المقاله تحت باب قضايا في
29/04/2012 06:00 AM GMT
المشكلات السياسية بين المالكي والبارزاني ليست بالجديدة، لكن هذه المرة وصلت الى مستوى غير مسبوق من حيث الاتهامات والتصريحات المباشرة واللاذعة تجاه بعضهما البعض من خلال وسائل الإعلام. الغريب في الأمر وعلى عكس المرّات السابقة، أن الصراع لم يلقَ صدى يذكر في الشارع الكردي على الأقل، وهذا ما يعود لسببين حسب المراقبين السياسيين. أولهما كما يشير إليه رشيد فاروق أن "البارزاني يحمل مشعل الأزمة وحده في إقليم كردستان من دون تأييد الأطراف السياسية الأخرى بشكل عام والاتحاد الوطني الكردستاني، حليفه الاستراتيجي، بشكل خاص". لذلك لم تكن المعركة الكلامية بين الجانبين محل اهتمام الاطراف السياسية الكردية وماكينتها الإعلامية. السبب الثاني برأي المراقب السياسي، أن مواطني الاقليم يعتقدون أن "الخلاف يدور حول مصالح المالكي والبارزاني الشخصية والاقتصادية" وهي بعيدة كل البعد عن الهموم الوطنية ومصالح الشعب الكردي. يذكر أن معظم المشكلات العالقة بين الحكومة المركزية ورئاسة الاقليم كانت تتعلق بقضايا النفط وتهريبه الى ايران عن طريق الإقليم وقانون النفط والغاز ومنح التراخيص، وملفات اقتصادية أخرى كميزانية البيشمركة والميزانية العامة للاقليم، فضلا عن المشكلات الإدارية المتعلقة بالمادة 140 من الدستور العراقي المختصة بالمناطق المتنازع عليها. ومهما كانت الأسباب وراء اندلاع حرب التصريحات الجديدة بين الرجلين، فإن "علاقتهما مبنية من الأساس على أن يتصادما"، يضيف فاروق. وكان مسعود البارزاني رئيس الاقليم قد هاجم المالكي بشدة خلال خطاب له يوم 20 آذار (مارس) الماضي بمناسبة عيد رأس السنة الكردية (النوروز) متهما إياه باحتكار للسلطة وإعادة النظام في العراق إلى "زمن الدكتاتورية"، ملوّحا باللجوء الى إستفتاء عام بهدف إعلان دولة كردية مستقلة. ويتضح للمراقبين أن خطاب البارزاني كان مثقلا بالأزمات التي حدثت في الشهور الماضية فيما يخص قانون النفط والغاز والعقود النفطية للاقليم، وأخيرا مسألة إيواء نائب ريش الجمهورية طارق الهاشمي وعدم تسليمه لبغداد. وكانت تلك التصريحات –على عكس مثيلاتها السابقات- أشدّ وطأة وتأثيرا على المالكي، ليس فقط بسبب وصف البارزاني له بـ "الدكتاتور الجديد"، بل لأنها جاءت مصاحبة لتحضيرات إجراء القمة العربية في بغداد. وكان من الصعب على المالكي الدخول في متاهة الاتهامات المتبادلة. لكن لم يمر وقت طويل حتى بدأ أعضاء مجلس النواب من قائمة المالكي بالرد على البارزاني واتهامه بانه "فقد التوازن"، كما أشار إليه النائب عن دولة القانون ياسين مجيد. ويقول "بسبب الفشل المستمر للبارزاني، فقد توازنه وبدأ بمهاجمة بغداد". وبينما لا يبدي الشارع الكردي والأطراف السياسية على الاقل رسميا، اهتماما ملحوظا بما يحدث بين دولة القانون ومسعود البارزاني، نرى أن اللاعبين الإقليميين دخلوا على خط الأزمة مؤيدين أحد الطرفين ضد الآخر. دولة مثل تركيا يعرفها الكثيرون من أبناء الإقليم على أنها "خصم لدود" لمصالح الشعب الكردي، تساند البارزاني على نحو غير مسبوق. فبعد اجتماعه مع رئيس إقليم كردستان يوم 19 نيسان (ابريل) الماضي، قال رجب طيب اردوغان "تصرفات المالكي أنانية ولا تصب في مصلحة شركائه"، في اشارة الى الأزمة القائمة بين بغداد وأربيل. وحسب المراقبين، يأتي هذا التأييد التركي لرئيس الاقليم من أن أنقرة فقدت معظم حلفاءها في المنطقة وأصبح إقليم كردستان المنفذ الوحيد لها على الجنوب. تدهور العلاقات مع النظام في سوريا أساءت أيضا للشراكة مع إيران. وتحت ضغط من الدولتين (سوريا وايران) بدأت علاقة انقرة ببغداد تتوتّر شيئا فشيئا. وبذلك يبقى إقليم كردستان ورقة الضغط الوحيدة بيد الأتراك. وأججت زيارة رئيس الإقليم أمريكا (الأول من الشهر الجاري) ولقائه الرئيس الامريكي باراك اوباما، الأزمة بين الشمال وبغداد. فقبل هذه الجولة بأيام معدودة، نشرت صحيفة "خبات" الناطقة باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني أن المالكي طلب من الإدارة الامريكية رفض استقبال البارزاني. وحسب المعلومات التي نشرتها الصحيفة، "طلب المالكي من جيمس جيفري السفير الامريكي السابق في العراق أن ترفض إدارة بلاده استقبال البارزاني كرئيس"، لكن وبالرغم من أن جيفري "وعد المالكي بايصال طلبه الى الادارة الأمريكية"، قام اوباما باستقبال البارزاني شخصيا. ولا يلوح في الأفق ما نشرته بعض وسائل الاعلام من أن الطالباني يحاول الوقوف بين الطرفين بهدف تحسين العلاقة بينهما. وفي اجتماع البارزاني مع مدراء القنوات الاعلامية الكردية يوم الأحد الماضي أعلن انه طلب من الادارة الامريكية خلال زيارته عدم الموافقة على صفقة بيع طائرات من نوع F16 للعراق مادام المالكي رئيسا للوزراء، كما اكد من جديد على ان "المالكي يقود العراق صوب الدكتاتورية". وحسب التقارير الاعلامية، قام الجانب العراقي بتوقيع عقد شراء 18 طائرة من نوع F16 بمبلغ مليار ونصف المليار دولار من الجانب الأمريكي. وكما يشير الاعلاميون الذين حضروا الاجتماع مع البارزاني والذي جرى بمناسبة مرور 114 عام على صدور أول صحيفة كردية (1898)، فإن حجم الهوّة بين الطرفين كان واضحا في خطاب رئيس الاقليم. جزا محمد رئيس مجلس إدارة راديو "دنك" وأحد الحضور في اجتماع البارزاني قال لـ"نقاش" ان رئيس الاقليم من خلال كلامه "كان واضحا من أن الدعم الذي حصل عليه من أمريكا وتركيا يشجعانه في إدامة الأزمة". وفي مقابل تصريحات ومواقف رئيس الإقليم لم يكن المالكي عاجزا بل اتجه الى "حليفه القديم والستراتيجي" كمحاولة للإفلات من الضغوط الواقعة عليه. وزار المالكي يوم الأحد الماضي طهران، وفور وصوله اتهمت قناة "سحر" الإيرانية البارزاني بأنه يساند الهاشمي بتوصية سعودية "بهدف إضعاف السلطة الشيعية في العراق". وبالرغم من أن الناطق باسم رئاسة الاقليم أميد صباح قال ان الموضوع "لايتجاوز مجرد تقرير اعلامي"، لكن وحسب وجهة نظر المراقبين فان هذا التقرير يعكس الرأي الرسمي لحكومة طهران الرافض للدعم التركي لبارزاني. وكما يقول جزا، فإن الدعم الاقليمي الواضح للطرفين المتنازعين في العراق لن يساعد في الحد من الازمة، بل سيصب المزيد من الزيت على النار. عن (نقاش)
|