أنا والزنكر |
المقاله تحت باب مقالات و حوارات اسمه كيم مايكل . لكن سأسميه الزنكر Thezinker أو زنكر . هذا هو الاسم الذي يضعه على منحوتاته . رَسَمَ على باب محترفه حرف Z وتحته نقطة ، هذه العلامة نجدها على أعماله النحتية . ذلكم توقيعه ، وتلك علامة لا تخطئ على وجوده . ماذا يعني هذا الاسم؟ لست متأكدا . حتى بعد خروجي من لقاء معه استمر ثلاث ساعات لم أستطع بالضبط أن أعرف معناه ، ليس لأنه غامض ، بل لأنه متعدد. لنقل إنه حالة وصفية ، تتنقل ما بين الأفكار والأشكال والمادة ، وتطبعها بطابع خاص . قد يعني أشياء كثيرة لا أتمكن من شرحها إلاّ عن طريق انتاجها أثناء الكتابة .
الزنكر المفكر كنت قد شاهدت عمله الأول في ضاحية من ضواحي كوبنهاجن الساحرة تدعى ( Nordre Toldbod ) : جسد إنساني كبير الحجم متكون من قطع محركات السيارات ، يجلس على مفتاح . بحثت عن اسم الفنان فلم أجده ، بل وجدت اسم Zinker الذي قرأته في سياق وضعيته التعبيرية Thinker، مع عنوان : (مفتاح المستقبل). حقيقة شعرت أنني أزاء عنوان ملتبس نظرا لأن الفنان يصنع مفتاحا كبيرا مرئيا ليكرره في العنوان ، وهذا ضرب من الإطناب. كما أنني في تحليل بصري عابر وجدت أن من يجلس على مفتاح المستقبل كئيب من حيث التعبير العام ونحاسي من حيث المادة . أذهلني الحجم ، مدركا أن عقلا صبورا وملحاحا ، ولا يخلو من انشغال وجودي ، صاغه . الا أن تعبيرية العمل العامة تكاد تشبه روحية أعمال عراقية تؤكد على الانسان ظهرت في الستينات من القرن الماضي ، لكن ليس في المادة والحجم. في تلك الفترة ظهر في الرسم العراقي شكل انساني مجرد سميته (الوحيد) ، بلا تفاصيل ، أشبه بظل ، بلا قرين ، ولا رفقة ، يفترض أنه يعبر عن الإنسان ، أو هو ممثل عن الإنسانية كلها . تكرر هذا الإنسان الوجودي في النحت على نحو أوضح في أعمال اسماعيل فتاح ، وها أنا من جديد أزاء وحيد يمتاز بالعناد وبالثقل الفيزياوي ، باطنه هو خارجه ، ليس أنثى ولا ذكر .. وفي لحظة تفكير وتأمل ! الزنكر الصغير شاهدت عمله الثاني في زاوية من مكتب السيدة بيا ارسليف مسؤولة الثقافة في بلدية كوبنهاجن : شخص صغير جمع من مواد الخردة ، يجلس ملموما وحزينا ، لا يخلو من حالة تفكير وتوتر داخلي ، مزدوج ما بين الإنساني جدا في التعبير والكائن النحاسي المقيّد بالمادة . لمحت في هذه الاثناء ضوءا جليديا قاتما يتسلل من الشباك ، وللحظات خاطفة شعرت أنه يشبهني في اختياره المكوث عند الزوايا ، بل بدا أنه يخاطبني : نعم .. إنها تثلج في الخارج . ماذا يفعل سومري من أرض الشمس المحرقة هنا؟ أخبرته وأنا ساخر من نفسي كعادتي : إنها حرية سنواتي السبعين. توزيع عولمي للحظوظ! صوت السيدة بيا انتزعني من حديثي الهامس مع الزنكر الصغير. أعطتني مطبوعا صغيرا عن الفنان ، فاكتشفت طريقته الزنكرية في استخدام اللغة ، إذ تنقلب السين الى زاء ، وتتوقف اللغة عن التفكير وتستحيل إلى شرار كأنك تضرب حديدا بحديد . وجدت كذلك تشابها آخر بيني وبينه ، فأنا نفسي أقلب السين ثاءً : مرض لساني قديم لم يقوّم لا في البيت ولا في المدرسة ، فاستخدمته كواحد من مفاتني مرة ، وواحد من عقدي مرة. بعد هذه التجربة حدست أنني ازاء فنان يصنع أشباهه ويكررهم في وضعيات مختلفة ، ولا يحسن أن يفكر لهم بل يتركهم يفكرون له . تخيّل أنك تصنع شيئا ينوب عنك ، ثم تصنع قرينه ، وبمرور الوقت تصنع حاضنة كبيرة اسمها الزنكرية ، لا تلد إلاّ زناكر ، لهم مقاييس وتعابير وأشكال ومواد تفرض نفسها كأنها كائنات مستقلة عنك ! اشتباك أرجعني زنكر الصغير الى زنكر الكبير الذي كنت قد أمسكته في لحظة تفكير يسند رأسه بقبضة يده . أنا الآخر اعتدت إسناد رأسي بقبضة يدي عندما أفكر أو عندما أسأم من التفكير. هذا ما يفعله تمثال (المفكر) لأوغست رودان Augste Rodin الشهير جدا ، الذي قد يصلح آيديولوجي وضعيات تفكير ولاسيما أنه كان يتأمل بوابة جهنم : دائما اليد تسند الرأس ، دائما يحتاج الرأس المصدوع أو المروّع الى سند عضلي. ولأن فعل التفكير لا يرى سنحتاج الى وضعية Pose مفكر ، والى نحت خاص بالوضعيات ، وهكذا وجدتني في وضع ملتبس أفكر بـ ZINKER كنسخة زنكرونية من THINKER رودان ، ربما نسخة معارضة أو تهكمية . إن الزنكرية قد تقلب الثاء التي أجيدها أنا بحرف Z التي يجيدها الزنكر! على هذا النحو نما زنكر في عقلي واشتبكت معه فكريا وثقافيا .. أكثر من هذا أنني وجدت الزنكر الكبير وعلى جسده التركيبي ندى البحر في مكان تحيط به العلامات الملوكية والفلوكلورية من كل جانب، فبدا أجنبيا وغرائبيا في محيط لا يعود له . فعلى يساره توجد حورية البحر، ايقونة كوبنهاجن الشهيرة بحكايتها العجيبة ، وعلى يمينه الميناء الملكي والقصور الملكية ، وخلفه النصب التذكاري للجنود الدانماركيين الذين قتلوا خارج الوطن وبينهم من قتل في العراق بعد عام 2003 ، وتمثال الأميرة الدانماركية التي تقود أربعة ثيران مربوطة بنير لكي تحرث أرضا ستكون هي مملكة الدانمارك القوية المستقلة (تمثال قوي وصاخب يعبر عن اسطورة وطنية) ، كما لمحت نظرة انكليزية تهكمية من رأس معبّر لتشرشل . حتى من جهة البحر الذي لا يبعد عنه الزنكر سوى أمتار ، تظهر على الجانب الآخر منه دار الاوبرا الفخمة من تصميم هننغ لارسن ، فخر زجاجي مضيء ، فيبدو الزنكر ازاءها غير مدعو ، ماكثا في الوحدة والعري والبرد ، فكأنه وجد هنا ليبدو مختلفا أكثر ، حتى وهو يعتقد أنه يمثل مفتاح المستقبل! ولأني جديد على الثقافة الدانماركية ، لا أعرف اللغة ، ولا أمتلك أية فكرة عن الصراع الثقافي الداخلي ، فقد استنتجت أن القائمين على الثقافة اختاروا لهذا الزنكري الكبير موقعا ممتازا لبث الاختلاف والتنوع داخل الشفرة الثقافية – الجمالية التقليدية . إنه في مكانه على البحر ، تحيطه كل هذه الآثار ، يمثل دور كاسر موج ثقافي ، ضربة طبل أزاء عزف كمانات! التوسع بالنموذج من شروط النقد الحديث رؤية النص بمعزل عن صاحبه . بعد أن شاهدت الفنان في محترفه بمدينة روسكلده Roskilde الجميلة ، على مبعدة أقل من ساعة عن كوبنهاجن ، وجدتني اؤمن أن هذا النهج لا ينطبق على أعمال الفنان ، فهو ينزع الى مقاسات مأخوذة عن جسده ، واضعا نفسه موديلا لكل الزناكر الكبار والصغار: ضعيف ، طويل ، ذراعاه طويلان ، ساقان طويلان ، جمجمته تظهر شفافة خلف جلده . لعل كله عظام ، تماما كالزنكر الذي كله حديد أو نحاس . لعلّ من كثر ما فكر بالزنكرية تحوّل هو نفسه الى زنكر يتلألأ نظامه التشريحي الداخلي خلف جلده . عندما مدّ يده لمصافحتي شعرت أن كفي اختفت . أكد هذا عندما سألته عن النموذج الذي يستوحيه في أعماله. كان ثمة زنكر ضخم جالس يمد ذراعان تشبه ذراعا الانسان الآلي كما تظهر في بعض أفلام هوليود الخيالية ، فجلس الفنان في حضنه ومدّ يديه مع امتداد يد الزنكر النحاسي . لم يكونا متطابقين ، فالاول ضخم جدا ، بيد أن الوضعية التي اتخذها الثاني أشارت الى أن الصنيع الزنكري جاءت من وضعيات جسده هو ، ومن تفريغ شحنات انسانية في نموذج مركب من مئات إن لم أقل آلاف قطع الخردة الملحومة ببعضها البعض . والحال أن ما يدهش في أعمال زنكر أن النظام التشريحي الإنساني يبدو ممثلا فيها على نحو أكثر تعقيدا وأكثر متانة ، كأنها تبشر بمستقبل إنساني أكثر قوة وديمومة. عندما أخبرت الفنان بأنني ربطت عمله بمفكر رودان لم يجد أن هذا الربط أكثر أهمية من أفكاره الخاصة عن الزنكر . نعم الزنكر يفكر. انه هو القائل:Don’t wazte a good idea (لا تضيّع فكرة جيدة) ، لكن فكرته هي أنه يصنع فنا خاصا بالجسد . هياكله الزنكرية هي هياكل طاقة ، واهتمامه التشريحي يؤكد على مفاصل طاقة مع خطوط عصبية توصيلية لها. إن هذه الخطوط تظهر بوضوح في الذراعين والساقين ، والمشاهد المنتبه الى أن جسده نفسه يبث طاقة ما قد يرى أن الزنكر ينتمي الى فصيلته المتحركة التي تشع بالقوى ، وتحتل موقعا لها في الفراغ تحاول توسيعه أو توسيع تأثيره في الأقل. نصف الزنكر بالمفكر بسبب وضعية تفكير، حاله حال المفكر الروداني ، لكننا لسنا متأكدين بماذا هو يفكر. في عصر رودان كان التفكير ونتائجه يشغلان العالم ، مع رفقة طيبة وسيئة من الاديولوجيا والسياسة ، من هنا امتلاء عمله النحتي بالمعنى والشهرة . لكن ماذا عن الزنكر عام 2012؟ البشر اليوم موجوعون من الركض خلف الأشياء المادية ، وكلما زاد ركضهم وجدوا أنفسهم ماكثين في نفس الأماكن ، بل إنهم بسبب مخاوفهم أقنعوا أنفسهم أنهم لا يحتاجون لغير التمسك بأماكنهم. إن الدراما الحالية أوسع ، لكن المعنى فقير جدا، وهو يدور حول الإنشغال واللاشيء. هل الزنكر النحاسي هو ابن زمانه ، بمعنى أنه نتاج ذلك الركض الذي لا يفضي إلى شيء ، أم أنه يفترض نفسه ممثلا عن أفكار العولمة Globalization الطليعية ، كأن يواصل وظيفة هيكل للطاقة ، أو يكون مفتاح المستقبل حقا؟ يحيلنا الفنان إلى زنكرية تسعى الى تأسيس بيئة جديدة. كيف نفهم هذه الجملة: Think less . Zink more يقترح الفنان تطويرا للزنكر باسم زنكون Zinkone , وهو إنسان عملاق بارتفاع 500 متر سيكون مدينة كاملة ، هو البيت والمتحف والمدرسة والمتنزه ودورالسينما والترفيه.. الخ. ها نحن نذهب الى مقاييس عولمية تحتاج الى خبرة انشائية ومدنية دولية. إن الزنكر يكبر. إنه مشروع لزنكون : مشروع مدينة وبيئة جديدة . أفكار إن أفكار الفنان عن عمله هي خليط من الدعوة إلى المغامرة والحسّ بالمفارقة ، خليط ما بين الجاد المدعوم بالأفكار، والهازل المدعوم بالعناوين . في محترفه شاهدت عملا مدهشا لرأس إنسان متكون من عشرات القطع الملحومة، فبدا مصفّحا، مرقّعا، قويا كأنه إنسان آلي ، لكنه لا يبدو واثقا تماما ، فهو يحمل وصلة كيبل مقطوعة. ما الذي نفعله بوصلة كيبل بضياع الكيبل كله؟ عنوان العمل( Lozt a cable , whatz up ( . لكن في كتاب الفنان نفاجأ بهذه الجملة (حتى لو خسرت الكيبل يمكنك أن تشغل نفسك بطاقة بديلة والغاز تسمى فن zinking) . إن الكثير من هذه الجمل نجدها في كتاب الفنان فتبدو كأن الزنكرية قادرة على انقاذ أشياء ميئوس منها. بعض الجمل تبدو شعارات تحث على العمل والتضامن (معا نمتلك القوة لتحويل العالم!). والحال أن الفنان يركّب افكارا من وضعيات شخصياته الزنكرية مرة ، والبعض من أفكاره تتحول الى أعمال تجميعية . إن الستراتيجية الزنكرية تخضع لمتطلبات المحترف الفني والسياقات الانتاجية التي تجري فيه ، فلأنه باحث في المخلفات والسكراب ، يجد دائما ، وعَرَضَا ، علاقات وانسجامات ما بين قطع مختلفة ، فيعيد تركيبها . في (zhairman – رجل الكرسي) أجلس رجلا مصنوعا من مخلفات السيارات والخردة ، وضع قدما على قدم ، وبدا فخورا ، على كرسيه الهزاز الذي جاء من حقل مخلفات مختلف . من الواضح أن الفنان يتخذ موقفا نقديا مما يسميه رجل الكرسي من الطراز القديم ، البيروقراطي الذي لا يشرك الآخرين بالقرارات او الذي يضلل المجتمع ، لكن من غير الواضح فكرة الفنان في تثبيت عضو ذكري له ، فهل هو موظف لا يهتم الا بعضوه ، او فقد عضوه من كثر المكوث على كرسي الوظيفة؟ إن المقاربات الذهنية قد تذهب بعيدا عن الشكل التجميعي . ربما يتقصد الفنان ذلك ، وقد يحصل الأمر من التقاء سياقات التمثيل وضروراته وبين العلاقات التشبيهية التي تثيرها الأعمال التجميعية ، فيمنحها الفنان أفقاً قريباً من اهتماماته الذهنية . قد يريد الفنان من العمل الفني التجميعي توليد بيئة ثقافية تجميعية هي الأخرى، تختزل الأفكار، أو تقدحها كشرارات، حتى لو كانت عابثة ، بيد أنها تتوسع من حيث الدلالات التي لا يمكن ضبط مقاصدها عبر الزمن أو عند استخدامها في بيئات مختلفة . في عمل مثير (The winner takez it all) جَمَعَ الفنان ما بين جزء محدد من محرك وخشبة مفتوحة بدت أشبه بذراعين مرفوعتين إلى الأعلى . بدا التلفيق ههنا بين مادتين مختلفتين أكثر سحرا من تلفيق عنوان القطعة الغريب ، مع تداعيات الأفكار التي تشرح فكرة الفوز على أساس وعي زنكري نجدها في كتابه . الحقيقة أن الزنكر المتكلم يتدخل في المتعة الجمالية لحساب وجهات نظر (يمكنك الفوز فقط إذا كنت تمتلك عاطفة بشأن ما تفعل. وإذا كان لديك إرادة من صلب وقصد من خشب قاس للعبور الى خط النهاية) . يعاد في هذه الجملة إنتاج مادتين تشكلان العمل الفني : محرك من الصُلب وخشب قاس! وضعيات تعبيرية هناك عدد من الشخصيات الزنكرية تتكلم بواسطة وضعياتها الجسدية التعبيرية . إنها تومض ، تومئ ، فيما خطوطها التعبيرية مستغرقة في الكتلة العامة للجسد التجميعي . الفنان المتماهي بالزنكرية والحاذق في إدارة الوضعيات الجسدية التعبيرية يقدم شروحات إضافية بالنيابة عنها ، ما يضطرني إلى أن أضع نفسي موضع المتسائل : - التوأم The Twinn يجلس على الطريقة العربية ، مسندا رأسه بيده . هذا اعتيادي وانساني جدا ، لكن ما يجعل منه توأما وجود سبعة (براغي bolts) في رأسه. أخبرني الفنان أن هناك برغيا ضائعا في دماغه ، وقد أخبرته بدوري أن هذا حدث لي أيضا، ومن زمان بعيد. هل هذا يرشحني أن أكون توأما؟ لكن رأس التوأم الزنكري لديه (سبعة براغي) ، وبالرغم من ذلك يقول الفنان إننا بشر متماثلون على قاعدة العولمة الزنكرية! - الجاد Zerious . يجلس على ركبتيه في وضع من يستشرف. ماذا؟ يرى أننا نحتاج الى مواجهة الازمة الاقتصادية الحالية بروح الفكاهة مع القدرة على اكتشاف الضوء في نهاية النفق المظلم . ها هو الزنكر ما زال قادرا على الابتسام على نفسه وعلى العالم . لكن وضعية الجاد نفسها يمكن تأويلها على أنها اللحظة السابقة للفرار بعيدا.
- المستريح الذي يبدو أنه انتهى توا من معركة : Never zay never . لكننا لا نعلم النتيجة حقا! - reflecting : الجلسة العربية نفسها ، واليد التي تسند الرأس متكئة على الساق . دماثة التعبير وقسوة المادة والحساسية في صناعة التمثال .. هذا كه انعكاسات واضحة عن تنوع الإنسان ووحدة الجنس البشري. حقا ، لن نتساءل عن الملف الكهربائي والسبرنكات والمراوح في هذا الجسد . الانعكاسات تضج بالتفاصيل لكن التعبير يساكن الأشياء ويجعلها واحدة ، لغة تفاهم بالانعكاسات والإيماءات . - Zinktwo : شخصية جديدة . تعابير الرأس الانسانية هي تعابير الفنان نفسه ، لكن بلا قفص صدري ولا بطن ، فالرأس يرتبط مباشرة بالسيقان والذراعان . مركز عصبي يدير الحركة . (الزنك تو) هو النسخة المتطورة للزنكون . التطور يختزل الكائن الى رأس وأذرع . لعلنا في المستقبل سوف نتناول ثلاث وجبات يوميا من وعود العولمة ، فتختفي بطوننا وصدورنا! - القفز الى مغامرة جديدة : زنكر صغير معلق في الفضاء بهيئة قافز . ليس أفضل من تصوير المغامرة بما فيها من خطر وشجاعة من رجل يقفز في الفضاء تسحبه الجاذبية الى الاسفل . الفنان يجسد فكرة بواسطة الزنكر . تطوير للزنكرية بوصفها افكارا اقتحامية . المفهوم الفني إن استخدام مواد الخردة والمخلفات المعدنية في الأعمال الفنية ليس بالامر الجديد. سواء أطلقنا على هذا الاتجاه اسم assemblage التجميعي أو bricolage السمكري أو الترقيعي ، فمن الواضح أننا ازاء فن يقوم بانتزاع أجزاء وعناصر وأدوات من سياقاتها البنائية والوظيفية وإعادة ربطها في سياق آخر لتؤدي فكرة أوهدف جديدين. والحال أن هذا الانتزاع والاستخدام التالي هو واحد من مظاهر الفكر الوحشي الذي يصفه العالم الانثروبولوجي ليفي ستراوس ، بيد أن فنون ما بعد الحداثة استعارته معبرة على طريقتها عما يأتي : إعادة قراءة الموروث السابق . تحطيم أساطير الفنون الجميلة القائمة على الذاتية باستبدالها بفن تعددي . التداخل في الوسائط التعبيرية . وضع المفاهيم العملية الإبداعية موضع تساؤل وجدل . عدم اكتفاء الفنانين بمحترفاتهم الفنية المغلقة ، بل فتحها على عالم المواد الصناعية الهائل . استثمار الافكار وإعادة انتاجها في سلاسل فنية جديدة . يقيم زنكر محترفا فنيا بتلك المواصفات ، فهو يخلط ما بين الرسم والنحت ، ما بين ورشة السمكري والرسام والنحات والمفكر . إن الوضعيات الإنسانية التعبيرية التي يصنعها من المخلفات ، والتي قدمنا وصفا لها ، تحمل صفات الحركة الجسدية والفكرة المرتبطة بها والأسلوب الفني والمناورة في المواد . كل عمل يولد على يديه هو نتيجة بحث عن كم هائل من مواد السكراب النحاسية ، يقابله بحث عن فكرة موحية ، وأحيانا تولد هذه الفكر في سياق الإنتاج وزمنه وملابساته . الأهم من هذا أن الفنان يستخدم المواد بطريقة تتصف بالحذاقة والقوة والجمال. إن الشكل الإنساني الذي تنتهي إليه هذه المواد يؤنسنها ويقربها من حركة الافكار والتأويلات. ولأنها أجسام أخذت تعابيرها من أجسادنا ، فقد شكلت حقولاً للقوى وموقعا بصريا مثيرا لإسقاط رؤانا عليها . إن عمل السمكري هو إصلاح المحركات والأدوات لكن الزنكر الذي هو قرينه الخالق ، يقيم محترفاً سمكرياً ، يشكل فيه رؤى ووضعيات عن أجسادنا على نحو يمنحنا فكرة عن هذه الملكيات الصعبة التي تمكث فيها غرائزنا التي قليلا ما نفهمها وهي أثناء العمل. مشروع جديد الاتجاه التشخيصي الانساني للفنان أبقى تجاربه التجميعية في حدود الشكل الطبيعي للجسد الانساني . لكن طريقة الزنكر هي ضم الحقول التي يعمل فيها الإنسان الى قواه الخاصة . الواقع أن رؤية الفنان تتحول ما دام يعتقد أن عالمنا الذي تعيد العولمة تشكيله يضم تحولات بين الانسان والمواد والمشاريع التي تصوغها المجتمعات. إن الصانع والمصنوع يتحولان أثناء لقائمهما وتكيفهما للرؤى العالمية ، وللأفكار المضادة ، والفكاهة ، والمفارقة. والحال أن العولمة تبحث هي نفسها عن افكار ابداعية ، وتفتح سوقا لها ، تسمح فيه بالتهكم ، وتباع فيه وتشترى مشاريع جادة أو ملفقة لكن مكلفة جدا . ينفذ الفنان مشاريع جديدة في دبي - أكبر سوق لتنفيذ الافكار المختلفة ، النبيلة ، الذكية ، والخرقاء. إن مشروعه هناك يتخطى الشكل الانساني الى اقامة نصب لمفتاح المستقبل الذي سبق أن أجلس عليه زنكره – المفكر . ان الصحراء ستنعكس على معدن جلي حتى بات مثل المرآة، صنع منه الفنان مفتاحا أفقيا ، وهيكلا عموديا ينفذ فيه الفراغ والهواء والشمس يتخذ شكلا مواربا ما بين شكل انسان وفتحة قفل الباب. رسم الفنان علامة اللانهاية الرياضية داخل الطرف الدائري من المفتاح ، وأشار اليها كضرب من التأكيد على أن المستقبل وحده هو الدائم وليس الماضي . الخلاصة والان ، ما الذي فهمناه من الزنكر والزنكرية؟ إنها تبدو مفاتيح لأفكار او أشكال ، قد تكون واحدة من الأشياء التالية أو مجموعها : - وجهة نظر. - ماركة مسجلة أو توقيع. – طريقة في الرؤية. – طريقة في الوجود الابداعي. - أسلوب فني في استخدام السكراب ولحمها ببعضها بالبعض. - أساليب assemblage و bricolage بتنفيذ حاذق . – فكرة غامضة تضم كل ما يخرج من عقلك وتباشر يداك محاولة معرفة ماهيته. بالرغم من ذلك وزيادة في التأكيد سألت الفنان عن الزنكرية والرمز Z . توقعت أن يجيبني بتهكم : وماذا كنا نفعل لحد الآن؟ واعترف أنني فهمت الزنكر كخلاّق ، أما الزنكرية فقد فهمتها ضمنيا كاقتراح لتبني لعبة فنية ، كاختراع يؤالف ما بين الكلام والمادة وفن التجميع واعمال السمكرة والترقيع الحاذق .. لكن ما هي بالضبط؟ رفع الفنان اصابعه فوق رأسه ورسم علامة Z عليه . كنت منتبها لأصابعه ولم أتبين ما قال ، لكني دمدمت وأنا أعبر عن حركات أصابعه بكلماتي : إنها زكزاك ZIGZAG ! لا أظنه اهتم كثيرا لما قلت ، بيد أنني ، المحب للموسيقى ، تخيلت رقصة من 3 حركات ، مثل فالس زكزاكي : حركة مستقيمة الى الخارج - حركة بزاوية حادة الى الداخل - حركة مستقيمة الى الخارج . بمواصلة هذا النسق من الانزلاقات السريعة والمرحة يخرج الراقص مع رفيقته من صالة الرقص الى الشارع ويختفيان! كوبنهاجن 2012 |