القاص والروائي سعد محمد رحيم: المثقف الآن هو فاعل اجتماعي يدس أنفه في الشأن العام |
المقاله تحت باب مقالات و حوارات من كتبه المنشورة: ـ الجائزة الثالثة في مسابقة المجموعات القصصية .. وزارة الثقافة ـ بغداد 1993.
ـ جائزة الإبداع الروائي في العراق لسنة 2000 عن روايته ( غسق الكراكي ). ـ جائزة أفضل تحقيق صحافي في العراق 2005. النقد لم ينصف أياً من المبدعين العراقيين، ولاسيما القاصين والروائيين منهم إلاّ باستثناءات قليلة.. جيلنا، أولئك الذين نشروا منذ الثمانينيات لم ينالوا حقهم من الاهتمام النقدي. وهناك من الكتاب المبدعين من لم يُكتب عنهم قط.. لمدة طويلة انغمس كثر من النقاد العراقيين في التنظير ولم يتنبهوا للنقد التطبيقي إلا مؤخراً.. الإبداع السردي العراقي بحاجة إلى مراجعة نقدية موضوعية جادة واكتشاف انجازاته من الناحية الفنية ومن ناحية تطور وجهات النظر والأفكار والمضامين. هذا مايحدثنا عنه القاص والروائي سعد محمد رحيم المولود عام 1957عمل في حقل الصحافة. ونشر أعماله الصحافية في بعض الصحف والدوريات العراقية والعربية. نشر نتاجاته الأدبية والفكرية في الصحف والدوريات العراقية والعربية منها (الأقلام، الموقف الثقافي، الصدى، المسار، الرافد، أفكار، دبي الثقافية، المدى، السفير) كان لنا معه هذا الحوار : في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين كان المثقف يوجه الجماهير، يؤثر في الشارع العراقي لكن اليوم ماذا حدث ؟ هل انتهى دور المثقف ؟ أين يكمن الإشكال هل فيكم أنتم بوصفكم مثقفين حين تخلّيتم عن دوركم ؟ - علينا أولاً أن نحدد المقصود بكلمة مثقف، ومن هم المثقفون.. المثقف الآن هو فاعل اجتماعي يدس أنفه في الشأن العام ويحاول التأثير في وعي المجتمع بوساطة الأفكار والمفاهيم والآراء مستثمراً وسائط الإعلام والاتصال الحديثة ومؤسسات المجتمع المدني. بهذا المعنى يكون الإعلاميون والمحللون السياسيون والخبراء في شتى الاختصاصات الذين يدلون بآرائهم عبر القنوات الإعلامية وحتى المعلقين الرياضيين هم من شريحة المثقفين فضلاً عن الأدباء والفنانين والأكاديميين ورجال الدين. وفي هذه العجالة لا أريد الخوض في مسألة الفرق بين المثقف التقليدي والآخر العضوي بحسب تعريف غرامشي. لكني أقول أن المثقف لم يتخل عن دوره وإنما الأدوار نفسها قد تغيرت، والوظائف ما عادت هي عينها. لم يعد للمثقف التقليدي الذي كان يلهب حماس الجماهير ويحرضها على الفعل الفرص القديمة ذاتها.. المجتمع تغير وكذلك وسائل الاتصال به ولاسيما تقنيات الإعلام.. أحسب أن المجتمع ما يزال يتأثر بطروحات المثقفين، وأكثر من أي يوم مضى، ولكن ليس بسرعة.. وذات مرة قلت في مقابلة صحافية بعد 9/4/2003 بأشهر قليلة أن أحد أسباب سقوط نظام صدام حسين بهذه السرعة هو ثرثرة المثقفين ولغطهم الذي لم ينقطع يوماً هنا وهناك.. المثقفون ينخرون أساس أي نظام سياسي أو اجتماعي لا يعجبهم، ببطء ودأب صبور من خلال بذر الأفكار وطرحها بأساليب ذكية ومؤثرة.. لم يعد المثقف موقد الشرارة التي تحدث حريقاً سرعان ما يخمد وإنما بات خبيراً في صناعة الرأي العام وتغيير القيم والأفكار وهذه لا تحدث بين ليلة وضحاها، ولا تعطي نتائجها إلا لاحقاً، وربما بعد سنوات أو عقود.. هناك اليوم صراع ضار في نطاق الأفكار يخترق وأحياناً يشوش الوعي الاجتماعي لدينا أفقياً وعمودياً، وقد يتخذ في بعض الأوقات أو عند بعضهم صيغاً عنيفة.. والتحولات الكبرى تسبقها وترافقها إرهاصات وتفاعلات فكرية وثقافية حادة. وثمة صراع اليوم بين من يدعون للحياة والحرية والحق والجمال وبين أولئك الذين يدعون للموت والعبودية والبشاعة. أما من سيحسم الصراع من وجهة نظري فهم أولئك الذين يسايرون منطق التاريخ والحضارة والمدنية وينحازون للإنسان وحريته وسعادته. لكل ناقد رؤيته الخاصة للممارسة النقدية.. ما النقد عندك؟ وما أدواتك المعرفية؟ وما المنهجية التي تستخدمها في التشريح النقدي؟ - لا أصنف نفسي من ضمن النقاد.. لست ناقداً أدبياً متخصصاً.. أكتب مقالات فيها انطباعات واستبصارات نقدية وأكتب عروضاً للكتب في الصحافة تحمل بعضاً من آرائي النقدية الخاصة وأكتب بعض الدراسات أحياناً عن رؤيتي إلى الفنون الأدبية وبعض المدارس النقدية. وأفهم النقد كفعالية تُعنى بتقويم الأعمال الإبداعية وإضاءة جوانبها الخفية وإرشاد القارئ إلى مفاتيحها وكيفية فك شفراتها.. أطلعت على كم لا بأس به من نتاجات النقاد والمفكرين من مختلف المدارس النقدية الأدبية والفكرية وهذا لا يعطيني امتياز كوني ناقداً أو مفكراً إلا إذا صنّفنا النتاج الأدبي من قصة ورواية أعمالاً فكرية والقاص والروائي مفكرين.. في هذه الحالة فقط أكون مفكراً لكوني قاصاً أولاً وروائياً ثانياً..هذا ما يصنفني به بعض النقاد والكتّاب، أو في الأقل ما أصنف به نفسي. من الصعب أن أقول لك ما هي أدواتي المعرفية.. أميل إلى التحليل والنقد التاريخي والاجتماعي والنفسي وقد استفدت من قراءاتي لماركس وسارتر وفرويد وكارل يونغ وفوكو وإدوارد سعيد وطه حسين ومحمد أركون وغيرهم كثير، لكني لا أتبنى مدرسة نقدية أو فكرية بعينها من غير مراجعة نقدية، ولا أنكر فضل أولئك جميعهم عليّ وعلى تكوين ثقافتي. ومن خلال تجربتي في القراءة وتجربتي في الكتابة وتجربتي في الحياة أيضاً بلورت منهجي الخاص بي سواء في الكتابة السردية أو الكتابات النثرية الأخرى في مجالات النقد والفكر والثقافة. من قارئك المفترض؟ كيف تتصوره؟ كيف تتوقع تفاعله مع نتاجاتك؟
- لا أدري ما الذي تقصده بالقارئ المفترض..النقاد الغربيون من أنصار مناهج القراءة يتحدثون عن قارئ افتراضي كامن في داخل النص.. غير أني شخصياً حين أكتب أتخيل قارئاً يتغير في كل مرة، قد يكون صديقاً أو شخصاً لا أعرفه، ينبهني ويجادلني ويشاكسني. وهذا القارئ يجعلني مسكوناً بالهواجس والوساوس مثل ضمير حي أو قاض لا يهادن ولا يرحم. ولذا أقرأ النص الذي أكتبه مرات عديدة، أكثر من عشر مرات أحياناً وأغير دائماً كلمة هنا وجملة هناك لكني نادراً ما أغير النص بكامله.. الكتابة الأولى هي الطازجة وهي الصادقة في الغالب. بالمقابل أفرح حين ينقل لي قارئ ما ملاحظاته بشأن نص لي.. وحين اقتنع وكثيراً ما أفعل فأني أراجع النص وأغير فيه إذا لم تكن قد نُشرت والمشكلة تبدأ حين تنشر عملاً وتكتشف فيه فيما بعد مواطن قصور واختلال وضعف.. ولي أعمال مبكرة كنت أتمنى لو كتبتها الآن.. لقد استنفدتها بطرق سيئة. وربما عدت لبعضها يوماً ما وأعدت كتابتها في ضوء رؤية أكثر نضجاً. كيف ترى واقع الكتابة السردية (القصة والرواية) في العراق الآن؟. - الكتابة السردية العراقية بخير.. هذا ما أؤمن به.. القصة العراقية هي الأفضل اليوم من بين ما يُكتب من قصص عربياً، والرواية العراقية بدأت تزدهر وتجد مساحة اهتمام أكبر ولاسيما التي تُطبع خارج العراق حيث فرص التوزيع والترويج أكبر بمئة ضعف بالقياس مع ما عندنا..التجربة العراقية في العقود الأخيرة هي من الضخامة والقسوة والثراء بحيث توفر للمبدع العراقي مادة خصبة للكتابة فضلاً عن تعرّف هذا المبدع على تطور أساليب الكتابة السردية في العالم والاستفادة منها ومما تراكم من خبرات طوال قرابة القرن، وهو عمر السرد العراقي الحديث. ذلك ما سيجعل السرد العراقي ينتعش. وأحسب أن العقدين القادمين سيشهدان بروز أسماء كبيرة ونتاجات مهمة في مجال الأدب السردي القصصي والروائي. الكاتب العراقي بحاجة فقط إلى عناية نقدية جادة وإلى ترويج لإبداعاته وكتبه وتوزيعها بشكل جيد. تجربتك مع النشر، كيف تقيمها؟ - مشكلتنا ليست في النشر فقط بل في التوزيع كذلك.. شخصياً لا أواجه معضلة في النشر، على الرغم من بعض الصعوبات أحياناً والتي تتعلق بتأخير نشر الكتب عندنا في العراق، وعدم التمكن من التعامل بحنكة ودراية مع دور النشر العربية.. هذه مشكلة كثر من مؤلفينا.. لا توجد في العراق دور نشر كبيرة خاصة مثلما هي موجودة في سوريا ومصر والمغرب ولبنان.. لدينا دار الشؤون الثقافية وهي مؤسسة النشر الأكبر في العراق.. لم تتمكن هذه الدار حتى الساعة من إيجاد قنوات توزيع جيدة وليست هي المسؤولة غالباً عن ذلك.. تذهب إلى مخازنها وتجد جبالاً من المنشورات الممتازة، لكنها تقبع هناك لمدة طويلة وأخشى أن أقول إلى الأبد لبعض الكتب.. ما فائدة أن تكتب وتطبع ولا يقرأك إلا ثلة من أصدقائك ومعارفك.. انقرضت أو تكاد مكتبات القطاع الخاص ولاسيما في المحافظات. والمكتبات العامة لا تشتري الكتب الجديدة.. لو كانت كل مكتبة عامة في مدن البلاد وكل مكتبة مدرسية وجامعية تشتري عدداً من الكتب العراقية في كل سنة لفرغت مخازن دار الشؤون ولاحتاجت لطبعات جديدة من بعض الكتب.. أرى أن تتفرغ دار الشؤون لمسألة النشر فقط ويُصار إلى إيجاد مؤسسة جديدة خاصة بتوزيع المطبوعات العراقية والترويج لها في الداخل والخارج، تؤسس قنوات توزيع في الجامعات ومراكز المدن الكبيرة وتقيم معارض خاصة وتشترك في معارض خارجية.. ليست لدينا تقاليد راسخة لتوزيع وترويج الكتاب كما هي الحال في مصر ولبنان في سبيل المثال، ويمكن الاستفادة من تجارب هذه البلدان وغيرها بهذا الخصوص. أما بشأن تجربتي الخاصة مع النشر فهي لا تخرج عن الإطار العام الذي ذكرته.. هل أنصفك النقد؟ - النقد لم ينصف أياً من المبدعين العراقيين، ولاسيما القاصين والروائيين منهم إلاّ باستثناءات قليلة.. جيلنا، أولئك الذين نشروا منذ الثمانينيات لم ينالوا حقهم من الاهتمام النقدي. وهناك من الكتاب المبدعين من لم يُكتب عنهم قط.. لمدة طويلة انغمس كثر من النقاد العراقيين في التنظير ولم يتنبهوا للنقد التطبيقي إلا مؤخراً.. الإبداع السردي العراقي بحاجة إلى مراجعة نقدية موضوعية جادة واكتشاف انجازاته من الناحية الفنية ومن ناحية تطور وجهات النظر والأفكار والمضامين. هناك أكثر من مئة دراسة ومقالة ومراجعة خاصة عن مجموعاتي القصصية وروايتي (غسق الكراكي) كتبها نقاد ومبدعون عراقيون وعرب، بينهم أسماء لامعة.. قد يبدو هذا الرقم كبيراً وهو كذلك لكن الكتابة عن عمل ما عندنا لا يؤدي إلى رواج وسعة انتشار العمل الإبداعي.. عرضان جيدان لأية رواية غربية يمكن أن يفضي إلى بيع مئات آلاف النسخ منها وهذا لا يحدث في الفضاء الثقافي العربي لأسباب ذكرت بعضها وأغلبها تتعلق بفنون الإعلان والدعاية والترويج، أي تسويق الكتاب الإبداعي.. نحن بحاجة لإعادة الاعتبار للقراءة في مجتمعنا، وجعلها فعالية ثقافية فردية وجماعية، والسؤال هو؛ كيف؟. |