نقاش | مصطفى حبيب | بغداد
جولات لمفاوضات هادئة تجريها كتل برلمانية خلف الأبواب المغلقة لتغيير خريطة التحالفات السياسية استعداداً لمرحلة ما بعد داعش، تسعى من خلالها لتشكيل تحالف غير طائفي يضم أحزاب شيعية وسنية وكردية، فهل يُكتب له النجاح؟. منذ أيام يقوم سياسيون من كتلة "الأحرار" ولديها (34 مقعد برلماني) وهي تابعة للزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر مفاوضات مع ائتلاف "العراقية" التي تملك (24 مقعد برلماني) بزعامة نائب رئيس الجمهورية إياد علاوي لبحث تشكيل كتلة سياسية جديدة. المفاوضات تتسم بالسرية والهدوء بعيداً عن أنظار الجميع المتوجهة نحو معارك الجيش وقوات "الحشد الشعبي" ضد تنظيم "داعش" في صلاح الدين والأنبار، وهذه الكتل تهيْ نفسها لمرحلة سياسية جديدة بعد القضاء على التنظيم المتشدد. عضو التيار الصدري جواد الشهيلي يقول لـ "نقاش" إن "المفاوضات مع علاوي تسعى لتشكيل كتلة سياسية واحدة في الحكومة والبرلمان وتهدف إلى تحقيق إصلاحات سياسية وأمنية واجتماعية". الشهيلي قال أيضاً إن "هذه الكتلة تهدف لإقرار قوانين مهمة في مصلحة جميع العراقيين من السنة والشيعة والأكراد، ودعم حكومة العبادي في إصلاح الأوضاع الحالية وتعزيز المصالحة المجتمعية". وبعد لقاءات عدة جمعت سياسيين تابعين لمقتدى الصدر مع علاوي نجحت باتفاق الطرفين على توحيد مواقفهم في بعض القضايا التي يعتبرونها مهمة وتحتاج إلى تعاون لحلها، واتفقوا على توسيع التحالف مع كتل أخرى. علاوي وهو نائب رئيس الجمهورية لشؤون المصالحة الوطنية، أجرى مفاوضات مع عدد من السياسيين الأكراد لإقناعهم بالانضمام إلى التكتل الجديد، وعلى الرغم من إن الأكراد غالبا ما يرفضون التحالف مع أحزاب غير كردية، لكنهم أبدوا موافقتهم على الانضمام. ميسون الدملوجي وهي نائبة عن ائتلاف "العراقية" بزعامة علاوي تقول لـ "نقاش" إن "الكتلة الجديدة تهدف إلى قرارات تخدم العملية السياسية التي تشهد انتكاسات خطرة وستكون عابرة للطائفية والقومية وهناك كتل ترغب بالانضمام إليها". مع استمرار تقدم القوات الأمنية ضد معاقل تنظيم "داعش" في الفترة الأخيرة بدأ الحديث بين السياسيين حول مستقبل البلاد السياسي بعد القضاء على تنظيم "داعش"، فالمعركة مع هذا التنظيم ولّدت خلافات وصداقات جديدة لا تتلائم والتحالفات الحالية. واليوم هناك ثلاث كتل أساسية تسيطر على الحكومة والبرلمان وهي "التحالف الوطني" وهو أكبر كتلة في البرلمان ويضم الأحزاب الشيعية، و"تحالف القوى الوطنية" الذي يضم القوى السنية، و"التحالف الكردستاني" الذي يضم القوى الكردية، وهذه الكتل هي التي شكلَّت الحكومة برئاسة حيدر العبادي الصيف الماضي. عوامل سياسية وأمنية وخارجية جديدة بدأت توثر على هذه التحالفات، وهو ما شجّع بعض الكتل للقيام بحوارات جديدة، وهذه المرة تجري الحوارات بعيداً عن الكتل الطائفية وتشمل لقاءات بين شيعة وسنة وأكراد. وما زال رئيس الوزراء حيدر العبادي وغالبية الكتل التي تؤيده تشعر بأن هناك خطة من قبل أنصار رئيس الوزراء السابق نوري المالكي تسعى إلى إفشال الحكومة بأي ثمن للانتقام من حرمان المالكي من رئاسة الحكومة رغم حصول كتلته على أكثر الأصوات في الانتخابات التي جرت العام الماضي. وأيضا فإن الحرب على تنظيم "داعش" أوجد تحالفات سياسية جديدة، فهناك عشائر سنية في صلاح الدين والأنبار وديالى أعلنت تحالفاً عسكرياً مع الجيش و"الحشد الشعبي" لمحاربة "داعش"، وهذه العشائر لا تمتلك تمثيل سياسي، فيما أصبح سياسيو هذه المدن مكروهين بسبب ابتعادهم عن المعارك. تزايد الدور الإيراني الأمني في العراق أثار مخاوف الكتل السياسية من تزايد هذا الدور، خصوصاً وإن إيران تقود الآن قوات "الحشد الشعبي" التي تضم فصائل شيعية موالية لطهران، وهي اليوم أقوى قوة أمنية في البلاد، وقد تستخدمها إيران لأهداف أخرى ليس فقط لمحاربة "داعش". كما إن الكتل السياسية الثلاث ليست متجانسة مع بعضها، فالأحزاب الشيعية الكبيرة في "التحالف الوطني" وهي "دولة القانون" و"الأحرار" و"المواطن" فشلت في اختيار رئيس لها بسبب صراعات على المنصب بين عمار الحكيم رئيس ائتلاف "المواطن"، وبين علي الأديب القيادي في "دولة القانون" القريب من المالكي. وهذه الأحزاب اتفقت قبل شهور على وضع قانون خاص لتنظيم عمل الكتلة الشيعية في العملية السياسية لمنع أي حزب من التفرُّد بقرارات الكتلة كما حصل في عهد المالكي، ولكن الاتفاق لم يطبّق حتى اليوم أيضاً، والتيار الصدري أبرز المنتقدين لهذا الفشل، ويتهم المالكي بإفشال ذلك. أما الأحزاب السنية في "تحالف القوى الوطنية" التي تضم كتلة "متحدون" (23 مقعد برلماني) و"العربية" (9 مقاعد) و"ائتلاف العراقية" (23 مقعد) فشلت هي الأخرى في اختيار رئيس لها كما إن هذه الأحزاب ليست لديها مواقف واحدة وغالباً ما تنتقد بعضها البعض وكأنهم خصوم وليسوا حلفاء. ويبدو الأكراد أكثر تماسكاً من باقي الكتل على الرغم من الخلافات التي نشأت أخيراً بين الحزبين الكرديين "الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة جلال طالباني، و"الحزب الديموقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني حول الدور الإيراني. جميع هذه الأسباب شجّعت الكتل السياسية على البحث عن تحالفات جديدة تضمن لها دوراً أكبر في العملية السياسية، وكانت بداية المفاوضات بين مقتدى الصدر وبين علاوي، وأعلنت كتل أخرى رغبتها بالانضمام إلى التحالف الجديد. التكتلات الثلاثة (السنية، الشيعية، الكردية) تعترف بشكل صريح بأنها عجزت عن حكم العراق وفشل في تقديم حلول للمشكلات فيما بينها، وكان علاجها يتم عن طريق تأجيلها مثل تعديل الدستور وتطبيق الفيدرالية وتوزيع الثروات النفطية. المفاوضات تجري بين كتل سياسية متباينة طائفياً، فهل ستنجح في تشكيل تكتل واحد وإنهاء الطائفية السياسية؟ بالتأكيد لا، كما يقول محللون للشأن السياسي العراقي، لأن النظام السياسي الطائفي الذي ظهر بعد 2003 وما تبعه من صراعات مذهبية ومشكلات سياسية يصعب تجاوزها بسهولة. كما إن الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط أصبح صراعاً طائفياً هو أيضاً، والعراق أصبح ضمن محور شيعي يضم إيران وسورية وجنوب لبنان، فيما تصطف الدول الأخرى كالسعودية وتركيا في محور سني مجابه، ومن الصعوبة أن تتخلى الأحزاب العراقية عن ارتباطاتها الخارجية. |