المقاله تحت باب مقالات و حوارات في
10/02/2009 06:00 AM GMT
أصدرنا في 2005 مجلة «هلا الثقافية» التي تعنى بجماليات المكان وتهتم بالشخصيات والتجارب التنويرية في العالم وفي تراثنا العربي والإسلامي بشكل خاص؛ إسهاما منا في الحراك الثقافي الجديد، وأرسل إلينا العلامة الراحل الدكتور حسين علي محفوظ رسالة تهنئة عذبة تفيض علما وكرما وإعجابا بالمجلة، وأثنى بروح العالم المتواضع على تجربتنا الرائدة في أدب المكان واهتمامنا بالثقافة الإنسانية عبر التعاطي مع جماليات الأمكنة، وفي العدد التالي من المجلة نشرنا صورة الرسالة بخط يده وعلقنا على حوار الأجيال الجريء بيننا وبين العلامة والباحث الكبير، وتواصل الحوار بيننا وعرفت أن العلامة حسين علي محفوظ الذي كان يملك كنوزا من المخطوطات النادرة الثمينة التي تجل عن الوصف لأهميتها التاريخية والمعرفية، قد أرسلت السلطة في الثمانينيات رسلها تعرض عليه شراء مكتبته ومخطوطاتها بثمن بخس ليتاجر بها بعض مهربي الآثار والمخطوطات من أقرب المقربين لرئيس النظام، فرفض العلامة الكبير شيخ بغداد عرض السلطة، ولكنه أدرك أن وراء المساومة يكمن خطر لاحق، إذ تناهى إليه أن عددا كبيرا من المكتبات المعروفة بكنوزها الثمينة قد تم الاستيلاء عليها وصودرت مكتبات تحت طائلة التهديد أو محاولة السلطة إعلان حمايتها للمكتبات من التلف والضياع لشيخوخة مالكيها وفقرهم، وعندما يرفض مالكو المكتبات عرض السلطة تصادر المكتبة قسراً. وحدث هذا الامر مع العلامة حسين علي محفوظ إذ جرى الاستيلاء علانية وبشكل همجي على مكتبته الهائلة التي تضم أندر وأثمن المخطوطات، وعندما حملوا كنوزه ومضوا بها، تهاوى الشيخ الجليل، ولبث يعاني صدمة فقدان ثروته الثقافية حتى رحيله الموجع منسيا ومهملا من قبل السلطة الجديدة المنشغلة بالمناصب والمكاسب، إذكان العلامة محفوظ أستاذا وباحثا ولغويا يجيد أكثر من ثماني لغات شرقية، وأطلقت عليه المجامع الأوربية العلمية لقب «الموسوعة المتحركة» سنة 1989. له نظريات أصيلة في الأدب واللغة والفن والتاريخ والتراث والعلم، ويحمل درجة الدكتوراه في الدراسات الشرقية (الأدب المقارن) سنة 1955. وهو عضو فخري وعضو شرف وعضو مراسل في العديد من الجامعات والمعاهد العالمية. وعضو الجمعية الاسيوية الملكية في لندن، ومستشار في العديد من مراكز البحوث والمعاهد والمجلات العلمية والادبية، وعضو مجمع اللغة العربية في القاهرة، وأستاذ في علم اللغة العربية وآدابها وعلوم الحديث وعلوم التجويد والتصوف والأدب العرفاني والعروض والبلاغة والادب المقارن والمخطوطات والتوثيق، وعلم المخطوطات وعلم الوثائق وعلم تحقيق المخطوطات والاستشراق. أما الجوائز والشهادات التي حصل عليها ومنحتها له كبريات الجامعات والمعاهد ومراكز الدراسات والبحوث،فهي غزيرة إذ منحته جامعة الحضارة الإسلامية شهادة الاستحقاق والتقدير العالي في دراسات الحضارة الاسلامية برتبة علامة بروفيسور دكتوراه شرف اولى بتاريخ 29-5-2006، واعطته جامعة لينغراد (بطرسبورغ) لقب استاذ المستشرقين. واحتفلت به الجمعية الأسيوية الملكية في لندن بتاريخ 10-12-2004 بمناسبة مرور نصف قرن على انضمامه إليها. واستضافته جامعة هارفرد في المؤتمر العالمي الفلسفي. وكرمه اتحاد مجالس البحث العلمي العربية. وكرمته الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب كأفضل مبدع سنة 2007. وأعدت كلية الاداب بامر من وزير التعليم العالي والبحث العلمي فهارس لاعماله المنشورة حتى 2002 وقد تزيد على 1500 عمل.وتوفي العلامة محفوظ وحيدا ومعوزا في بيته في الكاظمية، وكان بحاجة الى جواز سفر بقصد العلاج ولم تتكرم عليه اية جهة حكومية بمنحه جواز سفر يليق بمقامه، اذ حصل له المريدون من محبيه على جواز سفر عادي بعد جهد ومراجعات، بينما يحمل مئات بل الاف الجهلة في العهدين السابق واللاحق جوازات سفر دبلوماسية بلا أدنى حق في حيازتها، واليوم تعلن أمانة بغداد عزمها تكريمه راحلا بعد ان أهمله الجميع حيا،وتوفي وهو يغص بالحيف من أجل ما ضيع وضاع من جلائل أعماله وعمره وربما من أجل جرعة ماء تروي ظمأ فؤاده المكلوم في احتضاره وحيدا بين جدران بيته العتيق.
|