فوبيا السيارات المفخخة تحبط البغداديين |
المقاله تحت باب قضايا عن نقاش تودع ناهده الآلوسي أولادها الثلاثة صباح كل يوم أثناء ذهابهم إلى العمل والجامعة على أمل أن تلتقي بهم سالمين في المساء، ففي بغداد يعاني السكان من فوبيا السيارات المفخخة ويخشون عدم العودة إلى المنازل عند الخروج منها. تقول الآلوسي لـ "نقاش" إن "بغداد أصبحت لا تطاق بسبب السيارات المفخخة التي تنفجر بشكل متكرر، وأخاف على أولادي وأصلي يومياً بعد خروجهم من المنزل كي يعودوا سالمين واتصل بهم هاتفياً طيلة ساعات النار للاطمئنان عليهم". العاصمة التي يقطنها نحو سبعة ملايين نسمة تعرضت لأكثر من 25 سيارة مفخخة خلال الأيام السبعة الماضية، وخلفت مئآت القتلى والجرحى. وفي أحد مقاهي منطقة الكرادة وسط العاصمة يتبادل ثلاثة من سكان بغداد أحاديث عن مأساة مدينتهم التي تُسمى تاريخياً بـ "دار السلام"، يقول أحدهم وقد بدا عليه الغضب وهو يدخن سيجارته "كأننا نعيش أجواء حرب، المفخخات تهزم آلاف الجنود المنتشرين في المدينة وتحصد أرواحنا". وليس جديداً أن تعيش بغداد على إيقاع المفخخات الموّزعة بالتساوي بين جانبي المدينة في الكرخ والرصافة وتطال المناطق السنية والشيعة والمسيحية دون تمييز، لكن الإيقاع ازداد مؤخراً، فيما تفشل المئآت من نقاط التفتيش المنتشرة في شوارع العاصمة وعند مداخل المناطق في منع وقوعها. وفي منطقة الشعب الواقعة عند مدخل بغداد الشمالي، يقف خمسة عناصر من الشرطة في نقطة تفتيش تمر خلالها آلاف السيارات يومياً، وبسبب بدائية طريقة تفتيش السيارات التي تتم يدوياً بعد ثبوت فشل جهاز كشف المتفجرات الذي استوردته الحكومة، فإن هؤلاء الخمسة لا يفتشون جميع السيارات ويختارون السيارات التي يفتشوها طبقاً لمزاجهم. أما الضابط المسؤول عن نقطة التفتيش فقال لـ "نقاش" "نطارد أعداء أشباحاً لا نعرف متى وكيف يهجمون، وكل ما نستطيع فعله إطفاء الحرائق ونقل الجثث والمصابين التي تسببها السيارات المفخخة". أحد المسلحين اعترف في شريط تم بثه على جهاز التلفاز أثناء استجوابه من قبل وزارة الداخلية إن "السيارات المفخخة تمر بسهولة عبر نطاق التفتيش". ويتساقط العشرات من سكان بغداد شهرياً إما قتلى أو جرحى، ويقوم الأحياء بلملمة قتلاهم أو بقاياهم إلى مقابر أصبحت مزدحمة بالموتى هذه الأيام، أما الجرحى فيموت بعضهم في زحمة الطريق أو بعد أيام على التفجيرات، ومن ينجو من التفجير يعيش يعيش صدمة نفسية لباقي حياته. وبحسب إحصاءات وزارة الداخلية فإن أكثر من 500 سيارة مفخخة انفجرت في العراق سنة 2013، نصفها كان في بغداد، وما يخيف الأهالي هو إن السيارات المفخخة تستهدف المدارس والمستشفيات والمؤسسات الحكومية والأسواق الشعبية والأحياء السكنية والجوامع، فكل شي مُستهدّف ولا توجد استثناءات. وما يميز التفجيرات بالسيارات الملغمة خلال الشهور الماضية هو أنها أصبحت متزامنة، إذ تنفجر ما يزيد على عشر سيارات مفخخة في يوم واحد وساعة واحدة مستهدفة مختلف المناطق. ويعيش سكان بغداد سيناريو وكأنه فلم هوليودي، فبعد دقائق من انفجار المفخخات يسارعون إلى الهاتف النقال للاطمئنان على الأهل والأقرباء. الطبيب حسن الذي يعمل في أحد مشارح مستشفيات بغداد يقول لـ "نقاش" إن "جثث القتلى باتت اليوم أكثر من جثث الذين يموتون بشكل طبيعي، المشكلة إن السيارات المفخخة تقتل العشرات وفي بعض الأحيان تمتلئ ثلاجة المشرحة بالجثث أكثر من طاقتها". ويضيف "أصعب الحالات تلك التي تصلنا جثث ناقصة، من دون رأس أو من دون أرجل حيث يصعب على عائلاتهم التعرف عليهم". أما أقارب القتلى فأمامهم مهمة جديدة في العثور على قبر لفقيدهم وسط زحمة الموتى، ويجد بعضهم صعوبة في العثور على مكان لدفن أحبابهم، خصوصا وان غالبية البغداديين لديهم تقليد قديم بدفن موتاهم في مدينة النجف التي تضم مقبرة "وادي السلام" وهي من أكبر مقابر العالم في الوقت الحاضر. وبسبب ازدحام المقبرة اختار البغداديون دفن موتاهم في مدينة كربلاء المجاورة للنجف، يقول إسماعيل محمد الذي يعمل دفاّن في أحد المقابر لـ "نقاش" نحن "نقوم بتحضير عدد من القبور لاستقبال المتوفين، ولكن أيام التفجيرات تكون تحضيراتنا غير كافية ونحتاج لحفر المزيد من القبور". وتشير الأرقام الرسمية المعلّنة لضحايا التفجيرات إلى ارتفاع ملحوظ خلال الأشهر الماضية، لتضاهي ما كانت عليه أيام العنف الطائفي الذي ضرب العاصمة بغداد خلال عامي 2006 و2007.وفي احد عيادات الطب النفسي في منطقة السعدون في بغداد، يكتظ العشرات من المراجعين طلباً للعلاج من حالات عوارض مرضية نفسية غريبة بحسب صاحب العيادة الطبيب مضر محمد الذي قال لـ "نقاش" إن "التفجيرات تسبب أمراض نفسية اشد من الإعراض الجسدية". ويضيف "العديد من المراجعين لعيادتي يقولون بأن سلوكهم تغيّر بعدما حصلت بالقرب منهم تفجيرات، البعض ازداد حدته وعصبيته والبعض الآخر يفقد قدرته الجنسية، وآخرون لا ينامون ليلاً إلا من خلال استخدام الأدوية المهدءة". وينتقد أهالي بغداد الغاضبين أداء الأجهزة الأمنية العراقيّة على فشلها في الكشف عن السيارات المفخخة قبل وقوعها، لكن خبراء الأمن والدفاع ينتقدون مرحلة ما بعد الهجوم بسبب فشل موظفي الأدلة الجنائية في استحصال الأدلة من مواقع التفجيرات. ويقول الخبير الأمني أسعد ياسين لـ "نقاش" بعد التفجيرات بدقائق من المفترض أن تشرف مديريّة الأدلّة الجنائيّة التابعة لوزارة الداخليّة على مكان التفجير لجمع الأدلّة الخاصة بالسيّارات المفخّخة ونوعيّة المتفجّرات المستخدمة بالإضافة إلى أي أدلة أخرى قد تكون أساسيّة في كشف المخطّطين والمنفّذين. ويضيف "لكن الفوضى التي تسود مكان التفجير بسبب تجمع الأهالي وأثناء نقل الضحايا ورفع حطام السيارة المفخخة وغسل المنطقة بالماء يتلف العديد من الأدلة المهمة للوصول إلى المنفذين". المفارقة هو إن مبنى مديرية الأدلة الجنائية لم يسلم هو الآخر من التفجيرات حيث تعرض لتفجير شديد في 26 من كانون الثاني (يناير) 2010 أدى إلى انهياره وقتل ضباط كبار واتلفت العديد من الوثائق والأدلة بشان أعمال العنف الجارية في البلاد. |