العراقيون يتساءلون: ما فائدة الاتفاقية مع الولايات المتحدة؟

المقاله تحت باب  قضايا
في 
13/02/2015 06:00 AM
GMT



نقاش | مصطفى حبيب | بغداد 
يطرح العراقيون من مسؤولين في الحكومة ونواب في البرلمان وحتى السكان سؤالاً دائماً حول فائدة الإتفاقية الإستراتيجية الموقّعة بين العراق والولايات المتحدة عام 2008، خصوصاً وأنهم ينتقدون أميركا لتباطؤها في تقديم المساعدة للعراق في مواجهة تنظيم "داعش".
 
مع اشتداد المعارك بين قوات الجيش وحلفائه من الميليشيات الشيعية وعدد من العشائر السنية ضد تنظيم "داعش" على أكثر من جبهة في شمال وغرب البلاد منذ أكثر من عام، يخشى العراقيون من استمرار هذه الحرب إلى وقت طويل، خصوصاً وإن المعارك لا تحقق انتصاراً كبيرا على التنظيم المتشدد.
 
وعلى الرغم من مشاركة الولايات المتحدة الحكومة العراقية في مواجهة الإرهابيين في آب (أغسطس) من العام الماضي بواسطة المئآت من الغارات الجوية والعشرات من المستشارين العسكريين الأميركيين على الأرض، ولكن نتائج المعارك لا تتضمن أيُّ انتصار واضح على "داعش".
 
وما زال التنظيم يسيطر على 70 في المائة من مساحة محافظة الأنبار، ويسيطر تماماً على مدينة الموصل، كما يسيطر على مدينتي "بيجي" و"تكريت" في صلاح الدين وعلى مدن في ديالى وكركوك.
 
الاتفاقية الإستراتيجية التي وقعتها الحكومة العراقية مع الولايات المتحدة في تشرين الثاني(أكتوبر) عام 2008 تتضمن قيام أميركا بمساعدة العراق ضد أي مخاطر أمنية، والتعاون بين البلدين في مجالات الأمن والسياسة والدبلوماسية والثقافة والاقتصاد والصحة والبيئة والتكنولوجيا والمعلومات والاتصالات والقضاء، وتم تشكيل لجان لتطبيقها.
 
في جانب التعاون الأمني والدفاعي تنص الاتفاقية في القسم الثالث منها على عبارة واضحة هي "من اجل تعزيز الأمن والاستقرار في العراق، والمساهمة في حفظ السلم والاستقرار الدوليين، وتعزيزاً لقدرة جمهورية العراق على ردع كافة التهديدات الموجهة ضد سيادتها وأمنها وسلامة أراضيها، يواصل الطرفان العمل على تنمية علاقات التعاون الوثيق بينهما فيما يتعلق بالترتيبات الدفاعية والأمنية دون الإجحاف بسيادة العراق على أراضيه ومياهه وأجوائه".
 
ورغم مرور أكثر من أربعة أشهر على مشاركة الولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم "داعش" في العراق فإن التنظيم ما زال قوياً، ولم يخسر الكثير من الأراضي التي سيطر عليها، وهو ما يثير غضب العراقيين، وهم يتساءلون اليوم: كيف إن دولة عظمى مثل أميركا لا تستطيع ضرب المتشددين بشكل فعّال؟.
 
الأسبوع الماضي طالب نواب في البرلمان بإلغاء الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة، بينهم النائب عن كتلة "دولة القانون" عالية نصيف حيث قالت في بيان رسمي صدر عن مكتبها إن "العراق لم ينتفع بشيء من الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية، بل كانت حملاً ثقيلاً على البلاد لأن أميركا لم تنفّذ أهم التزاماتها بموجب الاتفاقية وهو الحفاظ على النظام الديمقراطي في العراق فيما أوشك داعش على تهديد الدولة العراقية".
 
نصيف قالت أيضاً إن "الحلف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن بالمستوى المطلوب الذي ينسجم مع حجمها وقوتها كدولة كبيرة قادرة على أن تقصم ظهر داعش فيما لو أرادت ذلك خلال أسابيع قليلة".
 
ممثل التركمان في البرلمان نيازي اوغلو دعا أيضا إلى إلغاء الاتفاقية مع الولايات المتحدة، وقال لـ "نقاش" إن "هذه الاتفاقية منعت العراق من تسليح نفسه من مختلف الدول لأن أميركا وعدت بتسليح العراق ما يكفيه من الأسلحة، ولكنها أخلفت وعدها لنا في وقت نحن بأمس الحاجة فيه للسلاح".
 
هذه الانتقادات شجعت كتلة "الأحرار" في البرلمان التابعة إلى التيار الصدر بزعامة مقتدى الصدر المعروف بمعارضته للولايات المتحدة، على جمع تواقيع للنواب من أجل تقديم طلب إلى رئاسة البرلمان لإلغاء الاتفاقية.
 
ويسمح الدستور العراقي بطرح موضوع عام للمناقشة في البرلمان في حال اتفاق 25 نائباًعلى ذلك ومطالبة رئيس الحكومة للحضور إلى البرلمان لمناقشتها، ويستطيع النواب إلغاء الاتفاقيات بالتصويت بنسبة 218 نائب من أصل 328 نائباً هم عدد نواب البرلمان.
 
ولكن معظم السياسيين والمسؤولين العراقيين لا يعلمون بأن الاتفاقية التي وقعها العراق مع الولايات المتحدة هي في الحقيقة ليست ملزمة، كما يقول الخبير في القانون الدولي احمد الربيعي.
 
الربيعي قال لـ "نقاش" إن "هذه الاتفاقية لا تتضمن أي بنود ملزمة لإطرافها، كما لا تتضمن حجم وكيفية دعم أميركا للعراق في الشؤون الأمنية، والاتفاقية تتضمن كلمات دعم وإسناد للعراق دون توضيح حجم الإسناد".
 
وطبقا لكلام الربيعي، فإن أي طرف في الاتفاقية باستطاعته عدم الالتزام بأي فقرة فيها من دون إن تكون عليها أي آثار قانونية لأنها لا تتضمن أي فقرة عقابية لأي طرف لا يلتزم بها، وهو ما يجعل تنفيذها ليس إجبارياً وإنما اختيارياً سواء لأميركا أو العراق.
 
ديفيد ساترفيلد المدير الإداري السابق لوزارة الخارجية الأميركية في العراق أبلغ لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في إحدى جلسات اللجنة عام 2008 إن الاتفاق مع العراق ليس ملزماً ولن يجبر أميركا على تنفيذ الاتفاقية لأن أي من الطرفين يستطيع إلغائها في أي وقت.
 
القضية الأخرى التي زادت من انتقاد العراقيين للولايات المتحدة في الفترة الأخيرة، إعلان عدد من الميليشيات الشيعية التي تقاتل إلى جانب الجيش العراقي في محاربة إن طائرات أميركية منحت التنظيم المتشدد مساعدات عسكرية عبر رمي أسلحة بالمناطيد.
 
لواء "علي الأكبر" وهو أحد هذه الميليشيات التي تقاتل في محافظة صلاح الدين أعلن بشكل رسمي إن طائرة هيليكوبتر أميركية تحمل عتاد عسكري ألقت به عبر مناطيد الى أماكن تواجد تنظيم "داعش" في منطقة "يثرب" في صلاح الدين.
 
كما إن مسؤولين في ميليشيات "عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي و"سرايا السلام" بزعامة مقتدى الصدر أكدوا إن جنودهم شاهدوا طائرات تلقي السلاح لعناصر التنظيم وهو ما زاد من الضغوط الأميركية في العراق.
 
وعلى الرغم من إن السفارة الأميركية في بغداد نفت بشكل قاطع قيام حكومتها بمساعدة المتشددين بالأسلحة، إلا إن انتقادات العراقيين لواشنطن تزداد يومياً وهم يتساءلون: كيف لا تستطيع الولايات المتحدة التي تمتلك ترسانة عسكرية متطورة جداً من تدمير التنظيم الذي يسيطر على ثلث مساحة العراق ويتجول بحرية فيها؟ لكن البعض يرى إن هذه الانتقادات مقصودة من الأطراف والميليشيات للتقليل من الدور الإميركي في العراق في مقابل الدور الإيراني المتنامي.
ويشهد العراق يومياً معارك على جبهات مختلفة بين طرفي النزاع وهذه الجبهات متواصلة منذ شهور دون أن يقوم أي طرف بحسم نهائي فيها، وهو ما يستنزف قدرات الطرفين القتالية.
 
ويقول ضابط كبير في وزارة الدفاع طلب عدم الإشارة إلى اسمه لـ "نقاش" إن "عدد الجبهات مع تنظيم داعش تبلغ نحو 30 جبهة في محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى والموصل وأربيل تشهد قتالاً عنيفاً بشكل يومي".
 
ويضيف غالبية الجبهات تحدث في قرى وبلدات مأهولة بالسكان، ويرفض سكانها المغادرة لخوفهم من التشرُّد إذا أصبحوا لاجئين خارج مدنهم، كما إن تنظيم "داعش" يجبر بعض سكان المناطق على عدم مغادرتها لاستخدامهم دروع بشرية.
 
وبشأن المعاملة السيئة التي يتعرض لها السكان عند تحرير مدنهم يقول الضابط إن الجيش لا يقوم بذلك وإنما بعض أفراد الميليشيات التي ترافق الجيش في جبهات القتال ويضيف "نحن  نقوم بإجراءات للكشف عن عناصر داعش العراقيين المتخفين بين السكان".
 
في مدينة "بهرز" التابعة لمحافظة ديالى شمال شرق بغداد، يقول ماجد العبيدي أحد سكان المدينة إن "قرى مدينتهم تحولت إلى ساحة قتال بين الميليشيات الشيعية وتنظيم داعش، وهناك معارك كر وفر بين الطرفين".
 
العبيدي الذي اختطفت الميليشيات الشيعية أحد أشقائه بتهمة انتمائه إلى التنظيم المتشدد لأنه رفض قيامها بتفتيش منزله قبل أن تخرج زوجته وبناته من المنزل أثناء التفتيش، يقول إن "الميليشيات الشيعية وداعش يعاملون السكان بشكل سيئ، وكل طرف يعتبرهم جواسيس للطرف الآخر".
 
ومن المشكلات الأخرى التي تعاني منها هذه المدن هو الخراب الذي تتعرض له المنازل ومحطات الماء والكهرباء والخدمات، أما المشكلة الأكبر فهي غالباً ما تكون مُحاصرة بين الطرفين ولا يستطيع سكانها المغادرة إلى المدن المجاورة لجلب الطعام والوقود.
 
وعلى سبيل المثال فإن منطقة "الخالدية" شرق مدينة الرمادي في الأنبار تعاني من حصار منذ إسبوعين، ويقول نعيم الدليمي أحد شيوخ عشائر المنطقة لـ "نقاش" إن "الأغذية نفذت من المنطقة ونريد الخروج منها لجلب الطعام ولكن الجيش يفرض حصاراً حولها".
 
الدليمي يقول أيضاً إن "تنظيم داعش يفرض حصاراً من الجانب الآخر من المدينة ويمنع خروج أي شخص منها وهو يسعى لاستخدام السكان دروع بشرية، كما إننا نعاني من قلة الأدوية والمستلزمات الطبية".
 
الرعب والخوف والموت في أي لحظة هو ما يشعر به سكان المناطق التي تشهد معارك في العراق، كما أنهم ضحية للصراع العسكري منذ شهور في مناطقهم، بعضهم جرّب أن يكون لاجئاً خارج مدينته لكنه فضل العودة الى منزله بسبب الاوضاع السيئة التي يعاني النازحين.