناعة الملابس في البصرة وهو  ما أثر بالتالي على كثير من ورش الخياطة النسوية".

ويتساءل "كيف تصل هذه البضاعة إلى أسواق العراق بثمن لا يتجاوز دولارين أحياناً إذا حسبنا خضوعها لضريبة المنافذ الحدودية وخدمات الشحن والتفريغ وغيرها من الأجور"؟.

  ويرى ماجد رشك رئيس اتحاد الصناعيين في البصرة أن القطاع الصناعي الخاص يمر بأسوأ مراحله جراء إغراق السوق بالمنتجات الأجنبية الرخيصة وعدم تفعيل قانون حماية المنتج المحلي.

 ويقول لـ"نقاش" انه "في المقابل ليست هناك خطة إستراتيجية لتطوير الصناعات في البصرة وغياب خطة واضحة لتنظيم المدن الصناعية، إضافة إلى انعدام الضمان التقاعدي للعاملين في القطاع الصناعي الخاص وعدم التزام الشركات العالمية بتشغيل الصناعيين المحليين".

يؤكد رشك أن عدد المعامل الصناعية والورش المتوقفة في البصرة تقدر بـ (50) في المئة من إجمالي المشاريع الصناعية المتوقفة في عموم العراق، ما أدى إلى تسريح آلاف العمال وإضافتهم إلى قائمة العاطلين عن العمل.

 ويبين الدليل الاستثماري الصادر عن هيئة استثمار البصرة أن هناك (600) ألف شخص يمثلون قوة العمل المدنية (غير العسكرية) في المحافظة، ويشكلون نحو(46) بالمئة من النشيطين اقتصادياً، أي نسبة (24) في المئة من إجمالي عدد سكان محافظة البصرة، يعمل منهم في مؤسسات القطاع العام والدوائر الحكومية في المحافظة نحو (220) ألف عامل تبلغ نسبتهم نحو (37) في المئة من إجمالي قوة العمل، ويستوعب القطاع الخاص نحو (210) آلاف عامل وبنسبة (35) في المئة.

 البصرة التي تزيد نفوسها على ثلاثة ملايين نسمة يتوقع المسؤولون فيها أن تكون إحدى أهم المدن الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات العشر المقبلة في حال ارتفعت صادراتها النفطية وجرى تطوير الصناعات المرافقة لإنتاج النفط.

  لكن في ظل تدهور أسعار النفط  في الوقت الحاضر والضائقة المالية التي يمر العراق بها وفرض سياسة التقشف إضافة إلى نفقات مواجهة داعش، تجد الحكومة المحلية نفسها عاجزة عن تلبية متطلبات الصناعيين المحليين.

تقول زهرة البجاري رئيس لجنة التطوير والإعمار في مجلس محافظة البصرة  أن الحكومة المحلية غير معنية بتخصيص أموال للمشاريع الصناعية الخاصة، كما أن "وزارة المالية والتخطيط  لا تسمح لنا باستخدام واردات البصرة من مشروع البترودولار في منح القروض لدعم المشاريع".

   بينما يرى نبيل جعفر عبد الرضا أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة أن تنمية القطاع الصناعي الخاص يمثل السبيل الصحيح في مواجهة تداعيات انهيار أسعار النفط وخواء خزينة الدولة.

 ويقول لـ"نقاش" ان "على الحكومة القيام بمجموعة إجراءات للنهوض بواقع الصناعة المحلية من خلال إعفاء مستلزمات الإنتاج أو المواد الأولية التي تستخدم من قبــل القطاع الصناعي الخاص منْ الرسوم الكمركية أو تقليل نسبتها لدعم الإنتاج المحلي في منافسة السلع المستوردة وإلزام المستوردين بإدخال المواد الأولية ذات النوعية المطابقة للمواصفات القياسية وتوفير الحماية اللازمة للصناعة الوطنية الناشئة من خلال تفعيل الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية".

  إلا أن القطاع الصناعي  يعاني كذلك من عدم الاستفادة من تكنولوجيا الاتصالات.

يقول عبد الرضا إن "استخدام الحاسبات والانترنيت في الشركات العاملة متدنٍ جدا فلا يزيد عدد الشركات التي تستخدم الحاسوب على (22) في المئة في حين تملك تسع في المئة منها فقط خط انترنيت".

 ويقول ان (61) في المئة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة في  البصرة دون موافقات رسمية  ما يعيق حصولها على التمويل والتكنولوجيا ومصادر اليد العاملة المؤهلة والمدخلات الإنتاجية الأخرى كما يؤدي ذلك إلى الفساد والممارسات غير التنافسية".

  وفي كثير من الأحيان تواجه المستثمرين مشاكل أخرى تتعلق بشحة الأراضي وتدهور البنى التحتية خاصة قطاع الكهرباء والنقل، زائداً غياب الثقة بالمصارف الأهلية وزيادة سعر الفائدة على القروض، كما ينعكس الوضع الأمني سلبا على المشاريع من خلال تأثيره في مجالات النقل ومدى توافر البضائع وقدرة العمال على الوجود في بعض المناطق غير الآمنة.