غجر الديوانية : انتقلوا من الرقص إلى التسوّل

المقاله تحت باب  قضايا
في 
18/10/2015 06:00 AM
GMT



نقاش / منار الزبيدي
تحاصر الشرطة قرية الزهراء (الفوّار سابقاً) على مدار الأسبوع، تطوّقها وتضيّق على القادمين إليها بذرائع أخلاقية، فهي قرية الغجر.
الغجر أو الكاولية كما يُسمون في العراق اضطروا في السنوات التي أعقبت 2003 لممارسة التسول بعدما منعوا من مزاولة الرقص والغناء وهي حرفتهم التي عرفوا بها وتوارثوها عن أجدادهم، وقد ساءت أحوالهم واضطروا للتشتت بين المحافظات الجنوبية، فيما سقطت العديد من نسائهم ضحية لسماسرة تجارة الجنس.

 كريمة محسن أرملة غجرية (40 عاماً) تشعر بالحسرة على سنواتها الذهبيّة قبل 2003 حينما كانت تزاول الرقص والغناء اللذين أخذتهما عن أمها.

وتقول لـ"نقاش" عن حياتها السابقة "عندما كنت أرقص كنت أشعر بإنسانيتي وحريتي، وكنت ألقن بناتي فنون الرقص والغناء. الآن هذا ممنوع علينا، وقد كبرت بالسنّ وأقعدني المرض حتى عن امتهان التسول في شوارع الديوانية".

 وتضيف "نعاني أنا وأبنائي مرارة العيش والحرمان من ابسط حقوقنا فنحن لا نحصل على رعاية صحية ولا راتب رعاية اجتماعية، وقد سئمنا عيشنا القاسي وكره المجتمع لنا ".

ولم تكن حياة الغجر قبل سنة 2003 مثالية لكن السلطات سمحت لهم آنذاك بممارسة الرقص والغناء في أحيائهم المنعزلة عن مراكز المدن، فضلا عن التنقل لإحياء حفلات الأعراس والمناسبات الاجتماعية الأخرى.

قرية الزهور التي تقع على مسافة 20 كم جنوبي شرق مركز المحافظة، تضم في الوقت الحاضر ثلاثمائة دار يكاد يكون اغلبها مهجورا، بينما تعلو شوارعها الأتربة والنفايات.

عبد الله معين - غجري من سكنة الزهور يؤكد أن  قريتهم مطوقة امنيا بعناصر من الشرطة وهو يوضّح صعوبة وضعهم لـ"نقاش" أن "بعض الشرطة يتعاملون معنا بمزاجية، فهم لا يسمحون لنا أحيانا بدخول القرية، وفي أحيان أخرى يمنعون أقاربنا من زيارتنا".

ومع هذا التشدّد فأن قائد شرطة الديوانية اللواء عبد الجليل الأسدي يؤكد أن الغجر أناس مسالمون ليست لديهم دوافع إجرامية ولا حواضن إرهابية، ولم تسجل أي جريمة سرقة أو قتل بحقهم ولم يمارسوا البغاء.

ويبرر الطوق الأمني المضروب حول القرية بأنه "جاء بقرار من مجلس محافظة الديوانية السابق لدواع أخلاقية وليست أمنية فبعض مناطق الديوانية موبوءة بالجريمة أكثر من قرية الزهور".

وتنعدم الخدمات في قرية الزهور فلا ماء إسالة ولا مدارس ولا مستوصف، فيما تسمح السلطات بحوضية ماء صالح للشرب تزورهم مرة بالأسبوع.

ويعزو عبد الله معين ذلك إلى إهمال بلدية المدينة قريتهم، لذا ارتفعت تلال النفايات أعلى من سقوف بيوتهم، كما أنهم يواجهون بطالة مزمنة فلا أحد يرغب باستخدامهم في الأعمال.

ويقول لـ"نقاش" نحن "عراقيون كما تؤكد وثائقنا وهوياتنا ونمارس حق الانتخاب لكن لا يُسمح لنا أبدا بالتقديم على أي وظيفة في الدولة حتى الوظائف البسيطة كعامل خدمة أو حارس ليلي بسبب عبارة (الاستثناء) التي ختمت بها شهادة الجنسية التي يحملها الغجري".

بعد 2003 استبدلت كلمة (غجري) في شهادة الجنسية العراقية التي تحدد هويتهم كأقلية عرقية بمفردة (استثناء).

ومنذ تأسيس الدولة العراقية في عشرينات القرن الماضي منع الغجر من الالتحاق بالجيش العراقي آو الشرطة باعتبار ذلك يناقض الشرف العسكري حتى استدعاهم صدام لتأدية الخدمة العسكرية خلال حربه ضد إيران.

 وفي هذا الصدد يقول عبد الله إن بعض شبابهم تعرضوا آنذاك لعقوبة الإعدام بسبب تخلفهم عن الالتحاق بجيش صدام ولم تحصل عائلاتهم على تعويض أو اعتراف بما حصل لهم من الجهات الحكومية بعد 2003.

يعتقد الباحثون أن أصول الغجر تعود إلى شبه الجزيرة الهندية، وهم يشكلون أقلية عرقية في العراق يزيد تعدادها على (50) ألف نسمة.

يقول الباحث التاريخي والاجتماعي غالب الكعبي لـ"نقاش" إن "أول أسرة غجرية سكنت الديوانية تعود إلى بداية القرن العشرين، ثم انتشروا في مناطق الكمالية والإسحاق والبصرة".

وكانت هناك محاولات من السلطات العراقية في الخمسينات لدمجهم بالمجتمع حين أسست لأبنائهم مدرسة ابتدائية في عام 1964 بقرية الزهور وبسبب الفقر والظروف المعيشية القاسية فأنهم في أحيان كثيرة يتحولون من الرقص والغناء إلى ممارسة البغاء.

يروي الكعبي أن بعض وجهاء المدينة وشيوخها عمدوا إلى الزواج من بعض الغجريات الجميلات لمنعهن من ممارسة البغاء، ونجم عن ذلك ولادة أبناء لهؤلاء الشيوخ من أمهات غجريات أصبح بعضهم مسؤولا في الدولة ولا يرغبون بالكشف عن ماضيهم.

ومنذ 2004 تعرض الغجر للتنكيل وتدمير قراهم في بغداد والديوانية وأماكن أخرى من قبل ميليشيات دينية متشدّدة.

يبدو الألم على وجه كاظم -أبو نشوان- وهو يتطلع لدور قريتهم المخرّبة ويقول لنقاش "نحن ضحية الميليشيات التي انتهكت حقنا بالعيش الآمن ودمّرت قريتنا بعد أن قصفتها بالصواريخ ومدافع الهاون، وعندما خرجنا للانتخابات في مركز قرية (آل حمد)  تعرضت نساؤنا للضرب والاهانة من قبل عناصر الأحزاب، كما منع شبابنا من المشاركة بمسابقات كرة القدم المحلية حيث اعتقل الرياضيين الذين حاولوا دخول القرية للعب مع شبابنا".

أبو نشوان يرى أن رفض المجتمع وعدم تقبله لهم اشدّ قسوة من الطوق الأمني الذي جعلهم يعيشون في عزلة ويتساءل "هل أن لقب غجري أصبح وصمة عار في جباهنا بينما الجميع يعلم بأننا مواطنون شيعة نملك طاقات شبابية ومواهب فنية ضائعة حيث لا يسمح لنا بالغناء والرقص؟".

على أن هذه الاستغاثات تواجه بالرفض من لجنة حقوق الإنسان في مجلس محافظة الديوانية.

حسن الجبوري رئيس اللجنة يزعم أن الطوق الأمني ضرورة لابد منها للحفاظ على المجتمع من الممارسات غير الأخلاقية للغجر.

ويقول لنقاش "نحن نحترم تمتعهم بالخدمات العامة وهم يستحقون التمتع بالحقوق الإنسانية جميعها، لكننا نرفض رفع القيود الأمنية عنهم واختلاطهم بمجتمع الديوانية بسبب واقعهم الأخلاقي السيئ".

ولكسر طوق التمييز والإقصاء الذي يعانون منه التحق الكثير من شباب الغجر بأفواج الحشد الشعبي ومنهم من فقد حياته، على أن ذلك لم يخفف من عزلتهم.

ملاحظة : لفظة "استثناء" التي تختم على شهادة جنسية الغجر تم استحداثها بعد عام 2003 بعد تغيير قانون الأحوال الشخصية العاقي واعتبار العراقي من ولد لأبوين عراقيين، أما في عهد نظام صدام حسين فكان يكتب على شهادة الجنسية لفظة "غجري".