بعد القاعدة.. المخدرات تفتك بشباب الانبار

المقاله تحت باب  قضايا
في 
04/04/2011 06:00 AM
GMT



نقاش : 
لم يجل يوما في خاطر عمر ابراهيم أنه سيدمن على المخدرات، وهو الذي اعتقد في بادئ الأمر، أن أقراص المهدئات التي بدأ يتناولها يمكن أن تخفف من مصابه بفقد أخيه.

الأيام الأولى لتلك القصة يتذكرها ابراهيم بألم وحسرة، حين قتل شقيقه محمد على مرأى من ناظريه في شباط (فبراير) 2008. تلك الحادثة حولت الشاب العشريني إلى مدمن لا يرجى فائدة منه، وقد يحتاج علاجه إلى جهود وأوقات طويلة.

يومها عاد الشابان إلى منزلهما عند مغيب الشمس، فتأخر أخوه عدة أمتار عنه للحديث مع صديق عابر، وسرعان ما أحاط به رجال ملثمون من تنظيم القاعدة الإسلامية أطلقوا النار على رأسه، ثم لاذوا بالفرار سريعا. كان ذنب الأخ انه تطوع في صفوف الشرطة العراقية قبل أيام قليلة.

وما لبثت العائلة أن فقدت ابنها الثاني على يد المخدرات، فقد بدأ ابراهيم بتعاطي الأقراص المهدئة للتكيف مع وضع جديد كان مجبرا على مواجهته: "كنت غير قادر على النوم ليلا وصورة الدماء التي نزفت من رأس أخي وهو يتمرغ على الأرض تلاحقني في كوابيسي".

كانت بداية محفوفة بالمخاطر، إذ سرعان ما اعتاد على تلك الأقراص، ثم تفاقم الموضوع بتناوله أنواعا أخرى من المخدرات، وبشكل دائم.

ويشير ابراهيم، الذي أصبح هزيل البنية ويبدوا عليه النحول مع احمرار العينين، إن حالته ليست الوحيدة، وإنما هناك الكثير من أمثاله الذين تعرف على بعضهم أثناء بحثه عن الحبوب المخدرة.

وفي مناخ عشائري تقليدي كالسائد في الأنبار، يجد ابراهيم ورفاقه صعوبة في تلقي العلاج اللازم، "فالخجل والخوف من ألسنة الناس يمنعنا من التماس النصح من الطبيب المختص" حسب قوله، لكن لديه أمل بزيارة مدينة بغداد أو أربيل عسى ان يجد حلا لحالته المتردية.

الدكتور خضير خلف مدير صحة الانبار قال إن "اغلب المراجعين المدمنين ليس لديهم الدافع الحقيقي للعلاج من الادمان وانما الهدف من مراجعة المستشفى الحصول على الادوية مجانا ودون العودة مجددا، لاعتقادهم انه شيء مخجل ومن العيب مراجعة الطبيب لمثل هذه الحالات".

وكان للأوضاع التي مرت بها المحافظة منذ سقوط نظام حزب البعث عام 2003 ولغاية الآن دور كبير في تفشي ظاهرة تعاطي الحبوب المهدئة والمخدرات والادمان عليها والمتاجرة بها.

وهذا ما تؤكده المصادر الأمنية في المحافظة، إذ قال قائد شرطة الانبار اللواء بهاء الكرخي في حديث لـ "نقاش"، إن "سوء الوضع الأمني وغياب الرادع القانوني في السنوات الماضية وفتح الحدود لكل من هب ودب، سيما وان المحافظة محاذيه حدوديا لثلاث دول عربية، كان لها دور كبير في تفشي المخدرات".

ووفقا لتقديرات مديرية صحة الانبار لعام 2010 فان نسبة المدمنين هي 1,1 % من الأهالي، وهي نسبه ضئيلة جدا حسب الدراسة، واغلبهم من المدمنين على الحبوب المهدئة وليس المخدرات.

لكن الطبيب خضير خلف مدير صحة الأنبار قال إن هذه التقديرات أولية حيث لا توجد إحصائية ميدانية عن تعاطي المخدرات "بسبب الحاجه لمسح شامل واخذ عينات ونماذج مختلفه من المجتمع الانباري والذي من المؤمل القيام به في الفترة القادمة".

ويلجأ العديد من المدمنين عن العقاقير المخدرة إلى الصيدليات للحصول على مبتغاهم، بذريعة التخلص من الأرق أو الاكتئاب.

وهو ما أشار إليه الصيدلاني أبو حذيفة صاحب أقدم صيدلية موجودة في سوق الرمادي، مضيفا أن "هناك الكثير ممن يراجعنا طالبا حبوبا كالفاليوم واللارمين ومضادات الاكتئاب وعقاقير أخرى، لكننا لا نصرف أي علاج من دون وصفة طبية".

ولفت إلى أن "العديد من الصيدليات في الرمادي أعرف أصحابها تبيع عقاقير من دون وصفة، كما أن هناك بعض الموظفين في المستشفيات الحكومية يسرقون الدواء ويبيعونه للمدمنين".

وتشير الاحصائيات الامنية في المحافظة إلى ان خمسين صيدلية تم اغلاقها في عام 2010 بسبب بيعها الادوية والعلاجات التي تساعد على الإدمان بدون وصفات طبية، بعض هذه الصيدليات غير مجازة ولم تحصل على موافقات رسمية.

وبحسب أبو حذيفة، فإن أغلب الذين يطلبون الحبوب المخدرة او المهدئة من صيدليته هم من منتسبي الاجهزة الامنية، الذين يتواجدون في السيطرات ونقاط التفتيش.

ويعزو ذلك إلى "الخوف الذي يسيطر عليهم ومعاناتهم من اضطرابات نفسية لكونهم مهددين من قبل الجماعات المسلحة".

اللواء الكرخي الذي استلم قيادة شرطة الأنبار في العام الماضي، يؤكد انتشار ظاهرة الإدمان بين صفوف الشرطة، ولهذا السبب، بادر فور استلامه مهامه إلى استحداث وحدة جديدة لمكافحة المخدرات، كاشفا أن "أكثر من 30 منتسبا من الأجهزة الأمنية تم فصلهم من وظائفهم على خلفية التعاطي".

من حهته، لا يتسامح القانون العراقي مع متعاطي المخدرات إن لم يذهب الشخص بنفسه لتلقي العلاج.

وفي هذا الصدد يقول اللواء الكرخي: "تم خلال العام الماضي إلقاء القبض على أكثر من خمسين شخصا متهمين بالإدمان معظمهم من الشباب، وتتراوح عقوبة هؤلاء ما بين الحبس ستة اشهر إلى سنة واحدة بعد إجراء الفحص الطبي عليهم".

ويضيف إن "القانون ينفذ على جميع المدمنين ويستثنى من لديه تقارير صحية تثبت انه يتناول الحبوب المخدرة من اجل العلاج ولفترة محدودة، وهذا يتم من خلال لجنة طبية رسمية تقوم بالكشف عليه وتزويدنا بتقرير تؤكد حالته المرضية".

أما تجار المخدرات، فيقول الكرخي أنهم يجلبون بضاعتهم عبر المنافذ الحدودية لاسيما من منفذ الوليد على الحدود السورية أو من المحافظات الجنوبية بعد وصولها عن طريق ايران.

وكشف أنه خلال عام 2010 "تم إلقاء القبض على عشرين متهما بمتاجرة المخدرات كالحشيشة والهيرويين والكوكايين والحبوب المخدرة واثنين منهم من جنسية ايرانية وتتراوح عقوبة سجنهم ما بين الخمس سنوات والمؤبد".