| بغداد بعد منتصف الليل: مدينة خالية وحظر تجوال هش يخترق بأساليب وهمية |
|
المقاله تحت باب قضايا كان لا بد لي من مغامرة ليلية مضمونها التجوال في بعض شوارع بغداد بعد منتصف الليل، خلال تطبيق حظر التجوال لرصد ولو صورة عرضية عن واقع شوارع المدينة خلال هذا السكون وفراغها من سكانها باستثناء نقاط التفتيش الأمنية. الفرصة جاءت بعد أن عرض علي أحد الأصدقاء أخذي بجولة قصيرة بواسطة سيارته الفارهة بعض الشيء إلى بعض شوارع جانب الرصافة، وبالذات ساحة الفتح والكرادة خارج والعودة إلى شارع السعدون حيث كنت أقيم بفندق بغداد، أقدم فنادق العاصمة العراقية. تركنا بوابة الفندق في شارع السعدون قبل الواحدة بعشر دقائق لهذا لم نجد صعوبة في اجتياز نقطة تفتيش قرب ساحة كهرمامة، إذ وجه أحد أفراد النقطة سؤالا حول وجهتنا فأجابه بأننا ذاهبون إلى الكرادة خارج، وتمكنا من المرور. شرح لي صديقي وضع نقاط التفتيش ببغداد ومرجعياتها الأمنية، قال «هناك نقاط تفتيش الشرطة وهي تابعة لوزارة الداخلية، وهذه ليست متشددة من جهة، ومن جهة ثانية لي معارف في وزارة الداخلية أستطيع الاتصال بهم ليحلوا لنا أي مشكلة، وهناك نقاط تابعة لقيادة عمليات بغداد وهذه تتبع مكتب القائد العام للقوات المسلحة (نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء) وهؤلاء من الجيش ومتشددون أكثر من الشرطة، وكل هؤلاء يتبعون مكتب تنسيق العمليات الذي ينسق العمل الأمني بين الشرطة والجيش»، سألت: كل هذا وتحدث تفجيرات وخروقات أمنية كبيرة؟، أجاب صديقي «المشكلة هي أنه ليس هناك تنسيق في المعلومات والعمل بين الشرطة والجيش، بل هناك نوع من التنافر بينهما وسوف تلاحظ ذلك في التعامل العملي معنا في الشارع، ثم إن أجهزة الكشف عن المتفجرات مزيفة وهي تسببت بمقتل الآلاف من العراقيين وهم ما زالوا يستخدمونها، فأنا أحمل معي باستمرار مسدسي الشخصي المرخص من وزارة الداخلية ولم يستطع جهاز كشف المتفجرات اكتشافه مع أنه ملقم بسبع رصاصات». قرب بناية المسرح الوطنين باتجاه الكرادة خارج أوقفتنا نقطة تفتيش تابعة للشرطة، بادرهم صديقي قائلا «الله يساعدكم، نعرف أنتم تعبانين لكن هذا الوطن أمانة بأعناقكم والقيادة راضية عنكم»، كنت أسمع عباراته باستغراب منتظرا ردود فعل الشرطي الذي أجاب «شكرا سيدي نحن نؤدي واجبنا» ثم دعانا لمواصلة طريقنا مع كلمة «اتفضل سيدي». سألته «هل أنت ضابط في الشرطة أو الجيش؟» ابتسم وقال «أبدا لكنه تصور ذلك لأنني تحدثت معه بثقة وكأنني في موقع مهم، كان عليه أن يفتش السيارة أو يوقفنا بسبب خرقنا لحظر التجول، لكنه شرطي طيب» وابتسم. نقطة التفتيش التالية والقريبة من الأولى كانت تابعة لقيادة عمليات بغداد، أوقفتنا وتعامل أحد أفرادها مع صديقي بمهنية حيث سأل عن سبب خرقنا لحظر التجول ورفض السماح لنا بالمرور، لكن صديقي أظهر له هوية قرأها رجل الأمن وأعادها إليه مع الاعتذار، لكن صديقي رد عليه «هذا واجبكم ونحن نقدر ذلك وبارك الله فيك». قال صديقي «انظر» وسلمني هويته، وأتم حديثه «هذه هوية صادرة عن مجلس الوزراء وصلاحيتها منتهية منذ أكثر من عامين ولا تساوي أي شيء، حتى وإن كانت صلاحيتها نافذة كون حاملها، أنا، كنت موظفا اعتياديا في المجلس ليس إلا، لكنها مكنتنا من عبور حاجز قيادة عمليات بغداد لأن الأخ (يقصد رجل الأمن) لم يقرأ حقل تاريخ الإصدار وتاريخ انتهاء صلاحيتها». في طريق العودة إلى الفندق سلك صديقي شارعا مغايرا كي لا نمر بنفس نقاط التفتيش، أوقفتنا نقطة تابعة للشرطة، ألقى صديقي تحيته حسب الطريقة العراقية «الله يساعدكم»، فرد عليه الشرطي بعد أن دس جزءا من رأسه في السيارة «الله يساعدنا وأنت تساعدنا أيضا، لن تمر إذا ما(تكرمنا)»، فقال له صديقي «تدلل، أنت تعبان وتستاهل» ودس بيده مبلغا من المال، ومضينا، سألته عن مقدار المبلغ الذي «أكرم» به الشرطي، قال «50 ألف دينار عراقي، يعني أقل من 30 دولارا، يشتري به كارت جوال ليتحدث مع زوجته أو أصدقائه أو صديقته». كنت شبه مصدوم لتفاهة المبلغ الذي مكننا من المرور، قلت لصديقي: «يعني يستطيع أي إرهابي أن يمرر سيارة تحمل متفجرات إذا دفع عشرة آلاف دولار؟»، ضحك وقال «هذا كثير جدا، مقابل ألف دولار يستطيع أن يمرر شاحنة متفجرات»، وأردف قائلا «عندما يتحدثون عن الخروقات فهذه هي أخطرها». اليوم عندما تتفجر عشرات السيارات المفخخة بشوارع بغداد لا أستغرب طريقة وصولها إلى أهدافها بسهولة، يعلق صديقي «الأجهزة الأمنية مشتتة حتى بولاءاتها السياسية والطائفية مع غياب المهنية، وهذه مصيبة كبيرة». |