المقاله تحت باب قضايا في
27/07/2012 06:00 AM GMT
ما إن هبطت طائرة الخطوط الجوية العراقية القادمة من دمشق أرض مطار بغداد، حتى هرول العراقيون الهاربون من جحيم سوريا نحو الباص قبل ان ينحني أحدهم لتقبيل الأرض فرحاً بعودته سالماً مع عائلته المكونة من خمسة افراد. إبراهيم الركابي الذي عاد مع أكثر من 200 عراقي آخرين من سوريا على الطائرة ذاتها لم يفكر كيف سيعيش في بغداد بعدما باع جميع ممتلكاته فيها قبل سنوات. يقول الركابي "لا أصدق نفسي اني نجوت وعائلتي من جحيم سوريا". العراقيين الذين غادروا جحيم بلادهم منذ سنوات باتجاه سوريا وحضوا بحياة طيبة هناك أصبحو اليوم غير مرغوب بهم من قبل بعض الثوار لاسباب سياسية وأخرى طائفية كما يقول الركابي. عراقي آخر عاد من سوريا إلى إقليم كردستان قبل أيام قال لـ"نقاش" إنه لا يستطيع العودة إلى بغداد خوفا من استهدافه حيث كان يعمل في تنظيمات حزب البعث فيما مضى. العائد الهارب الذي تحتفظ نقاش بأسمه قال إن "الفوضى بدأت تعم البلاد، وأن ما يعانيه العراقيين هناك هو جزء من الوضع العام في سوريا وليس بشكل قصدي، فالسوريون انفسهم غادروا إلى المجهول". ويضيف "نحن عدنا إلى الوطن مهما كانت الأوضاع والأسباب التي ابعدتنا ونستطيع الإعتماد على مساعدة أصدقائنا وأقاربنا في بعض الأمور،لكن السوريون غادروا إلى مخيمات لايعرفون متى يعودون منها". احصاءات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة أكدت أن ما يقارب من مليون ومئتين الف عراقي لجؤوا الى سوريا بين عامي (2006-2007) حيث كان العنف المذهبي على اشده في العاصمة بغداد وعدد من المدن العراقية, وكان العراقيون محل ترحيب من قبل الحكومة والشعب السوري. يروي سرمد جرجيس لـ "نقاش" وهو مسيحي عاش في دمشق منذ خمس سنوات وعاد قبل أيام, قصص مرعبة عما يجري في هذه المدينة , ويقول "العراقيون مستهدفون من قبل بعض المتشددين في الجماعات المسلحة بسبب تأييد الحكومة العراقية لنظام بشار الاسد". مئات الآلاف من العراقين الذين هربو من اعمال العنف في العراق بعد 2003 وباعوا ممتلكاتهم وفضلوا العيش في سوريا, لاحقتهم أعمال العنف إلى هناك ولم يكن أمامهم خيار سوى العودة إلى بلادهم. حادثة مقتل عائلة عراقية في دمشق في منطقة السيدة زينب حيث يقطن غالبية العراقيين والتي كشف عنها الهلال الاحمر مؤخرا، أثارت الرعب في نفوس الكثيرين حتى لو لم يكونوا مستهدفين ودفعتهم للمغادرة، تماما مثلما كان يحصل في العراق في مرحلة الإحتقان الطائفي عام 2006 حينما دفع الخوف الكثيرين للهرب من البلاد. سمير العاني الذي مازال يصِّر على الإقامة في دمشق رغم جميع الظروف قال لـ"نقاش" في اتصال هاتفي ان "العراقيين غير مرغوب بهم من قبل الثوار والجيش السوري الحر". ويؤكد "احد اقربائي نجا باعجوبة من نقطة تفتيش للثوار في حلب عندما طلبوا منه ابراز هويته وعندما تبين انه عراقي اعتقلوه لكنه استطاع مساومتهم بمبلغ من المال كان كل ما في حوزته مقابل اطلاق سراحه". وبالإضافة إلى مئات الآلاف من المواطنين العراقيين الذين لجأو الى سوريا, فان المئات من انصار "حزب البعث العربي الاشتراكي المحظور" وعناصر فصائل مسلحة رافضة للعملية السياسية في العراق بعد 2003 إتخذو من سوريا مكانا لإقامتهم، بينهم قادة كبار في الحزب ابرزهم محمد يونس الاحمد عضو القيادة القطرية للبعث العراقي. محمود الكبيسي الضابط السابق في الجيش العراقي عاد مؤخرا إلى مسقط رأسه في مدينة تكريت (175 كم شمال بغداد), بعدما عاش أربع سنوات في مدينة جرمانة وسط دمشق, في حديث مع "نقاش" إن "أزمة طائفية باتت تلوح في أفق سوريا". ويضيف "العديد من الأحياء السورية في دمشق شهدت موجة قتل وتهجير على الهوية بشكل يشابه ما جرى في العراق خلال السنوات الماضية", ويقول ان "الثوار السوريين يعتبرون العراقيين داعمين لنظام بشار الأسد". المواقف الحكومية الداعمة لنظام الرئيس السوري بشار الاسد الى جانب اطراف دولية واقليمية محدودة مثل روسيا والصين وايران وحزب الله في لبنان لا يمنع من صدور تبريرات من بعض أطرافها. النائب علي الشلاه عن كتلة "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي يقول لـ "نقاش" "نحن مع ارادة الشعب السوري وما يخيفنا هي مرحلة ما بعد الاسد". ويضيف "الانتفاضة الشعبية اختلطت مع أجندات لتنظيمات إسلامية متشددة أبرزها تنظيم القاعدة وهي معادية للغالبية الشيعية في العراق، حيث ذاق العراقيون الويلات من التفجيرات الإنتحارية في الأعوام الماضية". الحكومة العراقية والبرلمان أعلنوا عملية اجلاء كبيرة للعراقيين الموجودين في سوريا، فيما أمر رئيس الوزراء نوري المالكي باستخدام طائرته الشخصية لاجلاء العراقيين في بيان رسمي. وعبر في بيانه عن ترحيبه بعودة جميع العراقيين وأكد فيه على "الصفح عن جميع الذين اتخذوا مواقف سلبية ولم يتورطوا في سفك دماء الأبرياء". لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية بدورها ناشدت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى التدخل السريع لحفظ أرواح العراقيين في سورية، وطالبت الوزارات المعنية بعقد إجتماع طارئ وسريع لتدارك الأوضاع وتأمين وصولهم. وزارة النقل العراقية أعلنت على موقعها الالكتروني عن نقل (2673) عراقيا إلى البلاد جواً قادمين من سوريا منذ الخميس الماضي, فيما سجلت محافظة الأنبار عبور نحو ثمانية آلاف عراقي منها براً عائدين إلى بغداد. الوزراة اشارت إلى أن "الطائرات العراقية مستمرة بنقل العراقيين المقيمين في سوريا حتى إكمال نقل الراغبين كافة بالعودة إلى العراق" لكن المشكلة تكمن لدى العراقيين الساكنين في مدن سورية أخرى خارج العاصمة وصعوبة وصولهم إلى دمشق. ويقول حميد الهايس أحد وجهاء محافظة الانبار لـ "نقاش" إن "القوات الأمنية العراقية نفذت إجراءات أمنية مشددة على طول الشريط الحدودي بين العراق وسوريا لتسهيل مرور العراقيين الفارين من العنف في دمشق". وأضاف أن "أعداد العراقيين الوافدين من سوريا عبر منفذ البوكمال والقائم تتصاعد يوميا حيث بلغ عدد القادمين أكثر من ثمانية آلاف شخص في الأسابيع الماضية". ويشترك العراق مع سوريا بحدود طولها 600 كلم يقع أكثر من نصفها في محافظة الرمادي (110 كم غرب بغداد). العشرات من العراقيين مازالو عالقين في سوريا, في ظل صعوبة التنقل والوصول إلى المطار حيث تنتظرهم أربع طائرات يوميا لنقلهم وهي لا تكفي لاجلاء الجميع بحسب المستشار الاعلامي لوزارة النقل كريم النوري. فيما تنتظر عائلة ابراهيم الركابي واقرانها من العراقيين الذين عادو إلى بلادهم مؤخرا، مهمة صعبة للعيش بعد ان تركو ممتلكاتهم واعمالهم في سوريا, يقول الركابي "اتمنى من الحكومة ان تكمل جميلها وتوفر لنا مساكن ورواتب مؤقتة". سوريا التي استقبلت المالكي في سبعينات القرن الماضي، وعادت لتستقبل غالبية الهاربين من جحيم الحرب الطائفية والمسلحين والميليشيات، تحولت بين ليلة وضحاها إلى مكان غير آمن يُستهدف فيه الجميع بغض النظر عن جنسياتهم وأديانهم ومذاهبهم. عن (نقاش)
|