أهالي الحويجة يفرون جماعياً من مناطق سيطرة داعش |
المقاله تحت باب قضايا شالاو محمد / نقاش
تشهد مناطق جنوب كركوك تحركات غير مألوفة حيث يحاول سكان المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش المتشدد الهروب بأي ثمن حتى وإن كان منفذهم الوحيد عبر "طريق الموت" الذي يسلكه مهربو السكان هناك. فتح الله محمود شاب ثلاثيني غطى الشيب معظم رأسه غادر قضاء الحويجة ووصل قبل أيام مع أسرته وأحد عشر فرداً آخرين بطريقة التهريب إلى مدينة كركوك. يقول فتح الله إن العيش داخل المدينة أمرٌ لا يطاق مع صعوبة الحصول على الخدمات الرئيسية من ماء وكهرباء والخوف الذي يسيطر على الجميع من تعرضهم إلى عقوبات قاسية بسبب أخطاء صغيرة، إذ رأى فتح الله قبل فراره كيف عاقب التظيم (12) شخصاً داخل سوق الحويجة بـضربهم (80) جلدة، ففارق ثلاثة منهم الحياة رغم إن التهم التي عوقبوا بسببها كانت بسيطة منها تدخين السجائر والأركيلة. ويضيف "يخشى مسلحو داعش وأهالي القضاء باستمرار من قصف الطائرات الحربية التي تستهدف مقرات داعش أو مواقع اجتماع عناصره والتي تقع جميعها داخل المدينة وقرب منازل المدنيين، وكلما تعرضت إحدى المناطق للقصف ينادون من المساجد ويطالبون الناس بالتوجه للتبرع بالدم أو يأخذونهم عشوائياً دون الاهتمام بأعمارهم أو جنسهم". الطريق الذي يسلكه الأهالي للفرار هو طريق محفوف بالمخاطر ويطلق عليه السكان تسمية "طريق الموت" لكنه في النهاية يؤدي بهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات البيشمركة في محيط كركوك ومواجهة صعوبات كبيرة تبدأ من الاعتقال وتنتهي بجلسات تحقيقية عدة. الفارون من الحويجة والمناطق المحيطة بها تحدثوا لـ"نقاش" عن الشرطة الإسلامية والمحكمة الشرعية التي تُنزل أشد العقوبات عليهم لمجرد أخطاء بسيطة فضلاً عن انعدام الخدمات وخطر المعارك والقصف وهو مادفع الكثيرون من أهالي المنطقة إلى الفرار. "ديوان الإمارة" في الحويجة وأمير القضاء أصدروا تعليمات تمنع سكان المنطقة من التنقل إلى خارج مناطق سيطرته إلا في ظل شروط صعبة وقاسية. وعلمت "نقاش" من المواطنين الناجين إن هناك ثلاث وسائل لفرار أهالي تلك المناطقة والوصول إلى كركوك الأولى بموافقة داعش وذلك بأن يقدم الشخص طلباً للمغادرة شرط أن يزيد عمره عن (45 عاماً) وأن لا يكون منتسباً سابقاً في القوات الأمنية ولم يعمل في الحكومة، ويكون لديه مرض صعب أو عمل ملِّح جداً إذ يحصل على إذن للمغادرة وفي حال تجاوز مدة غيابه لشهر واحد يتم احتجاز عائلته وأقاربه، والثانية المغادرة عبر المهربين بين قضاء الحويجة ومرتفعات حمرين وقطع طريق وعر ومحفوف بالمخاطر هو"طريق الموت" الذي ينصب عليه المتشددون الكثير من الكمائن. أما الوسيلة الثالثة فهي عن طريق التهريب أيضاً لكن الطريق يختلف هذه المرة إذ يمر من ناحية الرياض (45 كم جنوب غرب كركوك) إلى قضاء داقوق التابع لمحافظة صلاح الدين، حيث يعبر الفارون من قرية الشبيجة التابعة لناحية الرياض إلى قرية المرّة التابعة لقضاء داقوق وتكمن خطورة هذه الطريق في وجوب عبور الهاربين خط التماس بين قوات البيشمركة ومسلحي داعش بشكل مباشر. فتح الله اختار الوسيلة الثانية ويقول إن "عملية الفرار من مناطق داعش إلى مرتفعات حمرين صعبة جداً حيث سرنا قرابة (13) ساعة عبر المرتفعات والوديان، وحين وصلنا إلى قرية المفارية تركَنا المهرِّب الأول الذي أخذ من كل شخص مبلغ مليون دينار وسلّمنا إلى زميله المهِّرب الثاني على الطرف الآخر والذي أخذ منّا مبلغ مليون و(500 ألف) دينار ليوصلنا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة البيشمركة". بعض الناجين من تلك العملية والذين وصلوا إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات البيشمركة قالوا بأنهم شعروا بوجود تواطؤ بين المجموعة الأولى من المهربين التي أخرجتهم من الحويجة وبين عناصر في داعش وبين المجموعة الثانية من المهربين وبين قوات البيشمركة إذ رأوا في العديد من المواقف إن الطرفين يتجاهلون المهربين وعملائهم. ومع إن مسؤولي البيشمركة يرفضون بشدة تواطؤ أي عنصر مسؤول في عمليات التهريب لكنهم يؤكدون إنهم يقدمون بعض التسهيلات "لأسباب إنسانية" للكثيرين من الفارين خصوصاً الذين يفرون مع عائلاتهم. ويقول وستا رسول قائد المحور الرابع لقوات البيشمركة في كركوك لـ"نقاش" إن مجيء الناس عبر طرق التهريب أمر سيء ولكننا رأينا وصول العديد من النساء والأطفال والشيوخ والدماء تسيل من أقدامهم لذلك اضطررنا إلى تقديم العون لهم بعد إجراء الشرطة تحقيقاتها معهم وعدم ثبوت أية تهمة عليهم. ويضيف "لقي العشرات من سكان الحويجة ومحيطها حتفهم بسبب الألغام والعبوات المزروعة فيما تم اعتقال العشرات منهم من قبل تنظيم داعش الذي أقدم على إعدامهم لاحقاً". فتح الله وأسرته نجوا مع عشرات الأشخاص عبر طرق التهريب ووصولوا إلى كركوك وهم ينتظرون بعد انتهاء التحقيقات أن يتم اسكانهم في مخيمات النازحين في حين لم يعد واضحاً ما سيؤول إليه المستقبل إذ يخشى فتح الله من أن تكون الحياة التي هرب من أجلها أصعب بكثير من الحياة التي فرّ منها. |