عن نقاش | إريك برينو | السليمانية
يعيش أحمد الشاب الكردي السوري اليوم في مخيم دوميز للاجئين في شمال العراق بعدما ترك الخدمة في الجيش السوري وغادر بلاده نحو المخيّم الحدودي.
أحمد هو واحد من حوالي 54 ألف لاجئ يعيشون حالياً في مخيم دوميز للاجئين الواقع في المنطقة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في كردستان العراق، إذ تركوا بلادهم هرباً من الأزمة التي تعيشها سوريا.
ويقول إنه عمل في الجيش السورى عام 2012 ولكنه ترك العمل وشق طريقه باتجاه العراق، وهو يعيش اليوم في خيمة مع الشباب الآخرين الذين فعلوا مثله وفروا من الجيش السوري.
الصحفي إريك برونو إلتقى اللاجئ السوري داخل المخيم واستمع إلى قصته ودون ما اختزنته ذاكرة أحمد.
يقول أحمد"عندما وصلتني الأوامر شعرت بخوف شديد مما قد يحصل لي إذا لم أحضر للانضمام إلى الجيش السوري، وكان جميع الرجال الآخرين الذين تواجدوا معي في نفس المكان خائفين جداً، حتى أولئك الذين قدموا من بلدان ومدن موالية للرئيس السوري وكان معظمهم من العرب السنة جاءوا من مدن مثل الرقة والحسكة، وهي المناطق التي حاولت الحكومة "تعريبها" من خلال الاستحواذ على أراضي الأكراد وإعطائها للعرب".
ويضيف "كان الأكراد يُرسلون إلى وحدات الجيش السوري بمجموعات صغيرة، ولم يتجاوز عدد هذه المجموعات في أي حال من الأحوال الخمسة أفراد لأنهم إذا فعلوا خلاف ذلك، فقد يكون بإمكان المجموعات الكردية أن تنظِّم عملية هروب من الجيش، وإذا تأخر شخص ما عند النداء على الأسماء في الصباح الباكر فسيواجه عقوبة مهينة ويوضع رأسه داخل المرحاض".
وتتراواح أنوع العقوبات الأخرى بحسب أحمد بين الضرب بالأسلاك الكهربائية أو إلقاء الماء البارد على مرتكب المخالفة، "في إحدى المرات تم سحبنا من أَسرّتنا وطلبوا منا التجمع في ساحة العرض وبعد تجمعنا عرضوا علينا جثة أحد الرجال الذين حاولوا الهرب من الجيش ثم صاح القائد بوجهنا قائلاً :هذا هو مصير الفارين من الجيش".
http://www.niqash.org/articles/?id=3187
وبعد انتهاء مدة التدريب تم إرسال وحدة أحمد إلى حلب حيث يقول "لدى خروجنا من الحافلات قال لنا الضباط هذه هي الحرب وعليكم أن تقاتلوا ثم تم إرسالنا لفض مظاهرة بالقرب من الجامعة وكان هناك حوالي ثلاثة آلاف متظاهر فأعطونا الأوامر بمواجهة المتظاهرين واستخدام الرصاص المطاطي والهراوات في المواجهات كما طلبوا منّا سحب بطاقات الهوية إذا ما استطعنا بحيث يمكن التعرُّف على المتظاهرين فيما بعد".
ويؤكد أنه ضرب واحدة من المحتجّات الشابات على رأسها بهراوته حينها بدأ المسلحون الذين كانوا يحرسون المظاهرة بإطلاق النار على القوات النظامية لأنها هاجمت المحتشدين حيث قُتل عدد من رفاقه في ذلك اليوم.
"لم يكن لدينا أي نوع من الأسلحة، وكنا قريبين جدا من المحتشدين لدرجة لم تسمح للجيش بالتدخل فركضنا بأقصى مانستطيع باتجاه مركز الشرطة كي لا نُقتل، فقد كانوا يوزعون علينا الأسلحة عند وصولنا إلى مكان الاحتجاج وكانت التعليمات المعطاة لنا تقضي بعدم إطلاق النار إلا في حال إطلاق النار علينا، وكنا نستخدم الهروات والرصاص المطاطي والغاز المسيِّل للدموع للسيطرة على المتظاهرين لكن مع مرور الوقت تحولت المظاهرات إلى معارك كر وفر في الشوارع".
القتال الحقيقي في وحدة أحمد بدأ بعد تلك المرحلة حينما بدأ الجيش يتحرك بحثاً عن الأسلحة والمشتبه بهم ويقول "تم نشر وحدات المشاة في الجيش في الجهة الأمامية وانتشرنا خلف هذه الوحدات مع الشرطة العسكرية التي اجتاحت المنطقة بحثا عن السلاح والمشتبه بهم حيث شجعّنا الضباط على النهب، وقالوا لنا أن نأخذ ما نريد، ولم يكن بوسع أحد منا أن يرفض هذا العرض فالرفض قد يجعل منا مشتبه بهم، وعمليات النهب تلك جعلت الجنود يظهرون بمظهر المجرمين بنظر عامة السكان وقوات المتمردين، لكن لم يكن لديهم خيار سوى القتال حتى النهاية المريرة.
ويضيف "قال لي أحد الجنود في إحدى المرات التي لم تتكرر إنه يكره الأسد ويرغب في رؤية النظام وهو يسقط لكنني لم أجبه ولم أتحدث إليه مجدداً فقد يكون مخبراً، وكنت أخشى تبادل الآراء مع أي شخص كان لأن مثل هذا الأمر خطير جداً.
تطور الأحداث في سوريا بعد شهور دامية غيّر من وضع أحمد ووحدته لاسيما حينما إستلم قيادتها أحد القادة الموالين للأسد بشكل كبير ويقول "تغيّرت الأمور بشكل جذري وطلب منّا العقيد أن نطلق نيران رشاشاتنا على كل شيء إذا كان لدينا أدنى اشتباه به، وفي إحدى المرات لم يكن المشتبه به الذي نبحث عنه موجوداً داخل منزله عندما اقتحمناه إذ لم نجد سوى زوجين مسنين مع أحفادهم فطلب العقيد من بعض الجنود العودة إلى المنزل وقتل الزوجين لكنهم أطلقوا نيران رشاشاتهم بإتجاه سقف المنزل كي يبدو الأمر وكأنهم نفذوا الأوامر لكن الشكوك ساورت العقيد الذي عاد بنفسه إلى المنزل وقتل الأسرة، وقال للجنود الذين عصوا أوامره: يمكنني أن أقتلكم أنتم أيضاً في الحال".
ومع تعرض الجيش السوري للمزيد من الهجمات من المتمردين تمكن أحمد أخيرا من الفرار وهو اليوم يعيش في خيمة مشتركة في مخيم دوميز مع أكراد آخرين مروا بتجارب مماثلة، أما بلدته فسقطت مؤخراً بأيدي المتمردين أيضا، ولكنها وقعت بقبضة المتمردين الاسلاميين المتطرفين وهذه ليست بالأخبار الجيدة لأن هؤلاء المتطرفين شجعوا أعضائهم على الهجوم على الأكراد السوريين والتعامل مع أملاكهم بإعتبارها غنائم حرب.
يقول الشاب الكردي السوري"جميع الأصدقاء الذين لم يتمكنوا من الفرار ماتوا أثناء القتال أنا متأكد من أن قدري كان سيكون مشابهاً لأقدارهم لو لم أتمكن من الفرار". |