المقاله تحت باب أخبار و متابعات في
15/05/2010 06:00 AM GMT
بالاشتراك بين منشورات الاختلاف والدار العربية للعلوم/ ناشرون صدر للقاص والباحث د.لؤي حمزة عباس كتاب بعنوان (بلاغة التزوير) توجه لدراسة (فاعلية الإخبار في السرد العربي القديم)، وقد ضم ستة فصول امتدت على 264 صفحة توزعت على بابين، حمل الباب الأول عنوان (السيرة، الخبر، المنظومة الخبرية) تضمن ثلاثة فصول: في شعرية الرسالة، والتطلّع إلى النبوة، وبلاغة التزوير، وحمل الباب الثاني عنوان (السيرة وصياغة التاريخ)، تضمن ثلاثة فصول أخرى: سيرة المغترب، وسلوان السرد، وإستراتيجية الخبر وآليات صياغة التاريخ، وقد انشغلت الفصول، كما تشير عنواناتها، بمعالجة عدد من مدونات السرد العربي القديم على اختلاف تنوعاتها وتباين عصور إنتاجها من نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي إلى كتاب الأصنام لابن الكلبي، ومن سلوان المطاع في عدوان الأتباع لابن ظفر الصقلي إلى كتاب الأغاني للأصبهاني، وقد أكد الباحث في مقدمة كتابه أن على الرغم مما قدمه النقد العربي منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي من إنجازات في قراءة السرد العربي القديم، يظل أمام هذا النقد الكثير لإنجازه لاسيما في دراسة المراحل المبكّرة من حياة السرد العربي، بما يكتنف مثل هذه الدراسة من صعوبات ربما توجهت في معظمها للنص السردي نفسه وقد واجه خلال مراحل زمنية طويلة أساليب التهميش والإقصاء، مثلما لفّته غيوم التعتيم والضبابيّة وهو يُلحق، في معظم الأحيان، بسواه من النصوص والأحداث ويوجّه للتعبير عن مقولات خارجيّة، كأنه لا يملك أن يقول كلمته، كلمة الصوغ الجمالي للمتون السردية التي تتواشج مع كلمة الدلالة حتى لتتقارب الكلمتان في عبقرية الأداء النصي وهي توطد حياكة النُسج السردية وتوجه دلالاتها بما يتقاطع، أحياناً، مع ما تعمل تواريخ إنتاجها على تثبيته من أفكار ومقولات. وإذا كانت الموجهات الثقافية، على اختلاف قيمها، قد أدت أدوارها في توجيه النصوص السردية بما يدفعها للاستجابة لقوة النسق السائد، فإن بمستطاع النصوص المنتجة تحت ضغط إعادة التوجيه أن تُحرّف مقولاتها الأولى وتغيّب غاياتها الأصليّة، لكنها تحافظ، من جهة أخرى، على ما يعتمل ضمن نُسجها النصيّة من إشارات تمنح الدارس فرصة فحص ما تُبنى عليه هذه النصوص من وحدات سرديّة مختلفة وتأمل خصائصها الصياغية، ليُقترح عندئذ موقع هذه النصوص في تاريخ السرد العربي تبعاً لما تعتمده من وسائل وأساليب في تقديم مادتها، أي أن تاريخ السرد سيغدو، بجملة أعم، تاريخ تحولات شكليّة تعلن النصوص من خلاله عن ذواتها بقدر ما تُخفي، وتكشف بقدر ما تخبئ، لذا سيكون من الضروري بالنسبة للدراسة النقديّة أن تحدد متجهاتها وهي تسعى لاستكشاف النصوص ومعاينة خصائصها، كما في نصوص الخبر العربي التي مُنحت عبر التباين الواسع لصياغاتها موقعاً بالغ الأهمية في السرديّة العربية بالنظر لما حققته من إسهام في صياغة الأنواع الأخرى وهي تنشأ بالدرجة الأساس على (فاعلية إخبار) ترتبط على نحو مباشر بحركة السياق الثقافي، وتوجّه عناصرها توجيهاً يستجيب لإيعاز التأليف ويعمل على تحقيق أهدافه وهو يقدِّم، في كل مرّة، مكوّناً بنيوياً من مكونات النصوص ويؤخر آخر.
التبادلية الثقافية يصعب إدراك هذه الفاعلية بغير النظر الفاحص للمكونات السرديّة وهي تعمل ضمن نسيج واحد، إذ إن حياكة السرد لا تؤثر بعنايتها مكوّناً دون آخر، لكن لها، بالمقابل، أسباباً وموجبات لا تنفصل بمجملها عن تواريخ النصوص ومواضعات أنساقها وهي ترعى خصائصها النوعيّة تحت شبكة من التفاعل بين المرجعيات على اختلاف مشاربها وبين هذه النصوص، ليغدو النص السردي، بناءً على هذا التصور، منتجاً ثقافياً يمكن له أن يقول الكثير عن البُنى التي أسهمت بإنتاجه، بما تنطوي عليه عملية التأليف من بُعد تبادلي، فالثقافة بانفتاحها واتساع آفاقها تعمل على إنتاج النصوص وتحديد متجهاتها، مثلما تعمل النصوص على قول الثقافة وكشف نُظمها، لتُعد هذه التبادليّة مؤشراً نوعيّاً على فاعلية النصوص في تجاورها وتقاطعها وتداخلها، وعلى فاعلية الثقافة وهي تُنتج عبر شبكة معقدة من النصوص.
شخصيات النصوص ستكشف النصوص السرديّة، عبر المعاينة النقديّة، عن شخصياتها سواء أكانت أخباراً مفردة أم منظومات خبريّة، مثلما ستشير إلى أصولها ومراجعها، فالفاعلية الصياغيّة في كل نص هي، بشكل أو بآخر، المعبّر الفعلي عن سيرته. إن كل نص من نصوص السرد العربي القديم، بهذا المعنى، يحمل سيرته معه، ما خفي منها وما ظهر، و بها ومن خلالها يمكن أن يقول عن نفسه مثلما يقول عن سياقاته المنتجة. وجهة الخبر وإذا كان الخبر المفرد قد وجّه، في معظم الأحيان، وجهة تفسيريّة جراء ارتباطه المباشر بواقعته التاريخية، فإن اشتغال هذا الخبر ضمن(منظومة) يمنحه فرصة للحركة والتحوّل من( الإخبار) إلى(التمثيل) و (التخييل)، وإذا كان (الإخبار) قد مثّل القاسم المشترك بين مجمل أنواع السرد العربية، فإن الأخيرين يكونان مسؤولين بدرجة واضحة عن انتظام مميزات النصوص، فالمساحة الصياغية التي يشغلها كل من (التمثيل) و(التخييل) تبدو أوسع، بالضرورة، من مساحة( الإخبار) بما يؤمّن لها مجالاً دلالياً يمكّنها من تقديم وصف اثنولوجي لمكوناتها الثقافية، ويؤمّن لها حواراً أعمق مع أنساق إنتاجها.
|