أمين معلوف: مطرقة (إختلال العالم) وسندان (الهويّات القاتلة) |
المقاله تحت باب منتخبات غرناطة- محمّد محمّد الخطّابي:
يشير الكاتب الإسباني 'خوان كروث': 'إنه يستشفّ من كتب أمين معلوف خاصّة كتابه 'إختلال العالم' صيحته بأنّ الغرب لا يحترم كرامة الإنسان، وأنّ نظرته عن الاختلال الذي يعرفه العالم تثبّط الهمم، وتخيّب الآمال.
وأنّ هذه النظرة ليس لها أيّ أصول أو دوافع ديماغوجية، بل إنها نتيجة وعصارة تجاربه ككاتب ومواطن لبلد ما انفكّ حبّه له يتغلغل ويعتمل في داخله، سواء لماضيه، أو لحاضره، بتناقضاته، وصعوباته، والآمال المحبطة التي ليس من الهيّن واليسير بلوغها أو تحقيقها . إنّ لبنان قد أضحى لدى معلوف وكاّنه رمز أو مجاز يجسّم نظرته للإنسانية'. وضمن استجواب أجراه معه نفس الكاتب فى جريدة 'الباييس' الإسبانية مؤخّرا أشار أمين معلوف:' أنّ الحروب التي عرفتها بلاده جعلته يصيح بصوت جهوري في معظم كتبه أنّ العالم قد أصابه خلل مّا، وبأنّنا نسير نحو مستقبل مشحون بالنزاعات، والمرارة، والتظلّم، والتفاوت، والتنابذ، والتباعد، والحروب، والمعاناة، والفاقة والفقر'. في البحث عن الجدّ الضّائع يشير خوان كروث: 'أنّ معلوف ظلّ خلال عشر سنوات يبحث وينقّب فى الوثائق والمراسلات العائلية، وفي سجلاّت الدخول والخروج من وإلى ميناء نيويورك لعله يقتفي آثار جدّه الذي كان معلّما وسياسيا وصحافيا، والذي كان قد جعل من مسألة النّهوض بالتربية والحداثة ديدنه وهمّه الكبيرين في حياته، ومن جرّاء هذا البحث والتنقيب الحثيثين جاء كتابه 'بدايات' الذي يعتبر ترجمة او سيرة ذاتية بليغة، أو حوارا حيّا لرجل ينتمي إلى زمن آخر،والآن بفضل حفيده قد أصبح يعيش بين ظهرانينا وكأنّه معاصرنا عادت إليه الحياة من جديد'. في 'إختلال العالم' وفي سواه من أعمال معلوف مثل الحروب الصليبية كما رآها العرب، وليون الإفريقي، وسمرقند، وصخرة طانيوس، وحدائق النّور، والحبّ عن بعد، يصبّ فيه جامّ غضبه وحنقه على سوط من سياط هذا العصرالمتمثل فى الهويّات القاتلة. أزمة استلاب أم أزمة انتماء وعن مسألة الهويّة وألاقليّاّت يقول معلوف إنّه وعائلته قد عانوا من هذه الإشكالية، وهم ينحدرون من أقليّات، ولم يشعروا قطّ أنّ فرنسا هي بلدهم، وأنّ هذا الشعوركان حاضرا معه بإستمرار، كما انّه كان يعتري أفراد عائلته في المهجر. ويشير معلوف انّ لديه إحساسا بأنّه خارج دائرة المجتمع الذي يعيش في كنفه، كان يشعر بذلك وهو في لبنان، ثمّ عاوده هذا الشعورعندما رحل الى فرنسا. ويشير أنّه حاول القول أنّه جزء من هذا البلد الجديد الذي هاجر إليه، بل إنه يريد أن يكون طرفا من هاتين الثقافتين، من الأمتين معا، إلاّ أنّ ذلك لا يحدث في الواقع إذ بالطريقة التي ينظر بها إليك الناس يتأكّد لك أنّهم يعرفون أصولك وجذورك، ويؤثّرّ ذلك على الطريقة التي يتحدّثون بها إليك،كما يؤثّرّ على مكانتك في المجتمع، وعلى ما يمكنك قوله، وما لا يمكنك البّوح به، وعلى ما يمكنك فعله، وما لا يمكنك القيام به، وهو يشعر أنه الآن قد أصبح من الصعوبة بمكان من ذي قبل الإندماج أو الإنتماء أو الانصهار أو الالتحام بشكل كليّ في المجتمع، ذلك أنّ إشكالية الهويّات قد أصبحت تزداد سوءا وتعقيدا كل يوم في مختلف أنحاء المعمورة، وهذه الظاهرة قد أمست تدفعك إمّا إلى الإفصاح صراحة عن هويّتك الحقيقية أو أن تصمت. الهويّات القاتلة وعن إشكالية التسامح الواردة في كتابه'الهويّات القاتلة' يقول إنّ هذا الكتاب عندما قدّمه الروائي البرتغالي الرّاحل خوسيه ساراماغو في مدريد كان كلّ منهما قد أعدّ ّملاحظات لهذه الغاية، وكانت أولى النقاط التي سيتعرّض لها معلوف خلال هذا التقديم تشير إلى أنّ عدم التسامح هو ليس نقيض التسامح بل هو الاحترام، والغريب أنّ ساراماغو كان قد أعدّ هوالآخر نفس الملاحظة، فالتسامح ـ في نظره- لا يكفي ولا يفي إذ هو موقف أو تصرّف يمارسه الغالب على المغلوب، والذي ينبغي لنا قوله هو ليس أنا أتسامح معك،بل أنا أحترمك،أن تحترم الآخر،هو أن تعرف الآخر،وأن تقيم نوعا مغايرا من الصلة أو العلاقة معه ومع ثقافته، فمصطلح التسامح هذا كان مقبولا ومستساغا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، أمّا الآن فانّه لم يعد يكفي، نحن مدعوّون لان نعي ونعرف بأنّنا نتقاسم نفس الكوكب الأرضي، وأننا أناس نختلف في اللغات، والدّين، واللون، والوضع الاجتماعي، وفي الجنسيات .الإشكالية الأساسية للقرن الواحد والعشرين هي كيف يمكننا أن نعيش جميعا في انسجام ووئام فيما بيننا، وقليل من البلدان تواجه أو تعالج هذه المسألة بالجديّة المطلوبة. وعمّا يجري في العالم من انعدام الاحترام في أريزونا نحو المكسيكيين، وفي باريس نحو الرّومانيين، وفي اسبانيا وايطاليا مع الأفارقة،أشار معلوف أنّه سيكون من السذاجة بمكان التفكير أنّ طبع الكائن البشري هو قبول الآخر، بل إنّ موقفه التلقائي على امتداد التاريخ كان عكس ذلك، أي إبعاد وإقصاء الآخر، وهذا أمر ينبغي دراسته وتمحيصه، فقبول الآخرهو ليس بالأمر الهيّن اليسير، بل هو أمر صعب للغاية،ينبغي علينا مواجهته بجديّة وباحترام مشاعر الآخرين . العالم العربي والغرب ويشير معلوف أننا عندما نتحدّث عن العالم العربي، فإنّ كثيرا من الأشخاص في الغرب يبدو وكأنهم مقتنعون أنّ هذا العالم كان دائما موسوما بالتأخّر والتقهقر، ويتّسم بالتطرّف والعنف،إلاّ أنه ينبغي أن لا ننسى أنّ هذا العالم قد عرف قرونا وعهودا من النقاش، والحوار، والبحوث العلمية،والتطوّر، والنماء، والفلسفة، والترجمة، وهذا يعني أنّه ليس من الضروري أنّ ما نراه اليوم هو من نتاج تلك الثقافة، والأهمّ من ذلك أن نعرف أنّ ما نراه فيها اليوم، من الحيف والشطط نسبته إليها، أو أن نقول إنه من صميم طينتها أو عنصرها. بل إنّ ما نراه اليوم هو نتيجة ظروف تاريخية معيّنة، فكلّ مجتمع ينتج أشياء مختلفة في فترات متباينة من تاريخه، وإذا كان هناك مجتمع مفتوح فيما مضى يقبل بتعدّد الآراء، فليس أمرا مستحيلا أن تنطبق عليه هذه الخاصّية اليوم. ويشير: أخشى أنّنا نسير نحو منحدر سحيق ليس في مجال التطوّر التكنولوجي أو العلمي بل في التراجع الأخلاقي في مختلف أصقاع العالم، وأننا نسير نحوعالم يطبعه النزاعات والمشاكسات،عالم مشحون بالمرارة والتظلّم، والحروب،والمعاناة كل ذلك قد يقودنا إلى مزيد من الفقر والفاقة. |