كتاب جديد للقاص لؤي حمزة عباس:المكان العراقي، جدل الكتابة والتجربة

المقاله تحت باب  منتخبات
في 
24/03/2009 06:00 AM
GMT



عن معهد الدراسات الإستراتيجية في بيروت صدر للقاص والباحث لؤي حمزة عباس كتاب بعنوان (المكان العراقي ـ جدل الكتابة والتجربة) في 327 صفحة، والكتاب معالجة لموضوع المكان في خصوصيته العراقية وشموله الإنساني، فإذا كانت الأمم لا تتشكّل، بحسب تصوّر إدوارد سعيد، إلا عبر سرديات ومرويات، فإن سردياتها لن تكتمل ومروياتها لن تنتظم من دون حيّز معلوم تحقق فيه حضورها وتدوّن وقائعها عبر ممارسة تأريخية تُنضج إدراكها لذاتها وللعالم، تتأثر بما حولها وتؤثر فيه لتُنتج عبر علاقتها تلك صورها ومعارفها وتطوّر من خبراتها في مجال المكان بما تُنشيء من صلات بين الجماليات والوظيفيات وهي تقدم صورة من صور التعاضد المعرفي بين الفكر والممارسة لتُنصت إلى ما تخلّفه أبعاد المكان، تجسداته وهندسته، من تأثيرات في الفكر وحركيته، وفي الشعور وتجلياته، ليكون تأريخ المكان، على نحو ما، تأريخاً للإنسان، مثلما يكون سموه ووضاعته مدلولين بليغين لدال الإنسان في رفعته واندحاره وقد خاض رحلة طويلة في متاهة التأريخ.   
    والكتاب يعالج ما يعيشه المكان العراقي اليوم في واحدة من لحظات وجوده المؤثرة، لحظة امتدت عقوداً من التراجع والاندحار، وهاهي تصعد إلى الذروة غير المأمولة للحدث، مدوّنةً على مشهد الخراب الواسع كلمتها القاهرة، ساعية لتفكيك ما ينطوي عليه هذا المكان من علاقات إنسانية تشكّلت عبره ووجدت ملاذها فيه.
 ستعيننا قراءة المكان العراقي بمختلف مظاهره على بلورة إدراكنا للحدث الذي يبدو عصياً على الإدراك مثلما ستمنحنا الفرصة لتأمل أكثر من ثلاثين عاماً من اندحار المكان العراقي وهي مدة زمنية كافية للتعبير عما سيؤول إليه منحنى أحوالنا، حيث تقدمت المعسكرات وتراجعت الحدائق، وحيث أطلّت مدينة ملاه على مقبرة، وحيث واجه مبنى مديرية أمن، في عبث مكاني صارخ، روضة أطفال؛ إنه المكان الذي انقسم على نفسه فشهد جانب السلطة منه عقوداً من التجدد والعمران مثلما انحدر سواه إلى عقود من التراجع والخراب...
وقد عمل الكتاب على دراسة كتابة المكان العراقية التي تواصل الإنجاز فيها لما يتجاوز الثلاثة عقود، ورصد شعريتها عبر مقدمة بعنوان (كتابة المكان، خصائصها الجمالية وتنوعها)، توزعت بعدها مواده على أربعة أقسام حملت العنوانات الآتية: قراءتان معماريتان، قراءتان نقديتان، المكان الزمان الذاكرة، وشواهد ومشاهد، وانتهى الكتاب بعتبة أخيرة هي (عتبة الختام) سعى المؤلف من خلالها لإضاءة فكرة الخاتمة في المكان.
إن احتواء الكتاب على مواد أكثر من خمسة وعشرين كاتباً عراقياً متعددي الاهتمامات والتوجهات من الهندسة إلى النقد الأدبي، ومن التشكيل إلى البحث وكتابة القصة والرواية والشعر مثل محمد خضير، وياسين النصير، وسهيل سامي نادر، وحيدر سعيد، وحسن ناظم، وجاسم عاصي، وسعاد عبد علي، وأسعد غالب الأسدي، ومحمد خضير سلطان، وأحمد سعداوي، وحسن كريم عاتي، ونعيم عبد مهلهل، وزعيم الطائي، وعمّار أحمد، ورعد مطشر، وسعد محمد رحيم، و حامد فاضل، وفؤاد مطلب، وخضير فليح الزيدي، وصفاء ذياب، وعلي الحسينان، وصدام الجميلي، وعلي تويني، وعباس خضر يؤكد فاعلية هذا النوع الكتابي في الثقافة العراقية ويشير لأهميته وغناه بما يعد معه وجود كتاب يعنى بدراسته وتقديم نماذج منه أمراً لا تخفى أهميته، وربما كانت أقوالنا بما تضمنته من تلميح وتفصيل قادرة على التعبير عن ضرورة الكتاب وهو يقرأ من خلال المكان واحدة من اللحظات العصيّة في تأريخ العراق، اللحظة التي بدأت عند نقطة ما من منحنى المكان وعاشت فتنتها في أزمنة أقرب إلى الحلم سلّمها الآباء للأبناء بحرص وشغف مع ما سلّموا من كنوز حياتهم، لتنتهي مع المكان وهو يرسف في انكسار جماله، فتبدو الكتابة عندئذ بحثاً في الإشارة ومحاولة لالتقاط معنى عميق ترسّخ في المكان: وثائق، ومدونات، وأيقونات، وشواهد، وأمثلة.. إن ما يتطلع الكتاب لإنجازه هو أن تجد هذه الميثولوجيا طريقها للتدوين أو للتداول لتدخل في تأريخ أكبر بحسب ما طمحت إليه إحدى المدوّنات...