قوات البشمركة لن تنسحب قبل تامين الغطاء الأمني لحماية الكرد في ديالى

المقاله تحت باب  قضايا
في 
29/08/2011 06:00 AM
GMT



نقاش : 
" نفد صبرنا، ولم يعد بوسعنا التحمل أكثر.. ومن الآن فصاعداً سنحافظ على امن مواطنينا بايدينا".

هكذا أعلن محمود سنكاوي عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، واحد ابرز المساعدين العسكريين للطالباني، قبل أن يتم إرسال لوائين من قوات البشمركة الى محافظة ديالى.

وصول البشمركة الى حدود ناحيتي السعدية (60 كم شمال بعقوبة)، وجلولاء (151 كم شمال شرقها) التابعتين لقضاء خانقين الواقعة ضمن المناطق المتنازع عليها بين حكومة المركز والاقليم، جاء بعد حملة إعلامية ودبلوماسية كردية سلطت الضوء على استهداف المواطنين الكرد من قبل جماعات مسلحة، حيث يعيش في تلك الناحيتين خليط من القوميتين العربية والكردية.

فحسب تأكيدات المسؤولين السياسيين والأمنيين الكرد، فان أعمال العنف الأخيرة التي وقعت في ديالى، أدت إلى نزوح أعداد كبيرة من العائلات الكردية، بعد ان تسببت بمقتل العشرات من أبنائها. وآخر فصول هذه الأعمال، سقوط أربعة ضحايا من كوادر الاتحاد الوطني في جلولاء والسعدية في حوادث متفرقة، ومحاولة تفجير مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في ناحية جلولاء.

المجلس القيادي للاتحاد الوطني الكردستاني، أعلن في بيان ختامي، صدر عقب آخر اجتماع له منتصف الشهر الجاري، على ان الأوضاع المتوترة في مناطق السعدية وجلولاء والمناطق "الكردستانية" الأخرى في محافظة ديالى "مخطط لها، وتشكل تهديدا مباشرا على جميع ابناء شعب كردستان".

المجلس القيادي للاتحاد يؤكد على " نتيجةً للبحث الدقيق والشامل للموضوع، توصل المجلس إلى أن حقيقية ما يحدث في تلك المناطق، ليس مجرد عمليات إرهابية اعتيادية، بل هي عمليات منظمة لمعاودة سياسة التعريب".

البيان صدر بعد إعلان كتلة التحالف الكردستاني في بغداد خلال مؤتمر صحفي عن مقتل قرابة 500 مواطن كردي في المناطق المتنازع عليها في ديالى، ونزوح 1400 عائلة منذ سقوط النظام العراقي في 2003.

المناطق المتنازع عليها في ديالى تعرضت لسياسة التعريب حالها حال المناطق الكردية الأخرى في كركوك، ونينوى، وصلاح الدين، التي رحلت منها العائلات الكردية أثناء حكم النظام البعثي، وأسكنت محلها عائلات عربية استقدمت من الوسط والجنوب. وكان من المقرر ان تحسم هوية ومصير هذه المناطق وفق المادة 140 من الدستور العراقي الدائم لغاية نهاية سنة 2007، لكن مصير هذه المنطاق مازال معلقاً، الأمر الذي أدى إلى اشتداد التنافس على هوية هذه المناطق بين المكونين الكردي والعربي.

وبحسب إحصائيات وزارة البشمركة الكردية، التي سلمت نسخ منها إلى الحكومة العراقية، والقوات الأمريكية، والممثليات المعتمدة في إقليم كردستان، فأن سياسة تغيير الوضع السكاني في المناطق المتنازع عليها في ديالى مستمرة لغاية الآن، والى جانب الخروقات الأمنية وأعمال العنف فان معركة خفية تدور لحسم الهوية القومية لهذه المناطق.

هذه الإحصائيات التي استندت إلى معلومات قدمتها الدوائر الرسمية في المنطقة، أكدت أن نسبة وجود الكرد في ديالى في تدن مستمر، في مقابل ارتفاع مستمر في نسبة وجود العرب منذ احداث عام 2003. إذ كانت نسبة العرب في جلولاء 49% قبل ذلك، غير أنها ارتفعت الآن الى 77% ، في مقابل هذا، تدنت نسبة وجود الكرد الى 18%، بعد ان كانت تشكل 33%.

وفي ناحية السعدية ارتفعت نسبة العرب من 37% الى 82%، في حين تدنت نسبة الكرد فيها، من 31% الى 7% فقط. وفي ناحية قرتبة ارتفعت نسبة العرب من 52% الى 66%، ونسبة الكرد تدنت من 27% الى 16%.

الامين العام لوزارة البشمركة اللواء جبار ياور، يرجع سبب تدني نسبة الكرد في تلك المناطق، الى الضغوطات الأمنية المترتبة عليهم، وشدد على ان عدد ضحاياهم بلغت 423 قتيل، من مجموع 555 مواطنا لقوا حتفهم بعد سقوط النظام في المناطق "الكردستانية" من محافظة ديالى، وأجبرت 679 عائلة كردية في جلولاء على ترك منازلها، وحدث ذلك أيضاً مع 610 عائلة في السعدية، و64 عائلة اخرى في ناحية قرتبة.

الناطق الرسمي باسم كتلة التحالف الكردستاني مؤيد طيب، اتهم خلال مؤتمر صحفي عقد في بغداد، اللواء الاول للجيش العراقي وفوج طوارئ الشرطة المرابطين في جلولاء، بالتغاضي عن الأعمال التي ترتكبها الجماعات المسلحة ضد الكرد، وأوضح بان كتلته قدمت شكاوى رسمية عن أداء هذه القوات المنتشرة في المنطقة الى الرئاسات في العراق، وقال "نعتقد بان على القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي وضع حد لإعمال العنف الدائرة في المنطقة".

وكانت قوات البشمركة الكردية على حافة الاقتتال مع الجيش العراقي سنة 2007 في ديالى، اثر خلاف حول الانتشار الأمني في المنطقة، ثم توصل الطرفان الى اتفاق تحت إشراف أمريكي قضى بانسحاب قوات البشمركة، وحلت مكانها، قوات من الجيش والشرطة العراقيين.

رئيس برلمان كردستان، كمال كركوكى، اعلن يوم 18 آب في مبنى البرلمان، بان الانسحاب الكردي من ديالى كان بسبب الضغوطات الأمريكية وعده "خطأ استراتيجياً" وقال "هذه المناطق جزء من إقليم كردستان، ومن واجبنا ان ندخل البشمركة إليها لحفظ أرواح المواطنين".

رئيس البرلمان الذي كان يتحدث خلال مؤتمر صحفي، أوضح" طالبنا ان تدخل قوات البشمركة الى المناطق الكردية في ديالى" ثم تابع "لبت رئاسة وحكومة الإقليم طلبنا مشكورًين، وأرسلتا قوات البشمركة الى هذه المناطق لحماية المواطنين".

وحسب المعلومات التي حصلت عليها نقاش، فان القوة الكردية المنتشرة في المناطق المتنازع عليها مدججة بالسلاح والعتاد الثقيل، وتتألف من ثلاثة ألوية من قوات البشمركة. وكمساندة ودعم لهذه القوات أفتى كل من الملا ماجد الحفيد (عضو قائمة التحالف الكردستاني ورجل دين) والملا عمر جنكياني (رجل دين مقرب من الحزب الديمقراطي برئاسة مسعود البارزاني) بجواز ان يفطر البشمركة المنتشرون في ديالى "لأنهم مسافرون ويؤدون واجبا مقدسا".

تدهور الوضع الأمني في المناطق المتنازع عليها في ديالى، وارتفاع صرخات المواطنين الكرد ضد الإعمال التي تستهدفهم، يأتي بالتزامن مع اقتراب موعد انسحاب الجيش الأمريكي من العراق بشكل عام، ومن المناطق المتنازع عليها بنحو خاص، وأنهت آخر الوحدات الأمريكية مشاركتها في العمليات المشتركة للقوات العراقية والكردية في المناطق المتنازع عليها بداية هذه الشهر، ويترك هذا الانسحاب تحديا امنيا كبيرا، يزيد من مخاطر التصادم القومي في تلك المناطق حسب كثير من المراقبين.

البرلماني الكردي من قائمة التحالف الكردستاني، برهان محمد، يوضح بان سبب التوترات الحالية في ديالى يرجع الى عدم التزام الحكومة العراقية، وقائمة رئيس الوزراء نوري المالكي، بالاتفاقات التي وقعوها مع الجانب الكردي وقائمة التحالف الكردستاني، وقال "لم تخطو الحكومة اية خطوة عملية باتجاه تطبيق المادة 140 من الدستور، مما فتح الباب لطرد العائلات الكردية من منازلها".

وكان من المفترض ان تطبق المادة 140 من الدستور حتى 31/12/2007 ويتمثل ذلك بتطبيع الوضع في المناطق المتنازع عليها، وإجراء الإحصاء والاستفتاء على هويتها، لكن البرلماني الكردي وعضو اللجنة القانونية في مجلس النواب لطيف مصطفى يقول "لم ينجز من المرحلة الأولى للمادة 140 لحد الآن سوى 20% فقط".

محافظة ديالى (55 كم شمال شرق بغداد) التي تتبعها 5 أقضية و18 ناحية، ويبلغ تعداد سكانها مليوناً وخمسمئة ألف نسمة، من القوميات العربية والكردية والتركمانية، تعاني من الخروقات الأمنية الكبيرة إضافة الى العنف القومي.

القائمة العراقية التي فازت بأغلبية المقاعد في ديالى، تنفي ان يكون الكرد مستهدفون في أعمال العنف الأخيرة، وأعلنت لوسائل الإعلام، بان إرسال البشمركة الى المناطق المتنازع عليها في ديالى يعقد الوضع أكثر.

من جهتها أعلنت وزارة البشمركة في إقليم كردستان وعلى لسان أمينها العام بان قواتها لا تستطيع ان تجلس مكتوفة الأيدي إزاء مقتل المواطنين الكرد، وأكدت على عدم الانسحاب، لحين تامين الغطاء الأمني لمناطق ديالى التي يتواجد فيها الكرد.