الظهور الأول للشاعر صلاح فايق الشاعر المختفي من عقود في الفيلبين

المقاله تحت باب  منتخبات
في 
13/08/2011 06:00 AM
GMT



في الطائرة إلى «سيت» وجدت نجوان درويش بن الركاب وكان هذا بمثابة فألي الحسن. كان مضى أكثر من عام وربما اثنين على آخر مرة رأيت فيها نجوان في الجزائر. أنزلت السيارة التي كانت في استقبالنا عبده وازن في الفندق. وأنزلتني أنا جنب البيت الذي وافقت على أن أكون نزيله في ضيافة عائلته. كان البيت قديماً، درج خشبي ملتو ومطبخ واسع وغرف نوم كثيرة، أربع على الأقل. كنا سلخنا شطراً من الليل. استقبلتني سيدة شابة ومعها ولدان، فتاة قاربت سن الفتوة وطفل. قادتني المرأة إلى غرفتي التي لم أستطع إغلاقها. كان الباب قديماً أيضاً وليس من السهل إيصاده تماماً، بقي مغلقاً غير موصد. قالت الشابة لي إن غرفة الحمام هي أيضاً غير قابلة لأن توصد وإن لافتة معلقة عليها كتب على وجهها كلمة «مشغول» وعلى الوجه الآخر كلمة «غير مشغول» هي التي تنظم عملية الدخول إليها. إذا دخلت قلبت اللافتة إلى كلمة مشغول وأخذت وقتك في الحمام آمنا من أن يداهمك أحد فيه. في اليوم الثاني انتبهت إلى أن الباب يبقى مفتوحاً حتى يدخل أحد فيغلقه وإذا خرج عاد ففتحه. لم يكن أيٌ من الغرف مغلقاً متيناً فقد لاحظت أن شيئاً كلافتة الحمام يعلق على الغرف أيضاً. لم يكن هناك في الدار كلها ما يوصد تماماً، شعرت منذ دخلت إلى أن شيئاً كهذا في بلد كفرنسا، الخصوصية فيه قيمة حقيقية، اعتداء فعلي على خصوصيتي. قضيت ليلتي الأولى وعقلي عند الباب غير الموصد. لم أباشر إفراغ شنطتي إذ وجدت أن الخزانة التي في الغرفة مليئة بمفارش وأغراض للبيت. لم أفرغ شنطتي لأني لم أتأكد من تملكي للمكان وتركت القميص والبنطلون اللذين خلعتهما على الكرسي وكلي إحساس بأني وأغراضي تحت عين غير مرئية. كانت غرفة مكشوفة وأنا فيها مكشوف. أخبرتني الشابة أن رجلها قضى من عامين وان رفيقها يكتب ويرسم، اعتقدت ان «رفيقها» هو صديقها الحالي. وجدت في غرفتي أو الغرفة التي رقدت فيها رسمة لرجل نافر العينين خشن الشعر، رأيت تحته مغلفاً كتب عليه «أحبك يا أبي». سألت «سلين» وهذا اسم الشابة من رسمها فقالت رفيقي. عجبت من أن تعلق رسمة لصديقها في غرفة هوت عبارة من مثل «أحبك يا أبي». من الواضح أن أحد الابنين تركها تحت الرسمة التي تراءى لي انها بالتأكيد لأحد من القريبين. كنت في قراءة عندما رأيت الولدين يلوحان لي من بعيد، بعد القراءة رأيت سلين، أمهما في زاوية من المكان. لقد جاؤوا لسماعي. قدرت ذلك وتراجعت جزئياً عن فكرة ترك المكان. كنت اعتدت على الأبواب غير الموصدة ولم تتأذ خصوصيتي كثيراً من بابي المردود بدون أن يكون محكم الاغلاق. ثم انني شعرت ان وجودي في البيت ليس من قبيل الضيافة وانني تقريباً مستأجر والمهرجان بدون شك يدفع لقاء ذلك، لا بد أن العائلة تستفيد من وجودي ولم أكن مستعداً لأحرمها مما تتقاضاه. اختفت الشابة واختفى ولداها، لقد عادت إلى عملها وأودعت ولديها في مخيم للفتيان، لكن العائلة عادت وبدأت أشعر أن الشابة حين تتحدث عن رفيقها، إنما تتحدث عن رجلها المتوفى. كان هو الرسام، وهو الكاتب وهو الذي تعنيه حين تتكلم عن رفيقها. قلت لها إنني ظننتها تعني برفيقها شخصاً آخر وأنا الآن أفهم انه هو رجلها المتوفى. وعندما حكيت ذلك لعيسى مخلوف في باريس فهمت منه أن كلمة «الرفيق» تعني المساكنة بدون زواج.
في المهرجان
كنت وعبده وازن لبنانيي المهرجان. كان ناظم السيد سيكون ثالثنا وكما علمت فقد كان من المفترض أن ينزل معي في البيت ذاته، لكن أمراً منعه من أن ينتقل من الولايات المتحدة إلى فرنسا. لقد أوت سلين في بيتها شاعرين مغربيين في المهرجان السابق ولم توفق هذه المرة إلا بواحد. كان معنا نوري الجراح وعبد السلام حلوم من سوريا وفتحي عبد الله ومنتصر عبد الموجود من مصر. والمنصف الوهابي من تونس ونجوان درويش ومحمَّد الأسعد من فلسطين وشعراء من اليمن والسعودية وقطر والجزائر والمغرب شعراء من إيران والبرتغال وتركيا وكرواتيا وكوبا وبطبيعة الحال من فرنسا وايطاليا واسبانيا، قرابة 130 شاعراً مدعواً غاب بعضهم لكن الباقي لا يقل عن المئة، وإذا أحصينا قراءة واحدة يومياً لكل شاعر وافترضنا أن إقامة الشعراء تتفاوت في عدد أيامها لاستطعنا أن نجمع ما لا يقل عن مئات القراءات في بلدة يصل تعدادها إلى الـ50 ألفاً تقريباً. في البدء كانت القراءة الواحدة تجمع ما يزيد عن الخمسين سامعاً، ثم بدأ العدد ينخفض مع توالي الأيام إلى أن وصل في أخريات المهرجان إلى قرابة الـ25 في القراءة الواحدة، وهذا مع ذلك عدد مقبول. ذلك يعني أن البلدة الصغيرة عجّت في مدى الأيام التسعة بقراءات شغلت كل أحيائها وكل أوقاتها. قراءات تبدأ صباحاً وتستمر ظهراً وعصراً ومساءً وليلاً، حتى أن ثمة قراءة في منتصف الليل لأشعار الحب. لم تكن القراءات وحدها، فغالباً ما كانت مصاحبة بالموسيقى بالإضافة إلى حفلات غناء لمطربين ومطربات، ولم يكن الشعر المكتوب هو وحده الحاضر، ثمة الشعر الصوتي والشعر الصوتي هو بأدائه. يتلاعب الشاعر بصوته وقد يحضر إلى جانبه مسجلة تبث كلاماً مسجلاً يتقاطع مع كلام الشاعر. وربما أضيفت أصوات أخرى إلى العرض، أصوات طبيعية وأصوات حيوانية، وأداء الشاعر يتموج ويحتج ويزعق ويهمس. من الواضح أن الشعر هكذا عرض وهو كما يؤدى في ساعته. انه في الوسط بين الشعر والمسرح بل هو أقرب إلى المسرح فلا شأن للكلمات وكل الشأن لأدائها. قلما يهم الكلام بقدر ما يهم أداؤه. ذلك أقرب إلى التمثيل والى التمرين المسرحي. لكن شعراء هذا اللون يصرون على انهم شعراء أولاً ولا يقبلون بسهولة أن ينسبوا إلى المسرح. يجد هؤلاء الشعراء متفرجين وسامعين قد لا يجدهم الشعراء العاديون. وإذا نسبناهم مع ذلك إلى المسرح نظلم المسرح فالمسرح أيضاً نص بقدر ما هو أداء. يمكن بالطبع أن نعتبرهم شعراء كالتروبادور، شعرهم في نظمهم ولكن أيضاً في غنائهم، مع ذلك تبدو هذه المحاولة لإنقاذ الشعر بإكسابه طبيعة مسرحية أكثر دلالة على تراجع الشعر وربما إفلاسه.
أما إذا عدنا إلى المهرجان فإن ترتيبه استفاد من كل الإمكانات. إذا استضاف الشعر الصوتي فإنه أيضاً عاد إلى الغناء الرومانطيقي وخصص لشعر الحب ساعة في منتصف الليل. كان هناك بالطبع محل للشعر السياسي والشعر «المفكر» فثمة قصائد لم تكن سوى «توقيعات» تذكر بنيتشه وسيوران. لكن التجربة الفريدة في المهرجان كانت بحق شعر البكم الصم.
شعر الإشارات
كنت أقرأ في البرنامج انني مع شاعر فرنسي هو دولافو، نقرأ شعراً يترجم إلى لغة الإشارات. حسبت أن «لغة الإشارات» هذه من أسماء الشعر ولم يخطر لي انها لغة الصم البكم. لم يتضح لي ذلك إلا حين التقيت «بالمترجم» وفهمت منه ان الأمر يتعلق بنقل القصائد إلى لغة الإشارات بالأيدي والجسد. اختار «المترجم» ثلاثاً من قصائدي، وحدها ترجمها وكان علي أن أقف عندها. صعد الشاعر دولافو وصعد معه مترجمه الذي انتظر حتى أنتهي من القراءة ونزل الشاعر عن المنصة فوقف مكانه وأدى القصيدة بيديه وبجسده. كذلك كان الأمر معي. كنا لا نزال في الجزء الأبسط من الحفل ولم يخطر لي أن ثمة شاعراً أصم أبكم سيقف ليؤدي بيديه وجسده قصائده فيما يقف آخر جنبه ليقرأ بالكلمات ترجمة القصيدة التي أديت بالحركات. هذه المرة كان النص بالحركات والإشارات والترجمة بالكلمات. كنا نسمع نصوصاً تعتمد على الكلمات المفردة وقلما تشكل فيها جمل كاملة. كانت كلمتا« صحو» و«نوم» تتواتران عدة مرات في القصيدة، كذلك كلمتا «يسار»، «يمين». كان الشاعر يفتح عينيه عند كلمة صحو ويغلقهما عند كلمة نوم، مع ذلك لم نعرف إذا كان الشاعر يؤلف قصيدته بالحركات أم الكلمات، وإذا كانت القصيدة تتألف بالحركات فأين ينتهي البيت وأين تكون القافية (إذا كان ثمة قواف) وكيف يمكن أن يكون للقصيدة المرئية أسلوب وكيف يكون الكلام سلساً أو حنوناً أو مركباً أو وعراً في لغة الإشارات. كان الشاعر الأصم الأبكم نجم الأمسية ولم نعرف إذا كان يؤلف القصيدة بالحركات أولا أم الكلمات. لم نعرف إذا كان الكلام بالإشارات يؤلف بلاغة خاصة به. إذا كانت اللغة ذات الفباء أم انها مزيج من الصور والأحرف. إذا كانت الحركات والإشارات تعمل في الوجدان وترقق النفس. قال سامعون انهم لحظوا فروقاً أسلوبية بين ترجمة وترجمة وقصيدة وقصيدة. سئلنا أنا ودولافو عن انطباعنا، قلت ان الكلام بالجسد قد يكون أقرب إليه وان هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها قصيدة مجسدة. قال دولافو إن التجسيد سر مسيحي. يمكننا أن نسمي هكذا الإله الأعرج صانع الدروع. بعد ذلك صعد دولافو وصعدت أنا لنلقي قصيدة أخرى، من هناك رأيت شارلي وأوغسطين يلوحان لي. جاءت سلين مع ولديها.
كنت العام الماضي مدعواً إلى مهرجان سيت وصادف ان تعرضت لحادث سير قبل يومين من موعد الافتتاح. بلغ النبأ إدارة المهرجان فعمدت وأنا في المستشفى إلى قراءة أشعار مترجمة لي في لقاءات المهرجان. كان هذا استحضاراً لي في غيابي وصلاة من أجلي. لم أعلم بذلك في حينه لكن عندما علمت شعرت لأول مرة بعائلتي العالمية. كان المهرجان بالنسبة لي هو هذه العائلة. لكن هذه الجوقة من شعراء وموسيقيين وشعراء صوتيين وآخرين صم بكم كانت أيضاً نوعاً من بابل عالمية. مايتى مديرة المهرجان نقلته من لوديف إلى سيت، انها امرأة مشهود لها بالخبرة والثقافة فقد سبق أن أدارت متاحف لكن النساء كن هن من يدرن المهرجان. فتيات جميلات وكأنهن في مهرجان للسياحة. كنا نرابط نهارنا في مركز المهرجان نتناول قهوتنا مراراً ونتناول شاينا مراراً، كنا نستقبل في قاعة المركز بابتسامات عذبة وبقدر من الالفة. انهن عائلتنا الصغيرة هنا وقد أمضينا تسعة أيام في رعايتهن ورعاية سلين ومايتى. هكذا كنا نؤسس في هذه البلدة الجنوبية البعيدة والصغيرة نسبياً بيتاً للشعراء، تسألني امرأة إذا كنت تركياً ويسألني واحد إذا كنت يونانياً وحين أقول اني لبناني يختلط الاسم بليبيا، وأحتج رغم ان ليبيا اليوم، وربما في الأمس، أشهر. هنا أيضاً التقت زمرة عربية وكان طبيعياً ان نتحدث عن بلادنا. كنا معاً نتوجه الى نفس الأمكنة وتقريباً على ذات الموجة. ومع الفرنسيين الذين كانوا يسألوننا تكلمنا عن «نموذجنا». كان لدينا منذ الآن ما نقدمه للآخرين. نموذجنا. نعم. نموذجنا المخضب بالدم والشجاعة والخسائر والتضحيات. نموذجنا نحن ومكاننا في العصر وفي العالم.
الشاعر المختفي
يمكننا أن نتذكر أيضاً لقاءات الغداء في كانتين المهرجان، في الصفوف الطويلة أمام البوفيه أو على الطاولات التي عمرت بالآكلين نصادف عشرات من أهل المهرجان: الشعراء والمنظمون (هم بالمناسبة شعراء) والموسيقيون والمقدمون والتقنيون ومعظمهم شعراء أيضاً. هنا التقينا بعرب وفرنسيين وكرواتيين وإيرانيين وأتراك وايطاليين واسبان. هنا جاءنا الخبر بأن سلمى الخضراء الجيوسي حاضرة ولما ذهبت لتحيتها عرفتني ما ان وقعت عينها عليّ، رغم أن أمداً انقضى على آخر لقاء بيننا. هنا علمنا أيضاً بأن الشاعرة الإماراتية حمدة خميس وقعت وكسرت رجلها وأصرت مع ذلك أن تنتقل على كرسي وبكاحل مكسور في نشاطات المهرجان وحتى في مقاهيه. هنا جلس الشاعر الجزائري بالفرنسية يقرأ لي من شعر السياب، وهنا أيضاً كان فتحي عبد الله يوزع صخبه ونوري الجراح لا يتوقف عن الحركة ومايتى تعانقنا كلما تصادف أن نلتقي وصلاح ستيتيه، وريث سلالة طويلة من الشعراء الدبلوماسيين، يمنح ابتساماته. كنا تقريباً في عطلة. ساهم طول المهرجان بهذا الانطباع عطلة نمارس فيها كسلنا تحت خيمة منصوبة قرب مركز المهرجان أو على عشب حديقة قصر المياه. وفي الليلة الأخيرة للمهرجان، الذي اختتم باحتفال في الحديقة، اكتشفنا أن ثمة مئات تحت المنصة. على الكراسي الطويلة كان المستمعون يغرقون في مقاعدهم فلا تظهر رؤوسهم وتسكن حركتهم إلى أن يتراءى لهم أن الشاعر توقف عن إلقاء قصيدته فيجازونه بالتصفيق. التصفيق جزء من الاحتفال وهو حق للشاعر على الجمهور ولا يستطيع إلا أهل الخبرة أن يميزوا بين تصفيق وتصفيق، كان هذا جواب الجمهور. أما حدث المهرجان بالنسبة للشعراء العرب فكان بحق حضور صلاح فائق. كان صلاح فائق العراقي التركماني شغل مخيلاتنا بالتلازم مع سركون بولص الشاعر العراقي الأشوري. صلاح فائق تكلم التركية وبعدها الكردية في بيته قبل ان يتعلم العربية التي كتب بها وصار شاعراً. ظلت «رهائن» و«لكل البلاد» من أوائل التيار الطليعي في الشعر العربي. كان شعر صلاح فائق الذي احتفل به شبان الشعر العربي نموذجاً أول لسيريالية عربية «من قبيل اللغة». لشعر صلاح الذي كان لعب مخيلة جمع بين غناء سلس اليف وغرابة متوهجة. كانت تجربته من دون ما قصد شبيهة من بعيد بتجربة بول اليار حيث الغناء يزاوج الغرابة. ثم حدث أن اختفى صلاح فايق في الفيلبين. ودام اختفاؤه عقوداً. كان هذا الاختفاء الذي طال إحدى أولى أساطير السيريالية العربية وانضم إلى الأسطورة السيريالية الجامعة. بات صلاح منذ ذلك الحين أحد أسرار الشعر العراقي والشعر العربي وانفصل ذكره عن ذكر سركون بولص الذي استمر وحده في طريق أفضى به منذ أعوام إلى الموت في المانيا. كان غريباً أن نخطر بأن صلاح فايق مدعو إلى المهرجان وانه حاضر فيه. ثم علمنا أن صلاح بات في «سيت». التقينا بالشاعر الذي كانت له ريادة رغم انه يوازينا في السن، كان سعيداً بقدومه ممتناً للذين سعوا إليه، لم يكن صلاح قاصداً الاختفاء ولم يكن غرضه أن يبني أسطورة لنفسه. لقد ترك لندن التي انتقل إليها في العراق لأسباب عادية: الحاجة والسعي إلى الرزق والركض وراء العمل الذي وجده في الفيلبين.
لقد أدت به معرفة متمول فيلبيني ذي ماض شيوعي إلى اللحاق في الفيلبين والعمل في مؤسساته. لا يخطر لأحد أن هذا العمل قد بسط يد صلاح فائق وأبدله بعد العسر يسراً فالشاعر لم يغتن ولم يوسر في الفيلبين. قال صلاح انها المرة الأولى التي يشترك فيها في مهرجان وانها المرة الأولى التي يلقي فيها أشعاره على جمهور. سره أن يجد نفسه متذكراً معروفاً من الجيل أو الأجيال الشعرية الراهنة. كان وراء هذه الدعوة نوري الجراح الذي استمرت علاقته بصلاح بعد انتقاله إلى الفيلبين، وصلاح لم يهجر الشعر على كل حال بل واصله في الجزر الفيلبينية. كان على كل حال مدهوشاً أكثر منا نحن الذين فوجئنا به موجوداً وحياً. كان مدهوشاً من كل شيء، من معرفة الشعراء له ومن المهرجان بكليته. لقد ترك العراق خوفاً من السجن هو الشيوعي الذي كان مسؤول الحزب عن إقليم كردستان، مسؤولاً عن الأنصار وهم ميليشيا الحزب. ثم ترك انكلترا إلى الفيلبين في دوران وراء الرزق ولم يتح له لذلك أن نعيش المهرجانات أو المؤتمرات الأدبية. لقد فاجأه ذلك ان لم يكن أذهله وحينما سئل على من كان يقرأ شعره قال (كأنما هي صورة في شعره) (انه) كان يقرأ قصائده على كلبه الذي لولا انه سر من الشعر لكان نبح أو ترك رفقته على الأقل.