المقاله تحت باب قضايا في
28/09/2013 06:00 AM GMT
بقلم ديكستر فيلكنز يقول أحد الموظفين السابقين في وكالة المخابرات المركزية عن سليماني رئيس جيش القدس في إيران بأنه "العنصر الأكثر فاعلية في الشرق الأوسط اليوم" . إجتمع في شباط الماضي عدد من كبار القادة المتنفذين في إيران في جامع أمير المؤمنين في شمال طهران داخل صالة مغلقة محجوزة خصيصا للحرس الثوري. وقد حضروا لحضور مجلس عزاء أحد رفاقهم القتلى . وكان حسن شاطري من قدامى المحاربين في الحروب السرية التي تدخلها إيران في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وقائدا برتبة عالية في مجموعة النخبة القوية في الحرس الثوري المسمى جيش القدس . وهذه القوات هي الأداة الفعالة في السياسة الخارجية الأيرانية وتماثل تقريبا نشاط وكالة المخابرات المركزية والقوات الخاصة مجتمعين. وتأتي تسمية هذه القوات من التسمية الفارسية لمدينة أورشليم والتي وعد مقاتلوها بتحريرها. وكان هدفها منذ عام 1979 تدمير أعداء إيران وتوسيع نفوذ البلد على الشرق الأوسط. وقد أمضى شاطري الكثير من وظيفته خارج البلد في أفغانستان أولا ثم في العراق حيث ساعد جيش القدس مع المليشيات الشيعية في قتل الجنود الأمريكان. وكان شاطري قد قتل قبل يومين على الطريق الواصل بين دمشق وبيروت. بعد أن كان قد ذهب إلى سوريا مع الألوف من أعضاء جيش القدس لإنقاذ رئيس سوريا المحاصر بشار الأسد الحليف الأساسي لإيران. وخلال السنوات القليلة الماضية عمل شاطري تحت إسم مستعار رئيسا لجيش القدس في لبنان للمحافظة على إستمرار مجموعة حزب الله المسلحة الذي كان قد بدأ بدفع رجاله بغزارة إلى سوريا للمحاربة إلى جانب النظام. ولم تتضح ظروف مقتله ويقول مصدر رسمي إيراني بأن شاطري قد "تم إستهدافه" من قبل "النظام الصهيوني" كما يشير الإيرانيون عادة إلى إسرائيل. وقد أجهش المعزون في مجلس العزاء بالبكاء ولطم البعض صدورهم على طريقة الشيعة وتم لف قبعة شاطري بالعلم الأيراني ووقف حولها كل من قائد جيش القدس في بدلة قتالية خضراء وأحد أعضاء المجموعة التي قامت بإغتيال أربع معارضين لاجئين في برلين في مطعم في برلين عام 1992 ووالد عماد مغنية قائد حزب الله الذي يعتقد بأنه كان مسؤولا عن التفجير الذي ذهب ضحيته أكثر من مئتين وخمسين أمريكيا عام 1983 في بيروت. وقد تم إغتيال مغنية عام 2008 على يد عملاء إسرائيليين كما يعتقد. ومن شعارات الثورة الأيرانية فإن الموت يعني الخدمة وأمام الجنازة وقف آية الله خامنئي القائد الأعلى للدولة ممجدا في كلمته قائلا "وفي النهاية فقد شرب عصير الشهادة اللذيذ". كان اللواء قاسم سليماني قائد جيش القدس راكعا في الصف الثاني على أرضية الجامع المغطاة بالسجاد. رجل صغير في السادس والخمسين من العمر أبيض الشعر وبلحية قصيرة مشذبة وبمظهر السيطرة الشديدة على النفس. كان سليماني هو الذي أرسل شاطري صديقه الموثوق القديم إلى موته. وبإعتبارهما من قادة الحرس الثوري كان هو و شاطري ينتميان إلى أخوية (منظمة) صغيرة تأسست خلال "الدفاع المقدس" وهو الأسم الذي يطلق على الحرب العراقية الإيرانية التي إستمرت للفترة من 1980 – 1988 وتركت أكثر من مليون قتيل. ومع إنها كانت مأساوية لكنها كانت البداية لأيران لمشروع ثلاثيني لبناء منطقة نفوذ شيعية تمتد عبر العراق وسوريا إلى البحر الأبيض المتوسط. وتشكل إيران مع حلفائها في سوريا ولبنان محورا للمقاومة ضد القوى السنية المسيطرة في المنطقة وضد الغرب. وفي سوريا كان المشروع معلقا في كفة الميزان وبدأ سليماني في تصعيد القتال المستميت حتى لو كان ثمن الأنتصار صراعا طائفيا يغمر المنطقة كلها لسنوات. إستلم سليماني قيادة جيش القدس قبل خمس عشرة سنة وحاول خلال هذه الفترة إعادة ترتيب الشرق الأوسط لصالح إيران يعمل كوسيط لتغيير القوى و كقوة عسكرية ولإغتيال الخصوم وتسليح الحلفاء كما عمل لأكثر من عشر سنوات في توجيه وتحريك شبكة من المجموعات المسلحة التي قتلت مئات الأمريكان في العراق. وقد فرضت وزارة الخزانة الأمريكية القيود على سليماني لدوره في دعم نظام الأسد ودعم الإرهاب. ومع ذلك لا يزال خفيا في أغلب الأحيان عن العالم الخارجي حتى خلال توجيهه للعملاء وإدارة العمليات.وقد أخبرني جون مغواير وهو موظف سابق في وكالة المخابرات المركزية في العراق بأن "سليماني هو العنصر المنفرد الأكثر فاعلية في الشرق الأوسط اليوم" ويضيف "ومع ذلك لم يسمع به أحد". وعندما يظهر سليماني على الملأ وغالبا عند حديثه في مناسبات المحاربين القدامى أو عند لقائه بخامنئي فإنه لا يبرز نفسه ونادرا ما يسمع صوته ويتحدث بنبرة واطئة لا تعكس شخصيته الحقيقية. وقد أخبرني أحد كبار الموظفين العراقيين السابقين قائلا "إنه قصير جدا ولكن له حضوره" مضيفا "عندما يكون هناك عشرة أشخاص في الغرفة ويدخل سليماني فإنه لا يأتي ليجلس قربك بل يجلس في الطرف البعيد من الغرفة لوحده وبشكل هادئ ولا يتكلم ولا يعلق .. يجلس ويسمع فقط. وبه>ه الطريقة فإن الكل سيفكر فيه". وكان سليماني يرتدي سترة سوداء وقميصا أسود في مجلس العزاء وبدون ربطة عنق حسب الطراز الإيراني بوجهه الطويل و حواجبه المقوسة والألم على وجهه فق فقد جيش القدس أحد ضباطها الكبار لأول مرة خارج البلد. وقد زار سليماني قبل يوم من مجلس العزاء منزل شاطري لتقديم التعازي لعائلته فهو يرتبط بشدة بالشهداء من الجنود وغالبا ما يزور عوائلهم وكما جاء مؤخرا في لقاء مع الإعلام الأيراني حيث قال "عندما أرى أطفال الشهداء .. أحب أن أشم رائحتهم وأفقد نفسي"ز ومع إستمرار مجلس العزاء وعندما إنحنى المعزون للصلاة ضاغطين جباههم على السجاد قال الإمام علي رضا باناهيان مخاطبا المعزين "لقد مات أحد أندر الناس ، هو الذي جلب لكم الثورة والعالم كله" وحينذاك وضع سليماني وجهه بين كفيه وإنخرط في البكاء. وكانت الأيام المبكرة من عام 2013 وحوالي الوقت الذي قتل فيه شاطري قد أشرت حجما منخفضا من التدخل الإيراني في سوريا وكان الأسد يخسر الأرض أمام الثوار الذين يسيطر عليهم السنة خصوم إيران. وإذا سقط الأسد فإن النظام الإيراني سيفقد صلته بحزب اللهقاعدته المتقدمة ضد إسرائيل حيث قال أحد رجال الدين الإيرانيين "إذا فقدنا سوريا .. لن نستطيع المحافظة على طهران". ورغم التأثير الشديد على الإيرانيين نتيجة القيود الأمريكية المفروضة لوقف النظام من تطوير الأسلحة النووية إلا إنهم لم يترددوا في جهودهم لإنقاذ الأسد. وقد قدموا 7 مليار دولار إضافة إلى الأشياء الأخرى لإيقاف الإقتصاد السوري على قدميه. وقد أخبرني أحد ضباط الأمن في الشرق الأوسط قائلا "لا أعتقد إن الأيرانيين يحسبون هذه المساعدة بالدولار لأنهم يعتبرون فقدان الأسد تهديدا لوجودهم". وبالنسبة لسليماني فإن إنقاذ الأسد أصبح موضوع تفاخرنا خاصة إذا كان في ذلك تمييزنا عن الأمريكان. وقال لي أحد القادة العراقيين السابقين "نحن لسنا مثل الأمريكان .. نحن لا نترك أصدقائنا". وقد طلب سليماني من القادة الأكراد في العراق السماح له بفتح طريق إمداد عبر شمال العراق إلى سوريا. ومع إنه كان ولسنوات طويلة يضغط على الأكراد ويقدم لهم الرشاوي للتعاون معه في خططه إلا إنهم ردوه هذه المرة . وكان الأسوأ من ذلك إن جنود الأسد لا يقاتلون وعندما يقاتلون كان أغلب ما يفعلوه هو ذبح المدنيين ودفع السكان إلى جانب الثوار. وقد أخبر سليماني أحد السياسيين العراقيين بأن "لا فائدة من الجيش السوري" وكان يتوق إلى إستخدام (الباسيج) وهي المليشيا الإيرانية التي سحق مقاتلوها الأنتفاضة الشعبية ضد النظام عام 2009. ويقول "أعطني لواءا من الباسيج .. أستطيع أن أخضع كل البلد". وفي آب 2012 أسر الثوار ضد الأسد 48 إيرانيا داخل سوريا. وأحتج القادة الإيرانيون بحجة أن هؤلاء كانوا من الحجاج قدموا للصلاة في أحد المعابد الشيعية المقدسة ولكن الثوار وكذلك المخابرات الغربية قالت بأنهم أعضاء في جيش القدس . وعلى أية حال فقد كانوا ذوي قيمة عالية بشكل كافي ليوافق الأسد على إطلاق سراح أكثر من ألفي ثائر معتقل لديه. ثم قتل شاطري. وأخيرا بدأ سليماني يطير إلى دمشق بكثرة بحيث إستلم شخصيا قيادة التدخل الإيراني. وأخبرني أحد مسؤولي الدفاع الأمريكان "بأنه يقود الحرب هناك بنفسه". ويقال إنه يمارس عمله في دمشق من خلال موقع قيادة محصن جدا في بناية غير ملفتة للنظر حيث جمع ضباطا من مختلف الجنسيات منهم قادة الجيش السوري وقائد من حزب الله ومنسق من المليشيات الشيعية العراقية الذين عبأهم سليماني وأدخلهم المعارك. وبسبب عدم تمكن سليماني من إستخدام الباسيج فقد إستقر على الخيار التالي وهو إستخدام العميد حسين حميداني نائب القائد العام السابق للباسيج وأحد رفاق سليماني من الحرب العراقية الأيرانية صاحب الخبرة في عمليات المليشيات غير النظامية التي بدأ الإيرانيون بتجميعها للأستمرار بالقتال في حال سقوط الأسد. وقبيل نهاية السنة الماضية بدأ الغرب في ملاحظة الزيادة الحادة في عدد رحلات طائرات الإمداد الإيرانية إلى مطار دمشق. وبدلا من بعض الطائرات خلال الأسبوع بدأت الطائرات تتردد يوميا حاملة الأسلحة والذخيرة وكما قال أحد ضباط الأمن في الشرق الأوسط "الأطنان منها" مع ضباط من جيش القدس. وحسب المسؤولين الأمريكان فإن هؤلاء الضباط ينسقون أعمال الهجوم ويدربون المليشيات ونصبوا نظاما واسعا لمراقبة إتصالات الثوار. كما أجبروا الصنوف المختلفة من أجهزة الأمن السورية - التي أعدت للتجسس على بعضها البعض – للعمل سوية. وأضاف ضابط الأمن الشرق أوسطي بأن عدد عناصر جيش القدس مع رجال المليشيات الشيعية العراقية القادمين معهم بلغت أعدادهم الألوف وإنهم موزعون على عموم البلد. وجاءت نقطة التحول في نيسان بعد إمساك الثوار لمدينة القصير السورية قرب الحدود اللبنانية. ولغرض إستعادتها فقد طلب سليماني من حسن نصر الله قائد حزب الله إرسال أكثر من ألفي مقاتل. ولم تكن العملية صعبة فإن مدينة القصير تقع في مدخل وادي البقاع وهو الشريان الرئيسي لإمداد الصواريخ والمواد الأخرى لحزب الله وعند إغلاقه سيكون من الصعب على حزب الله الإستمرار والنجاة. كان سليماني ونصر الله أصدقاء قدامى وتعاونا خلال السنوات الماضية في لبنان وفي العديد من الأماكن حول العالم حيث قامت عناصر من حزب الله بأداء مهام إرهابية مختلفة بناء على توجيهات إيرانية. ويقول بيل فلتون الخبير في الشؤون الإيرانية في معهد إنتربرايس الأمريكي بأن مقاتلين من حزب الله حاصروا القصير قاطعين عنها طرق الإمداد ثم دخلوها وقتل العشرات منهم كما قتل ما لا يقل عن ثمانية ضباط إيرانيون. وفي الخامس من حزيران سقطت المدينةز ويقول مغواير الذي لا يزال عاملا في المنطقة "كانت كل العملية من وضع سليماني وكانت نصرا كبيرا له". وعلى الرغم من كل تصرفات سليماني فلا تزال صورته بين المؤمنين بإيران هي صورة بطل حرب لا يمكن النيل منه – محارب قديم تم تكريمه في الحرب العراقية الأيرانية التي أصبح فيها قائد فرقة عسكرية بينما عمره في العشرينات. أما أمام الجمهور وفي العلن فهو متواضع بشكل مسرحي. وقد وصف نفسه خلال ظهوره مؤخرا بأنه "أصغر جندي" وحسب رواية الصحافة الأيرانية فقد صد< محاولات بعض الحضور لتقبيل يده. وتأتي أغلب قوته من علاقته القريبة من خامنئي الذي يعطي الرؤية للمجتمع الإيراني. وقد وصف القائد الأعلى ، الذي يحتفظ بأعلى أنواع التمجيد للشهداء ، سليماني بأنه "الشهيد الحي للثورة". ويعتبر سليماني من المؤيدين المتشددين للنظام الإيراني الشمولي. و خلال ذروة تصاعد إحتجاجات الطلاب قام سليماني بالتوقيع مع آخرين من قادة الحرس الثوري على رسالة يحذر فيها الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي إن لم يضع حدا للإنتفاضة فإن العسكر قد يخلع خاتمي في النهاية. وكما كتب القادة العسكريون "إن صبرنا قد إنتهى" وقد قضى الشرطة على المتظاهرين وسحقوهم كما فعلوا مرة ثانية بعد عشرة سنوات. ومع إن حكومة إيران تعتبر مشاكسة ومعقدة وهناك العديد من الشخصيات حول خامنئي من الذين يساهمون في تشكيل السياسة الخارجية وتوجيهها وبضمنهم قادة الحرس الثوري وكبار رجال الدين وموظفي وزارة الخارجية إلا أن سليماني يحتفظ باليد العليا في تطبيق رؤية خامنئي. ويقول مائير داغان الرئيس السابق للموساد "إن لديه علاقات مع كل أركان النظام وهو ما أسميه ذكي سياسيا فإن لديه علاقات مع الجميع". بينما يصفه الموظفون الرسميون بأنه مؤمن بالإسلام والثورة ومع تنامي ثروات الشخصيات الرئيسية في الحرس الثوري نتيجة سيطرة الحرس على كل مفاتيح الصناعة الإيرانية فقد تم منح سليماني ثروة خاصة من قبل القائد الأعلى وكما يقول مغواير "تمت العناية به بشكل جيد". ويعيش سليماني في طهران ويبدو إنه يعيش حياة بيروقراطي في منتصف العمر ويقول السياسي العراقي الذي عرفه لسنوات طويلة بينما كان يهز رأسه مشككا "إنه يصحو كل يوم في الرابعة صباحا وينام في التاسعة والنصف مساء كل يوم". ويعاني سليماني من مرض البروستات وآلام ظهر مزمنة وهو "يحترم زوجته" كما قال الموظف الأمني الشرق أوسطي ويأخذها معه أحيانا في رحلاته. ولديه ثلاثة أولاد وإبنتين وكما يبدو فهو والد حازم ومحب لأولاده في نفس الوقت. ويبدو كذلك قلقا بشكل خاص بشأن إبنته نرجس التي تعيش في ماليزيا والتي "تبتعد عن التقاليد الإسلامية" كما يقول الموظف الأمني. وقد أخبرني مغواير "بأن سليماني أكثر بريقا من أكثر الآخرين. فهو يتحرك في الدوائر السياسية لكن لديه القدرة على أن يبدو مخيفا". ومع إنه يقرأ كثيرا إلا إن ذوقع الفني يبدو تقليديا تماما. ويضيف الموظف الأمني الشرق أوسطي "لا أعتقد إنه قد يسمع الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية لأن ذلك لا ينسجم مع ذوقه العام أساسا". ولم يحصل سليماني إلا على القليل من التعليم الرسمي ولكن الموظف العراقي الكبير السابق أخبرني بأنه "دقيق جدا وستراتيجي ذكي ومخيف". وأدواته تتمثل في الدفع للسياسيين في الشرق الأوسط وإرهابهم إذا تطلبت الحاجة والقتل كحل أخير. وعبر السنوات أنشأ جيش القدس شبكة دولية من الركائز جاء بعضها من الإيرانيين المنتشرين في الخارج الذين يمكن إستدعائهم لدعم المهمات . ويقول موظف أمني آخر في الشرق الأوسط بأنهم "في كل مكان". وحسب المصادر الغربية الرسمية فإن جيش القدس وحزب الله شنوا عام 2010 حملة ضد أهداف أمريكية وإسرائيلية في عمليات رد على ما يبدو على الجهد الخفي لإبطاء البرنامج النووي الإيراني الذي تضمن هجمات على الأنترنت وإغتيال علماء نوويين إيرانيين. ومنذ ذلك الوقت قام سليماني بالتخطيط لهجمات منتشرة وبعيدة إمتدت من تايلاند و نيودلهي و لاغوس ونايروبي في ما لا يقل عن ثلاثين محاولة في السنتين الماضيتين فقط كان أقذرها عام 2011 هي إستئجار عصابة مخدرات مكسيكية لتفجير السفير السعودي في الولايات المتحدة خلال تناول غذائه في مطعم يبعد بضعة أميال عن البيت الأبيض. وقد تبين أن عضو العصابة الذي تم الإتصال به من قبل عملاء سليماني كان يعمل مخبرا لإدارة مكافحة المخدرات (ويظهر أن جيش القدس أكثر فاعلية عندما تعمل في أماكن أقرب إلى الوطن وقد فشلت العديد من خططها البعيدة) . وبعد فشل هذه المؤامرات طلب إثنان من المسؤولين الأمريكان السابقين من اللجنة المعنية في الكونغرس بأن سليماني يجب أن يقتل. وقال أحدهما "سليماني يسافر كثيرا وهو يتحرك في كل مكان . إذهبوا وعالجوه. إما أن تحاولوا إعتقاله أو أقتلوه". وفي إيران وقع أكثر من مائتي شخصية على رسالة غاضبة دفاعا عنه في حملة إعلامية مدعين "نحن جميعنا قاسم سليماني". وعند ذكر إسم سليماني أمام بعض المسؤولين في الشرق الأوسط الذين أعرف بعضهم من سنوات طويلة فإنهم يتوقفون عن الكلام ويقول أحد المسؤولين الأكراد "نحن لا نريد أن نكون طرفا في هذا". ويبدو سليماني ضمن صنف خاص من الجواسيس في الغرب فهو عدو مكروه ومحترم وهو المكافئ الشرق أوسطي لكارلا الجاسوس السوفييتي المراوغ في قصص جون لاكاري. وعندما سألت داغان رئيس الموساد السابق وذكرت إسم سليماني صمت لفترة طويلة ثم قال " آه .. " وأضاف بلهجة ساخرة "صديق جيد جدا". وفي آذار 2009 وقبيل السنة الأيرانية الجديدة قاد سليماني مجموعة من المقاتلين القدامى في الحرب العراقية الأيرانية إلى منطقة مرتفعات باعلم الحجرية الجرداء المطلة على الحدود العراقية وكانت منطقة باعلم مشهدا لأعنف المعارك على شبه جزيرة الفاو حيث قتل عشرات الألوف من الرجال دون التقدم خطوة واحدة. ويظهر التسجيل السينمائي لتلك الزيارة سليماني واقفا على قمة جبل وهو يستعيد أحداث المعارك مع رفاقه القدامى بصوت هادئ على أنغام خلفية من الموسيقى والصلوات.
يقول سليماني "هذا طريق دشتي عباس" مشيرا إلى الوادي الممتد أمامه مضيفا "وكانت هذه المنطقة بيننا وبين العدو" ثم يتحرك سليماني والمجموعة ليقفوا على خندق صغير حيث يقرأ أسماء الجنود الأيرانيين الذين سقطوا هناك وبصوت مرتعش. وخلال الإستراحة يتحدث في مقابلة ليصف المعركة بشكل صوفي ليقول "أرض المعركة هي الجنة المفقودة للبشرية – الجنة التي تكون فيها الأخلاق والتصرفات الإنسانية بأعلى مستوياتها" ويضيف "إن أحد أنواع الجنة التي يتخيلها البشر تحتوي على الأنهار والحور العين والأرض السندسية .. ولكن هناك نوع آخر من الجنة وهو أرض المعركة". ولد سليماني في رابور وهي قرية جبلية مقفرة في شرق إيران . وعندما كان صبيا قام والده مثل الكثير من المزارعين بالحصول على قرض زراعي من حكومة الشاه. وكان مدينا بمبلغ تسعمائة تومان (حوالي 100 دولار في ذلك الوقت) ولم يتمكن من الأداء. وفي مذكراته المختصرة كتب سليماني عن تركه المنزل مع شاب قريب له إسمه أحمد سليماني الذي كان في وضع مشابه وقد كتب "لم نستطع النوم حزنا من التفكير في قدوم عملاء الحكومة لإعتقال والدينا". ومعا وصلا إلى أقرب مدينة وهي كرمان في محاولة لإبراء ديون عائلتيهما. ولم تستقبلهما المدينة بشكل جيد حيث يقول "كنا في الثالثة عشر وكانت أجسامنا صغيرة فلم يستخدموننا حتى جاء اليوم الذي إستخدمونا كعمال في موقع بناء مدرسة في شارع خاجوو في نهاية المدينة ودفعوا لنا تومانين في اليوم" وبعد ثمانية أشهر جمعا ما يكفي للعودة إلى المنزل ولكن الشتاء كان قد وصل وأصبح الثلج عميقا. وأبلغوهم للبحث عن سائق محلي يدعى (بهلوان) – البطل – والذي كان "رجلا قويا قادرا على رفع بقرة أو حمار بأسنانه". وخلال الرحلة وعندما كانت السيارة تقف بسبب الطريق "كان ينزل ويرفع السيارة الجيب ليضعها جانبا" وحسب سرد سليماني "كان بهلوان معارضا متشددا للشاه. وكان بهلوان يقول "هذا وقت اللعب والراحة للأولاد وليس العمل في مدينة غريبة. إنني أبصق على الحياة التي صنعوها لنا" وأخيرا وصلا إلى حسبما كتب سليماني "وما أن ظهرت مصابيح القرية وعرفت الناس بوصولنا حتى دب الهرج والمرج فيها". وفي شبابه لم يظهر سليماني إلا القليل من طموحه الكبير. وكما يقول على الفونة الخبير بالشؤون الإيرانية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات فلم يكن لديه سوى ثقافة الثانوية العامة ويعمل في دائرة الماء في بلدية كرمان. ولكن الوقت كان وقت الثورة والبلد في حالة عدم إستقرار متزايدة. وبعيدا عن العمل كان سليماني يقضي الساعات يتدرب على رفع الأثقال في الملعب المحلي ومثل الكثيرين في الشرق الأوسط كان التدريب البدني ويلهم روحية المحارب. وخلال رمضان كان يحضر مواعظ رجل الدين المتنقل (حجة كامياب) أحد رجال خامنئي وهناك إقتنع بإمكانية الثورة الإسلامية. وفي عام 1979 عندما كان سليماني في الثانية والعشرين سقط الشاه بالثورة الشعبية التي قادها آية الله روح الله خميني بإسم الإسلام. وإنضم سليماني منجرفا بحماسة إلى الحرس الثوري وهو قوة أنشأتها القيادة الدينية الجديدة لأيران بهدف منع العسكر من القيام بإنقلاب. ومع إنه لم يحصل إلا على القليل من التدريب خلال دورة لا تزيد على خمسة وأربعين يوما إلا إنه تقدم بسرعة. وكرجل حرس شاب تم إرساله إلى شمال غرب إيران ليساعد في سحق إنتفاضة قام بها الأكراد. وما أن أصبح عمر الثورة ثمانية عشر شهرا حتى أرسل صدام حسين الجيش العراقي مكتسحا الحدود آملا الإستفادة من الفوضى الداخلية. ولكن على العكس فقد أعطى ه>ا الغزو القوة لقيادة خميني ووحدت البلد في المقاومة وأشعلت حرب خنادق وحشية. وتم إرسال سليماني إلى الجبهة بمهمة بسيطة وهي توفير الماء للمقاتلين ولكنه لم يغادر أبدا. ويقول "لقد دخلت الحرب بمهمة تستغرق خمسة عشر يوما ولكني بقيت هناك حتى النهاية" وتظهر إحدى الصور من ذلك الوقت الشاب سليماني مرتديا ملابس القتال الخضراء وبدون أي رتبة بعيونه السوداء مركزا على الأفق البعيد. ويقول في إحدى مقابلاته عام 2005 "كنا جميعنا شبابا ونريد خدمة الثورة". وقد حصل سليماني على السمعة لشجاعته وإندفاعه خاصة نتيجة مهماته الإستطلاعية التي قام بها خلف خطوط العراقيين. وقد عاد من عدة مهام وهو يجمل معزاة يذبحها جنوده ويشوون لحمها. ويقول أحد ضباط الحرس الثوري الذي إنشق وهرب إلى الولايات المتحدة "حتى العراقيون ، أعداءنا، كانوا معجبين به لهذه العملية" وفي الإذاعة العراقية أصبح سليماني يعرف "بسارق الماعز". وإعترافا بتميزه فقد تم تنصيبه مسؤولا عن لواء من كرمان مشكلا من رجال النوادي الرياضية التي لعب فيها حمل الأثقال كما يقول الفونة. كان الجيش الإيراني فاقدا للتفوق بشكل كبير ولجأ قادته إلى تكتيك بدائي ومكلف. وفي هجومات "الموجات البشرية" دفعوا الألوف من الشباب مباشرة إلى الخطوط العراقية التي تحميها حقول الألغام ومات الجنود بشكل متزايد. وبدا سليماني منزعجا من خسارة الأرواح. وقبل إرساله رجاله إلى المعركة كان يحتضن كل واحد منهم مودعا، وفي خطبه كان يمتدح الشهداء ويطلب منهم السماح لأنه لن يكون ضمن الشهداء. وعندما أعلن رؤساء سليماني خططهم للهجوم على شبه جزيرة الفاو فرفضها بإعتبارها متهورة ومسرفة. ويصف ضابط الحرس الثوري السابق مشاهدته لسليماني عام 1985 بعد معركة تحمل فيها لواءه الكثير من القتلى والجرحى حيث كان يجلس منفردا في زاوية الخيمة "ساكنا تماما يفكر بالناس الذين فقدهم". وكان أحمد قريبه الشاب الذي سافر مع سليماني إلى كرمان قد قتل في 1984. وحتى سليماني فقد كان قد أصيب وجرح. لكنه مع ذلك لم يفقد حماسته لعمله. وفي الثمانيات كان راؤل مارك غريشت ضابطا شابا في وكالة المخابرات المركزية مركزه إسطنبول ليكسب البعض من ألوف الجنود الإيرانيين المرسلين هناك للإستشفاء والنقاهة. وأخبرني غريشت الذي كتب بغزارة عن إيران "هناك ستجد رجال دين و ستجد أشخاصا قدموا للتنفس والدعارة والسكر". ويقسم غريشت المقاتلين إلى صنفين "هناك المكسورين والمحترقين وخاوي العيون – الذين تم تدميرهم وهناك البعض الذين تبرق عيونهم الذين يتحرقون للعودة إلى الجبهة بأسرع ما يكون . وأنا أضع سليماني في الصنف الأخير".
وقد حصل السفير الأمريكي في العراق للفترة 2007-2009 على نفس الشعور. وقد تعامل كروكر مع سليماني بطريقة غير مباشرة خلال حرب العراق من خلال القادة العراقيين الذين كانوا يترددون من وإلى طهران. وقد سأل أحد هؤلاء العراقيين مرة في هل يعتبر سليماني متدين بشكل خاص فكان الجواب "ليس فعلا فهو يحضر إلى الجامع بشكل دوري ولكن الدين ليس ما يدفعه بل الوطنية وحب المعركة". حصل القادة الإيرانيون على درسين من الحرب العراقية الإيرانية أولهما أن إيران محاطة بأعداء قريبين أو بعيدين. ولم يكن الغزو مؤامرة عراقية بل غربية لأن المسؤولين الأمريكان كانوا يعرفون بتحضيرات صدام لغزو إيران عام 1980 ثم زودوه بالمعلومات اللازمة المستخدمة في توجيه الهجومات بالأسلحة الكيمياوية. حتى إن الأسلحة نفسها تم بناؤها بمساعدة شركات أوروبية غربية. إن ذكرى هذه الهجومات هي ذكرى مرة بشكل خاص. ويقول مهدي خالاجي العامل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى "هل تعرف عدد الناس الذين عانوا من تأثير الأسلحة الكيمياوية؟ الألوف من الجنود السابقين. وهم يعتقدون بأن هذه الأسلحة غربية تم إعطاؤها لصدام:. وفي عام 1987 وخلال معركة مع الجيش العراقي هوجمت فرقة بقيادة سليماني بقذائف مدفعية تحتوي على أسلحة كيمياوية. وقد عانى أكثر من مائة رجل من رجاله من تأثيرها. وكان الدرس الثاني من الحرب العراقية الإيرانية هو عبثية الحرب المباشرة. وقد أمر خميني رجاله بعد 1982 بعد طرد القوات العراقية بأن يستمروا حتى "تحرير" العراق والإستمرار حتى أورشليم القدس. لكنه وافق بعد ست سنوات ومئات الألوف من الأرواح وافق على وقف إطلاق النار. وحسب الفونة فإن العديد من جنرالات جيل سليماني شعروا كانوا يؤمنون بأنهم كانوا سيحققون أهدافهم لولا إحجام رجال الدين. ويقول "شعر الكثير منهم كما لو طعنوا من الخلف وأستمروا يغذون هذه الأسطورة لثلاثين سنة". ولكن قادة إيران لم يريدوا حمام دم آخر. وبدلا من ذلك كان عليهم بناء قدراتهم لشن حرب متوازنة بمهاجمة القوات الأكبر بشكل غير مباشر خارج إيران. وكان جيش القدس الأداة المثالية. وكان خميني قد أنشأ النموذج الأولي لهذه القوة عام 1979 بهدف حماية الثورة الإيرانية وتصدير الثورة الإسلامية. وجاءت الفرصة الأولى في لبنان حيث تم إرسال ضباط الحرس الثوري عام 1982 للمساعدة في تنظيم المليشيات الشيعية في الحرب الأهلية اللبنانية المتعددة الأطراف. وقد نتج عن هذه الجهود تأسيس حزب الله الذي تطور تحت توجيه إيران. وساعد قائد الجناح العسكري لحزب الله الذكي والقاتل عماد مغنية بتأسيس ما أصبح يعرف بجهاز الأمن الخاص وهو جناح حزب الله الذي يعمل مباشرة مع جيش القدس. وقام حزب الله بمساعدة إيران بتنسيق الهجومات على السفارة الأمريكية والمواقع العسكرية الأمريكية والفرنسية. ويقول ديفيد كريست مؤلف كتاب "حرب الفجر" و مؤرخ العسكرية الأمريكية "في الأيام المبكرة عندما كان حزب الله معتمدا تمام الإعتماد على المساعدة الإيرانية كان مغنية والآخرين من العوامل المخلصة لإيران أساسا". ومع كل عدوانية النظام الإيراني فقد فقد الدافع الديني قوته. وفي عام 1989 توقف الخميني عن حث الإيرانيين لنشر الثورة وبدلا من ذلك دعا إلى وسيلة لحفظ مكتسباتها. وأصبحت المصلحة القومية الفارسية شعار اليوم رغم عدم إمكان التمييز بينه وبين الدافع الثوري. وخلال السنوات التي عمل فيها سليماني على الحدود الشرقية مساعدا الثوار الأفغان ضد طالبان. وكان النظام الإيراني يعامل طالبان بمنتهى العدائية بشكل أساسي لإضطهادهم الأقلية الشيعية في أفغانستان (وقد وصلت الحال في وقت من الأوقات إلى إحتمال قيام الحرب بين البلدين وحركت إيران ربع مليون جندي من قواتها وأعلن قادتها إن طالبان إهانة للإسلام). وفي منطقة تخلق الفساد جعل سليماني لنفسه إسما خلال محاربته لمهربي الأفيون عبر الحدود الأفغانية. وفي عام 1998 أعلن سليماني رئيسا لجيش القدس مستلما جهازا حاز على سمعة قاتلة: المسؤولين الأمريكان والأرجنتينيين يعتقدون أن النظام الإيراني ساعد حزب الله لترتيب تفجير السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس عام 1992 حيث قتل تسعة وعشرون شخصا وكذلك الهجوم على المركز اليهودي في نفس المدينة بعد سنتين حيث قتل خمسة وثمانون شخصا. وقد حوّل سليماني جيش القدس إلى منظمة ذات ذراع طويلة مع فروع تركز على الإستخبارات والتمويل والسياسة والعمليات الخاصة. وتقع قاعدة جيش القدس في مجمع السفارة الأمريكية السابقة في طهران وله قوة تتراوح بين عشرة وعشرين ألفا من الأعضاء مقسمون بين المقاتلين وأولئك الذين يشرفون على المصادر الخارجية ويدربونهم. ويتم إختيار أعضائه لخبرتهم وإخلاصهم لمبادئ الثورة الإسلامية (وكذلك في بعض الحالات لعلاقات عوائلهم). وحسبما جاء في صحيفة (إسرائيل هايوم) الإسرائيلية فإن المقاتلين يجندون في عموم المنطقة ويدربون في شيراز وطهران ويوجهون فكريا في كلية عمليات القدس في قم ثم "يتم إرسالهم إلى مهمات لأشهر طويلة في أفغانستان والعراق لكسب الخبرة في العمليات الميدانية ويسافرون عادة تحت غطاء كونهم عمال بناء إيرانيين". وبعد إستلامه القيادة قام سليماني بتعزيز وتقوية علاقته بلبنان مع مغنية ومع حسن نصر الله رئيس حزب الله. وكان الجيش الإسرائيلي يحتل جنوب لبنان منذ ستة عشر عامابينما كان حزب الله يتوق للسيطرة على البلد لذلك أرسل سليماني مقاتلي جيش القدس للمساعدة. ويقول كروكر "وكان لهم وجود كبير في التدريب وتقديم الخبرة والتخطيط". وفي عام 2000 إنسحب الإسرائيليون منهكين من عمليات حزب الله. وكانت تلك علامة النصر للشيعة وكما يقول كروكر "مثال آخر في إمكانية بعض الدول مثل سوريا وإيران في اللعب طويل المدى عارفين بأننا لا نستطيع". ومنذ ذلك الحين وفر النظام المساعدة لمختلف المجموعات الإسلامية العسكرية المناهضة لحلفاء أمريكا في المنطقة مثل السعودية والبحرين. ولم تذهب المساعدة للشيعة فقط بل إلى الجماعات السنية مثل حماس لتأسيس سلسلة من التحالفات تمتد من بغداد إلى بيروت. وقد أخبرني أحد الدبلوماسيين الغربيين العاملين في بغداد بأن "لم يبدأ أحد في طهران بوضع خطة مركزية لبناء محور المقاومة ولكن الفرصة قدمت نفسها وفي كل حالة كان سليماني أشطر وأسرع وأكثر فاعلية من الجميع في المنطقة وبإغتنام الفرص التي كانت تظهر فقد بنى ذلك بهدوء ولكن بثبات". وخلال أيام التشويش بعد هجوم 11 أيلول، ذهب ريان كروكر الذي كان موظفا في وزارة الخارجية بالطائرة بسرية تامة إلى جنيف لمقابلة مجموعة من الدبلوماسيين الإيرانيين ويقول "كنت أطير الجمعة وأعود يوم الأحد كي لا يلاحظ أي من زملائي غيبتي" ويضيف "كنا نبقى طول الليل في هذه الإجتماعات" وكان واضحا لكروكر بأن الإيرانيين كانوا يقدمون تقاريرهم لسليماني والذي كانوا يشيرون إليه بإسم (حاجي قاسم) وإنهم كانوا متشوقين لمساعدة الولايات المتحدة للقضاء على عدوهم المشترك الطالبان. وعلى الرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران عام 1980 بعد أخذ الدبلوماسيين الأمريكان كرهائن في طهران، لم يكن كروكر متفاجئا من أن يجد سليماني مرنا ويقول "أنت لا تعيش ثماني سنوات خلال حرب قاسية دون أن تكون براغماتيا (عمليا)" وكان سليماني يرسل رسائلا إلى كروكر ولكنه لم يضعها على ورق أبدا ويقول كروكر "إن الحاجي قاسم أذكى من ذلك ولن يترك أثرا كورقة للأمريكان". وقبل بداية القصف شعر كروكر بأن صبر الإيرانيين بدأ ينفذ من إدارة بوش معتقدين إنها تأخذ وقتا طويلا لمهاجمة طالبان. وفي إجتماع في مقتبل شهر أكتوبر 2001 وقف رئيس المفاوضين الإيرانيين وضرب حزمة من الأوراق بيديه على الطاولة وصرخ قائلا "إذا لم تتوقفوا عن تشكيل الحكومات الخيالية في الفضاء وتبدأون بالفعل بالقصف على الأرض فلن يحدث أي شيء" وأضاف "عندما تكونون جاهزين للحديث عن القتال الجدي تعرفون أين تجدونني" ثم خرج من الغرفة ويقول كروكر "إنها كانت لحظة عظيمة". وقد إستمر التنسيق بين البلدين خلال المرحلة الإبتدائية من الحرب. وفي إحد الأوقات سلم المفاوض الرئيسي إلى كروكر خارطة تفصيلية حول مواقع قوات طالبان مرددا "هاك نصيحتنا: إضربوهم هنا أولا ثم أضربوهم هناك وهذا تبريرنا لذلك" وتساءل كروكر متفاجئا "هل أستطيع تسجيل بعض التفاصيل؟" فأجاب المفاوض "يمكنك الإحتفاظ بالخارطة". وإستمر تداول المعلومات بين الجانبين. وفي إحدى المناسبات كما يقول كروكر فقد قام بتزويدهم بموقع أحد قواد القاعدة الذي يسكن في مدينة مشهد الشرقية فإعتقله الأيرانيون وسلموه إلى قادة أفغانستان الجدد الذين سلموه بدورهم إلى الأمريكان وأبلغ المفاوض كروكر قائلا "إن الحاجي قاسم مسرور جدا بتعاوننا". ولكن النية الحسنة لم تدم طويلا. وفي عام 2002 عندما كان كروكر نائبا لرئيس السفارة الأمريكية في كابل تم إيقاظه في إحدى الليالي من قبل أحد مستشاريه الذي أبلغه بأن الرئيس جورج بوش وخلال خطابه الدوري سمّى إيران كطرف في (محور الشر) ومثل معظم الدبلوماسيين الكبار فقد أخذ كروكر على غفلة. وفي اليوم الثاني قابل المفاوض في مجمع الأمم المتحدة في كابل وكان غاضبا قائلا "لقد دمرتني تماما" كما يذكر كروكر مضيفا "إن سليماني في قمة الغضب ويشعر بأنه تم إستغفاله تماما" وأخبر المفاوض كروكر متحملا مخاطرة سياسية كبيرة بأن سليماني يعتزم إعادة تقييم الولايات المتحدة قائلا "قد يكون حان الوقت لإعادة النظر في علاقتنا مع الأمريكان". وكان الخطاب حول محور الشر قد أدى إلى إيقاف إجتماعاتنا نهائيا. وقد تحول بعض الإصلاحيين الداعين إلى إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة إلى موقف المدافع. ويستذكر كروكر ذلك الوضع بهز رأسه قائلا "كنا قريبين جدا ولكن كلمة واحدة في خطاب واحد غيرت التاريخ". وقبل أن تنهار الإجتماعات تكلم كروكر مع رئيس المفاوضين حول إمكانيات الحرب في العراق حيث قال كروكر "أنظر .. لا أعرف ما الذي سيحدث ولكن لدي بعض المسؤولية في العراق لأنه ملفي الشخصي وأستطيع أن أقرأ بعض الإشارات وأظن إننا سنتدخل" وقد لاحظ فرصة رائعة. الإيرانيون يكرهون صدام وشعر كروكر بأنهم سيكونون راغبين العمل مع الولايات المتحدة. وقد أخبرني كروكر قائلا "أنا لم أكن مؤيدا للغزو ، ولكني كنت أفكر. إذا كنا سنفعل ذلك لنرى إذا أمكننا تحويل عدو إلى صديق – على الأقل تعبويا على المدى القصير ثم لنرى أين يمكننا أن ننتقل به". وقد بين المفاوض بأن الإيرانيون راغبون بالحديث وإن العراق مثل أفغانستان يشكلان ، كما يقول سليماني "شخص واحد يدير المسرح". وبعد بداية الغزو في آذار 2003 كان المسؤولون الإيرانيون مهووسون بأن يعرف الأمريكان بأنهم يرغبون بالسلام. وكان الكثير منهم ينظرون إلى تغيير النظام في أفغانستان والعراق وهم مقتنعون بأن دورهم هو التالي. ويقول مغواير ضابط وكالة المخابرات المركزية السابق في بغداد "كانوا خائفين تماما وكانوا يرسلون المراسلين عبر الحدود إلى عناصرنا النخبوية قائلين – أنظروا.. نحن لا نريد أي مشاكل معكم ، - وكانت لنا اليد العليا الكبيرة". وفي نفس السنة قرر المسؤولون الأمريكان بأن إيران أعادت ترتيب خططها لتطوير أسلحتها النووية لجعلها أبطأ وبسرية وغطاء أكبر كي لا تستدعي هجوما غربيا. وبعد سقوط نظام صدام تم إرسال كروكر إلى بغداد لتنظيم حكومة إبتدائية تحت إسم (مجلس الحكم العراقي). وظهر له بأن العديد من السياسيين العراقيين كانوا يطيرون إلى طهران للإستشارة فقفز إلى إمساك فرصة التفاوض غير المباشر مع سليماني. وخلال الصيف أرسل كروكر إليه أسماء المرشحين الشيعة ودقق الرجلين كل فرد منهم. ولم يقدم كروكر حق الفيتو لكنه ترك المرشحين الذين وجدهم سليماني غير مقبولين بشكل خاص. وقال "إن تشكيل مجلس الحكم كان بأساسه نتيجة التفاوش بين طهران و واشنطون". وكان تبادل المعلومات هي أعلى نقطة في التعاون الأيراني الأمريكي ويقول كروكر "وبعد تشكيل مجلس الحكم إنهار كل شيء". ومع ترنح الإحتلال الأمريكي بدأ سليماني حملته الهجومية بالتخريب. ويعتقد كثير من الأمريكان والعراقيين الذين قابلتهم بأن تغيير السترتيجية كانت نتيجة إنتهاز الفرصة حيث بدأ الأيرانيون يصبحون عدوانيين عندما بدأ الخوف من الغزو الأمريكي يتراجع. كان سليماني يقوم بإرسال العملاء إلى العراق لبذر المليشيات الشيعية لسنوات طويلة لذلك كان لديه عند سقوط صدام قوة مقاتلة جاهزة وهي فيلق بدر، الجناح المسلح للحزب السياسي الشيعي المدعو المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. وكان قادة هذا الحزب من المميزين لدى الثورة الإيرانية بحيث حارب مقاتلو بدر جنبا إلى جنب مع القوات الإيرانية خلال الحرب العراقية الإيرانية. وقد أمضى فيلق بدر معظم وقته في عمليات قتل إنتقامية ضد البعثيين و إمتنع بشكل عام عن إطلاق النار ضد الأمريكان. ولكن كانت هناك مليشيا أخرى مدعومة من إيران هي جيش المهدي الذي يرأسه رجل الدين ذي الشعبية الكبيرة مقتدى الصدر بدأت بمجابهة الأمريكان مبكرا. وفي آب من عام 2004 بعد قيام الأمريكان بهجومهم المعاكس الدموي تمشيت خلال المقابر الموقتة في مدينة النجف المقدسة وشاهدت العشرات من القبور الواطئة مؤشر كل منها بزجاجة صغيرة بداخلها شريط ورقي بإسم وعنوان المقاتل المقتول والكثير منهم يحمل إشارة (طهران). وقد وجد سليماني بأن الصدر متخبط ومن الصعب إدارته لذلك بدأ جيش القدس بتنظيم ميليشيات أخرى راغبة بالهجوم على الأمريكان، المقاتلين الذين دربتهم عناصره في إيران وأحيانا يساعدهم رفاقهم من حزب الله. ويبدو إن سيطرة سليماني على بعض المليشيات العراقية في بعض الأوقات كان كليا. وفي إحدى المرات قام مسؤول عراقي كبير خلال زيارته إلى واشنطون بشكل علني بوضع اللائمة على القائد الأعلى في تصعيد العنف في العراق. ولكن حال عودته إلى بغداد إستلم رسائل من قائدين لمليشيات شيعية عراقية وقد حملت الرسالتين نفس السؤال: هل تريد أن تموت ؟ وفي عام 2004 بدأ جيش القدس بإغراق العراق بقنابل للأرصفة قاتلة يسميها الأمريكان بإسم (قذائف تشكيل متفجرة) وهي تطلق قذيفة نحاس مصهور قادرة على إختراق الدروع والتي بدأت تدمر بشكل واسع الجنود الأمريكان وتسببت في حوالي عشرين بالمائة من القتلى أثناء المعاركولم يكن تصنيع هذه القذائف إلا بيد فنيين مهرة وتعمل بواسطة حساسات حركة بالغة التعقيد وقد أخبرني الجنرال ستانلي مكريستال الذي كان في ذلك الوقت رئيس قيادة العمليات الخاصة المشتركة قائلا "لم يكن هناك أدنى شك في مصدرها ومن أين جاءت، ونعرف مواقع جميع المعامل في إيران وإن هذه القذائف قتلت مئات الأمريكان". وقد تجاوزت حملة سليماني ضد الولايات المتحدة التقسيم السني الشيعي والذي كان يرغب في وضعه جانبا من أجل غرض أكبر.وقد أبلغني مسؤولون عراقيون وغربيون بأن سليماني قام في وقت مبكر بتشجيع رئيس مخابرات نظام الأسد لتسهيل حركة المتطرفين السنة من خلال سوريا لمحاربة الأمريكان. وفي العديد من الحالات تم السماح للقاعدة بدرجة معينة من الحرية في إيران كذلك. وقد أخبرني كروكر في مايس 2003بأن الأمريكان إستلموا معلومات إستخباراتية بأن مقاتلي القاعدة في إيران يعدون لهجوم يستهدف أهدافا غربية في العربية السعودية. وكان كروكر منذرا بالموضوع ويقول "لقد كانوا يخططون للعمليات هناك تحت الحماية الأيرانية" وقد ذهب بالطائرة إلى جنيف حيث أرسل إنذارا إلى الأيرانيين ولكن بدون فائدة. فقد فجر المقاتلون ثلاثة مجمعات سكنية في الرياض قاتلين خمسة وثلاثين شخصا بضمنهم تسعة أمريكان. ولكن النتيجة كانت إن الستراتيجية الأيرانية عادت عليهم بشكل مريع لأن نفس المتطرفين بدأوا مباشرة بعد الإحتلال بمهاجمة المدنيين الشيعة والحكومة ذات الأغلبية الشيعية وكانت تلك مقدمة للحرب الأهلية القادمة. وقد قال لي الدبلوماسي الغربي "أهلا بكم في الشرق الأوسط . أراد سليماني إستنزاف الأمريكان فدعا الجهاديين ولكن خرجت الأمور عن السيطرة". ومع ذلك بقيت السياسة الإيرانية تجاه الأمريكان في العراق غير عدائية تماما فالبلدين كانا يحاولان تمكين الأغلبية الشيعية في العراق. فكان سليماني يتقلب بين مساومة الأمريكان وقتلهم. وخلال الحرب كان يستدعي القادة العراقيين إلى طهران لترتيب الصفقات ويهدف في أغلبها إلى زيادة قدرة الشيعة وسلطتهم. وقد حضر في إحدى المرات إلى قلب منطقة الأمريكان في بغداد كما أبلغني السياسي العراقي "لقد حضر سليماني إلى المنطقة الخضراء لمقابلة العراقيين وأعتقد إن الأمريكان أرادوا إعتقاله لكنهم أدركوا إنهم لن يتمكنوا". وقد أراد الطرفان الفائدة وقد قاد الولاء المتغير أحيانا إلى صدامات قاسية. وكان قائدا الحزبين الكرديين الرئيسيين مسعود البرزاني وجلال الطالباني كانا يلتقيان بإنتظام بسليماني وبالأمريكان. وحيث كانت علاقة الأكراد بالولايات المتحدة دافئة عادة فإن روابطهم بالقادة الإيرانيين كانت أعمف وأكثر تعقيدا لأن النظام الإيراني كان قد حمى الأكراد خلال الحرب مع صدام. لكنها لم تكن علاقة متكافئة. ويقول القادة الأكراد بأن هدف سليماني كان دائما الإبقاء على الأحزاب السياسية في العراق مقسمة وغير مستقرة لضمان بقاء البلد ضعيفا ولم تكن الحرب العراقية الإيرانية بعيدة عن ذهنه أبدا. وقد أخبرني أحد كبار المسؤولين الأكراد قائلا "من الصعب جدا علينا أن نقول لا لسليماني، وعندما نقول لا فإنه يخلق لنا المشاكل مثل القصف والرمي. الإيرانيون جيراننا وكانوا دائما هناك وسيبقون دائما هناك وعلينا التعامل معهم". ويستذكر أحد كبار رجال المخابرات في بغداد زيارته لطالباني في منزله خلال رحلة إلى شمال العراق بأنه عندما دخل إلى المنزل شاهد سليماني جالسا مرتديا فميصا أسود وسترة سوداء. وقد نظر الإثنان إلى بعضهما من فوق لأسفل ويقول رجل المخابرات "لقد عرف من أكون وعرفت أنا من هووتصافحنا دون أي كلام. ولم أشاهد يوما ما الطالباني أكثر إلتزاما أمام أحد. لقد كان مرعوبا". وخلال السنوات التي تلت الإحتلال ركز الجنرال مكريستال على محاربة المتمردين السنة ، ومثل بقية القادة الأمريكان في العراق فقد إمتنع عن متابعة عناصر ووكلاء جيش القدس. لأن تهديد إيران سيجعل الأزمة تتفاقم ولأن العديد من العملاء والعناصر كانوا يعملون تحت حماية الغطاء الدبلوماسي. ولكن مع إستمرار الحرب كانت المليشيات المدعومة من إيران تتضخم وتكبر. وفي نهايات عام 2006 أخبرني مغواير بأنه شكل قوة مهمات خاصة لقتل وإمساك المتمردين المدعومين من إيران بالإضافة إلى عناصر جيش القدس. وفي نهاية العام أغارت قوات الكوماندوز الأمريكية على المجمع التابع لعبدالعزيز الحكيم السياسي الشيعي القوي ووجدوا الجنرال محسن شيزاري رئيس العمليات في جيش القدس. وحسب (اللعبة الأخيرة) لمايكل غوردون وبرنار ترينور فقد أعتقل المغيرون شيزاري مرسلين موجة من الصدمات إلى بغداد. حيث قال أحد القادة العسكريين الكبار السابقين "كان الجميع مصعوقين، جميع الإيرانيين كانوا مصعوقين فقد كسرنا القانون غير المكتوب" وأصر نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي على أن يقوم الأمريكان بتسليمه شيزاري. وعندما قام الأمريكان بذلك أطلق المالكي سراحه. وبعد هذه الحادثة أبلغ السفير الأمريكي المالكي بأنهم في المرة القادمة عندما يعتقلون أحد العناصر الأيرانية فسيحتفظون به. وبعد شهر إستلم مكريستال تقارير بأن الجنرال محمد علي جعفري رئيس الحرس الثوري الإيراني قد يكون متجها في قافلة إلى الحدود العراقية. وحسب المصادر الأستخباراتية فإن سليماني كان يرافقه. وكانت هناك قوة من المقاتلين الأكراد تنتظرهم لترحب بهم عند إجتيازهم للحدود. فقرر مكريستال السماح للإيرانيين بعبور الحدود قائلا "لم نكن نرغب بحصول تبادل للنيران مع الأكراد". وقد تتبع رجال مكريستال القافلة متحركة مئات الأميال داخل العراق إلى مدينة أربيل الكرديةحيث توقفت عند بناية صغيرة عليها إشارة مكتوبة تقول (قنصلية) ولم يكن أحد يعرف بوجود مثل هذه القنصلية ولكن حقيقة وجودها تعني إن العاملين داخلها لهم الغطاء الدبلوماسي. ومع ذلك فقد دخل الأمريكان وأخذوا خمسة إيرانيين متحفظين عليهم. وكانوا جميعا يحملون جوازات سفر دبلوماسية ولكنهم كانوا حسب رأي مكريستال أعضاء في جيش القدس. ولم يكن جعفري ولا سليماني بينهم حيث يبدو واضحا إنهما إنفصلا عن القافلة في آخر دقيقة ليلجآ إلى بيت آمن تابع إلى القائد الكردي مسعود البرزاني. ويقول داغان رئيس الموساد السابق مشيرا إلى الغارة "كان سليماني محظوظا، ومن المهم أن تكون محظوظا". وبعد تسعة أيام وقفت خمس سيارات حقلية سوداء أمام أبواب المركز البلدي في كربلاء جنوب العراق. وكان ركابها يتكلمون الأنجليزية ويرتدون الملابس العسكرية الأمريكية وكذلك الهويات فتم السماح لهم بالدخول من البوابات وفي داخل المجمع قفزوا من سياراتهم وركضوا مباشرة إلى المبنى حيث كان الجنود الأمريكان يعملون فقتلوا واحدا وأسروا أربعة وأهملوا جميع الموجودين الآخرين وبعد سويعات وجد الأربعة مقتولين برصاص من مدى قريب. وكان القائمون بالغارة من عصائب أهل الحق إحدى المليشيات المدعومة من إيران. ويعتقد بعض المسؤولون الأمريكان بأن سليماني أمر بالغارة كرد على عملية القبض على عناصر جيش القدس في أربيل. وخلال شهرين بعد ذلك قتل الأمريكان القائد المفترض للهجوم وأمسكوا عددا من المشتركين بها. وكان أحدهم علي موسى دقدوق أحد قادة حزب الله الذي تدرب في إيران. وفي البداية إدعى دقدوق عدم قدرته على الكلام وسماه الأمريكان بإسم الأخرس ولكن بعد فترة وجيزة كما يقولون بدأ يتكلم وأخبرهم بأن العملية حصلت بناء على أمر من مسؤولين إيرانيين. ولأول مرة يشير القادة الأمريكان علنا إلى سليماني. وفي مؤتمر صحفي قال العميد كيفن بيرغنر "لقد عرف جيش القدس وساهم بالتخطيط لهجوم كربلاء الذي قتل فيه خمسة جنود من التحالف". ومع إشتداد الحرب الخفية مع إيران فقد فكر بعض المسؤولين الأمريكان بالعبور إلى إيران لمهاجمة معسكرات التدريب وقصف المعامل. ويقول أحد الضباط الأمريكان الكبار الذي كان في العراق في ذلك الوقت "لقد أراد بعضنا بشدة ضربهم". وقد إستمر هذا النقاش طيلة عام 2011 لحين مغادرة الجنود الأمريكان العراق. وفي كل مرة كان الأمريكان يقررون ضد عبور الحدود معتقدين بأن من السهولة تصعيد الإيرانيين للقتال. وفي نفس الوقت أرسل سليماني رسائل إلى المسؤولين الأمريكان الكبار مرسلا رسائله من خلال وسطاء – أحيانا لطمأنة الأمريكان وأحيانا ليطلب شيئا. إحدى أول هذه الرسائل جاءت في مقتبل عام 2008 عندما سلم الرئيس العراقي هاتفا خلويا عليه رسالة خطية إلى الجنرال ديفيد بترايوس الذي كان قد إستلم قبل عام مسؤوليته كقائد للقوات الأمريكية وتقول الرسالة "عزيزي الجنرال بترايوس، يجب أن تعلم بأني أنا، قاسم سليماني، أقود سياسة إيران بالنسبة إلى العراق ولبنان وغزة وأفغانستان وفي الواقع فإن سفيرنا في بغداد هو عضو جيش القدس والذي سيحل محله كذلك عضو جيش القدس". وبعد مقتل الجنود الأمريكان الخمسة في كربلاء أرسل سليماني رسالة إلى السفير الأمريكي يقول فيها "أقسم على قبر خميني بأني لم أخول أحدا بإطلاق رصاصة ضد الولايات المتحدة" هكذا قال سليماني ولكن أحدا من الأمريكان لم يصدقه. وفي تقرير قدمه بترايوس إلى البيت الأبيض كتب فيه إن سليماني كان "شريرا حقيقة" ومع ذلك فقد جاءت أوقات لم يكن بينهما إلا المفاوضات. وحسبما جاء في الوثائق التي كشفها (ويكيليكس) فإن بترايوس قد أرسل رسائل إلى سليماني عبر مسؤولين رسميين عراقيين يطلب فيها وقف الهجوم بالصواريخ على السفارة الأمريكية والقواعد الأمريكية. وفي عام 2008 عندما كان الأمريكان والجيش العراقي يقومان بهجوم على جيش المهدي – ميليشيا مقتدى الصدر الشيعية كانت هذه المليشيا تقوم كرد فعل بقصف المنطقة الخضراء بإنتظام. وعندما وجد سليماني الفرصة سانحة أرسل إلى بترايوس يندب فيه الوضع قائلا إنه أرسل رجالا لوقف المهاجمين. وقد أجاب بترايوس "لقد ولدت يوم أحد ولن يكون هذا آخر يوم أحد" وأخيرا قام سليماني بعقد وقف إطلاق النار بين الصدر والحكومة. كان سليماني يرتاح بالسخرية من أعدائه الأمريكان وإنتشرت القصص عن أعماله. وفي صيف عام 2006 خلال الحرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان والتي إستمرت أربعة وثلاثين يوما ، خف زخم العنف في بغداد. وعندما إنتهى القتال أخبرني السياسي العراقي بأنه كما يبدو فقد أرسل سليماني رسالة إلى القيادة الأمريكية يقول فيها "أتمنى أن تكونوا إستمعتم بالسلام والهدوء في بغداد لأنني كنت مشغولا في بيروت". وفي خطاب لخامنئي عام 1990 قال بأن مهمة جيش القدس هو "بناء خلايا شعبية لحزب الله في كل العالم". ومع إنه لم يمكن تحقيق هذا الهدف إلا أن حزب الله أصبح أكبر قوة مؤثرة في لبنان ، قوة عسكرية وحزب سياسي يتجاوز تقريبا الدولة. ويعتقد بعض الخبراء في شؤون المنطقة بأنه قد نما وتطور ليصبح أقل إعتمادا على إيران. لكن وليد جنبلاط السياسي اللبناني وخلال عشاء في السنة الماضية إشتكى من أن قادة حزب الله لا يزالون عبيدا لإيران "عليك أن تجلس وتحدثهم ولكن ماذا تقول ؟ إنهم لا يقررون لأن الخامنئي وسليماني هما اللذان يقرران". وقد تبنى قائد حزب الله حسن نصر الله فكرة ولاية الفقيه التي تعتبر القائد الأعلى لإيران هو السلطة العليا وأعترف بوجود عناصر جيش القدس في لبنان. وقد منحت إيران من عام 2000 لغاية 2006 مائة مليون دولار سنويا إلى حزب الله. ويبدو مقاتلوه أفضل مقارنة بالإيرانيين لأنهم يتكلمون العربية مما يجعلهم مؤهلين أفضل للعمل في سوريا وغيرها من العالم العربي. ومن خلال عملهم مع الإيرانيين فقد نفذوا أو أعدوا للتنفيذ هجومات في قبرص وأذربيجان و تركيا. ولكنهم لا يعملون دائما معا. فبعد هجوم عناصر حزب الله على باص سياحي مليء بالأسرائيليين في بلغاريا في تموز الماضي علمت السلطات الأمريكية بأن سليماني مساعديه "هل يعرف أحد عن هذا ؟" ولم يكن أحد يعرف. وأخبرني مسؤول من وزارة الدفاع الأمريكية "لقد تصرف حزب الله على مسؤوليته في هذه العملية". ومع ذلك يظهر إن جيش القدس كان متورطا في عدد من الأحداث المهمة جدا في لبنان مؤخرا. وفي عام 2006 أمر نصر الله مجموعة من مقاتليه لإختطاف جنود إسرائيليين في عملية أخبرني المسؤول الأمني الشرق أوسطي عنها بأنها تمت بمساعدة سليماني. وتلا ذلك حرب قصيرة عنيفة حيث دمرت قوات الدفاع الإسرائيلية الكثير من لبنان. وقال المسؤول "لا أعتقد بأن سليماني كان يتوقع ذلك". وبرز التأثير الإيراني في لبنان على السطح عندما إتهمت المحكمة الخاصة بلبنان والمدعومة من الأمم المتحدة أربعة من الأعضاء البارزين في حزب الله بإغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005. وكان الحريري وهو سني يحاول إخراج لبنان من المدار الإيراني السوري. وقد قتل في عيد الفالنتاين بمركبة حمل مفخخة إنتحارية كانت تحمل أكثر من خمسة آلاف رطل من المتفجرات. وقد تعرف المدعون العامون على القاتلين المتهمين التابعين لحزب الله بواسطة (تحليل المواقع) بتطبيق الهواتف الخلوية المتروكة في وقت الجريمة مع هواتف أخرى للمشبوهين. وإمتنعوا عن الإشارة إلى المسؤولين السوريين ولكنهم أوضحوا بأن لديهم أدلة مقنعة بأن حكومة الأسد كانت متورطة في مقتل الحريري. وقد أخبرني أحد المحققين الكبار في المحكمة المختصة بأنه كان هناك أسبابا كافية للإشتباه بالإيرانيينحيث قال "إن نظريتنا في هذه القضية بأن حزب الله سحب الزناد لكنه لا يمكن أن يكون قادرا على ذلك ولا راغبا فيه دون مباركة سوريا وإيران ودعمهما اللوجستي". وقد تم الإتصال من أحد الهواتف المستخدمة بين القتلة لأكثر من عشر مرات للإتصال بإيران قبل وبعد العملية. لكن المحققين لم يعرفوا بمن تم الإتصال في إيران ولم يتمكنوا من إقناع وكالات المخابرات الغربية من مساعدتهم. وتبين بعد ذلك إن هذه الوكالات كانت تعرف نوعا ما. وقد أخبرني ضاب المخابرات الكبير بأنه تم إلتقاط وسماع حديث العناصر الإيرانية بدقائق قبل الأغتيال قائلا "كان هناك إيرانيون على الهاتف يوجهون الهجوم". وأخبرني روبرت باير أحد كبار مسؤولي وكالة المخابرات المركزية السابقين "إذا كانت إيران فعلا متورطة فلا شك إن سليماني كان في مركز ذلك كله؟". وأثناء ذلك إختفى جميع أعضاء حزب الله المتهمون في القتل. وقد تم رصد أحدهم وهو مصطفى بدرالدين نسيب عماد مغنية وصانع قديم للقنابل لدى حزب الله حيث شوهد في سوريا من قبل الثوار الذين قالوا بأنه كان يقاتل مع الأسد. وفي 22 ديسمبر 2010 أرسل جيمس جيفري السفيرالأمريكي في بغداد والجنرال لويد أوستن القائد الأمريكي الأعلى هناك ، رسالة تهنئة إلى الشعب العراقي بمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة التي يقودها رئيس الوزراء نوري المالكي حيث كان البلد بدون حكومة لمدة تسعة أشهر بعد الإنتخابات البرلمانية التي إنتهت بالتعادل وكان تشكيل الحكومة حرجا وكان لا يزال في البلد أثناء فترة الإنتخابات حوالي مائة ألف من الجنود الأمريكان وكان القادة الأمريكان يأملون بترك قوة صغيرة خلفهم حيث يقول الرجلان "ننظر قدما إلى العمل مع الحكومة الإئتلافية في إستمرار رؤيتنا المشتركة بعراق جديد". وما لم يقله الرجلان جفري وأوستن كان بأن الصفقة الحرجة التي شكلت الحكومة العراقية لم تكن من قبلهم بل من قبل سليماني. وفي الأشهر السابقة وحسب قصص بعض المسؤولين العراقيين والأمريكان دعا سليماني القادة الرئيسيين من الشيعة والكرد للقاء به في طهران وقم وحصل على وعد منهم بدعم المالكي مرشحه المفضل. وكانت الصفقة معقدة الجوانب والإغراءات فحيث كان الأسد والمالكي يكرهان بعضهما فقد جمعهما سليماني بترتيب إتفاقية لبناء خط أنابيب نفط مربح من العراق إلى الحدود السورية ولغرض جذب رجل الدين مقتدى الصدر إلى مخططه وافق سليماني على وضع بعض رجاله في الوزارات العراقية الخدمية. والأهم من كل ذلك حسب المسؤولين العراقيين والأمريكان كان الشرطين الذين فرضهما سليماني على العراقيين. الأول هو بأن يصبح جلال الطالباني الصديق القديم للنظام الأيراني رئيسا. والثاني أن يصر المالكي وجميع أعضاء إئتلافه الحاكم على مغادرة جميع الجنود الأمريكان البلاد. ويقول القائد العراقي السابق "قال سليماني : لا أمريكان. وبذلك إنتهت علاقة عشر سنوات في البالوعة". وقد أبلغني المسؤولين العراقيين بأنه عند إعلان جيفري كان الأمريكان يعرفون بأن سليماني هو الذي طردهم من البلد ولكنهم كانوا محرجين من الإقرار بذلك علانية. ويقول القائد العراقي السابق "كنا نضحك على الأمريكان" ويضيف وهو متصاعد الغضب "تبا لهم ، تبا لهم، لقد تغلب عليهم سليماني حتما بينما كانوا يهنئون أنفسهم علنا على تشكيل الحكومة". وكانت الصفقة ضربة قوية لأياد علاوي السياسي العلماني المؤيد لأمريكا الذي فاز حزبه بأكبر نسبة في مقاعد البرلمان في الإنتخابات لكنه فشل في تشكيل أغلبية برلمانية. وفي مقابلة في الأردن قال بأنه كان يمكن بدعم الولايات المتحدة بناء أغلبية لكن بدلا من >لك دفعه الأمريكان جانبا لمصلحة المالكي. وأخبرني بأن نائب الرئيس جو بايدن طلبه ليبلغه بترك موضوع التحرك للحصول على منصب رئيس الوزراء قائلا له "لن تستطيع أن تشكل حكومة". ويقول علاوي بأنه شك في أن الأمريكان لم يكونوا راغبين في التعامل مع المشاكل التي سيخلقها الإيرانيون إذا أصبح هو رئيسا للوزراء. لقد أرادوا البقاء في العراق كما يقول ولكن فقط إذا كان الجهد المبذول صغيرا جدا. ويضيف "لقد كنت محتاجا للدعم الأمريكي لكنهم أرادوا الخروج وسلموا البلد إلى الإيرانيين والعراق الآن دولة فاشلة ومستعمرة إيرانية". وحسب رأي المسؤولين الأمريكان والعراقيين السابقين فإن سليماني يضغط على السياسة العراقية بالدفع للمسؤولين والدعم المادي للصحف ومحطات التلفزيون وعند الحاجة بالتهديد. والقليلون محصنون ضد إغراءاته. ويقول المسؤول العراي الكبير السابق "لم أعرف لحد الآن حزبا شيعيا لم يأخذ الأموال من قاسم سليماني. أنه أقوى رجل في العراق بلا منازع". حتى المالكي يشعر أحيانا بأنه أسير لدى الإيرانيين. فقد عاش المالكي لفترة قصيرة في إيران بعد هروبه من صدام ثم إنتقل إلى سوريا حيث كان جزءا من دافعه هو الهروب من التأثير الإيراني كما يقول العراقيون الذين يعرفونه. ويقول كروكر بأن المالكي قد أخبره مرة قائلا " أنت لا تعرف معنى العجرفة إلا عندما تكون عراقيا عربيا مجبرا على اللجوء في إيران" ويقول السياسي العراقي المقرب إلى الإثنين بأن المالكي يستاء من سليماني والشعور متبادل. كما يقول "المالكي يقول سليماني لا يستمع بينما يقول سليماني إن المالكي لا يتكلم إلا كذبا"؟. ومع ذلك فقد يكون المالكي قائما بالدفع كاملا إلى سليماني عن جهوده بجعله رئيسا للوزراء. وكما يقول مسؤول المخابرات الكبير السابق فإن حكومة المالكي تشرف على عدة مخططات بمئات الملايين من الدولارات سنويا لمساعدة النظام الإيراني على تجاوز الحصار الإقتصادي الغربي. ويقول أحد رجال الأعمال العراقيين الكبار بأن العملاء المدعومين من إيران يستخدمون بإنتظام النظام المصرفي العراقي للقيام بصفقات وهمية يستطيعون من خلالها بيع العملة العراقية بأرباح هائلة ويقول "إذا رفض المصرف ذلك يتم إغلاقه من قبل الحكومة". والمصدر الرئيسي الثاني للعائدات إلى إيران هو النفط. ويقول المسؤولون إن حكومة المالكي تضع جانبا ما يعادل مائتي ألف برميل من النفط يوميا أي حوالي عشرين مليون دولار بالأسعار الحالية وترسل أموالها إلى سليماني. وبهذه الطريقة فإن جيش القدس يصبح محصنا ضد ضغوط الحصار الإقتصادي الغربي. ويقول ضابط المخابرات الكبير السابق "إنه برنامج تمويل ذاتي وسري" ويضيف "لذلك لا يحتاج سليماني إلى الميزانية الإيرانية لتمويل عملياته". وفي ديسمبر الماضي عندما بدا إن نظام الأسد في طريقه للإنهيار رصد المسؤولون الأميركان قيام الفنيين السوريين بإعداد قنابل تحتوي على غاز الأعصاب (سارين) وتحميلها على الطائرات. وكانت كل الدلائل تشير إلى قيامهم بالتهيئة لهجوم كيمياوي كبير. وقد طلب الأمريكان بحماس شديد من القادة الروس الذين طلبوا بدورهم ردفائهم في طهران. وكما يقول مسؤولي الدفاع الأمريكان يظهر أن سليماني كان أساسيا في إقناع الأسد في الإمتناع عن إستخدام ذلك السلاح. ولا يمكن معرفة نظرة سليماني الأخلاقية للسلاح الكيمياوي. خلال الحرب العراقية الإيرانية عانى الألوف من الجنود الإيرانيين من الهجوم الكيمياوي ولا يزال الناجون يتكلمون علنا عن إصاباتهم. ولكن بعض المسؤولين الأميركان يعتقدون أن جهوده لإيقاف الأسد لها دافع براغماتي أكبر وهو الخوف من تشجيع التدخل العسكري الأمريكي. ويقول المسؤول العسكري الأمريكي الكبير السابق "لقد قال الروس والإيرانيين للأسد – لن نستطيع مساعدتك في محاكمة أمام الرأي الدولي إذا إستخدمت هذه المواد". ويبدو إن النظام إستخدم الأسلحة الكيمياوية أربع عشرة مرة منذ السنة الماضية. ومع ذلك وحتى بعد الهجوم الكبير بالسارين في 21 آب من هذا العام والذي قتل ألف وأربعمائة مدنيا فإن دعم سليماني لسوريا لا يزال مستمرا. وللمحافظة على بقاء الأسد فإن سليماني إستخدم كل ما بناه منذ توليه مسؤولية جيش القدس من مقاتلي حزب الله والمليشيات الشيعية من كل العالم العربي وكل الأموال والمواد التي إعتصرها من حكومته المحاصرة. وفي بغداد أبلغني أحد الشباب العراقيين الشيعة ويدعو نفسه أبو حسن بأنه تم تعيينه للحرب مع مجموعة من الرجال العراقيين. وقد إستقل الحافلة إلى مدينة مشهد الإيرانية حيث حصل هو وما يزيد عن ثلاثين عراقيا على التدريب من مدربين إيرانيين ثم أرسلوا جميعا إلى ضريح السيدة زينب قرب دمشق حيث شاركوا في الحرب مع قوات حكومة الأسد مع مقاتلين من حزب الله وقناصين من إيران. وأخبرني أبو حسن "لقد فقدنا العديد من الرجال". ومن أعظم إنجازات سليماني هو إقناع وكلائه في الحكومة العراقية بالسماح لإيران بإستخدام المجال الجوي العراقي لنقل الرجال والعتاد إلى دمشق. وقد أخبرني الجنرال جيمس ماتيس الذي كان لغاية آذار من هذا العام قائدا عاما لجميع القوات المسلحة الأمريكية في الشرق الأوسط بأنه بدون هذه المساعدة لكان نظام الأسد قد إنهار تماما قبل أشهر من الآن. ويشرف وزير النقل العراقي هادي العامري على هذه الرحلات الذي كان حليفا سابقا لسليماني ورئيسا سابقا لفيلق بدر وجنديا في الجيش الإيراني خلال الحرب العراقية الإيرانية. وفي مقابلة معه في بغداد أنكر العامري إستخدام الإيرانيين للمجال الجوي العراقي لنقل الأسلحة. لكنه أوضح بصراحة حبه لقائده السابق حيث ضرب الطاولة بقبضته قائلا "أنا أحب قاسم سليماني وهو صديقي الأعز". ولحد الآن فإن المالكي قد قاوم الضغوط لمنح الأسد ممرا بريا عبر العراق. لكنه لم يوقف الرحلات الجوية لأن إحتمالات قيام نظام ستي في سوريا تغلب على تحفظاته بتورطه في حرب أهلية. وأخبرني كروكر "المالكي يكره الإيرانيين ويكره الأسد لكنه يكره النصرة تماما، ولا يريد حكومة للقاعدة في دمشق". إن مثل هذه الأجواء الواضحة من الطائفية يمكن أن تكون التأثير الدائمي الرئيسي لسليماني في الشرق الأوسط. للمحافظة على الإمبراطورية الإيرانية في لبنان وسوريا فقد ساعد على إشعال الصراع السني الشيعي الذي يهدد بإغراق المنطقة لسنوات طويلة قادمة في حرب يكون سعيدا بإدارتها. وقد أخبرني ماتيس قائلا "لديه كل الأسباب ليؤمن بأن إيران هي القوة الإقليمية الصاعدة. ولم نضربه ضربة مؤثرة لحد الآن". وفي حزيران تم إنتخاب رئيس معتدل في إيران هو حسن روحاني الذي وعد بإنهاء كل أنواع الحصار التي أنهكت البلد ودمرت الطبقة الوسطى فيه. وتصاعدت الآمال في الغرب في إحتمال قيام خامنئي بالسماح لروحاني بعقد صفقة. ورغم إن روحاني يعتبر معتدلا بالمعايير الإيرانية فإنه رجل دين شيعي ومتمسك منذ زمن طويل بالثورة فإن إدارته الجديدة قامت بسلسلة من الإشارات حسنة النوايا من ضمنها إطلاق سراح أحد عشر سجينا سياسيا وتبادل رسائل مع الرئيس أوباما. وسيصل روحاني هذا الأسبوع إلى نيويورك للتكلم أمام الأمم المتحدة وإحتمال اللقاء بأوباما. وستتركز المحادثات بالتأكيد على قدرة إيران على تقييد برنامجها النووي مقابل التخفيف من القيود. ويأمل الكثيرون في الغرب بأن تساعد إيران على إيجاد نهاية للحرب الطاحنة في سوريا. وقد عرض نائب رئيس الوزراء السوري مؤخرا إمكانية وقف إطلاق النار قائلا "ليطمئن الجميع بأن النظام بشكله الحالي لن يستمر" لكنه لم يقل بأن الأسد سيتنازل عن الحكم وهذا ما يطالب به الثوار كشرط ضروري للمفاوضات. وكانت هناك ملاحظات من قادة إيرانيين بأن الأسد لا يستأهل التمسك به. وفي خطاب للرئيس السابق هاشمي رفسنجاني قال "لقد أصبح الشعب هدفا للهجوم الكيمياوي من قبل حكومتهم نفسها" (وبعد أن تسبب تسريب تسجيلات هذا الخطاب في إشعال ضجة داخل إيران قام رفسنجاني بإنكاره) ولكن قيام أقل تعاطفا في سوريا قد يشق محور المقاومة ويعقد الأمور أساسا على علاقة إيران بحزب الله. وبأي حال من الأحوال فإن النظام الإيراني قد يكون متشظيا بشدة ليكون مجمعا على رأي. ويقول كيفين هاريس عالم الإجتماع في برنستون الذي درس إيران بعمق "في أي وقت عندما ترى تصريحا من الحكومة تذكر بأن هناك شبكة جرذان بشرية تتقاتل تحت السطح". وخلال محاولة روحاني الإرتباط بالغرب عليه أن يصارع المتشددين وبضمنهم سليماني ورفاقه الذين إستمروا لأكثر من عشرة سنوات واصفين سياستهم الخارجية بأنها حرب خفية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. ويقول هاريس "إنهم لا يثقون بالجانب الآخر، ويرون بأن أي تسامح منهم سيراه الغرب كإشارة على الضعف". وبالنسبة لسليماني فإن التنازل عن الأسد يعني إلغاء مشروعه في التوسع والذي شغل تفكيره لخمسة عشر عاما. وفي خطابه مؤخرا أمام مجلس الخبراء – وهم رجال الدين الذين ينتخبون القائد الأعلى – تكلم عن سوريا بلهجة مصممة وقاسية قائلا "نحن لا نعير إهتماما لدعايات الأعداء لأن سوريا هي الخط الأمامي للمقاومة ولا يمكن إنكار هذه الحقيقة" وأضاف "علينا واجب حماية المسلمين لأنهم تحت الضغط والإضطهاد". وكان سليماني يحارب نفس الحرب ضد نفس الأعداء الذين كان يحاربهم طول عمره . وبالنسبة له يظهر إن تسويات وحلول السلطة لا يمكن أن تقارن بجنة أرض المعركة قائلا "سندعم سوريا إلى النهاية".
|