بدأت هذه العادة المسيحية في القرن الثالث عشر والرابع عشر وكانت طقسا دينيا أدين فيما بعد باعتباره وثنيا . وكان الطقس يتم علنيا امام الجمهور. والعادة لم تكن غريبة على كثير من الديانات السابقة للمسيحية مثل طقس آيزيس في مصر وديونيس في اليونان. وكذلك مارس اليهود جلد الذات بالسوط خلال الاحتفالات الدينية الكبرى.
في باديء الامر كان جلد الذات نوعا من (التوبة) في الكنيسة المسيحية . والى جانب الجلد كانت المواكب تتضمن اناشيد دينية وحركات معينة وازياء. اول سابقة في القرون الوسطى كانت تلك التي حدثت في بيروجيا عام 1259. وانتشرت منها الى شمال ايطاليا ثم النمسا. وسجلت حوادث اخرى في 1296 و 1333-34 وخاصة في وقت انتشار الطاعون (الموت الاسود) عام 1349 و 1399. والسبب وراء ابتداء هذه الحركة في بيروجيا غير واضح ولكنها اعقبت انتشار الوباء وقد انتشرت مواكب الجلد مثل هوس شعبي خلال المدينة كلها . فقد خرج الوف الناس في مواكب منشدين الاغاني الدينية وحاملين الصلبان والرايات . وبلغ الهوس الى حد ان من لم يشترك كان يتهم بالتحالف مع الشيطان وقد قتلوا يهودا ورهبانا عارضوهم.
رسم من القرن الثالث عشر للمطبرين المسيحيين
صورة من القرن الواحد والعشرين للمطبرين في العراق
وانتشرت الحركة في ايطاليا حتى بلغت 10 الاف مجموعة في مدن مودينا وبولونيا وريجيو وبارما. ثم اختفى الحماس للحركة فجأة كما ظهر بتحريم البابا لها في كانون الثاني 1261. وعندما خبا الحماس لها في ايطاليا عبرت الحركة الى النمسا ثم المانيا.
في البدء احتملت الكنيسة الكاثوليكية الحركة وشارك فيها رهبان وقسس بشكل منفرد ثم في القرن الرابع عشر انتبهت الكنيسة الى انتشار الحركة بشكل سريع جدا فأدانها رسميا البابا كليمينت السادس في 1349 وامر قادة الكنيسة ان يقمعوها . واكد هذا الامر في عام 1372 البابا جريجوري الحادي عشر الذي اعتبر الجالدون انفسهم من الهراطقة .
وبعد ان قمعت الحركة بالقوة ظهرت ثانية عام 1399 في شمال ايطاليا ايضا وسمي اصحابها (التوابون البيض) نسبة الى ارتدائهم اللون الابيض وفي ذروتها سار موكب من 15 الف فرد في موكب من مودينا الى روما ولكن الحركة سرعان ما اختفت ايضا بعد ان اصدر البابا بينيدكت الحادي عشر أمرا بحرق احد قادتها حيا.
وشاركت محاكم التفتيش في القضاء على اي إحياء للحركة في القرن الخامس عشر . في عام 1414 احرق في المانيا حوالي 100 فرد من اتباع كارل شمدت.
التطبير حديثا
الكاثوليكية
مازالت مواكب المطبرين وهم يرتدون اروابا واقنعة بيضاء تمارس في بعض المدن الكاثوليكية على البحر الابيض المتوسط وخاصة اسبانيا والبرتغال وايطاليا وبعض المستعمرات السابقة .
وبعض المسيحيين في الفلبين يمارسون الجلد كنوع من التقوى واحيانا يضيفون الى ذلك صلب انفسهم .(الصورة الرئيسية المصاحبة للمقالة لمطبرين مسيحيين من الفلبين) .
ومن أشهر ما يقام من تطبير وتشابيه مسيحية مايجري كل سبع سنوات في مدينة جارديا سافراموندي الايطالية:
جارديا سافراموندي
مدينة في مقاطعة بينيفينتو في اقليم كامبانيا في ايطاليا واهم مافي المدينة قلعة من القرون الوسطى ومعظم القسم القديم من المدينة لاتسير فيه مواصلات وانما يمكن الوصول اليه على الاقدام . واغلب منازل المدينة القديمة فارغة لأن السكان يفضلون المساكن الجديدة والمحلات التي تحيط بالمدينة القديمة .
يقام في هذه المدينة طقوس التوبة في كل سبع سنوات واصل هذه الطقوس لتكريم تمثال لمريم العذراء والطفل حين وجد في حقل منذ مئات السنين. ويتكون الطقس من سلسلة مواكب هي :
التشابيه (الاسرار الدينية)
تشكل القطاعات الاربعة للمدينة لجان لتنظيم موكب (التشابيه) الذي يشترك فيه متطوعون يرتدون ملابس تاريخية ويمثلون مشاهد من العهد القديم والجديد وحياة القديسين. كما تشارك المدن المجاورة بلجان منها . في عام 2003 كان هناك حوالي 100 موكب تشابيه. وطوال الاسبوع تسيّر كل منطقة مواكبها الخاصة ثم تجتمع يوم الاحد في موكب واحد عظيم . ومايميز هذه التشابيه ان الممثلين يتخذون مشاهد جامدة لاحداث دينية مهمة ولا يمثلونها بالقول والحركة ..
(تشابيه مدينة جارديا)
جوقة الاناشيد الدينية
كل قطاع من المدينة يشكل جوقة خاصة تشارك في المسيرات . وتقليديا كانت الجوقة تتكون من بنات لم يتزوجن ولكن حديثا بدأت المتزوجات وحتى الرجال في الاشتراك في الحوقات. ترتدي النساء ملابس بيضاء وتاج الشوك وحبل مجدول حول اكتافهن.
التوابون
وخلال المواكب يشارك العديد من المطبرين وهم يضربون ظهورهم بسياط معدنية ولكن برقة. في يوم الاحد ينضم الى الموكب الكبير مئات من الضاربين الذين يضربون صدورهم بمايسمونه (الاسفنجة) وهو في الواقع جسم مدور مصنوع من الفلين ويحمل عشرات من الدبابيس. ويقوم مساعدون لهم بصب النبيذ الابيض على الاسفنجة خلال المسيرة من اجل تطهيرها ومنع الالتهابات.
والضاربون والجالدون انفسهم يرتدون اقنعة بيضاء ومن المفترض الا يعرفهم احد حتى عائلاتهم ولا تحمل السياط والاسفنجات علنيا في المنزل بعد انتهاء الطقوس. والضاربون انفسهم بالاسفنجة كلهم من الرجال اما الجلد بالسياط المعدنية الرقيقة قد يكون بينهن نساء . وايضا هناك بعض عشرات من الاطفال يشتركون رمزيا في الجلد. وهم يرتدون ملابس سوداء ويضربون اكتافهم بسياط صغيرة .
التمثال
تنتهي الطقوس بالسير بتمثال مريم العذراء والطفل خلال المدينة وذلك بعد استعراض التشابيه يضرب مدفع لاعلان ان التمثال اخذ من الكنيسة ليبدأ موكبه. ويتوقف الموكب والكل يركع لمدة دقيقة. وحين يتخذ التمثال طريقه الى مركز المدينة ، يسير الضاربون في المقدمة على ركبهم . وتتبع الجماهير التمثال وينتهي الموكب باعادة التمثال الى الكنيسة . ثم تقام الصلوات في الكنيسة طوال الليل وتستمر هذه الصلوات لعدة ليال اخرى.
هل تذكركم هذه التفاصيل بما يحدث لدينا ؟ أليست متقاربة الى حد كبير؟ اقرأوا وصف عاشوراء في العراق:
(الشيء المهم في هذه الطقوس هي المشاركة الجماعية لجميع السكان بالرغم من هدفها الديني، حيث تتحول المدينة إلى احتفالات ومواكب ومجالس وغيرها من الفعاليات التي تتسم بدراميتها، فيعم الحزن والندب الجماعي.
وفي الليلة الأخيرة التي تسبق موت بطل المأساة في اليوم العاشر، تكون الاحتفالات اكثر حدة وعنفا سواء في الأغاني والقصائد أو الموسيقى وإيقاع الحركة والمشاركة الوجدانية من قبل الجمهور، وفي هذه الليلة بالذات يضاف إلى الاحتفالات موكب كبير من الرجال والشباب يدعى "بموكب التطبير " وقد ارتدى الرجال الملابس البيضاء التي ترمز للكفن لإ ستعدادهم للموت، لان أجدادهم تاريخيا خذلوا بطلهم(رمزهم الديني) في محنته أو أن حياتهم بعده لا تعني شيئا.
ولهذا فانهم يحملون بأيديهم سيوفا حقيقية سيضربون بها على رؤوسهم المحلوقة في اليوم التالي، وبعد أن تنتهي ا لتعزية في منتصف هذه الليلة فانهم سيذهبون ليستحموا في حمام المدينة العام استعدادا لممارسة هذا الطقس.
يبقى سكان المدينة مستيقظين حتى الصباح وتصبح البيوت أماكن لتجمعات النساء حيث تقوم "المرأة الراوية " او(العدادة) او(الملة) برواية أجزاء من المأساة ومن ثم يبدأن بالرقص الإيقاعي الحزين والحداء والمراثي والتراتيل الدينية وهن مسدلات الشعور يلطمن صدورهن العارية و يمثلن مشهد موت الامام الحسن "ع"(الأخ الأكبر للحسين)الذي دس له السم، و غيرها من الأحداث التراجيدية الحقيقية. وهدف هذه التجمعات النسائية هو المشاركة الوجدانية للسيدة زينب أخت الامام الحسين. وفي اليوم التالي(اليوم العاشر) صباحا يتجمع سكان المدينة في الساحة العامة وهم بملابسهم السوداء والطين على وجوههم ورؤوسهم لمشاهدة الطقس الدرامي ـ التراجيدي والمشاركة فيه.(دلالة الحزن والمشاركة الوجدانية، وهذه المشاركة كان العراقي القديم يمارسها حزنا على الاله تموز) - د. فاضل السوداني.
استغرب ان الكاثوليك لم يثوروا على بابواتهم الذين قمعوهم وظلموهم واحرقوهم احياء حتى يبطلوا هذه العادة، ولم يتحدثوا عن (مظلومية الكاثوليك) ولم يحفزوا جورج بوش وجيوشه للاطاحة بالبابا ! اشعر بالحزن الشديد لطائفة الكاثوليك الذين لم يكسروا قيودهم بعد ليتمتعوا بالحرية ذات السلاسل :