نعيد نشر الحوار الذي نشره موقع الحوار المتمدن مع فارس كمال عمر نظمي لاهميته ولاسيما بعد النتيجة الضعيفة التي حصلت عليها التيارات الديمقراطية في انتخابات الهيئات المحلية في المحافظات العراق..
* لطالما اضطر المثقف المصلح (العضوي)، في لحظات اليأس والفوضى واهتزاز المعايير، لمواجهة السؤالَ القديم الجديد: ((هل إن تراجع ايديولوجيا تنويرية معينة وانحسارها وعقمها في لحظة تأريخية معينة، هو نتاج "موضوعي" لتراكم نزعات معتقدية وانفعالية مضادة لتلك الايديولوجيا في البنية النفسية الاجتماعية للجماهير، عبر الزمن؟ أم إن هذه الايديولوجيا فقدتْ "ذاتياً" ديناميكيتها وقدرتها الإقناعية على التأثير الفاعل في أذهان الناس وسلوكهم السياسي حتى أن المستفيدين من تلك الايديولوجيا أنفسهم يصبحون عازفين عنها ومنكرين لها بل وحتى محاربين ضدها في حالات محددة؟!)). وبتعبير أكثر اختزالاً: ((أيهما ينتج الآخر ويديمه: الايديولوجيا السياسية أم السيكولوجيا الاجتماعية؟!)).
- يجد هذا السؤال واحداً من أكثر تطبيقاته العملية اتضاحاً ودلالةً، في الوضع السياسي العراقي الراهن، إذ تشهد العلاقة التأثيرية والتأثرية بين قوى "اليسار السياسي" من جهة والجمهور ذي التوجهات "اليساروية الاجتماعية" الممتدة عمودياً وأفقياً في النسيج العراقي من جهة أخرى، جفاءً متزايداً وصل حد الاغتراب والقطيعة والنسيان بنسب متصاعدة.
وللتمييز المفاهيمي بين اليسار السياسي واليساروية الاجتماعية، فإن الأول يُقصد به إطاراً سياسياً واسعاً يشمل أي تنظيمات حزبية أو نقابية ذات توجهات شيوعية أو ماركسية أو اشتراكية أو اشتراكية ديمقراطية أو ديمقراطية اجتماعية أو قومية عروبية أو ناصرية، تعمل للترويج لبرامجها الفكرية والاجتماعية على أسس مدنية مناوئة للاستبداد والتمييز والاستغلال وهيمنة رأس المال، ومناصرة للديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية ودعم القطاع العام وعلمنة الدولة، ضمن الجزء العربي من العراق، سواء تلك الأحزاب والحركات التأريخية التي نشأت قبل العام 2003م أو تلك الجديدة التي تأسست بعده. أما "اليساروية الاجتماعية" فهي افتراض أتبناه عن وجود نزعة "حقّانية" كامنة ومتجذرة بعمق في المنظومة القيمية للشخصية العراقية بسبب تراثها الثقافي العدالوي – دينياً وطبقياً- من جهة، وبسبب سموم الحرمان والظلم والإذلال التي تشبعتْ بها طوال العقود السياسية الخمسة الماضية من جهة أخرى، بما جعلها إلى حد كبير نزعةً عابرة للدين والمذهب والعرق والطبقة والمستوى التعليمي*. إلا أن هذه النزعة النفسية الباحثة عن الإنصاف والعدل لم تعد ترى في اليسار السياسي التقليدي حاضنةً إجرائية لطموحاتها وغاياتها لأسباب سنأتي عليها فيما بعد، فاستبدلته بحاضنة لا دنيوية (لاهوتية) تديرها أحزاب إسلاموية أفلحت في إيهام الناس بأن إشباع حاجاتهم البشرية للأمن والكرامة يتصل "حتماً" بـ"إرضاء" الآلهة لا بعوامل التنظيم الاقتصادي والسياسي للمجتمع. فبدلاً من أن تنتقل بوصلة الثقافة السياسية للعراقيين إلى فضاء العمل السياسي المدني القائم على مبدأي المواطنة والبرامج السياسية المتنافسة، انتقلت تلك البوصلة إلى كهوف التنازع الطائفاني الميثولوجي لاقتسام جثة الدولة ومحو فكرة الوطن بمسميات أساطيرية تتحدى أي عقل سليم لإثبات وجودها أو أحقيتها!
وإذا كان اليسار السياسي العراقي (الشيوعي خصوصاً) قد ظل جذرياً وبطولياً وفاعلاً بنزعته الصادمة للساكن والسائد والرجعي منذ ثلاثينات القرن الماضي وحتى أواخر ثمانيناته، فإن المشهد العراقي اليوم بعد مرور عشر سنوات على لحظة انهيار نظام البعث وبدء الصفحة الكولونيالية الأمريكية الجديدة وما أفرزته لاحقاً من صعود سلطة الدين السياسي في الدولة والمجتمع، يشير بوضوح إلى معلمينِ مغايرين رئيسين:
1- فقدَ اليسار السياسي إلى حد بعيد دوره التحريضي المحرك لأفكار الجماهير وعواطفها وسلوكها، متحولاً إلى منابر إعلامية غايتها تقديم مقولات أخلاقوية فحسب، تحركها طاقة الأمل حيناً وقيم الواجب وروتين التكرار حيناً آخر. 2- بات الجمهور اليساروي الاجتماعي في العراق (الفئات المحرومة خصوصاً) يتيماً وبلا غطاء فكري مُلهِم، إلى الحد الذي نجحت تيارات "دينية-عشائرية" وأخرى "دينية – سياسية" (شيعوية وسنّوية) في استقطابه نفسياً وتبنيه سياسياً وإعادة إنتاجه ايديولوجياً بشكل جمهور لا يرى في مظلوميته الهائلة إلا نمطاً من أنماط العقاب الإلهي "العادل"! ولتحليل أسباب هاتين الواقعتين اللتين تمثلان وجهين لظاهرة واحدة، فلا بد من البحث التحليلي في مجموعتي العوامل الموضوعية والذاتية التي أدت إلى انحسار اليسار السياسي العراقي وفقدانه لمعظم قواعده الجماهيرية المفترض انتمائها إليه على الرغم من أن العراق اليوم يزخر "نظرياً" بكل العوامل التي كان يُنتَظَر أن تمهد لنمو اليسار السياسي وصعوده؛ أي عوامل الفقر والبطالة، والفساد السياسي ونهب المال العام، ومَليَشَة الدولة وأسلمتها، وتقويض البنى التحتية للصحة والتعليم والخدمات، والاضطهاد الجندري، وترويع "الأقليات" الدينية والعِرقية، وتسرطن غير مسبوق لفئات المهمشين والمستضعفين، واحتجاز مجتمع بأكمله خارج الزمن الحضاري داخل معتقلات اليأس والذل والقبح وانعدام الغاية الإنسانوية من الحياة. ولذلك فإن السؤال الجدلي الذي ينبغي أن ينطلق منه التحليل هو: أين يكمن الاعتلال؟ في أحزاب اليسار أم في الجماهير أم فيهما معاً؟! الاعتلال الذاتي لليسار السياسي العراقي للتغير الاجتماعي البنّاء قوانينه المكتشفة وغير المكتشفة. وواحدة من أبرز المقدمات التي تهيء لهذا التغيير هو إن الناس يبدأون بالتفكير على نحوٍ أكثر عقلانية من ذي قبل بأسباب ظروفهم البائسة، وأشد بعداً عن الوعي الزائف بالأحداث المحيطة بهم. ولذلك فإن أسمى مهمات اليسار السياسي في زمن الانهيارات الاجتماعية العاصفة – كأوضاع العراق الحالية- هي تحريض الناس أولاً على كشف الأوهام الفكرية والسياسية التي تقيد حياتهم، ومن بعدها حثهم للتحرك ضدها لتقويضها وإقامة البدائل العقلانية بوسائل التغيير المتاحة ابتداءً من صناديق الانتخاب وانتهاءً بالاحتجاجات الجمعية. ولكن ماذا لو كان اليسار السياسي نفسه يعاني اعتلالاً بنائياً ووظيفياً في أدائه؟! بهذا المعنى، لا يمكن غض النظر عن وجود أزمة "معرفية – سلوكية" جدية في العقل السياسي لحركات اليسار العراقي، دون أن يعني ذلك إنكاراً للمُثُل الأخلاقية السامية التي تنطوي عليها نوايا هذه الحركات. إلا إن كل أشكال الارتقاء الاجتماعي عبر التأريخ لم تصنعها النوايا الطيبة ولا المواعظ المنبرية، بل خلقها تراكم الوعي الاجتماعي الشعبوي المعارض مسنوداً بحركات سياسية جذرية امتدت من الإصلاحية الهادئة إلى الثورية الصادمة. وإجمالاً، يمكن تشخيص الأزمة الذاتية في عقلية اليسار السياسي العراقي بمجموعة من الخصائص المتداخلة والمولدة لبعضها، والتي تنطبق على التنظيمات العاملة داخل العراق أو خارجه على حد سواء، دون إنكار لوجود حالات استثنائية فردية يمكن أن تشذ عن هذا التحليل إذ أن وجود أفراد يساريين نبويين متعافين لا يتعارض مع وجود اعتلال بنائي عميق في مجمل الحركة اليسارية. فالتحليل الحالي يتجه إلى الظاهرة الإجمالية الشاملة و يستثني الحالات الفرعية الثانوية؛ كما إنه يتجه إلى تشخيص الخصائص وتوصيفها أكثر من تحديد أسبابها إذ تتنوع التفسيرات والتأويلات في منطلقاتها التخصصية ما يستلزم دراسةً أخرى منفصلة. وهذه الخصائص المؤلفة للأزمة الذاتية هي: 1- انحسار النزعة الجذرية (الراديكالية) في التفكير السياسي والعمل التأثيري في الجماهير:
لا يقصد بهذه النزعة الجذرية أن تكون نزعة عنفية أو تطرفية غير واقعية بالضرورة، بل هي اتجاه معتقدي بحتمية إحداث التغيير الاجتماعي واعتماد المواجهة الايديولوجية، بديلاً عن تبني الخيارات الوسطية والمساومات السياسية. وطبقاً لهذه النظرة، يمكن للمثقف الليبرالي أن يكون جذرياً في مفاهيمه وسلوكه فيما يمكن للشيوعي الحزبي أن يكون تساومياً في أدائه الفكري والسياسي. فالأمر يتعلق بالولاء العميق والعملي لفكرة التغيير الجذري والكفاح من أجلها، لا بولاءٍ شكلي لألفاظ ومقولات غدت جوفاء من كثرة تكرارها المنبري. وإذا كانت بعض حركات اليسار العراقي ما تزال محتفظة بالروح الراديكالية الرافضة، فإنها من جانب آخر انغلقت على نفسها عقائدياً ومكثت أسيرة لتصورات مغلقة ومقولات كلاسيكية رغبية عن أساليب التغيير وإمكانياته، ما أفقدها قدرة التأثير الموضوعي في الجماهير من جهة، وعزز لديها على نحو مَرَضي أعراض النرجسية السياسية من جهة أخرى.
وقد أدى انحسار هذه النزعة الجذرية بالنتيجة إلى نمو ثلاث خصائص فرعية متزامنة في سيكولوجيا اليسار السياسي العراقي:
أ- إنه بات في مجمله مصاباً بـ"قلق المواجهة المباشرة مع الإسلام السياسي"، إذ صار منظّروه أو زعماءه يرغبون بتجنب الصراعات السياسية المحتدمة، وعدم تصعيد الأحداث، واللوذ بالمواقف النقدية الوسطية "الدبلوماسية"؛ وكأنهم بذلك يأمنون أي توترات نفسية باتوا غير قادرين على تحملها ما داموا لا يجدون لها مبرراً عقائدياً أو أخلاقياً كافياً. وقد أدى "قلق المواجهة" هذا إلى احتراق أعز أوراق اليسار السياسية قاطبةً، وهي تخليه عن قدرته التأريخية على إظهار السلطة الفاسدة بأنها فاقدة للشرعية المجتمعية والسياسية. فعقلية اليسار العراقي الحالي أخذت تتجه لقراءة التأريخ على إنه مباراة انتخابية رقمية أكثر منه قوانين صراعية تتطلب التفتيش عن المواجهة الدائمة مع الظلم الاجتماعي دون التخلي عن التبشير بالديمقراطية قيماً وآليات. ب- أفضى ذلك إلى غموض أو تضبب في ملامح الهوية السياسية لليسار إلى حد الفقدان والغياب حيناً، أو التداخل في أحيان أخرى مع هويات سياسية مغايرة في منطلقاتها وغاياتها. فأصبح أمراً مألوفاً على سبيل المثال أن تقرأ تصريحاً لزعيم يساري يناقش أزمة الحكم في العراق، فلا تجد اختلافاً حقيقياً بينه وبين تصريح آخر لزعيم ثيولوجي طائفي يناقش الأزمة ذاتها، إذ تتشابه التوصيفات والمصطلحات والتشخيصات حد التماهي في بعض الحالات. ج- نشوء وهم لدى اليسار السياسي بإمكانية التأثير إيجاباً في أحزاب الإسلام السياسي الحاكمة من خلال الاقتراب منها لتخفيف نزوعها الطائفاني اللامدني وتحفيز عناصر التطور "الوطني" في أدائها. ويعكس هذا الوهم تفكيراً رغبياً أكثر منه تحليلاً علمياً لبنية الدين السياسي ولعموم التطور السوسيوسياسي في العراق. كما يعكس نزوعاً ماسوشياً لا شعورياً للتوحد بالمعتدي تجنباً لشروره وساديته. 2- اتساع ظاهرة "اليسار اللفظي" بدل "اليسار السلوكي": أصبحت البيانات والمقالات والحوارات الإعلامية الرتيبة والندوات العامة ذات المضامين المكرورة المعدّة سلفاً، بديلاً عن التفكير السياسي الإبداعي لإنتاج أنماط جديدة من أساليب التأثير الإيجابي في حركة المجتمع. ويلاحظ أن ثمة إدماناً لدى بعض قادة اليسار على الظهور الإعلامي العقيم في مقابل غياب تام لأي مخيال سياسي لديهم لكيفية تحفيز عوامل التغيير في السلوك الاجتماعي. فأصبح العمل السياسي بمجمله وسيلة فردية لـ"إرضاء الذات" و"إسقاطاً لفروض"، متخذاً سياقات روتينية شكلية ذات طابع احتفالي أو احتفائي أو مهرجاني أو إعلامي، غالباً ما تنتهي بعبارات نمطية لا تتبدل، ليُشطَب يوم سياسي آخر من روزنامة الخواء السياسي. وبالنتيجة، تراجعت سيكولوجية المثابرة والنفس الطويل والتأسيس للغد بأدوات اليوم، وانحسر الدافع لإعادة تجديد الحلم اليساري بالتغيير، وتحولت الأفكار الجذرية النابضة بالحياة إلى ألفاظ يجري تداولها وتحريكها "أخلاقياً" و"مهنياً" كأحجار رقعة الشطرنج. كان العالم البشري على الدوام مكاناً قابلاً للتغيير بفعل أحلام اليقظة اليساروية التي لم تنقطع عبر التأريخ؛ لكن اليسار العراقي ما عاد يحلم اليوم لا في يقظته ولا في منامه، إذ فَقَدَ غريزة الإيمان "الديني" بالمستقبل، وصار مكتفياً بطاقة الأمل، ونوستالجيا الأمجاد القديمة، ونداء الواجب، وميكانيكية الأداء اللفظي. ولكل ذلك أسبابه الموضوعية المتصلة بكل من خصوصيات الوضع العراقي ومستجدات التطورات السيكوسياسية في عموم الكرة الأرضية، وهو ما لا يتسع المقام للخوض فيه الآن.
3- اعتماد النزعة التبسيطية في تحليل وتفسير الوقائع السياسية والاجتماعية: تتضح هذه النزعة بالاتكاء "المريح" على مسلمات نمطية ورؤى أخلاقوية مألوفة (كثنائيات الظلم والعدل، والتقدمية والرجعية)، والتجنب شبه التام لممارسة التفكير الجدلي بالعزوف عن تحقيق أي اتصال منظم ببنية العلوم الاجتماعية والأكاديمية، لا سيما علوم السياسة والاقتصاد والاجتماع والنفس. كل هذا يمكن توصيفه في إطار "الانغلاق الذهني" و"التجنب المريح لصعوبات التجديد". فكانت النتيجة هي استمرار عزل اليسار العراقي لنفسه عن دائرة واسعة من الاختصاصات الأكاديمية والمباحث المعرفية، مؤسساتٍ وأفراداً، مكتفياً برؤية محدودة لحركة العالم بما تعنيه من إغفال جدي لعناصر الصراع والتطور والتغيير. 4- العجز عن تأسيس تحالف يساري واسع: باستثناء تحالفات محدودة التأثير قامت في الغالب لأغراض انتخابية لم يحالفها النجاح، فإن حركات اليسار العراقي فشلت خلال السنوات العشرة الماضية في توحيد جهودها لتأسيس تحالف واسع وعابر للايديولوجيات الفرعية يستهدف تقديم أنموذج فكري وسياسي متماسك لمخاطبة الرأي العام والتأثير بخيارات الناس العقائدية والعاطفية بنسبة معينة. ويعزى هذا الفشل إلى أن هذه الحركات في مجملها تعاني من تصورات واتجاهات عدائية نحو بعضها البعض، يمكن اختزالها ضمن تسمية "متلازمة أعراض تفكك اليسار العراقي"، والتي تتحدد بالآتي:
أ- الشك المَرَضي (البارانويا) بنوايا بعضها حد التسقيط السياسي والاتهام بالعمالة والخيانة، على الرغم من التشابهات بل والتماثلات في المنطلقات الايديولوجية الأساسية لبعض هذه الحركات. ب-الافتقار للقدرة على العمل السياسي الجمعي، بما يتضمنه من ضرورة تقديم المشتركات على الاختلافات، ومن توظيف التفكير النقابي التضامني في الحياة السياسية، ومن إعلاء المصلحة العامة الثابتة على المنافع الذاتية المؤقتة. ج- نزعة "احتكار الحقيقة" تحليلاً واستشرافاً، والتقوقع ضمن نرجسية الفكر و"معصومية" الأداء، إلى حد إقصاء الآخر اليساري في بعض الحالات بوصفه أشد "خطراً" على قضية الجماهير من الأعداء الفكريين التقليديين. د- شخصنة الاختلافات الفكرية إلى درجة بروز العدائية القاسية في نمط العلاقات المتبادلة بين الأفراد من ناحية، وإسقاطهم لعقدهم النفسية التكارهية وخبراتهم الانفعالية السلبية المسبقة على أدائهم السياسي تجاه بعضهم من ناحية أخرى، ما أحال العمل السياسي في بعض جوانبه إلى مستنقع للتطهر السيكولوجي الأخرق. هـ- استمرار النزعة "الصنمية" الولائية حيال الزعامات متقدمة السن، إذ يستمر الحديث عن "ديمقراطية" حزبية داخلية تعيد إنتخاب هذه الزعامات على مدى عقود من الزمن دون تجديدات حقيقية في الهيكل التنظيمي والرؤيوي ما انعكس سلباً على قدرة تلك الأحزاب لتجديد طروحاتها وأساليبها وسط عالم شهد تغيرات نوعية وكمية هائلة؛ فضلاً عن إن هذه النزعة الصنمية الطاردة للزعامات الشابة أجهضت النزعة الجذرية لليسار وغذّتْ الأداء البيروقراطي القائم على النفعية والمحسوبية والشللية، الأمر الذي أسهم في إفشال إمكانية تأسيس تحالفات ستراتيجية فاعلة بين حركات اليسار.
5- بروز نزعة فكروية تبريرية متعالية: برزت هذه النزعة لدى فئات عديدة من اليسار العراقي لإبراء ذمتهم من تهمة ضعف الأداء أو انحسار الفاعلية، بتوجيه اللوم إلى الجماهير وتحميلهم مسؤولية الوعي السياسي المتدني، ووصمهم بالجهل الثقافي بحقوقهم. فالناس طبقاً لهذا المنظور لا يريدون الاحتجاج والتغيير بل يريدون الاستمتاع بعذاباتهم والتسليم بأقدارهم وتسويغ مظالمهم؛ فماذا يفعل اليساريون حيال هذا "التخلف" المجتمعي؟ فالضحية أصبحت هي المُلامة، وما عاد بالإمكان تغيير العالم ما دام أصحاب التغيير (أي الناس) أنفسهم يقاومونه؟!
6-الطائفية السياسية اخترقت ساحة اليسار: وجدت الطائفية السياسية ببعديها المذهبي والعِرقي، امتداداً لها إلى حد ما ضمن ساحة اليسار العراقي، إذ أعاد عدد من اليساريين تصنيف هويتهم السياسية علانيةً متأثرين بالاستقطاب الإسلاموي والعِرقوي، ما أحدث عجزاً جدياً في قدرة تيارات يسارية (ماركسية وقومية) على الاستمرار بنهجها الفكري المدني العابر للهويات الفرعية. وفي حالات أخرى، وجدت هذه النزعة الطائفانية الاحتمائية جذوراً لها كامنة ولا شعورية وغير معلنة في شخصيات أفراد يُحسَبون على اليسار السياسي، ما خلق توترات تنظيمية وصراعات إقصائية حول مسألة الموقف من أحزاب الإسلام السياسي بمذهبيها المعروفين.
الاعتلال الموضوعي لليسار السياسي العراقي
حينما أتيحت فرصة تأريخية لليسار العراقي بالبروز العلني من جديد في الساحة السياسية بعد الاحتلال الأمريكي وانهيار النظام البعثي 2003م، فوجيء بتركةٍ اجتماعية بائسة خلّفتها الحقبة الفاشية السابقة لا سيما على صعيد شخصية الفرد العراقي الخارج لتوه من دخان ثلاثة عقود قضاها في رعب وإفقار وموت وذل. وبافتراض أن النزعة اليساروية الاجتماعية كانت ما تزال آنذاك تؤلف جزءً مهماً من شخصية ذلك الفرد في لحظة التغيير تلك، إلا أن خصائص هدمية أساسية أخرى هي نتاج سنوات الاستبداد ظلت تمارس فعلها في ذهنيته وسلوكه، يمكن اختزالها بالآتي: 1- ترسيخ "العجز المُتَعَّلَم" فردياً وجمعياً: استؤصلت فكرة "المبادرة" من ذهن الفرد العراقي، إذ أفلحت سلطة سلطة البعث في التوغل إلى أدق تفصيلاته الذاتية لتستوطن هناك بديلاً عن عقله، بوصفها (أي السلطة) "الحارسَ" الذي يحدد ويفكر ويقرر كل شيء في حياته. فصار ممنوعاً عليه أن يبادر بأي فعل أساسي إلا من خلال السلطة، فحتى حصوله على طعامه اليومي المحدود بات مرهوناً بـ"البطاقة التموينية" الصادرة عن "حكمة" القائد لمقارعة قرارات مجلس الأمن؛ إلى جانب محو الذاكرة السياسية التعددية للمجتمع وجعلها مقتصرة على "فكر" القائد بوصفه الاحتمال الوحيد لأي توجه سياسي يمكن أن يطرأ في ذهن الفرد، فكل ما عداه يعدّ خطيئة أو خيانة! أدى كل ذلك إلى تأصيل العجز وتجذيره في أعماق الفرد العراقي إلى الحد الذي فقدَ فيه قدرة التحرك الذاتي أو الجمعي في أغلب مناحي الحياة حتى لو كانت كل الاحتمالات والنوافذ مشرعةً له. فأدمنَ وصمةَ أن يكون هناك دوماً من ينوب عنه في اتخاذ قراراته ذات الصلة بحياته المشتركة مع الآخرين. وهذا ما يمكن أن يُصطلح عليه بـ"سيكولوجيا الرهينة". وإذا كانت هناك مؤشرات بانت في الأسابيع الأولى التي أعقبت التغيير في نيسان 2003م بأن ثمة شروعاً اجتماعياً واعداً للتخلص من أغلال اليأس المتراكمة، فقد سارع العقل الأمريكي المحتل إلى الاستعانة بتكنيك "مجلس الحكم" الطائفاني ليعيد ارتهان العقل العراقي بقيودٍ أشد تجريداً وغموضاً من ذي قبل. فأعاد إنتاج العجز المُتَعَّلَم ولكن بعد أن أعاد توجيهه من هدفٍ مرعب وملموس ودنيوي هو "القائد" و"الحزب" إلى هدف "مقدس" وافتراضي وماورائي هو الله والأنبياء والأئمة والخلفاء والأولياء. فانتقلت الميتافيزيقا المجتمعية من القومنة إلى الأسطرة، وأمسى الفرد العراقي مرة أخرى ينتظر من السماء أن تحدد له كل شيء حتى أزياءه وقصة شعره، ناهيك عن قادته السياسيين الذين "لا بد" أن يسارع لانتخابهم مهما كان مدركاً لفسادهم عسى أن يحققوا له الظفر بـ"جائزة" ما بعد الحياة. هذا التحكم الأمريكي العاصف والواعي بصنع الحدث السياسي ومآلاته، لم يَتِحْ أي إمكانية لأحزاب اليسار العراقي لالتقاط أنفاسها للتأثير ولو جزئياً بسيكولوجيا الفرد العراقي الذي دُفِعَ دفعاً نحو امتلاك وعي زائف جديد ممثلاً بتغليب هويته المذهبية والعِرقية في لحظة مصيرية تصارعت فيها كل الهويات على جثة نظام سياسي وِلِدَ من رحم العسكريتاريا الأمريكية ليحتكر سوسيولوجيا العراق في بضع مفردات شمولية استغرق التصريح بها أكثر من ثلاثين عاماً. وهكذا ورث اليسار العراقي مجتمعاً ذا بنية ذهنية سياسية لاعقلانية، يمتزج فيها الرعب بالعجز واليأس والتسليم، وتختلط فيها الحرية بالنزعات الماسوشية والأوهام والأساطير. ومع كل ذلك، فالمجتمع العراقي علماني النزعة، ويساروي التوجه، وسريع التكيف والتعلم، وكثير النقد للسلطة، وميال إلى تذوق الجمال والخبرات الحسية، ومنفتح على المستجدات الحضارية. ولذلك فإن مهمة اليسار العراقي اليوم ليست مستحيلة، فأسمى ما يمكن أن يخطط له هو السعي لتفتيت العجز المُتَعَّلَم في الشخصية العراقية، وهذا يتطلب منهجاً سياسياً ابتكارياً تمتزج فيه الخبرات التنظيمية بمكتشفات العلوم الاجتماعية لاستخلاص التكنيكات السياسية اللازم اتباعها لتفكيك قضبان السجن الجاثم في أعماق الرهينة العراقية. 2- شيوع التدين الزائف: نجحت الأسلمة السياسية في العراق بتقويض حق التدين الجوهري (الناضج) لدى الفرد العراقي، واستبداله بمنظومة مزيفة من الفتاوى والطقوس والأساطير والمصالح اللاهوتية التي أتاحت لرجالات الأسلمة أن يحلّوا محل الله في هرم العقيدة الدينية. فنجحوا في إيهام الناس أن العدل الاجتماعي عملية إلهية لا بشرية، ولأنها إلهية فيجب على "المؤمنين" أن ينحازوا لأحزاب مذهبية يمثل الولاءُ لها "ولاءً" للله. وهنا، وبسبب انتشار هذا التدين الزائف، خسر اليسار العراقي أهم عناصر القوة الفكرية التي لطالما اعتمدها للتأثير في الجمهور وتحريكه خلال الحقب السابقة. يقوم هذا العنصر على بديهتين: أ- إن استعادة العدل وإعادة توزيع الثروة وتطوير الحياة الاجتماعية وإعلاء الكرامة الإنسانية ليست إلا نتاجاً مدنياً لجهود بشرية جمعية صرفة. ب- إن التدين ليس إلا سلوكاً معرفياً وأخلاقياً مشروعاً، ولكنه لن يزيد أو يقلل من درجة "تدخل" الله في شؤون الناس لإقامة العدل في حياتهم. ولذلك فإن استعادة اليسار العراقي لجمهوره التقليدي من الطبقتين الدنيا والوسطى، والذي انجرف نحو الولاء لتيارات إسلامية شعبوية على رأسها التيار الصدري، تبقى مرهونةً بتكتيكين سياسيين متزامنين: السعي لإقامة كتلة تأريخية تحالفية غير اندماجية مع قواعد التيار الصدري من جهة، مع التوكيد المستمر من جهة أخرى على هوية اليسار المستقلة بإصراره على التبشير بأن لا صلة موضوعية طردية بين التدين وتحقيق العدل الاجتماعي، وهو اتجاه فكري بات مستساغاً إلى حد ما داخل التيار الصدري نفسه. إن هذه الرؤية تنطلق من فرضية أن التيار الصدري لا يمكن تصنيفه ضمن أحزاب الإسلام السياسي النهمة للسلطة، بل هو تيار إسلامي اجتماعوي تغلب فيه النزعة الشعبوية الطوباوية المطلبية إلى حدٍ جعله يغدو منطقة فكرية وسطى بين اليسار العلماني والإسلام السياسي. وهذا ما يتطلب تحليلاً علمياً مستفيضاً يجريه اليسار العراقي لبنية الظاهرة الصدرية والكف عن التعالي الثقافوي عليها.
3- تدهور الثقافة السياسية للفرد العراقي: كانت النتيجة المباشرة والمنطقية لترسيخ العجز المُتَعَّلَم وتجذير الارتهان وشيوع التدين الزائف في الحياة العراقية، هي انحدار عمودي في مستوى الثقافة السياسية لدى الفرد. ومن بين أهم مظاهر هذا الانحدار ما يأتي:
أ- انتشرت "العدمية السياسية" Nihilism Political و"الكلبية السياسية" (أي النزعة التهكمية المتطرفة) Cynicism Political بشكل متزامن مع ولاءٍ لاعقلاني لرموز سياسية فاسدة. فأصبح مألوفاً أن يلعن الفرد العراقي الواقع السياسي بكل شخوصه ومؤسساته ويصفه بالانحطاط وانعدام القيمة ويتمنى زواله، وأن يزدري كافة التيارات السياسية المتنفذة ويرتاب فيها ويشكك في نزاهتها ويسخر منها ويساوي بينها في الخطيئة والفساد، ثم يسارع بعدها لانتخاب مرشحين معينين فاسدين في نظره على أساس مذهبي أو عشائري أو مناطقي بحثاً عن أمن نفسي زائف يوفره له هذا السلوك القطيعي. ب-بات الفرد العراقي يسب "الديمقراطية" ليل نهار عازياً لها أسباب الانقسامات المجتمعية وفقدان الأمن وانهيار الخدمات، متطلعاً من جديد إلى مستبد "عادل" طال انتظاره. وهو بذلك يقرن إدراكياً بين آليات الديمقراطية واعتلال الحياة السياسية، عاجزاً عن التمييز بين حقه المبدأي في الكرامة وحرية التعبير والاختيار وبين فساد السلطة ولا ديمقراطيتها. ج- وبالنتيجة، جرى تقويض القدرة على التفكير السياسي الجمعي وما يمكن أن يتبعه من سلوك احتجاجي جمعي، إذ تدهورت توقعات الفرد العراقي عن فاعليته السياسية، وما إذا كان قادراً حقاً أن يسهم في توجيه دفة الأحداث في بلاده ولو في نطاق نقابي أو مطلبي محدود. هذا الاغتراب السياسي يمثل أقصى مؤشرات اللاأبالية والعزوف اليائس عن الالتحاق بالفعل السياسي الجماهيري الهادف إلى التغيير والإصلاح، وهو ما اتضح بجلاء في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة في 21 نيسان/ إبريل الماضي، التي انخفضت فيها نسبة المشاركة السكانية إلى معدلات غير مسبوقة، إذ وصلت في محافظة بغداد مثلاً إلى 33% فقط من مجموع من يحق لهم التصويت. ومع ذلك، وإلى جانب كل هذه التردي في الثقافة السياسية، أمسى الفرد العراقي يمتلك وعياً تفصيلياً بماهية الفساد السياسي والمالي في بلاده، وبلا مشروعية نظام الحكم الحالي، وبالآفاق المظلمة التي تنتظر العراق في حال استمراره، ولكنه وعي ما يزال مكبلاً ياليأس والعدمية. من هنا تتضح أهمية الدور الذي يمكن تؤديه أحزاب اليسار في إدامة وتطوير هذا الوعي السياسي المتنامي، وتقديم أنموذج يساري عملي ملموس عن جدوى الاحتجاجات الجمعية ووسائل الضغط السياسي السلمية في تحقيق منجزات ذات مردود مشترك لكل الفئات الاجتماعية، إذ أن إعادة الثقة للفرد العراقي بفاعليته السياسية وقدرته على التأثير تشكل حجر الزاوية في إعادة ترميم الثقافة السياسية بوصفها مفتاح التغيير والإصلاح؛ وهي مهمة تتطلب من اليسار إعادة تبنيه للنزعة الجذرية غير المهادنة في إدارة كفاحه السياسي.
صـنمية أم تجـديـد؟!
إن امتزاج عناصر الاعتلال الذاتي بعناصر الاعتلال الموضوعي لليسار السياسي في العراق، يفيد بأن جدلية العجز والأمل خلال السنوات العشرة الماضية ظلت فاعلةً لدى أحزاب اليسار ولدى الجمهور ذي النزعة اليساروية الاجتماعية على حد سواء. وبتعبير استنتاجي، لا يجوز لليسار السياسي "العاجز" موضوعياً أن يغفل عوامل الأمل والفاعلية الكامنة في سيكولوجيا الجمهور اليساروي النزعة، كما لا يجوز لليسار السياسي "العاجز" ذاتياً أن يستسيغ أو يؤبّدَ فكرة الفشل، إذ كثيراً ما كان الحراك الاجتماعي كفيلاً بإصلاح الترهلات الايديولوجية للنخب السياسية أثناء مفاصل التأريخ الكبرى. فتجارب عالمية كثيرة أعقبت الحقبة السوفياتية تشير إلى أن إصلاح الحركات اليسارية كان غالباً ما يبتديء من داخلها حينما تسود ثقافة "الاستقالة" و"التجديد"، وتغيب ثقافة "الوصاية" و"المعصومية". ويساريو العراق ممن أمضوا أكثر من عقدين من الزمن في مواقع حزبية قيادية، مدعوون اليوم لتقديم استقالات شرفية جماعية من هذه المواقع، والعودة إلى العمل السياسي أو الثقافي أو النقابي في مواقع أدنى إذا رغبوا، لفسح المجال لإعادة نظر شاملة بكل الهيكلية الايديولوجية والسياسية والتنظيمية لأحزابهم، بما يتيح الفرصة لصعود قيادات شبابية لهم خبرتهم وتأريخهم ومآثرهم. فالخسارة ستكون أكبر من الخسارة الحالية، والعجز سيكون أشد من العجز الحالي، إذا لم يغتنم اليسار السياسي فشلَ أحزاب الإسلام السياسي في العراق بعد عشر سنوات من الحكم في تقديم أي أنموذج متماسك لدولة تمتلك حداً أدنى من المقبولية الشعبية، ليسارع (أي اليسار) لتقديم أنموذجه الكارزماتي الخاص عبر تجديده لشبابه الفكري والتنظيمي. اليسار السياسي العراقي يواجه اليوم أزمة وجود ومصير، في مقابل يساروية اجتماعية خسرها لصالح كهنةِ السياسة مؤسطري الحياة. ويبدو أن لا حل مُجدي أمامه سوى أن يبدأ فوراً رسالة التجديد شكلاً ومضموناً. فحينما يصير اليسارُ تقليدياً ورتيباً وروتينياً يفقد يسارويته المتوهجة ويصير يميناً خابياً. فمغزى هذه النزعة البشرية اليساروية المستوطنة في كل المجتمعات، شعبوياً ونخبوياً، إنها كانت على الدوام المترجمَ السلوكي لفلسفات التغيير عبر التأريخ. وهذه الترجمة السلوكية لم يصنعها إلا امتزاج الإقدام بالمجازفة والتجديد دون تطيّرٍ من ارتكاب الأخطاء؛ وكلها من خصائص العقول الجذرية غير المُصَوْنَمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * "اليساروية الاجتماعية" لا تقتصر على المجتمع العراقي، فهي نزعة عقلانية كامنة في الشخصية الاجتماعية في أي بلد، وهي تمثل الوعاء النفسي لنشوء اليسار السياسي بحركاته وأحزابه الايديولوجية. ولذلك فهي مفهوم يستحق التوسيع ليكون ظاهرة سيكوسياسية بشرية مشتركة عبر الثقافات، إذ تتوافر مؤشرات سلوكية ملموسة على أحقية افتراض وجود هذه الظاهرة، منها: السعي البشري المنتظم عبر العصور لتقييد الاستغلال وشهوة رأس المال ولترسيخ المزيد من مكتسبات العدل الاجتماعي في أطر قيمية وتشريعية؛ فضلاً عن الانتقال المستمر في الوعي السياسي للفرد عبر التأريخ من التسليم بسلطة الاستبداد والوصاية إلى التسليم ببديهية الحرية والديمقراطية. وفي مقابل اليساروية، تقف نزعة يمينوية لاعقلانية أخرى تسعى إلى "العدل الاجتماعي" بطريقتها الخاصة، كتيارات الأدينة السياسية والجماعات الفاشستية والحركات القوموية العنصرية، والتيارات المحافظة المروجة لمشروعية احتكار الثروة ووسائل الانتاج.
|