المقاله تحت باب منتخبات في
14/02/2010 06:00 AM GMT
اليكم هذه الحادثة : في عام 1944 بادر عدد من طريدي الحزب الشيوعي بتقديم طلب الى السلطات لتأسيس ما يعرف بحزب "الشعب" ومن بينهم يحيى قاسم وتوفيق منير وعبد الرحيم شريف. وفي أيار من العام ذاته وجه طلبة في المعاهد العالية كتابا الى جعفر جلبي ابو التمن و كامل الجادرجي وعبد الفتاح إبراهيم وعزيز شريف ويحيى قاسم وأشاروا فيه الى ان الديمقراطيين منعزلون عن بعض و طالبوا بأن يتقدم هؤلاء بطلب لتأسيس حزب . بعد ذلك نظم كامل الجادرجي اجتماعا في منزله لتدارس امكانية لم شعث المثقفين في حزب بديل عن جماعة "الاهالي". اغلبهم كانوا من اصول يسارية : ذنون ايوب ومحمد حديد وهاشم جواد وعبد الفتاح إبراهيم و خدوري خدوري ويحيى قاسم وجميل كبة وغيرهم . غير ان الاجتماع فشل بسبب حساسية الجادرجي المفرطة تجاه بعض الأسماء المعروفة بتطرفها اليساري والمقصود هوعبد الفتاح إبراهيم ، المثقف "اللاقومي" الذي سينجح فيما بعد في تأسيس " الحزب الوطني"هو وعدد آخر من المثقفين المنشقين عن الحزب الشيوعي أمثال ناظم الزهاوي وناصر الكيلاني وعبد الله مسعود وموسى الشيخ راضي . أما عزيز شريف فأسس حزب " الشعب " وهو حزب فهمه الجادرجي هكذا : "قادة الحزب كانوا شيوعيين أقحاح لكنهم يعتقدون بأن الوقت لم يحن بعد، في هذه المرحلة من تاريخ العراق ، للتظاهر بالفكرة فبنوا كيان حزبهم على هذا الأساس ". ويمضي قائلا ان "خطتهم هي الخروج بمنهج خال من الماركسية وجمع ما يمكن جمعه من شيوعيين واشتراكيين و أحرار فيقنعوا الشيوعيين بأنه يجب ،في هذه المرحلة من تاريخ العراق، الاكتفاء بتلقين المادية الماركسية في داخل كتل معينة من الحزب من غير ان يتظاهر الحزب أمام الرأي العام بكل ما له علاقة بالماركسية " . ما يجدر الانتباه له هنا هو ان الجادرجي أبدا يقينا لا يتزعزع ان حزبي شريف وعبد الفتاح لن يعمرا طويلا وعزا أسباب ذلك الى شيوعية قادتهما، ثم ، الى انتهازية عزيز شريف وتسلطية عبد الفتاح ابراهيم . وبالفعل سرعان ما تحققت نبوءة الجادرجي فاختفى الحزبان او عادا الى حاضنتهما الام بينما انفرد الحزب الوطني الديمقراطي بتمثيل المثقفين والبرجوازيين الصغار . بالمقابل ، استمات عراب الليبراليين العراقيين في الدفاع عن تياره القائم على فكرة " الحرية " وتغليب روح المواطنة ، ومناهضة الطائفية والفاشية و ايضا الشيوعية . لكن ، للاسف ، كانت تلك التيارات اقوى من احلامه لدرجة انه بدأ ، يوما بعد اخر ، يفقد عزيمته الى ان اصيب بالياس التام في الستينات فانزوى الى غير رجعة. الان ستتساءلون : ما الذي ذكرك بالرجل وسأقول : ما ذكرني بالجادرجي كامل هو الجادرجي نصير. والسبب انني رأيت صور الاخير امس كمرشح في الانتخابات. لكن الطريف ان الاستاذ نصير رشح ضمن قائمة "دينية" ـ شيعية ! ـ . كان تستلسله في "ذيل" الكتلة لا في مقدمتها تماما مثل اليساريين الذين استماتوا للجلوس في صالون كامل الجادرجي ذات يوم وفي كل مرة كان يطردهم شر طردة . قلت لنفسي : اجل ان التاريخ يعيد نفسه بالمقلوب دائما والجاردجي اليوم عاد كملهاة وربما سخرية مما آلت اليه الليبرالية في العراق . وتستطيعون الآن ان تكتبوا مقالة اخرى انطلاقا من هذا المأزق !
|