المقاله تحت باب قضايا في
08/06/2012 06:00 AM GMT
السليمانية :
باسلوب غير متوقع، وصف جلال الطالباني السكرتير العام للاتحاد الوطني الكردستاني أكثر منافسيه شعبية في السليمانية، نوشيروان مصطفى مسؤل حركة التغيير بـ"الرجل الشجاع والشهم". الوصف المذكور جاء ضمن خطاب الطالباني لمناسبة الذكرى السنوية لتأسيس حزب الإتحاد الوطني الكردستاني والذي ما زال يقوده بنفسه منذ إعلان تشكيله قبل 37 عاماً مضت. الطالباني الذي أسس مع نوشيروان مصطفى، صديق الأمس وعدو اليوم، الإتحاد الوطني الكردستاني منتصف سبعينيات القرن الماضي، ذَكرَ اسم الأخير 29 مرة خلال خطابه، وفي كل مرة كان يصفه "بالرجل الشهم"، وهو ماأعتبره مراقبون بداية الطريق لحل الأزمة القائمة بين الحزبين المتنافسين منذ سنوات وبداية عصر جديد من العلاقات الثنائية بينهما. وجاء في جزء من خطابه أن "هناك حَسَنة لنوشيروان مصطفى لا يمكن نسيانها، فعندما كانت الثورة (الكردية) في أسوأ حالاتها (ضد نظام البعث) وكان الكرد يتركون كردستان، طلب مني (نوشيروان) ان نكون مختلفين وان نستشهد على أرض كردستان، ليقولوا ان مام جلال استشهد على قمه هذا الجبل ونوشيروان استشهد على قمة ذاك". الغريمان ناضلا معاً منذ تأسيس الحزب في حزيران (يونيو) 1975 لغاية عام 2006 عندما استقال نوشيروان من منصب نائب السكرتير العام اثر خلافات داخلية منسحباً عن الحزب بشكل نهائي. وفي تموز (يوليو) 2009، أعلن نوشيروان مصطفى عن تشكيل حركة التغيير وشارك من خلالها في انتخابات برلمان كردستان ليحصد 25 مقعدا (انسحب اثنان منهم لاحقا) من أصل 111 مقعداً تم تخصيص (11) منها مسبقا ككوتا للأقليات، ومن حينها وصلت العلاقات بين الإتحاد الوطني الكردستاني (29 مقعداً) وحركة التغيير (23 مقعداً في الوقت الحالي) بشكل عام وجلال الطالباني ونوشيروان مصطفى بشكل خاص إلى أسوأ الحالات. وفي المؤتمر المُصّغر الرابع للإتحاد في تشرين الثاني (نوفمبر) من نفس العام، هاجم الطالباني في كلمته الإفتتاحية بأسلوب حاد اللهجة رفيق دربه واصفا إياه بـ"المُخّرِب". وحمّل الطالباني في خطابه نوشيروان مصطفى جزءاً من مسؤلية القصف الكيمياوي لمدينة حلبجة عام 1988 الذي راح ضحيته آلاف المدنيين. الطالباني ذَكَر حينها بأنه حذر نوشيروان من احتمال قيام نظام صدام بالقصف الكيمياوي للمدينة، لكنه لم يهتم بذلك التحذير وبقيّ في المدينة مع قوات البيشمركة وكانت النتيجة ضرب المدينة بالأسلحة الكيمياوية. خطاب الطالباني الحاد والمتشنج دفع نوشيروان مصطفى إلى الرد باللهجة ذاتها متهماً الطالباني بشكل غير مباشر بالإتصال بحزب البعث، متسائلاً عن الكيفية التي جعلت الأخير على علم بحدوث القصف. الخلافات بين الإثنين مرت بمراحل من المَد الجزر، ففي نهاية كانون الثاني (يناير) عام 2011، هدد الاتحاد الوطني الكردستاني باستخدام السلاح ضد حركة التغيير. التهديد جاء بعد نشر حركة التغيير بياناً عُرِف بـ"بيان النقاط السبع" طالبت فيه بحل البرلمان والحكومة في الإقليم، وحرّك الاتحاد الوطني حينها قوات عسكرية مدعومة بالدبابات والمدرعات حيث تمركزت في الطرف المقابل للمقر الرئيسي لحركة التغيير في السليمانية. وعلى إثر صدور البيان إجتاحت مدينة السليمانية وضواحيها مظاهرات كبيرة بدأت يوم 17 شباط (فبراير) واستمرت لشهرين كانت نتيجتها عشرة قتلى وما يقارب (1000) جريح، وكان المتظاهرون حينها يهتفون باسقاط الحكومة. الإتحاد الوطني وجه أصابع الإتهام حينها إلى حركة التغيير والحزبين المعارضين الأسلاميين (الاتحاد الاسلامي والتجمع الاسلامي الكردستاني) بالوقوف وراء المظاهرات. حالة المَد والجزر إستمرت أكثر من ثلاث سنوات بين الطرفين قبل أن تتحسن العلاقات بينهما قليلا إثر إعلان حركة التغيير عن عدم مساندتها لتجديد المظاهرات يوم 17 شباط من هذا العام وكان هذا الإعلان بداية لسلسلة من الإجتماعات تم آخرها في مقر البرلمان الكردستاني في السليمانية الشهر الماضي. مؤيدوا سياسات الطالباني يرون ان خطابه جاء لِفَك العُقدة ويهيئ لإجتماع القائِدين، لكن الخطاب ذاته كان محل شك لآخرين لديهم "تجارب مريرة" معه يقولون إن مواقفه مُتَغيرة تحوِّل أصدقاء الأمس الى أعداء وبالعكس. قبل ان يقوم نوشيروان مصطفى مع مجموعة من القياديين في الاتحاد الوطني (جناح الاصلاح) بالإنفصال عن صفوف الحزب، وعد الطالباني أكثر من مرة قياديي الاصلاح شفوياً بتلبية مطالبهم، لكن بعد مدة تلاشت تلك الوعود دون أن ترى النور. بعضُ المراقبين يُفسرون تغيُّر موقف الطالباني أزاء نوشيروان بأنه ناتج عن المستجدات السياسية في الساحة العراقية خصوصا وأن رئيس الاقليم مسعود البارزاني يضغط بكل قوة لسحب الثقة عن حكومة المالكي، في المقابل فان الطالباني رئيس العراق ليس متحمسا بنفس القدر لهذا الموضوع. وبحسب تسريبات إعلامية، قام الطالباني بتخيير نواب حزبه في البرلمان العراقي للتصويت على سحب الثقة عن المالكي من عدمه ما يعني إن علاقته بالبارزاني قد تتدهور لاحقاً. خطاب الطالباني قد يصب في إتجاه محاولة إستمالة صديقه القديم واستخدامه كورقة ضغط ضد الحزب الديموقراطي حسب المحلل والمراقب السياسي محمد حسين، خصوصا وأن عدد مقاعد الإتحاد والتغيير مجتمعين تصل الى 52 مقعد في البرلمان الكردستاني (29 للاتحاد و23 للتغيير بعد إنسحاب نائبين من الحركة). في النهاية، مهما كانت الأهداف الخفية وراء خطاب الطالباني، فإن غالبية آراء المراقبين تُرَجح أنه سيسهم وبشكل كبير في تهدئة الأوضاع بين أصدقاء الأمس وأعداء اليوم، إن كان على صعيد القيادات السياسية أو على صعيد الشارع السليماني المُنقسم بين الطرفين وأنه قد يُعيد الصداقة القديمة إلى سابق عهدها بين الزعيمين. عن (نقاش)
|