نقاش / خاص من الموصل "في إحدى المعارك بلغ عدد جنود الدولة الإسلامية الأبطال (275220) جندياً، بينما عدد الجنود الكافرين بلغ (356230) جنديا جبانا، أيهما أكثر عددا"؟ هذا نص سؤال حسابي في مادة رياضيات ربما ستُدرّس لتلاميذ المدارس… فعلها ديوان التعليم التابع لتنظيم "داعش" واصدر مناهج دراسية جديدة لجميع المراحل الابتدائية والثانوية، بعدما اتلف المناهج السابقة.
أبو عمران أب لثلاثة طلاب ما زال يعيش معهم في الموصل، وحتى وقت قريب كان يأمل عودة أولاده الى مقاعدهم الدراسية التي هجروها منذ سقوط المدينة بيد التنظيم في حزيران (يونيو) 2014، لكن أسهم اليأس ارتفعت عنده مع التغيير الجديد.
"خسر أولادي عامين دراسيين، ويبدو أنهم سيخسرون الثالث أيضاً فمن غير الممكن أن ادعهم يتلقون تعليما على القتل والتطرف، وفي النهاية لا احد يعترف بشهاداتهم" يقول لـ"نقاش" باتصال عبر خدمة فايبر.
وبنبرة حزينة يضيف "أولادي متميزون لذا انا في حيرة من أمري، وليتني استطيع إخراجهم من المدينة ليكملوا مشوارهم الدراسي".
المشكلة كبيرة حقا؛ فما بين (300- 400) ألف طالب يواجهون الأزمة عينها التي يمر بها أبناء أبو عمران، خاصة وان وزارة التربية العراقية اعلنت منذ اكثر من سنة عدم اعترافها بالدراسة في المناطق الخاضعة لسيطرة "داعش".
ويأتي رئيس لجنة التربية والتعليم في مجلس محافظة نينوى حجي سيدو ليؤكد لـ"نقاش" أن أي نتائج دراسية للتعليم في ظل حكم داعش باطلة ولا يمكن الاعتراف بها.
"نقاش" حصلت على نسخ الكترونية لعدد من الكتب المنهجية الخاصة بالمرحلة الابتدائية أي لتلاميذ تتراوح أعمارهم بين (6 -12) سنة ومن يطلع عليها ابتداءً من المقدمة الموحدة لجميع المواد، سيجد بوضوح شديد أنها ترويج لفكر "دولة الخلافة" والتطرف الديني.
مثلاً، في كتاب اللياقة البدنية للصف الأول الابتدائي، وضعت كلمتا (باقية) و(تتمدد) كإشارة لممارسة التمارين الرياضية للطلبة، وهاتان الكلمتان تردان في الشعار الذي يردده عناصر التنظيم بحماسهم المعهود: (دولة الإسلام باقية .. وتتمدد).
المضحك المبكي ان الرسوم التوضيحية لهذه الكتب كـ"التربية الجهادية" تكون على شكل أطفال يرتدون لباس داعش الرسمي (الأفغاني)، إلى جانب أسلحة مختلفة كالمسدس والرشاش وغيرها.
أمل حامد مشرفة تربوية متقاعدة، ارتسمت على وجهها ضحكة صفراء وهي تتصفح بعض تلك الكتب على حاسوبها وعلقت، "هذا جنون. الواجب على أولياء الأمور منع أبنائهم من ارتياد المدارس بتاتاً، لأنهم سيتخرجون دواعش وليس أطباء ومهندسين".
وتضيف حامد التي تقيم حاليا في السليمانية التابعة لإقليم كردستان العراق، لقد توقعت ذلك قبل عام، فمسؤول التعليم هناك شاب ثلاثيني يحمل شهادة الماجستير في العلوم الإسلامية ويدعى خالد الاعفري وهو من المتشددين في تنظيم "داعش".
المناهج هذه ظهرت الى العلن قبل أسبوعين على أقراص مدمجة فقط، وبحسب خالد العطار وهو مدير مدرسة فان داعش وزعها على المدارس الابتدائية والثانوية، ليتولى الطلبة طباعتها على نفقتهم الخاصة، أو يشترونها من المطابع التي باشرت بتحويلها إلى كتب ورقية.
حجي سيدو متخوف جدا من تأثير مناهج تنظيم "الدولة الإسلامية" على الأطفال والمراهقين خاصة، لكنه يرى في الوقت نفسه ان التنظيم عاجز أكثر من أي وقت مضى عن إدارة العملية التعليمية في المدينة "والدليل إن المدارس لم تفتح حتى الآن".
نعم ثمة عزوف شبه شامل عن الدوام، لكن في الحقيقة هناك عامل آخر يقف وراء تعطيل الدراسة، هو قرار ديوان التعليم فرض رسوم على الطلبة، معللا ذلك بالسعي الى توفير رواتب المعلمين والمدرسين والأساتذة الجامعيين، الذين يعزفون عن الدوام بسبب قطع الحكومة العراقية رواتبهم منذ ستة شهور.
الحكومة كانت بررت قرار حجب الرواتب بإجراءات الحد من تمويل "داعش"، لاعتقادها انه يستولي على جزء من رواتب موظفي الموصل، لاسيما وان نصف موظفي قطاع التربية والجامعات البالغ مجموعهم (53) ألف موظف تقريبا ما زالوا باقين حتى الساعة في الموصل.
موظف في تربية نينوى طلب تسميته أبو عائشة كشف قيم الرسوم بشكل عملي وقال "هناك (12) دولاراً تقريباً على طالب المرحلة الابتدائية للنصف الأول من السنة، و (18) دولارا للمرحلة الثانوية ونحو (50) دولارا للجامعات".
ويعلق، اذا كان البعض مستعدا لإرسال أطفاله للدراسة وفق مناهج "الدولة الإسلامية" فان هذه الرسوم كفيلة بتغيير رأي الكثير منهم.
وبما انه مر أسبوعان على موعد بدء الدراسة الذي أعلنه "ديوان التعليم"، وما زالت الغالبية الساحقة من الصفوف الدراسية خالية من المعلمين والطلاب على السواء، فإما أن مناهج "داعش" مجرد دعاية كعملته الذهبية، او انه مشروع جاد سينفذه بحد السيف عن قريب.
* ملاحظة : جميع أسماء المتحدثين من داخل الموصل مستعارة حفاظا على سلامتهم. |