صوتُ حسب الشيخ جعفر الخفيضُ في فرقة الأصوات العالية |
المقاله تحت باب مقالات و حوارات من سوء حظ شاعر مثل حسب الشيخ جعفر، أو من حُسن حظه، أنه وُلِد وظهر مع جيل الستينيات العراقي.
لا مفارقةَ في الأمر؛ فمن الأقدار المتكرّرة لشعراء حقيقيين هذا التضارب في الطالع، ومن ثمَّ في الحياة، حيث يدّخر التاريخ الثقافي من الأدلة ما تكفي للاستشهاد بها على مثل هذه المصائر القلقة التي غالباً ما يُمتحن بها شعراء فريدون، يحيون ويمضون تاركين سِيَراً كثيراً ما عبثت فيها المصادفات المتضاربة، وشعراً يتجوهر عميقاً تحت الظلال الكثيفة لذلك التضارب في المصادفات والتجارب والأقدار. إنها أقدار نادرة، برغم تكرار حدوثها، ندرةَ الشعراء الحقيقيين الذين ليس في وارد اهتمامهم الانسجامُ أو الخروجُ على تلك الأقدار في غمرة اندراجهم في سيرة أخرى، سوى سيرة المصادفات العابثة، تلك هي السيرة الشعرية، الخلاصة الحيّة لإقامة الشاعر ووجدانه ومشاركته ورؤياه. متحف الأجيال سيندرج سوء حظ حسب الشيخ جعفر لمشاركته الستينيين زمنَهم وجيلَهم في إطار سيرة المصادفات الحياتية العابثة، فيما سيمضي حُسن حظه بتلك المشاركة في السيرة السرّية الجوانية، سيرتِهِ الشعرية التي ستحتفظ به شاعراً يتوفر على فرادةٍ شخصية يعبِّر عنها كثيرٌ من شعره بامتياز فريد. لكن خلاصة جيل الستينيات العراقي ستنظَّم في وجهة أخرى غير الوجهة التي تنظَّمتْ عليها خلاصة الشيخ جعفر في سيرتيه: الحياتية والشعرية. سيكون جيل الستينيات، كما سيحفظه لنا متحفُ الأجيال، جيلاً ثقافياً بصوت عالٍ مكتظٍّ بالغضب والاحتجاج وبالتباهي بهما. إنه جيل أراد أن يصنعَ حياةً من الثقافة، حياةً تنفق أيامَها في الجحيم الأرضي بينما تمضي بأحلامها في عالم من أفكار وخيال، وحصل أن امتزج في صناعة هذا الجيل كثيرٌ من الأحلام والإرادة والكذب والصدق والوهم والإدعاء والتنطع والسمو والحرية والاستبداد.. جيل يتمرد في الحياة على سلطات كانت هي في طور تمرّنها على دور الطغيان، ثم يعود هذا الجيل، وقد تمرّن في الشعر والحياة والثقافة، ليستنسخ صورتَها في الطغيان، إنه جيل طامح وطامع، وكان مهيئاً لتسخير وحتى لتدمير أي شيء يقع بين يديه لتحقيق أطماعه وطماحه، زيفه وصدقه.. ولم تكن مواهبُ ابنائه بمنأى عن ذلك الاستخدام، الجريء حيناً والنزق أحياناً، من أجل بلوغ هدف صنْع الحياة. لقد تحلّل الكثير من تلك المواهب وامتثل لإرادة الاستخدام؛ استخدام الشعر، كأبرز معطى أدبي ستيني، في تلك الصناعة الواهمة أو الحقيقية، لا فرق. بَيْد أنّ الصوت الستيني بقي عالياً، وهو يمجّد أدواته الصناعية ويُعلي من شأنها. وربما لم يصادف تاريخ الشعر هذا القدرَ من التفاخر بالمتواضع وسريع العطب مثلَ هذا الذي سخّره ستينيّون، بأصواتهم العالية التي لم تخفِ نبرة الاستبداد والادعاء، لكثيرٍ من عملهم الشعري. كان همُّ الستينيين أن يجعلوا من الستينيّة امتيازاً جماعياً مرّة، فاتسعت رقعة المنضوين تحت خيمتهم، وفردياً مرّة أخرى، فكثر نفيُهم وطردُهم الكثيرين من أجل احتكار محدود لبريق الهوية الستينية، وكثر التصارع اللا شعري، التصارع في كل شيء ولكن بغطاء قيم الشعر والفكر الشعريّ. لقد استحالت الستينية الطليعية في عصبيتها وفي صلتها بخارجها إلى عقلية قَبَلية متراجعة، بينما هي في داخلها ميدان لنهاية شكسبيرية دامية.. وإزاء الحالين وبعيداً عنهما، كان حسب الشيخ جعفر غير عابئ بهذا الامتياز القَبَلي، غير مكترثٍ بهذه الهوية التي سمحت بمرور المنتحِل والأصيل. لم تكن الطبيعةُ الشخصية لحسب الشيخ جعفر وانطوائيتُه لتسمحا له بالانحشار في حفل الاندماج الجماعي الصاخب. وقد نستطيع ملاحظة أن الانهماك بالعمل الجماعي الجيلي من قبل (ناشطي الجيل)، كانت له ضرائبُه غير القليلة على قيمة المنجز الشخصي لهؤلاء الناشطين، بينما كان للنفي الاختياري أو الإجباري عن نعمة الجيل والجماعة امتيازٌ خاص تنعّم به أفرادٌ من (الجيل) كانوا مؤهَّلين بمواهب مدربّة جيداً على الوحدة، كما في حال شاعر مثل حسب، وحال (ستيني) آخر، كاتب من طراز فريد مثل محمد خضير. لقد كان حسب حاضراً، زمنياً، مع الستينيين، لكنه كان ينسلُّ في سيرته السرّية بعيداً عنهم وعن سيرتهم المدوّية. في ضوء هذا التباين والتنائي عاش حسب في الهامش الستيني بعد أن ازدحم المركز بالدعاة الأصيلين وبالأدعياء، بالمحرّضين من منتفخي الأوداج وبالانقلابيين الستينيين، بزائفيهم وخُلَّصِهم. لم يُمنَح حسب الشيخ جعفر أيَّ امتياز (ستيني)، لم يُسمَح له بمشاركة الستينيين (فتوحاتهم).. فهو ليس بداعيةٍ وليس بمحرِّض. إنه صموت، بينما الستينيّة لا تحبّذ الصمت ولا نعومة الصوت، لقد كان صموتاً بين أقران لا يؤمنون بذهب الصمت، الستينية كرنفال الأصوات العالية شأنها في ذلك شأن أية دعوة وتحريض وما يرفعانه ويرتفعان به من صوت عالٍ. ولعل (استغناء) الستينيين عن حسب الشيخ جعفر هو ما ضبّب الصورة، حتى في طبيعتها التاريخية، أمام النقاد والشعراء العرب، ولعل هذا هو ما أوقع الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين في لبس تاريخي حين عدَّ في مقال صحافي له دواوين حسب "نخلة الله" و"الطائر الخشبي" و"زيارة السيدة السومرية" على أنها دواوين مبكرة له (تعود للأربعينيات والخمسينيات من القرن الفائت)، حسب تعبيره في مقال نشره في مجلة نزوى. ما هو مهم بالنسبة للستّينية الصرخةُ في البرية، المهم هو امتلاء البرية بالصراخ، وليس مهمّاً بعد هذا وقعُ الصرخة زلزالاً أو مجرد عواء. لقد كانت قصيدة (عُواء) للأميركي آلن غنيسبرغ الكتاب المقدس لكثير من الستينيين البغداديين في غمرة بحثهم عن آلهة ونصوص مقدسة. إنها قصيدة مستلة من خمسينيات أميركا (كتبت عام 1955 وحوكمت عام 1957) لتجد في الستينيات صداها الذي ضخمته المحاكمة كما ناسبته روح الاحتجاج الفوضوي العالمي في السنوات الستينية، وقد حوّلت شاعرها من مراهق قلق إلى رجل واثق يتنكر، في ما بعد، لفكرة الجيل ويكتفي منها بالصحبة التي تنشغل بنشر شعرها. الجيلية مشروع مرور جماعي تغيب به الملامح الفردية لصالح صورة الجماعة. الامتياز الفردي ملكية جماعية وحتى حين يعمد مقررو حياة الروح الستينية وطبائعها إلى تعداد امتيازات أبناء الجيل فسيكون (التدوير) الذي أنضجه حسب الشيخ جعفر وأشاعه في الشعر العربي الحديث من بين تلك الامتيازات التي يفخر الستينيون معها أن رائداً مثل عبد الوهاب البياتي أخذ التدوير عنـ (هم)، الامتياز الفردي لحسب يستحيل إلى مِلكية جماعية ستينية، التدوير ستيني عراقي بينما حسب ليس بالستيني الأصيل، فحضوره (الثوري) ليس بفاعلية حضور (ثوار) ستينيين حتى من الذين لا حظَّ لهم من الإبداع. سيكون الحديث عن قيمة التدوير كامتياز ستيني داعياً لارتفاع صوت الستينيين وعلوِّه الذي لا يلبث حتى يعود لينخفض ويُوَطَّأ عند الاضطرار للربط الذي لا بد منه ما بين التدوير وحسب الشيخ جعفر الذي لا يعدّ مشاركاً ستينياً. هذه النِعَمُ الستينية التي حُرِم منها حسب الشيخ جعفر هي مدعاة سوء طالعه بين مجايليه الذين دفعوا به بعيداً عن بريق الواجهات التي احتكروها، وما أكثر ما خسرت القراءة الدقيقة لقيمة إنجازات الشعر العراقي الكثير من الفرص للوقوف على العمل التغييري الحقيقي في الشعر جراء انشغال النقد بالواجهات وانصياعه لسياسات الأمر الواقع، تلك قراءة سنظل نفتقد إليها مع افتقادنا العربي المستمر لقيم ثقافية ونقدية حقيقية وأصيلة وليست عصبوية أو تجارية دعائية استهلاكية. لكن حُسن طالع الشاعر حسب الشيخ جعفر بين مجايليه الستينيين هو في انشغالهم هم بالعمل على تغيير الحياة بواسطة الثقافة وفي انهمامه هو بعمل آخر مضاد تركز في تغيير الشعر بواسطة الحياة. كان هذا طالعاً حسناً لحسب، ففي ضوء نتائج التاريخ لن يكون عسيراً على المرء ملاحظة أن الشعر أخفق في تغيير الحياة، بينما نجحت الحياة في أن تضخ كثيراً من الحيوية في كثير من الشعر الذي لم يترفع عليها كموضوع للمراقبة والكتابة. المهم هو تغيير الشعر لقد ألقت الحياة طيلة أكثر من عقدين في أتون الحروب والحصار بأعباء ثقيلة على حسب الشيخ جعفر ومن خلاله على شعره المتأخر، بينما كان هو قد نجح في استثمار عمله في الشعر طيلة سنوات سابقة على ذينك العقدين فحقق بين منتصف التسينيات وحتى مطلع الثمانينيات شعراً خالصاً في انتسابه للشعر، ومخلصاً في انتسابه لشاعره.. شعر لا يذكّر إلا بحسب الشيخ جعفر. ما هو مهم بالنسبة للشاعر تغييرُ الشعر، الوصول إلى قيمة شخصية في المشاركة بصنع الشعر وتغييره. وفيما نجح كثير من الستينيين بـ (تغيير) حيواتهم، حيواتهم الشخصية.. فإن قلةً من الستينيين نجحوا في تغيير الثقافة الوطنية، بهذا القدر أو ذاك، وستكون أقلية نادرة من الشعراء الستينيين قد نجحوا في تغيير الشعر، ليقف حسب الشيخ جعفر في الطليعة بين الندرة من مغيّري الشعر العراقي والعربي الحقيقيين. ومن المفارقات النادرة، أن حسب نفسه كان نتاجاً إيجابياً لاعتمال ثنائيات كثيرة عاشها حياتياً وثقافياً وشعرياً. لم يتمزق حسب في هذه الثنائيات لكنه تنامى في عذاب اعتمالها وترسخ شاعراً من طراز فريد في الشعر العربي الحديث. كانت الثنائية الأبرز في حياته هي خروجه من القرية إلى المدينة، فكانت حياة حسب الشيخ جعفر التي طلعت إلى المدينة من القرية مجالاً خصباً لطاقة التعبير الشعري. تجربته الحياتية كانت فريدةً في اجتيازها الاندحار المتوقع في مثل هذه التجارب حين يكون الشاعر ابن قرية نائية في الشرق ويجد نفسه فجأة في واحدة من أكبر مدن العصر، في موسكو: الصواري انحنت، مثقلات، أقلّ اشتياقاً، فما زار غرفتك الحجرية غير الخفافيش، يطفو على الحائط الرطب وجهك، والضوءُ في مطعم مثقل بالثريات غيم وراء ستائره القصبية، في البار حطّت بنا مركبات الفضاء، اللقالق في الشمس والصبية الجائعون وراء التلال يلمون زرقة فخارها، والقارب الذهبيّ الدفين يغادر في الليل صندوقه الضخم، يطفو عليها، وفخارها زرقة قدستها النساء.. من قصيدة (الرباعية الثالثة) كان مثل هذا النص المستل من واحدة من قصائد حسب الشيخ جعفر في مرحلته الموسكوية الستينية تعبيراً عن عمل تلك الثنائية في الشعر من بعدما عملت في ذات الشاعر. "هوم سك" و"كوزموبوليتية" لن نعدم أن نصادف الكثير من هذا التداخل بين قرية الطفولة والصبا وبين مدينة الشباب في شعر حسب الشاب الذي يستعيد (يشان) الهور الجنوبي وقاربه الذهبي، كما في أساطير (حفيظ) الشعبية في أهوار العمارة، حين يكون في مطعم موسكوي مثقل بالثريات. لا افتعال في مثل هذا الاقتران؛ لم تحطم المدينة روحَ البداهة الريفية لدى حسب، ولم تتضخم هذه الروح لتستبد ولتحول دون الشاعر واندماجه بحياة المدينة ويومياتها الملوّنة، بينما كان كثير من شعر الستينيات المكتوب محلياً وليس خارج البلد، ولدى شعراء كثر، متخماً بتلفيق معاكس، تلفيق يحيا على تخيّلات، حياتية وفكرية، وإلى كوزموبوليتية فارغة، تعبّر عن نفسها بـ (استعارات) ثقافية، قاموسية وبيئية وسواها، عن أحلام أوروبا والثورة والسريالية التي لم يجرِ استخدامها إلا بمقدار ما كانت تشويها ونموذجا مسخاً. الشعر وكتابات الستينيين الأخرى، وفي طليعتها بيانهم المشهور، ميدان ضاج بصخب الثورة وبادعاءاتها. يريد الستيني من قارئه أن يقبله ثائراً قبل أن يتفاهم معه كشاعر أو ككاتب، بينما كانت ثمة وجهة أخرى لحسب منصرفاً عن مجايليه وغير معني بتوريط قارئه بصورة معينة عنه. كان حسب الشيخ جعفر أميناً لحاجاته إنساناً شاباً، ففي ديوانيه المبكرين، (نخلة الله) و(الطائر الخشبي)، تتدفق تلك الحاجات بكثير من الحرية، بينما تتوارى روح الثورة وراء ظلال من روح إنساني مفعم بالتطلع والطموح والرغبة في الحياة أشد من انشغاله بالرضوخ لمشاعر الغضب والاحتجاج: في غرفةٍ تزهر موسيقى وسروةٌ هدباء أبصر جذعاً ناضحاً بالماء أسود محروقاً.. حين يمرّ آخر الباصات يخبو رنين القفل ويرتمي فوق جبيني النخل ثوب صبيٍّ مات وقطرة من مطر.. من قصيدة (الطائر المرمري) لم يرضخ حسب للـ (هوم سك)، من دون أن يغلق الأبواب، كما لم يتورط بالكوزموبوليتية، من دون أن يتمنّع على الاندماج. لقد وفر هذا الوضع زوايا نظر وموضوعات اغتنت بها تجربة حسب الشيخ جعفر وأغنتها شعراً. في هذا المناخ تركز عمل حسب الشيخ جعفر في التدوير في الشعر، فنجح في تكريسه عبر عدد من التجارب النصية التي لم يعد معها التدوير اهتماما شكليا طارئاً وغير أصيل في الطبيعة الحية لشعر حسب.. ما كان قبل حسب عملاً غير مفهوم خاج إطار تجريب الأشكال الإيقاعية صار معه عملاً عضوياً في حياة القصيدة. التجارب التي سبقت حسب الشيخ جعفر في استخدام التدوير لم يُتَح لها أن تتكرّس وتتأصل لأنها تجارب بقيت عالقة ومنقطعة وغير متواصلة ولأنها أساساً لم تكن تمتلك الدواعي والمسوغات النصية لاستخدام التدوير سوى داعي التجريب الإيقاعي. في تجربة حسب الشيخ كان الداعي الإيقاعي للتدوير أيضاً حاضراً، وكان داعياً أساسياً، فجانب كبير من (التدوير) هو وظيفته الإيقاعية في العمل الشعري، ولكن متى يتطلب الإيقاعُ التدويرَ، هذا هو الجوهر في الحاجة إلى التدوير وفي انتفائها. ديوان استثنائي وسرد شعري ينفتح شعر حسب الشيخ منذ بداياته على استخدام السرد، وبتعبير أدق السرد الشعري الذي ينقطع تماماً عن النظام السردي في النثر كما تقدمه القصص والحكايات والروايات ونصوص المسرح. السرد الشعري، سواء لدى حسب أو سواه من الشعراء الحاذقين، هو تقنية تعبير وإيصال شعرية، والشعر، بكل متطلباته الفنية والتعبيرية، وحده الذي يتكفل لهذا النمط من السرد بمحو كل ما يمتّ بصلة إليه من السرد النثري، وليس في هذا الفصل ثناء لأحدهما وانتقاص من الآخر، فالسرد النثري هو الآخر يتشوه ما أن يمسه الشعر. إن ديوان (الطائر الخشبي) لحسب ديوان استثنائي في مسار الشعر العربي الحديث؛ ففيه كرّس الشاعر جهده في العمل على تقنية السرد الشعري الذي تتداخل فيه العوالم والعصور والأشخاص، يتقابل الريف الجنوبي العراقي بالمدينة الروسية، وتتخاطف أشخاص التاريخ والأساطير في شوارع ومحال المدينة قبل أن تتوارى، وتحضر الاستعارات من شعر العرب القديم مع أخرى من شعر الغرب، إنها حياة يومية مرئية وسرّية للشاعر، حياته في المدينة وذاكرته في الريف وذهنه في عالم محايث من الثقافة والشعر والأساطير، لحظة تمتزج فيها الطبائع وتفترق، لحظة سرد شعري متلاحق تتطلب التدوير الذي يجد مبرره العضوي عبر هذا الاستخدام. وربما لن يكون عسيراً على دارس مجتهد أن يتوقف عند صلة افترض أنها قائمة بين هذا السرد الشعري كما قدمه التدوير وبين تطور لاحق له في ما تعرف بـ (قصيدة النثر) بنموذجها العراقي والعربي المتأخر. انسحب حسب الشيخ جعفر من صخب الستينيين وثوريتهم متلفعاً بإهابٍ وهدوء محافظين، لكنه احتفظ بالصخب والثورة معاً في ما قدم من شعر مشع بالجمال وبالفرادة التي لا تحيل إلى سواه. |