مساجد العراق مكاتب حزبية وخدمية |
المقاله تحت باب قضايا نقاش: العبادي الذي التقته "نقاش" بعد صلاة يوم الجمعة الفائت، وكان المسجد يغصّ حتى بوابته بمئات المصلين، أوضح أن "المساجد والحسينيات، قدمت معونات للأرامل وذوي الشهداء، ومعونات منتظمة للعوائل المحتاجة، والدروس الدينية للأطفال في ظل احجام العديد من الاهالي عن ارسال أطفالهم للمدارس الرسمية". لافتا إلى أن "فترة المواسم الدينية والزيارات هي فترة ذهبية للكثير من العاطلين عن العمل، الذين تؤمن لهم المساجد فرصة عمل في خدمة الزوار". طوال السنوات السبعة الماضية تصدرت الأحزاب الإسلامية هرم السلطة في العراق وأدارت دفة الحكم فيه. المساجد تحولت إلى مكاتب حزبية، وكان لرجال الدين وخطباء الجوامع الكلمة الفصل في العديد من القضايا والأحداث السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد. العراقيون المتدينون الذين فرضت عليهم رقابة مشددة في عهد النظام السابق، لجأوا بعد السقوط إلى المسجد كمؤسسة دينية تقدم الخدمات العامة في ظل تراجع الدور الحكومي في هذا الاطار. علي الخطيب نائب رئيس ديوان الوقف الشيعي، وهي المؤسسة المسؤولة عن إدارة المساجد والاوقاف الشيعية قال لموقع "نقاش" إن "المساجد هي المؤسسة الوحيدة التي واصلت أداء رسالتها بشكل كامل طيلة السنوات الماضية". موضحا انها تحولت "الى مستودعات لإعادة الممتلكات المسروقة آبان عمليات السلب والنهب التي حدثت عقب الغزو الاجنبي للبلاد، كما وفرت حماية للمطرودين من منازلهم". وأضاف الخطيب "أئمة المساجد قادوا حملة توعية وتعبئة لكي يعيدوا الأمور إلى نصابها في ذلك الحين ولا زالوا يمارسون نفس الدور في ابداء النصح والارشاد للجماهير". في السياق نفسه، ذكر الشيخ محمود العاني، رئيس "مجلس علماء العراق" وهو أحد أبرز التجمعات السياسية لرجال الدين السنة، أن "رسالة المسجد واسعة وتحديدا في جانب التربية والتعليم، إقامة دروس تعليم التلاوة وحفظ القرآن واللغة، والأنشطة الاجتماعية مثل إيواء المشردين وإطعام الفقراء وتدعيم العلاقات الاجتماعية بين المصلين". ولم تكن المساجد لتجرؤ على لعب هذا الدور تحت دكتاتورية صدام حسين. فكان المسجد يخضع لأوامر سلطة الدولة، وفي سنوات الثمانينات والتسعينات كان يفرض على إمام المسجد خطبته وطريقة القائها، وحتى شخصية هذا الإمام، وأكثر من هذا فقد اتخذ النظام السابق طرقا معينة في توظيف الخطباء والائمة وجعل بعضهم وكلاء ومخبرين لأجهزته الامنية. أما في ديمقراطية العراق الفتية فيبدو ان المساجد تخضع للسياسيين بأساليب مختلفة. فلا تخلو الخطب التي يلقيها الائمة من على المنابر، من توجيه الانتقادات السياسية اللاذعة الى بعض المسؤولين الحكوميين ويغلب حديث السياسة في كثير من الأحيان على المضمون الوعظي والديني. وفي الوقت نفسه، يتجنب الخطباء انتقاد مسؤولين حزبيين يتبع المسجد لهم. ففي خطبة الجمعة 18 حزيران يونيو الفائت انتقد الشيخ جلال الصغير وهو قيادي في المجلس الإسلامي الأعلى وخطيب جامع براثا الشيعي، مسؤولين حكوميين لعدم تطبيقهم النصوص الدستورية قائلا إن "الدستور يتحدث عن اللامركزية ونحن جئنا وتحدثنا عن المركزية الشديدة ، الدستور يتحدث عن الفدرالية ونحن جئنا وتحدثنا عن اللافدرالية" غامزا من قناة رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي المؤيد للمركزية. وتابع الشيخ الصغير خطبته منتقدا وزير الكهرباء المستقيل المحسوب على حزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي قائلا "ظهر الوزير وقال سوف اعطي 12 ساعة في اليوم فمالذي قبضه الناس؟ ساعة من اصل اربع ساعات"، واصفا عددا من المسؤولين الحكوميين بأنهم "متآمرون". بعض أئمة المساجد مكّنهم نفوذهم المتنامي بين أوساط المصلين من تسلق هرم السلطة وتسنم مناصب برلمانية وأخرى حكومية، كما هو الحال مع النائب الراحل حارث العبيدي عضو جبهة التوافق السنية الذي كان يعتلي منصة خطبة الجمعة في أحد جوامع حي اليرموك (غرب بغداد)، والنائب صباح الساعدي عن حزب الفضيلة الإسلامية (شيعي) الذي كان يؤم المصلين في جامع الرحمن في حي المنصور، ووزير الثقافة السابق أسعد الهاشمي خطيب أحد جوامع حي الحمراء (غرب بغداد) والمتهم لاحقا بقضايا إرهاب. وشهدت بغداد، ومحافظات عراقية أخرى في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في آذار مارس الفائت، عمليات ترميم وإعادة تأهيل وتأثيث واسعة للمساجد المتضررة جراء أحداث العنف، وقفت خلفها قيادات الأحزاب الإسلامية من المرشحين للانتخابات. كما جرى تعيين بعض الأشخاص من مرتادي تلك المساجد في المؤسسات الحكومية، او كحراس أمنيين في المساجد والحسينيات. ويعلق الشيخ محمود العاني، رئيس "مجلس علماء العراق" على عمليات ترميم المساجد من قبل سياسيين قائلا "نحن مع عدم استخدام المساجد ودور العبادة في الترويج للسياسيين، لكن باب التوبة مفتوح للجميع حتى لمن أفسد في الارض، والله يريد للانسان ان يتوب وكلنا بحاجة الى التوبة". ولا توجد أرقام رسمية تشير إلى عدد المساجد السنية والشيعية المنتشرة في عموم البلاد. ولم تتمكن "نقاش" من الحصول على عدد المساجد والجوامع التابعة لديوان الوقف السني نتيجة رفض المسؤولين في الديوان التعليق على الموضوع. الشيخ محمود العاني، رئيس "مجلس علماء العراق" وهي مرجعية دينية غير رسمية، لا يمتلك بدوره أرقاما حول عدد المساجد لكنه أشار إلى أنه "لم تطرأ أي زيادة ملحوظة على تلك الخاصة بالطائفة السنية، فهي الأصل كثيرة ومنتشرة على طول البلاد، نتيجة حملة بناء المساجد التي انتهجها النظام السابق". وفي حديث العاني إشارة إلى ما يعرف بـ "الحملة الايمانية" التي اطلقها نظام صدام حسين عقب حرب الخليح الثانية 1991. حيث منح الرئيس الأسبق الضوء الاخضر لرجال حاشيته والتجار المقربين من السلطة ببناء مساجد في عموم البلاد، كما وضع عبارة "الله أكبر" على العلم العراقي لإعطاء حربه مع قوات التحالف بعدا دينيا. مصادر رفيعة المستوى من داخل ديوان الوقف الشيعي قالت لموقع "نقاش" إن عدد المساجد والجوامع والحسينيات التي يشرف عليها الديوان الشيعي في عموم العراق، تندرج في ثلاثة اصناف، "المساجد والحسينيات المسجلة بشكل نظامي، وتلك التي لاتزال قيد التسجيل، والثالثة المشيدة بشكل غير نظامي ولم يتم تسجيلها لغاية الآن". وأوضحت المصادر أن "كل مديرية من مديريات ديوان الوقف الشيعي البالغ عددها 16 مديرية تشرف على ما يقارب الألف مسجد وحسينية، وبذلك يبلغ المجموع الكلي تقريبا للمساجد والحسينيات التي يشرف عليها الديوان الشيعي بحدود 16 ألف جامع وحسينية". ووفقا للمصادر، قإن "تمويل وبناء المساجد الشيعية قبل 2003، كان يتم من خلال تبرعات الأهالي والميسورين من أبناء الطائفة بعد الاستحصال على الموافقات المطلوبة". أما في الوقت الحاضر "فقد وضع ديوان الوقف الشيعي ميزانية وخطة سنوية لاعادة تأهيل المساجد الخاوية". ديوان الوقف الشيعي، وعلى غرار السني، أعلن على لسان نائب رئيسه على الخطيب أنه "لم يتم بناء جوامع شيعية جديدة بعد عام 2003 كمساجد مركزية ورسمية بسبب عدم توفر الاراضي من الدولة". وأضاف الخطيب لموقع "نقاش" أن "هناك نية وتوجه مستقبلي لبناء مساجد مركزية وذلك لأن المساجد القائمة حاليا غير كافية لاستيعاب المصلين وتحديدا في فترة صلاة الجمعة". لكن عدد من سكان العاصة بغداد قالوا لموقع "نقاش" بأن بناء المساجد الشيعية الصغيرة ما زال مستمرا إلى اليوم. وذكر نعيم الساعدي من سكان حي القاهرة (شرق بغداد) أنه تم بناء "حسينية حبيب بن مظاهر الاسدي" على أرض تابعة لأمانة العاصمة، باشراف من قبل أعضاء المجلس البلدي في الحي "لكن جهة التمويل غير معلومة بالنسبة اليه ويعتقد بأنها متأتية من التبرعات الأهلية". وحصل تنافس كبير بين الاحزاب الاسلامية الشيعية على تقاسم النفوذ في المساجد والحسينيات المنتشرة في عموم البلاد خلال السنوات الماضية. وباتت بعض تلك المؤسسات الدينية تابعة بشكل مباشر أو غير مباشر لهذا الحزب او ذاك. ديوان الوقف الشيعي لا يتدخل رسميا في قضية تعيين أئمة المساجد والحسينيات "إنما يعود ذلك الى التزكية من المراجع الكبار" على حد قول الشيخ علي الخطيب الذي يضيف ان "رئيس الديوان لديه تخويل من المرجعية في اختيار الخطباء وائمة بعض المساجد التي يتم بنائها باموال الديوان". ومن حيث المرجعية الدينية، تعود غالبية المساجد والحسينيات الشيعية لمرجعية النجف الاشرف وتحديدا المرجع الكبير آية الله علي السيستاني، لكن التنافس السياسي لا يزال متجددا بين الأحزاب الشيعية الكبرى للسيطرة على الجوامع والحسينيات. وتشير مصادر من ديوان الوقف الشيعي إلى أن عددا لا يستهان به من خطباء الجوامع والحسينات في مناطق الفرات الاوسط والمحافظات الجنوبية وعدد من أحياء العاصمة بغداد الفقيرة مثل مدينة الصدر، الشعلة، تتبع مرجعية السيد محمد صادق الصدر والد زعيم التيار الصدري، في حين تتبع المساجد التابعة للمجلس الاعلى مرجعية السيد السيستاني في النجف وكربلاء والمناطق الحضرية في بغداد مثل الكرادة، في حين تقع تحت نفوذ مرجعية الشيخ اليعقوبي الزعيم الروحي لحزب الفضيلة الاسلامي، المناطق التي ينحصر مقلديها في محافظات البصرة والناصرية واجزاء من الديوانية وتتقاسم مع التيار الصدري محافظة العمارة. في الطرف الاخر، فإن التنافس كان بدرجة أقل من أجل السيطرة على الجوامع السنية، فمعظم تلك الجوامع باتت حاليا تحت نفوذ ديوان الوقف السني الذي يترأسه أحمد عبد الغفور السامرائي، رغم ان بعض الجوامع السنية تشرف عليها هيئات دينية أخرى مثل "مجلس علماء العراق" وهو هيئة غير رسمية تعتبر مرجعا لابناء السنة. |