بعد أمد طويل وانتظار مرير ونحن نعيش المنافي في أزقة هذا العالم المترامية - كنا نتطلع إلى يوم الخلاص الذي ينتشلنا من هذا الترحال المضني - الذي أصبح كالجرب بجلودنا وكاهلنا المتعب - فكانت أمالنا ليس سوى العودة إلى ربوع الوطن وتعويض كل ما فاتنا بعناق أهلنا وأحبتنا - وقد جاءنا يوم الخلاص الذي طالما انتظرناه بشغف ألام لوليدها – جاءت لحظة الخلاص فكانت الفرحة عارمة حد اللامعقول وكدنا لا نصدق الذي حدث لما أصابنا من اليأس الذي جعلنا لا نستطيع أن نصدق هناك نهاية إلى هذا الطاغية وزمرته الجاثمة على صدر العراق –
وها هي السنين تمضي ولا زلنا نعيش ذلك الحلم الذي افتقدناه – فعند التغير استبشرنا خيرا بمجيْ عهدا جديد رغم الخراب الذي أصاب العراق والعراقيين سواء بفترة النظام البائد وحروبه المجنونة أو الحرب الأخيرة التي قضت على ما تبقى -
وألان وبعد مضي تلك السنوات على تحرير العراق من مغتصبيه ولحد هذه اللحظة نرى إن هناك خيبة أمل كبيرة لدى الإنسان العراقي – وهناك تساؤلات لا حصر لها – فالوعود التي سمعناه ومنذ السقوط إلى يومنا هذا – ما هي إلا شعارات براقة ووعود منمقة يتناقلها السياسيون والحكومات المتعاقبة على مدى السنوات الماضية – ونحن ألان على وشك نهاية السنة الخامسة ولم يلاحظ الإنسان العراقي فسحة أمل تجعله يتفاءل ولو بنسبة الحد الأدنى لما حدث وما يحدث ألان - لذلك نرى الهجرة الجماعية للعراقيين لا تتوقف -
فحالة التذمر والإحباط التي يعاني منها الإنسان العراقي لها مبرراتها وأسبابها وللأسف هناك أصوات تكاد أن تكون مسموعة على مستوى الشارع العراقي ألا وهي الترحم لفترة الطاغية رغم الماْسات التي عاشوها بظل ذلك الطاغوت – وهذا دليل على حالة الاشمئزاز من الذي يجري على الساحة العراقية – سواء على المستوى الأمني أو الخدمي وحتى الوضع ألمعاشي لقطاع عريض من الشعب العراقي ناهيك عن البطاقة التموينية التي تكاد أن تكون لأغلبية العوائل هي الممون الأساسي لحياتهم ألمعاشيه – فالتقصير بموادها اثر سلبيا على الأغلبية المحتاجة من أبناء الشعب ولا احد يسمع ندائهم ولا شكواهم- حيث باتت هذه الشريحة من المجتمع ليس لها حول ولا قوة سوى الشكوى وهذا ما نشاهده حتى على شاشات التلفزيونات العراقية – لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي -
وهناك أيضا ظاهرة الأطفال الذين يملؤن شوارع المدن باحثين عن لقمة العيش لهم ولعوئلهم التي لا تملك قوة يومها سوى ما يجلبه هذا الطفل المتسكع في زقاق هذه المدن - أما ظاهرة التسول التي أصبحت غير مسبوقة مطلقا على مدى تاريخ العراق لتزايد المتسولين في شوارع المدن وبشكل لا يصدق وبالتحديد في مدينة البصرة مدينة النفط والموانيْ والخيرات – يالها من مأساة – وأطال الله بعمر شاعرنا الفذ مظفر النواب حين يقول – كفاكم لعنتم بالركض وراء كروش الزعامات فيما الزعامات باعت ذبيحا وحي – و و الخ -
فأين حكومتنا الوطنية وبرلماننا المبجل من ذلك - وهذه السنة الخامسة تمضي وليس هناك شيْ يذكر أو ملموس لا خدميا ولا معاشيا – وها نحن نسمع التصريحات بالعراق الغني والاحتياطي النفطي الأكبر –و –و –و فماذا يغني الناس بهذا الكلام الواهي الذي لا يستند إلى أي دليل سوى اللعنة التي يرزح تحتها المستضعفين - والقطاع الأكبر يعاني حالة الفقر المتقع تحت خط الفقر – فهذه تساؤلات يا حكومتنا المنتخبة فأين انتم من هذه المعاناة وميزانية الدولة العراقية أكثر من مائتين مليار دولار خلال السنوات المنصرمة ولم يزداد الفقراء إلا فقرا – سوى هؤلاء الانتهازيين والمفسدين الذين يعيشون على أكتاف المساكين والمغلوب على أمرهم-
وأما نحن الذين نعيش المنافي منذ عقود فعلينا السلام - لقد رافقنا حلم العودة وكان لنا العون على تحمل هذا الترحال - وكان أمل الرجوع إلى الوطن المذبوح من الوريد إلى الوريد هو المنشود - واليوم وبعد انقطاع السبيل إلى ذلك – فلم يبقى لنا رفيق سوى الإحباط والاستسلام الذي اخذ مأخذه منا حد الموت – وها هي سفاراتنا الموقرة لا تستطيع حتى توفير وثيقة سفر – جواز- لرعاياها فأي كارثة هذه التي نحن فيها ولمن نشكوا هذا الأمر – فهل هذه لعنة أم مصير أم قدر ويا ليت أن لا تكون هذه ولا تلك والعودة إلى الوطن الأم هي المطاف الأخير فهل خاصمت الأرض الجذور – |