المقاله تحت باب أخبار و متابعات في
18/10/2012 06:00 AM GMT
صدر قبل أيام في عمان عن دار نشر غيداء كتاب نقدي عن تجربة فاضل العزاوي الشعرية بعنوان 'التأويلية ـ مقاربة وتطبيق: مشروع قراءة في شعر فاضل العزاوي' أعده الناقد والباحث العراقي الدكتور محمود خليف الحياني، وهو أستاذ أدب عربي في جامعة الموصل أصدر العديد من الكتب النقدية. يدرس الباحث في هذا الكتاب، وهو في الأصل أطروحة دكتوراه، تجربة الشاعر العراقي فاضل العزاوي التي يقول عنها إنها ذات أشكال متعددة ومتنوعة من منظور النظرية التأويلية ، موضحا أن العزاوي هو من أوائل الذين جددوا القصيدة العربية من خلال قصيدة النثر واستخدام الكولاج والتشكيلات الفنية الجديدة في قصيدة التفعيلة ومزج النثر بالشعر. وهو يرى أن العزاوي أدخل عناصر شكلية وتقنيات متنوعة لم تكن مألوفة في متن القصيدة العربية، متجسدة في التقطيعات الكتابية، والرقمية، واعتماد اللقطات المبعثرة ، فضلا عن تداخل الأجناس، وإفادته من تقنيات السرد والدراما. وفي مقدمته للكتاب يشير الناقد محمود خليف الحياني الى إن اختياره لدراسة شعر فاضل العزاوي جاء من حقيقة اهتمامه باتجاه الشاعر إلى التجريب والتغريب وبحثه الدائم عن عوالم شعرية مختلفة وسحرية، فضلا عن تجاوزه المستمر للحواجز الإجتماعية والسياسية وتمرده على المألوف من خلال صوره الرمزية والسوريالية المنسجمة مع روحه الشعرية التجديدية التي بصمتها الستينيات بكل تحولاتها وأنعتاقاتها. وبالإضافة الى كل ذلك فان فاضل العزاوي يتمتع بغزارة إنتاجه الإبداعي وتنوع أشكال تجربته الشعرية. يتناول الناقد في تمهيده لكتابه إشكالية مصطلح التأويل وسيرورته التاريخية، كاشفا عن حالة التداخل والتشابك بين مصطلح التأويل عند العرب وفي الغرب، فعند العرب يدخل المصطلح في علاقة إشكالية ومتداخلة مع مصطلح التفسير في لحظة الأختلاف والائتلاف وموضوعية التفسير وعقلانية التأويل التي المترسخة في مدرسة النقل والرأي ، أما في الغرب فإن الرافد الفلسفي والديني كخلفية معرفية وثقافية توجه مسار التأويل وفق الفكر 'الهرمسي'والضغوط المعرفية للمراحل التاريخية المختلفة التي أدت في النهاية الى ثبات المصطلح، مقابل سمة الخلط والغموض والارتباك في الثقافة العربية المعاصرة بين مفهوم الأصالة والتبعية من جهة وتنوع ترجمة المصطلح الغربي بين النحت والأصالة من جهة أحرى. وفي تقدير الناقد إن مصطلح التأويلية يمثل هوية متطابقة مع مصطلح الهرمينوطيقا ،ولاسيما في توجهاته المعرفية والسياقية في التاريخ العربي. ويعرض الناقد في الفصل الأول من كتابه ابستومولوجيا التأويل القائمة على ثلاثة مباحث: الأول منها يتعلق بتكهنية المؤول وتجربة السجن وفق مقاربة 'شلايرماخر' بجانبيها اللغوي والنفسي، محاولا فهم تجربة السجن في النصوص الشعرية عند العزاوي، وفي المبحث الثاني يتناول تجربة الحياة وسفر الأبدية، مؤولا النص بفكرة تجربة الحياة عند 'دالثاي' وهي فكرة تكشف عن التمرد الروحي عند العزاوي من خلال فكرة الأبدية والعود الأبدي ، فيما يحلل في المبحث الثالث تجربة النفي عند العزاوي ويكشف عن معناها. وفي الفصل الثاني (انطولوجيا الفهم) يقارب الناقد نص العزاوي على أساس الحقيقة 'الهايدغرية' في جدلية الأرض والعالم والتي تتجلى في حدثية الأثر وفكرة المحو والبقاء ، كما يدرس فن الحوار 'الغاداميري' ويطبقه على القناع الذي يتلبسه الشاعر المتبلور في انصهار أفق النص وأفق المؤول ، في محاولته الولوج الى رموز العزاوي وكشف دلالاتها. أما الفصل الثالث فقد خصصه الناقد لإستراتيجية المؤول وإنتاج المعنى مقسما إياه الى مبحثين : الأول منها يوضح دوغمائية السلطة وعلاقة المثقف معها وفق مقاربة امبرتو ايكو ، والثاني يستعرض علاقة الشاعر بالمكان وتجربة المكان في شعره. ويتوصل الناقد في النهاية الى نتائج يستخرجها من شعر فاضل العزاوي منها أن موقف الشاعر من التراث قائم على النقد وليس الرفض، حيث انه لا يكف عن إضاءة كل ما هو إنساني فيه، وهو ما يتجلى في حواره وتناصه مع العديد من الشخصيات التاريخية العربية والعالمية، ناسبا اتساع عالمه الشعري الى محاولة العزاوي أن تكون تجربته الشعرية تجربة عالمية ؛ وهي تجربة لا يمكن أن يحصرها في التراث العربي وحده. وفي نظره ان ظاهرة محو الأثر في نصوص العزاوي تتضمن رفضا للمفاهيم القديمة، ومحاولة لبناء مفاهيم جديدة لجيل جديد يتوجه اليه الشاعر، لذلك كانت تجربة الأثر قائمة على لعبة المحو نفسها، كما ترتبط تجربة الحوار التأويلي مع تقنية القناع في نصوص العزاوي بالسخرية والتهكم ،ونقد الواقع ورفض بعض مفاهيمه. وأقنعة العزاوي عربية وعالمية متعددة، دينية، وأسطورية، وتاريخية، وأدبية، وذاتية، مما يدل على ثقافة واسعة وعميقة. وهي في الوقت ذاته رموز مغنية ومثرية للنص الإبداعي. كما يرى أن معظم قصائد الشاعر تمثل سيرة ذاتية إبداعية ذات دلالات تكشف عن اختلاف بين شعر السبعينات (في الداخل)، ذلك الشعر الذي يتميز بالإبهام والغموض والصور السوريالية ، وشعر الخارج (المنفى) الواضح والمباشر المتمثل في شعر العزاوي. وفي تقديره أن ذلك يعكس حالة نضج شعري وفكري في ارتباطها بجو الحرية الذي يتوفر للشاعر في الخارج.
|