الحكومة تهدد بإغلاق وسائل الإعلام.. لأسباب صحية

المقاله تحت باب  قضايا
في 
29/04/2012 06:00 AM
GMT



خالد وليد | بغداد
الخطوات التي اتخذتها وزارة البيئة مؤخرا والمهددة بإغلاق عدد من وسائل الإعلام السمعية والمرئية أثارت مخاوف من مصادرة حرية التعبير في البلاد.
وزارة البيئة العراقية كانت قد أعلنت في شهر نيسان (أبريل) الجاري إصدارها كتبا تقضي بإغلاق جميع وسائل الاعلام المسموعة والمرئية التي تمتلك اجهزة بث وإرسال في مناطق مأهولة بالسكان.
وأصدرت الوزارة كتابا موجها لإذاعة "شفق" وهي الاذاعة الوحيدة الناطقة باللغة الكردية التي تبث في بغداد، ينذر بإغلاق مكاتبها في حال عدم نقل مرسلتها الى مكان غير مأهول بالسكان، لأسباب تتصل بالسلامة العامة.
وقال وكيل وزارة البيئة كمال حسين لـ "نقاش" ان "اجهزة البث والارسال تؤثر على صحة الانسان بشكل كبير".
إذاعة "شفق" ليست الوسيلة الاعلامية الوحيدة المشمولة بإجراءات وزارة البيئة. فهناك مجموعة من القنوات الحزبية ستصلها قريبا الإنذارات بحسب الوكيل الذي أوضح أن الوزارة "ستبعث هذا الاسبوع كتابي إغلاق احدهما لقناة "الفرات" والآخر لقناة "بلادي" وبعدها الى جميع المحطات بدون استثناء لتغادر المجمعات السكنية".
"الفرات" و"بلادي" محطتان فضائيتان محليتان يتم تمويل الاولى من قبل المجلس الأعلى الاسلامي العراقي بقيادة عمار الحكيم، بينما تمول الثانية من قبل رئيس الحكومة الأسبق ابراهيم الجعفري، وكلا الفريقين حليف لرئيس الوزراء نوري المالكي في البرلمان تحت مظلة التحالف الوطني، لكنه منافس له في المحافظات الشيعية.
اللافت أن عددا من الجهات المشمولة باجراءات وزارة البيئة اشاروا الى ان مواقع محطاتهم تقع خارج الرقعة المأهولة بالسكان في العاصمة العراقية بغداد.
عباس العيساوي مدير قناة "الفرات" الفضائية قال لـ "نقاش" إن "أجهزة البث التابعة للمحطة تقع في أرض زراعية ليست مأهولة بالسكان"، في منطقة الكرادة وسط بغداد.
واضاف ان "على الحكومة العراقية قبل اتخاذها لمثل هذه الاجراءات توفير موقع للمحطات الاعلامية كباقي دول العالم".
عدد من الصحفيين ومدراء المؤسسات الإعلامية يرى أن الموضوع أبعد من أن يكون قرارا إداريا، ويبدى قلقه من التضييق المتزايد على الإعلام العراقي.
ويقول الصحفي ادريس جواد الذي يعمل في قناة السومرية الفضائية لـ "نقاش" ان "خطوات وزارة البيئة تأتي ضمن عملية ممنهجة للقضاء على حرية التعبير في البلاد، ففي الامس كان اغلاق قناتي "الشرقية" و"البغدادية" وبعدها التضييق على عمل وسائل الاعلام العالمية، واليوم اغلاق المحطات في المناطق السكنية".
واضاف "ربما غدا نسمع قرار باغلاق المؤسسات الاعلامية التي ستنجو من هذه الخطوات بحجة انها تحرض على الطائفية".
وكانت الحكومة أغلقت مكاتب قناة "الشرقية" التي تبث حاليا من خارج البلاد في الأول من كانون الثاني (ديسمبر) عام 2007 بذريعة تحريضها على الفتنة الطائفية، فيما تم اغلاق مكاتب قناة "البغدادية" ومصادرة اجهزتها في الثالث من شهر نيسان (أبريل) الجاري بحجة اخلالها بالأمن العام، وكلا القناتين تنتقدان سياسات الحكومة.
ويرى مراقبون أن قرار وزارة البيئة ليس منفصلا عن سلسلة قرارات أخرى تستهدف الإعلام، اتخذت عقب انسحاب الجيش الأمريكي من البلاد مطلع العام الجاري، وخلو الأجواء لرئيس الوزراء نوري المالكي.
ويستدل المتابعون على ذلك من كتاب أصدرته وزارة الداخلية في 4 من الشهر الجاري موجه إلى جميع وسائل الإعلام العاملة في العراق المحلية والأجنبية على حد سواء يطلب من هذه المؤسسات الكشف عن مصادر معلوماتها وذكرها اثناء سياق المقال الصحفي ويهدد برفع دعاوى قضائية ضدها في حال عملها بخلاف ذلك.
اللافت في الأمر أن مسؤولا رفيع المستوى في وزارة الداخلية كان قد أدلى بتصريح لـ "نقاش" طالبا عدم الكشف عن اسمه في الأسبوع نفسه، مما يشير إلى عدم التزام كوادر الوزارة بمقتضيات هذا الكتاب.
ويقول سنان عدنان الذي يعمل في وكالة آكا نيوز فقال لـ "نقاش"، "إن وزارة الداخلية هددت الصحفي بالسجن في حال عدم كشف مصادره والبيئة تصدر كتب لاغلاق وسائل الاعلام لانها مضرة بالبيئة فياترى ماذا ستقرر الوزارات الاخرى لتقييد حرية الاعلام في البلاد".
وذكرت منظمة "مراسلون بلا حدود"، وهي منظمة غير حكومية تدافع عن حرية الصحافة في كافة بلدان العالم، في تقرير لها الشهر الجاري بأن القانون العراقي يضمن للصحفيين الحق في عدم الكشف عن مصادر معلوماتهم وأن القرار القضائي فقط قادر في حالات محددة على إجبارهم على الكشف عن مصادرهم.
كما اعربت المنظمة في ذات التقرير عن بالغ قلقها إزاء وضع حرية الإعلام في العراق في اشارة منها إلى مشروع قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية المرفوع أمام البرلمان العراقي فضلاً عن الانتهاكات المتعددة المرتكبة ضد الصحافيين في الأسابيع الأخيرة.
وينص مشروع قانون الجرائم المعلوماتية على عقوبات بالسجن قد تصل إلى مدى الحياة بسبب استخدام الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر من أجل تقويض الأمن القومي أو الوحدة الوطنية أو في حال نشر معلومات حول الاتجار بالبشر أو المخدرات (المادة 5).
لكن وزارة البيئة تنفي ارتباط قرارها إغلاق محطات البث الاذاعية والتلفزيونية بعملية الحد من حرية التعبير، ويقول حسين أن "الوزارة مهمتها الحفاظ على البيئة وصحة الانسان وتأثيرات هذه المحطات كبيرة ولا تظهر إلا بعد سنوات"، مؤكدا أن لا أبعاد سياسية تقف خلف القضية.
وعن كون القرار اتخذ بالتنسيق مع زارة الصحة وبناء على تقارير طبية او دراسات حديثة قال حسين إن لجنة وطنية في مجلس الوزراء جرى تشكيلها مطلع العام الماضي، مؤلفة من ممثلين عن هيئة الإعلام والاتصالات ووزارة البيئة وجهات اخرى خلصت بالاجماع إلى هذا القرار. وأضاف "لا حاجة للتنسيق من جديد مع وزارة الصحة وهيئة الاتصالات بعد أن صدر القرار".
"نقاش" استطلعت آراء عدد من خبراء الصحة و البيئة والاتصالات لمعرفة مدى تأثير موجات البث الاذاعي والتلفزيوني على صحة الانسان وسلامة البيئة.
ويقول الخبير في الالكترونيات والاتصالات المهندس كرار العبودي لـ"نقاش" ان "موجات البث المستخدمة في الاذاعة والتلفزيون بالرغم من كون تردداتها عالية لكنها لا تسبب ضررا على صحة الانسان".
وأضاف "اتجاه الارسال غير موجه باتجاه السكان. حيث ان اتجاه المرسلات يكون عادة نحو الاقمار الصناعية اي نحو الاعلى بالتالي المواطنين لا يقعون ضمن منطقة الارسال او اتجاه الإرسال".
اما الخبير الصحي الدكتور علاء القاضي وهو احد العاملين في مجال معالجة الامراض السرطانية والتشوهات الخلقية فيقول لـ "نقاش"، "لم اشهد خلال فترة عملي طوال عشر سنوات من عملي في العراق حالة سرطان او تشوه خلقي او مرض من اي نوع اخر نتيجة التعرض لموجات التلفزيون او الاذاعة".
ويضيف "لو كان هذا الامر صحيح لأوصت المنظمات الصحية العالمية بوقف الارسال التلفازي والاذاعي لجميع المحطات في العالم".
في المقابل تدعم تقارير لمنظمة الصحة العالمية وجهة النظر التي تقول بالتأثير الضار للحقول الكهرومغناطيسية على جسم الانسان "عند التعرض لها لفترات طويلة وبمستويات عالية جدا". لكنها لا تؤكد تعرض المواطنين للضرر على المدى الطويل في الأحوال العادية كما انها تفرق بين انواع مختلفة وعديدة من الموجات بحسب نوع المرسلات.
ولا تحدد الدراسات المتوفرة والمتناقضة في خلاصاتها أثر الموجات الإذاعية أو التلفزيونية الاجمالي على صحة الانسان مقارنة مع محطات ارسال الهاتف الجوال المنتشرة بكثافة في المدن.
وتعد تداعيات هذا القرار مكلفة جدا بالنسبة للمحطات. ويقول العيساوي مدير قناة "الفرات" الفضائية أن عملية نقل اجهزة البث والارسال وتأمين أراضي ومقرات جديدة يتطلب انفاق ملايين الدولارات، مطالبا الحكومة بتحمل هذه التكاليف.
بعض النواب في البرلمان العراقي عبروا عن شكوكهم حيال الغرض المعلن من الاجراءات الحكومية من قبل وزارة البيئة. ولم تستبعد لجنة حقوق الانسان في مجلس النواب اقتران هذه الخطوات بـ "أجندة حكومية للتضيق على الحريات".
وتقول عضو اللجنة اشواق الجاف لـ "نقاش" "اجراءات وزارة البيئة مرفوضة والموضوع سيطرح للنقاش في المجلس النيابي".
وما يعمق شكوك النائب ومعها مراقبون كثر، هو أن الإجراءات المزمع اتخاذها لا تطال قناة "آفاق" الفضائية التابعة لحزب الدعوة بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي. فهذه القناة غير واقعة في منطقة مأهولة بالسكان ومقرها يقع بالقرب من مطار المثنى في مركز بغداد.
أما قناة "العراقية" شبه الرسمية والتي تروج للحكومة، فلم تؤكد وزارة البيئة وجود اجراءات ستتخذ بشأنها.
وقال الوكيل كمال حسين ان "فرق وزارة البيئة لم تحدد حتى الان فيما اذا كانت قناة العراقية مخالفة للشروط البيئية أم لا".
وكانت منظمات عالمية اخرى اعربت عن قلقها حيال تراجع حرية التعبير في العراق. وصنفت منظمة صحفيون بلا حدود العراق في المرتبة 152 من 179 في قائمة حرية الصحافة لعام 2011-2012، اي بانخفاض بلغ 22 مرتبة عن العام الماضي.
وبحسب المنظمة انه بالرغم من التحسن الذي شهده العراق لبضع سنوات، فقد تراجع تصنيفه في حرية الصحافة هذا العام ليعود الى ماكان عليه في عام 2008 نظرا لزيادة حالات التضييق على الصحفيين.
عن (نقاش)