في الصورة : المحافظ علي دواي في بدلة الميكانيكي، لباسه الرسمي، في مكتبه العمارة (العراق): تيم أرانغو* مرتديا ملابس ميكانيكي زرقاء وقف المحافظ وحوله أبناء دائرته وهو يسير في شوارع البلدة القديمة المخنوقة بالتراب والتي يعمل سكانها بالأساس في بيع الأقمشة والطيور. دس أحدهم رأسه وسط الحشود وقال: «أريد فقط أن أقبلك»، في حين يظهر رجل آخر يتصبب العرق من جبينه ويقول: «إنه رجل من ذهب، فهو يعتني بالجميع. إنه لا يفرق بين مسلم ومسيحي. لن تجد شخصا لا يحبه». بالنسبة للعراقيين في مختلف أنحاء البلاد، الذين سئم أكثرهم سوء الخدمات، والسياسات الطائفية والعنف، يقدم علي دواي، محافظ ميسان، نموذجا نادرا لإمكانية تحقيق الديمقراطية. كتب رجل على صفحة من صفحات «فيس بوك» تحظى بشعبية وتمثل مساحة لتلاقي العراقيين: «لو كان الأمر بيدي، لكنت دبرت انقلابا وسلمته حكم البلاد». وكتب آخر: «لو كان هناك شخص مثله في كل محافظة، لكانت العراق أفضل من دبي».
ويبدو أن الجميع يحب دواي، وهو من أتباع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، ولعله أكثر السياسيين شعبية في العراق. في بلد يعزل فيه القادة أنفسهم عن الشعب بالحراس الشخصيين والجدران المقاومة للانفجار، وتتضاءل فيه المساحة بين العمل السياسي والرشى، أصبح دواي أشبه بالبطل الشعبي.
وليس هذا هنا فقط. يمكن للعراقيين أن يروا بأنفسهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلاته الحميمية مع المواطنين أو تقديمه للوعود بتحسين الخدمات ودعم الاستثمار في كل المجالات بدءا بالجسور ووصولا إلى أنظمة الصرف الصحي والمتنزهات الترفيهية. وقال دواي في مقابلة بمكتبه بعد جولة صباحية بين المشروعات العامة حيث كان الناس يلتفون حوله في كل خطوة إما لتقديم الشكر له وإما لطلب خدمات منه: «على القائد أن يكون قريبا من الناس».
مع ذلك توضح شعبية دواي ما هو أكبر من التحمس تجاه سياسي نشيط مجد في عمله. بصفته المحافظ الوحيد المنتمي إلى التيار الصدري، يمثل نضج حركة سياسية تسعى إلى تقديم نموذج مشابه لحزب الله في لبنان من خلال المزج بين المذهب الشيعي والقوة العسكرية والاهتمام بالمواطن العادي من أجل تكوين قوة سياسية. وتقول ماريسا كوتشرين سوليفان من معهد دراسات الحرب بواشنطن والتي كتبت عن التيار الصدري: «ما يحاولون القيام به هو إظهار قدرتهم على تقديم خدمات في الجنوب. ويأتي هذا في إطار تحولهم، حيث لم يعد بمقدورهم الزعم أن دافعهم هو حماية الشيعة من تنظيم القاعدة أو أي جماعة سنية أخرى». وأضافت: «استراتيجية الصدر هي العثور على مناطق يمكنهم من خلالها الفوز بفن الجدل السياسي».
واستنادا إلى نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة، تراجعت شعبية الصدر في أغلب مناطق الجنوب، حيث لم يحقق قادة التيار النجاح نفسه الذي حققه دواي باستثناء محافظة ميسان. سلطت النتائج الضوء على أمرين: الأول هو أن الصدر أمامه الكثير لتوسيع دائرته من خلال حكم أكثر مناطق الجنوب. الأمر الثاني هو أن دواي هو نجم التيار الأكثر بزوغا.
وبعيدا عن قلب العراق المضطرب، لا تشهد العمارة الكثير من الهجمات الإرهابية ولا تحدث بها عمليات قتل عنيفة سنويا، على حد قول دواي الذي يرأس لجنة الأمن في المجلس المحلي. ولا يوجد أي مؤشر هنا يدل على الشعور بغياب الأمن الذي يسيطر على نفوس العراقيين في المناطق الأخرى. ويقول أمير جمال (31 عاما) الذي يعمل سائقا بالبلدية ويجلس في مقهى يحتسي الشاي ويدخن النارجيلة: «لا نشعر بالخوف هنا. نشعر بالخوف عندما نضطر إلى الذهاب لبغداد».
خلال المقابلة قلل دواي، البالغ من العمر 46 عاما لكنه يبدو أكبر من عمره بعشر سنوات، من شأن انتمائه إلى التيار بقوله إنه كان من أتباع والد الصدر كرجل دين. وأوضح قائلا: «لا يوجد فرق بالنسبة لي بين سني أو شيعي أو مسيحي. أنا لا أفرق بين أي منهم».
في البلدة القديمة، كان جلال دانيال، مسيحي من بين المحيطين بدواي. لم ير دانيال (57 عاما) قط سياسيا يهتم بالناس. ويقول: «الأمر لا يتعلق بالصدر، فهو يقول دائما إنه ابن العراق. إنه لا يعمل لحساب حزبه». ويقول سكان المنطقة إن الخدمات تحسنت بشكل كبير منذ تولي دواي المنصب. وتم تعبيد الطرق وإنشاء أنظمة صرف صحي جديدة ويتمتع السكان حاليا بالكهرباء لمدة تصل إلى 22 ساعة يوميا أي أكثر من مدة التيار الكهربائي في بغداد. كذلك تشهد الاستثمارات الأجنبية ازدهارا، حيث يبني الأتراك فندقا 5 نجوم ويحفر الصينيون آبار نفط وينشئ الإيطاليون متنزها ترفيهيا. ورغم بقاء الفقر والبطالة عند مستوى مرتفع، تمنح المؤشرات على التحسن الثقة في الذات لمنطقة عانت معاناة شديدة لعقود من وحشية صدام حسين. ويقول إحسان شناشين، الذي يعمل حلاقا، إن المحافظة مثل وردة نضرة والناس سعداء.
لا يجلس دواي لفترة طويلة على مكتبه، ويقول إنه ينام ثلاث ساعات ونصف الساعة فقط في الليلة. ويقضي أكثر الأيام في مواقع العمل يصيح في العمال حتى يزيدوا نشاطهم. ويخصص أيام الخميس لأبناء الدائرة، فهو يقابلهم فردا فردا في صالة الاستقبال الرحبة ويتصدق أحيانا بنقود مثلما فعل مؤخرا عندما اعترف شاب أنه غير قادر على دفع المال لخطيبته حتى تذهب لصالون التجميل قبل الزفاف. في بلد تقضي فيه الكثير من الشخصيات القيادية جل وقتهم خارج البلاد، وتلغى فيه أكثر جلسات البرلمان بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، ونادرا ما يبدي المسؤولون أي شعور بالحماس والاهتمام، دائما ما يكون دواي في عجلة. يقول: «لا ينبغي أن نؤجل عمل اليوم إلى الغد. يجب أن نستثمر كل دقيقة من وقتنا».
* خدمة «نيويورك تايمز» |