البالات وأسواق العتيق الملاذ الأخير للعائلات النازحة في الكوت |
المقاله تحت باب قضايا محمد الزيدي /نقاش وتبُدي المرأة الخمسينية النازحة من محافظة نينوى امتعاضها من أصحاب المحال التجارية التي تقول عنهم "بأنهم يسعون إلى جني الأرباح الوفيرة على حساب العائلات المتعففة والمتوسطة الحال فهم يتلاعبون بالأسعار في موسم العيد". أسواق المدينة سجلت ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار ملابس الأطفال وأسواق البالة وهي السبيل الأفضل لتلبية حاجات الأطفال النازحين وجعلهم يشعرون بأجواء العيد. وتقول سيدة أخرى كانت تقف إلى جانب أم توفيق وتقلِّب الملابس القديمة أمامها بحثاً عن قياسات ملائمة إن لديها أربعة أطفال حُرموا من حق التعليم بسبب النزوح وهي تحاول جاهدةً إسعادهم بملابس للعيد وتضيف إن "قدرتي المادية لا تسمح لي بارتياد الأسواق التجارية، فمتطلبات الحياة المعيشية كثيرة ومدخولاتنا تكاد تكون معدومة". وتستدرك المرأة حديثها بعدما تجلس على الأرض قائلة "عملتُ معلمة لأكثر من عشرين عاماً لكن ضياع أوراقي الثبوتية التي تثبت وظيفتي حال دون التحاقي بالدائرة المماثلة في الكوت ما أضاع فرصة الحصول على راتبي". تجّار البالة من الألبسة والأثاث القديم ازدهرت تجارتهم هذه الأيام في واسط بفعل تزاحم العائلات النازحة على اقتنائها لعدم قدرتهم على شراء الملابس الجديدة. ويقول علي الأسدي بائع الملابس القديمة لـ"نقاش" إن "نسب البيع ارتفعت هذه الأيام بشكل طردي ومعظم زبائننا هم من العائلات النازحة التي لا تملك أموالاً كافية لتلبية متطلباتها من الأسواق المحلية ". وعن طبيعة أسعار الملابس القديمة يقول الأسدي "الأسعار تختلف من قطعة لأخرى وبعض قطع ملابس الأطفال يصل سعرها إلى 250 دينار فقط ، وتتصاعد الأسعار حسب المنشأ والنوعية". وتعتمد شركات كبيرة في جمع بضاعتها من الملابس القديمة على الفائض من الألبسة واللوازم عن حاجة المستهلكين من ذوي القدرة الشرائية العالية في البلدان الصناعية المتقدمة، ويتم استيراد تلك الملابس بعد جمعها وتغليفها وإدخالها إلى البلاد عبر المنافذ الحدودية الشمالية أو الإمارات لتباع في بغداد والمحافظات. ويتذكر العراقيون جيداً أنهم اعتمدوا على هذا النوع من الملابس طوال سنوات الحصار الاقتصادي بعد عام 1990 حتى دخول القوات الأميركية إلى العراق وقرار الولايات المتحدة رفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد. ويُعتقد إن تسمية (بالة) مأخوذة عن الكلمة الإنجليزية ( BALE) والتي تعني رزمة بضاعة، وربما يقترن اسمها بالكلمة العربية (الباليّة) أي الملابس الرثة. "منذ التذبذب الحاصل في سعر العملة العراقية ونحن نشاهد إقبالاً واسعاً على شراء الملابس القديمة" يقول أحد البائعين لـ"نقاش". ويضيف" نضطر في بعض الأحيان لعرض بضاعتنا في المناطق التي يتمركز فيها النازحون، لكي نخفف عنهم ونجنبهم المجيء إلى الأسواق المخصصة لشرائها". ويقر بائع البالات بأن "أوضاع العائلات النازحة صعبة للغاية وهي لا تملك أموالاً لتغطية نفقات معيشتهم ويعيشون على ما يجود به الآخرون". وبحسب الإحصائيات الرسمية فإن مجموع العائلات التي نزحت إلى محافظة واسط من المناطق الساخنة وصل إلى (870) عائلة معظمها من قضاء تلعفر بينهم عدد كبير من الأطفال وكبار السن والمقعدين، وتتخذ هذه العائلات من المواكب الحسينية الممتدة على طريق قضاء النعمانية الذي يبعد ثلاثون كيلو متر عن مركز المدينة مساكن لها وتعتمد في تأمين متطلباتها الحياتية على الأهالي الذين يواصلون التبرع لها. وتحاول بعض المنظمات توفير المساعدة في توزيع الملابس للعائلات النازحة قبيل العيد وفي فصلي الشتاء والصيف. وتقول نجاة الوائلي مسؤولة منظمة آفاق المرأة في الكوت "نحن نقدم المساعدة لعدد كبير من العائلات النازحة خصوصاً تلك التي لا تملك مصدراً مالياً". وتضيف الوائلي "برامج منظمتنا تستهدف النساء النازحات بهدف توفير ما يمكن توفيره لهذه النسوة من ملابس مختلفة وطعام". وعن سُبل حصول المنظمة على الملابس القديمة ومصادر تمويلها تقول "بين الحين والآخر نعلن عن انطلاق حملات لجمع التبرعات العينية والمالية، ومعظم العائلات الميسورة تتبرع بقطع من الملابس المستخدمة للعائلات النازحة". وتضيف في"بعض الأحيان نجمع مبالغ مالية معينة ونشتري أكواماً من الملابس القديمة ونوزعها على عليهم". لكن أم توفيق وباقي النازحات لا يحصلن على كل ما تحتاجه عائلاتهن من الملابس من المنظمات أو التبرعات ولذلك يحاولنَّ جاهدات سد النقص عن طريق أسواق البالة فمن الصعب عليهن أن يمر العيد على الأطفال دون أن يرتدوا ملابس جديدة حتى وإن ارتداها أحد قبلهم. |