مع تسارع الأحداث الأدبية وفي ظل دهر ولود بالعصور الشعرية المختلفة التي تصل إلى حد التناقض حتى تحولت العقود الشعرية العربية الحديثة إلى جبهات ضد جذورها في التأريخ الثقافي ... حيث ان الحداثويين العرب جعلوا من انفسهم أحفادا لأجداد الفرنسيين والإنكليزيين والروسيين تاركين المتنبي وإمريء القيس في وضع مخجل حين تبيّن للعالم أنهم غير قادرين على الإنجاب وان أبنائهم ليسوا من صلبهم .
في هذه اللحظة لا بد للشعر من ان يرسل رسلا لا ينبئون بيوم قيامة مستقبلي وإنما يذكّرون بالماضي الجميل الذي سيعطي الأدب الحديث صبغة خاصة بجغرافيا عربية .
ولن أبالغ إذا قلت ان أحمد النجم هذا الشاب البصري والأديب الموسوعي هو من يذكّرنا بماضينا ويصبغه بحداثة عربية خاصة جدا جدا وبنكهة عراقية متجددة .
فقصائده بالفعل تحتوي على آخر تقليعات الشعر العربي ( أكرر العربي ) فلا تقرأ له إلا وترى التجديد وبالحروف ذاتها التي إستخدمها طرفة إبن العبد وأبو تمام .
أرسلتُ كفي نحو كفكَ غيمةً لكنني ما قد وجدتكَ شيّا
الله الله يا أحمد النجم .... فلو نظرنا وتمعنّا لوجدنا الحداثة في الصورة والأصالة في المفردات ... في بيت واحد
بحّارتي لبسوا ضباب مشاكلي وتمرّغوا كالجمر في عينيّا
رسموا لمقدمكَ البهيِّ موانئا صلوا عليها بكرة وعشيّا
فأنظر إلى رسم الموانيء للإستقبال !!!
أمتصُ عبر جذور موتي كلمةًَ وأمد فوق جحيم شعري فيّا
حلما تبعثره الشوارع لذةً وتلوكه مقلُ الأزقةِ نيّا
دققْ في إمتصاص الكلمة عبر الجذور .... وفوق هذا وذاك أعد قراءة البيت الأخير الذي إحتوى على مفردات ( تلوكه ، نيا ) هذي التي تراكم عليها الغبار ولم يستخدمها أحد منذ سنين فأنظر كيف أعاد إليها الحياة أو وهبها الحيوية والنشاط بإستخدامها في هذا البيت العصري .
قرأتُ له قصائد اخرى لأتأكد مما أقوله الآن فوجدتُ أن هذا الرجل بالفعل ينمو مع الزمن وفي الوقت ذاته تزداد وتعدد أواصره مع الماضي بأكثر من جانب حيث وجدتُ ان النحو العربي في قصائده يتحرك بحركة متناغمة ويجعلك تتوقف عند بعض الكلمات متسائلا عن سبب ضمها أو نصبها أو كسرها فما هي إلا برهة حتى تكتشف ان هناك باكراوند نحوي رصين وعذب يلقي على القصيدة أجواء متميزة .
وأقسم أنني رأيته ذات مرة وهو يعتلي منصة مهرجان المربد الأخير وهو يسكت صخب الجمهور الذي كان لاهيا عن القصائد المقروءة وأعادهم إلى جو المهرجان وهو يتحدث عن الحسين (ع) على ما اعتقد حيث قال على ما اذكر
ودُفنتَ في كبد الورى ( فمن الثرى ومن السماء معا ) خرجت إلينا
وتحدد الزمنان حتى أننا قتل الممثلُ نفسُه أبوينا
إِستُنسخَ الفلمانِ والدم ناضج حتى رأى الجمهور رأس كلينا
الحداثة وكما أراها حسب فهمي القاصر ومن خلال هذه القصائد هي إستخدام ممتلكاتي الفكرية والثقافية الخاصة ومزجها بواقعي لأخرج بشيء حديث .
أما مايفعله بعض أصدقائنا ( الدوغمائيين ، الأركولوجيين ، ... إلخ ) وما يقولونه من أشعار بروحيةٍ فرنسية مترجمة ما هو إلا إستعارة للتجارب الغربية وإرتدائها في المجتمع الشرقي للظهور بجديد حتى تحولوا إلى دعاة ومبشرين للأدب الأوروبي ليس أكثر . |