لا شك ان الإنسان والزمان والمكان والأشياء تبدو أكثر كثافة في الشعر والفنون ، وأكثر رهافة كذلك ، لسبب مهم يتعلق بقدرة الفنان كما يؤكد بروست على ان يضعنا في حالة ذهنية يشتد الإحساس بها ويتزايد عشرة أضعاف ما هو عليه في الواقع ؛ وبهذه الكثافة تصبح الكتابة مثيرة لنا كما يثيرنا الحلم ، ولكنه حلم أكثر جلاء وابعد أثرا من تلك التي تراودنا في النوم . بهذه الرؤيا فتح الشاعر طالب عبد العزيز لوحته الفنية في مجموعة " الخصيبي ، دار الشؤون ، بغداد ، 2012 " ورسم عليها كونا بالغ الكثافة والألق والخضرة ، وواضح المكابدة كذلك ، كوناً كان في الواقع يدعى (أبو الخصيب) وصار في المجموعة يسمى شعرا ، وتلك بداية اللعبة ونهايتها كذلك ؛ فالشاعر يتقن اللعب باللغة ، يواشج غيابها بالحضور ، يقبل على المتناقضات فيقهر تنافرها محولا إياه لجمال هو جمال التنافر ، وهو قبل ذلك يعرف ، يعرف الإنسانية في طفولتها وبراءة طرقها قبل أن تسوّى بالحجارة والرمل الصلد والحديد المنحني أضلعا على الجسور حيث بدأت المكيدة وحل الفصل بين الإنسان وأمانيه الجميلة وبين الإنسان والإنسان . فالحجارة والحديد مواد زمنية لم يكن لها التشكل دون مرور حقب على الإنسان مكنته من بلوغ صلابة المواد التي ما انعزلت – حين تسود - يوما عن صلابة المشاعر ، وما تشبيه الحديد بالأضلع إلا إشارة بعيدة لتشبيه مقلوب جرى على أضلع تنحني على موطن الشوق والأسرار ، إنه يختار من اللغة مفردات تساعده على الإخفاء ، مفردات يخفي فيها شخوصه ودلالاته ، فهو يلعب بالاسم الموصول (مَنْ) الذي كرره سبع مرات ليعود إلى حرف الجر (مِنْ)لتلعب حركة حرف الميم لعبة ماهرة هي واحدة من أسرار العربية اذ تحوِّل الحركةُ المفردةَ شكلا ودلالة من الاسمية الى الحرفية ومن التشخيص الى التبعيض وهي في تبعيضها مع المجرور بها ومتعلقاته تفسر الاسم الموصول في تواتر تشكيلي : كنت اعرف مَن دخل الغابة مَن انفق فحولته هناك مَن اكتفى بالسعف سقفا لبنائه مَن امن برغيفه اليابس أعرفهم جميعا , ثم يوضح بحرف الجر (مِن) كيف تمت عملية المعرفة الشمولية : مِن الثبات والترنح .. مِن الخلوة والامتلاء .. مِن العز والحاجة والظفر بالوقت مِن التراب لغة العابرين على الفناء . إنه يختار حرف الجر (على) بدقة صوفية ، فالحياة هي الفناء الذي يعبرون عليه نحو البقاء: أعرف ذلك كله ، أعرفه لكأني أنظر في باطن كفي .. مؤكدا بما يقطِّع من صور ومعارف عبر المونتاج والحيل السينمائية الأخرى أن المعرفة ضرورية للشعر وجمالياته كونها النبض الذي يتوهج في عروقه ؛ لأنه ينهض بها في قمة نضجها الداخلي وقد استوت عبر زمنيتي الامتصاص والتحويل ، لكنه لا ينسى اللبس الذي يلازم المعرفة الإنسانية ولا طبيعة القصور الكامن فيها فيختتم المقطع بقفل تمويهي يتخفى بفن : لكأني أنظر في باطن كفي .. فالموجود الذي أشار إليه الشاعر لا يعطي إلا ظواهره المتاحة ، أما الكشف عن سرِّ وجوده فذلك هو السر ، باطن الكف متاح للنظر ، قريب من الرؤية المباشرة ، واضح الخطوط في بنيته الأفقية ، خطوط عمودية ، خطوط مائلة ، خطوط منحنية ، خطوط متباينة الطول والتوجهات منها ما هو عميق محفور في راحة الكف ومنها الدقيق الشفاف ، لكنْ من يدعي انه يستطيع قراءة هذه الخطوط بالدقة المعرفية ..؟ علماء النفس ، قارئو الكف ، العالمون بأسرار المستقبل ..؟ الحقيقة أنهم جميعا يخمنون ومن خلال الحدس والسيمياء يحاولون ، فلا معرفة يقينية بباطن الكف ، باطن الكف قابل للتوصيف ، لكنْ ما بين التوصيف والتأويل بونٌ شاسع . من هنا تأتي سرّانية الشعر والفنون ومن هنا يضمر الشعر حرمانه من القدرة على الإمساك بالسر ويضمر فقدانه الطاقة على صياغة المعنى المستحيل الذي يهفو لتحققه في القصيدة ، ولذلك كان الألم والحنين ثاويا في تلافيف لغته ، لكنه يظل يعيش المحاولة في كل مرة من جديد ، وبشكل جديد متطلعا لصياغة كينونته الملتفة هي الأخرى بغلائل الغموض ، ومن هنا تنهض مكابدة الشعر والشاعر ، إنه يحتاج لتثوير وعيه وتفعيل طاقاته ليكون قادرا على تثوير وعي الآخرين وخلق القدرة فيهم على الاستجابة لنداءاته الحميمة . إن خيال الشاعر طالب عبد العزيز ، وخيال الشعر الأصيل عموما لا يحضر أثناء الكتابة حسب ، لأنه يعيش التجربة طويلا قبل إنجازها ، يتفاعل معها ، يشتغل بتفاصيلها في طبقات الوعي العميقة أو ما كانت تسمى باللاوعي ، ثم ينتجها بحرية كاملة ، حرية تمارس وعيها في فضاءات حرة ترفض كل أنواع التبعية سواء أكانت التبعية للتدين ام للسياسة أم الايدولوجيا ؛ لأنها حرية نابعة من الداخل وليس من المصطلحات والمفاهيم ، وهو بهذه الحرية يسبر غور الوجود وغور الموجود ويسبر غور ذاته معا ، وهو في مسيرة السبر هذه يكتشف كل يوم جديدا في هذه الاقانيم ليشكل شعره من خلال رؤية تتسم بالقوة والتوازن في بناء القصيدة ، قوة زمنية يستمدها من براءة الخلق الأول الذي أدركه معرفيا حيث النعيم مطلق والحرية شمولية ، والتواصل أثيري دون أعباء تكبله ، وتوازن متأتٍ من التوجه بهذه القوة العارفة نحو البرهة الحاضرة لإعادة تشكيلها فنيا برؤية جديدة بعيدا عن تشنجات الوعي الشقي الذي يعاني منه كثير من الشعراء والفنانين . ان قلة من الشعراء الرجال مَن يسمح للفحولة بالوهن داخل فضاء القصيدة ، ومَن يعطي الأنوثة فضاء المبادرة والتجلي إلا في مشاهد استعراضية تؤكد هيمنة الفحولة في النهاية ، لكن طالب عبد العزيز في قصيدة " امرأة لم ترقص ما فيه الكفاية " يدع لشعريته أن تُقيم جمالها على الكشف حيث يطلع السر باذخا من أردان الحقيقة ؛ لأنه بفنه قادر على تكثيف تجليات أنوثة الكون بامرأة ، ذلك الكون الذي مجد خصوبته عبر قصائد الديوان بحب عارم ، والذي أدان منتهكيه والعاملين على تخريبه وإشاعة الدمار في عروقه جوعا وعطشا وحمى ، أرضا وبحرا وسماء وانهارا ونخلا وحيوانا يعدو ، حتى الأفاعي كان يدعها تستعير من الطبيعة ما ينسج قمصانها من جديد ؛ و كأنه يعوّض الكون عن خسائره في القتل والحرق والتفجير والإبادة ليُغدق عليه الحياة الواثبة بأناقة ، بدءا من طائرة ورقية بيد طفل صغير حتى الجسور المشادة للعبور أملا بوصول يمنح الإنسان حقه بالحياة وبكل الوسائل التي ابتكرها خيال الإنسان معابرَ لأحلام مستحيلة ، إنه هنا يغذي الحياة بمياه الأنوثة الواهبة : كثيرةٌ أنا وشَعري كثيرٌ على السرير ويداي كثيرتان في الغرفة تطوقانك حيثما تكون فأقدم عليَّ بكثير حبك ، تعالْ ودعك من أغنية الأمس لا تردد مقاطعها مع نفسك الشَّعر رمز الثراء والفرح والإغراء ، واليدان عطاء وعطايا وبذل ومكمن فاعلية الحياة وتقدمها ، لكنها تخصهما للعناق تأكيدا لتلاحم لا يؤمن بالانفصال ولا القطيعة ، بعيدا عن اقتسام العالم نصفين ، نصف له ونصف لها وقد خلق موحدا ، وإيمانا بالتواشج وشراكة البذل حيث يمتزج شيء بكل شيء ، فالكون لن يكون مخصبا ولا فاعلا إلا بوجود يتواصل بمن فيه ، وتلك دعوة استنهاض تطلقها الشعرية ليكون الإنسان العارف مخلصا للحظة الراهنة لأنها وحدها اللحظة المتاحة للفعل من اجل خلق ركائز قوية تدفع محاور الحياة إلى أمام وتشيع الفهم ونزوع المستقبل في أركانها : دعك من أغنية الأمس ؛ أغنية الأمس كانت الخطيئة وظلها ، أغنية الأمس جرّتْ على البشرية ويلاتها ؛ إذ غادرت البراءة وسكنت العقوبة ، أغنية الأمس مربكة ومريرة فلا تستسلم لها ؛ كي لا تتوقف عن ابتكار لحظتك الجديدة في أغنية تتصالح بها مع عصر جديد تعيش تفاصيله الآن ؛ فلحظة الحداد ضرورية بين مشوار حزين وزمن آخر سيأتي ، لحظة الحداد محدودة الفترة ولذلك فهي مطلوبة حين تكون فاصلا بين أغنية أفلت وأخرى ستشرق ، وهي ضرورية لأنها تؤشر نهاية ما انقضى معلنة بداية مفعمة بالفعل ، حتى لا يهيمن الحنين ليكون بديلا للإنجاز ، فيغدو خائنا زمنيا بدل أن يكون حافزا لاشتعال البهجة من جديد ، وهي دعوة لرفض زمن الديمومة من أجل زمن يتوهج بتلون لحظاته وتكسر أطيافه والتفافه في الحدث وعليه ، عبر مراوغة فنية تمنح اللعبة مداها . وتبادل المواقع بين الأنوثة والذكورة يشكل فتنة خاصة ، تبادل المواقع يغري بمتابعة اللعبة ، تبادل المواقع في النص لخروجه عن المألوف يغري المتلقي بمتابعة تفاصيل ما يجري ؛ فالخطاب للأنثى ، والخطاب سلطة حسب ميشيل فوكو ، الخطاب في النص سلطة تمارسها الأنثى على الرجل لكن له ومن أجله : أقدمْ ، تعال ، دعك ، لا تتردد . فمتى بدأ الانهيار : كنت باسقا البارحة وذراعاك سعفتان أرأيت كيف كنت سأقع لولا الأريكة لكنت الآن في الجبس ولكنت وحيدا ما تزال .. إنه غير قادر حتى على مجرد الإسناد ، بحيث قامت الأريكة مقامه ، فالاهتمام منصبٌّ على الشيء ، خشبا أو حديدا أو أية مادة ، الشيء احتل محل الإنسان وهيمن على مقدراته بكل ما يمتلك الإنسان من عنفوان ، أليست حضارة شيئية هذه التي نعيشها ، حضارة أداتية أعلت قيمة المادة وتركت الإنسان مشلول الارادة ، خائر القوى . أهو العقل منعزلا عن الروح ..؟ أليست المرأة رمزا للروح والرجل رمزاً للعقل فيما سبق من فلسفات وأفكار ، لقاؤهما مخصبٌ وانفصالهما عقيم ..؟ وفي هذا الانفصال ساد بؤس العالم المعاصر الذي استلبته مادية حضارة الخطر : حزينة أنا ، لأنك بائسٌ وحزين ويؤلمني خصري .. فالشاعر في هذه القصيدة لا يطرح المنهج التقليدي الذي نجده في معظم شعر الشعراء في موضوعة العلاقة بين المرأة والرجل ، تلك التي لا تمنح مبادرة البوح والفعل الا للرجل ، لكن طالب عبد العزيز يسلم زمام المبادرات كلها للأنثى ، وهو لا يمهد لعلاقة واضحة الهدف تسعى نحو مراد جنسي في النهاية ؛ بل يطرح علاقة إشكالية تعاني من معيقات جوهرية غامضة ، وبمهارة شعرية يقدم لنا النصَّ متوترا منذ عنوانه ؛ فالمرأة التي لم يُتح لها أن تكمل رقصتها امرأة تعاني من تشنج إن لم تبحْ به فهي تضمره ، وهي في إضماره تبذل جهدا نفسيا مضاعفا يرهقها ، لكنها بالرغم من ذلك تبقى متماسكة في النص ، بل وتحمل عبء عجز الرجل على كتفها إشارة لقدرتها على الاحتواء ، لكننا في كل ذلك لا يمكننا الإغضاء عن خيبة أخرى مضمرة تعاني منها ، هي عدم قدرتها على معالجة ذلك العجز بالرغم من مقدرتها الظاهرية ، وفشلها في تفعيل عوامل الإيجاب لديه بالرغم من حاجتها الماسة لحضوره . والشاعر إذ يمنح المرأة فرصة تشكيل شعرية النص فهو يستمد من حركيتها لذة النشوة لأنه ببوحها يكشف عن دواخلها ، ليس من أجل حكمة الكشف أو كشف الحكمة ، لكن للتأسي مما هو فيه ، ببوحها يعرفها أكثر ، ببوحها يستقبل عطاياها فيصغي وهي تمنح على مهل ، إذ هي في تواصل الخطاب تكشف عن جسدها كذلك لحظة المنح له ، وتدون رغبتها فيه : - وسمحت لك بأكثر من قبلة - غير أن عطرك سوط الرجولة الأبدي كان أقوى فصفحت عنك إنها إنسانة مقتدرة ، ، تفكر وتصنع قرارات فتسمح وتصفح ، إنها تمتلك رؤى خلاقة في استنكار الظلم والوحشة والحرمان الذي يعاني منه البشر ، لكن هل استطاعت معالجة ذلك القصور وتلك العذابات التي يعاني منها الإنسان حولها : واحمرت يدي خجلا حين رأيت أختي وحيدة في أريكتها ثوبها منحسر قليلا وكأسها فارغة ... إنها تدخل في صميم انطولوجيا العصر حين تنشط عوامل كسر الروح ويهيمن السلب على الغصون الخضر بتسلل العطش الخبيث اليها " وحيدة في أريكتها ، وكأسها فارغة " ، ماذا تبقى من سمات الحياة ومن معالمها إذن ..؟ وحدة وفراغ مادي ومعنوي حين يطأ عنفوانَ الإنسان الجوعُ والظمأ والانطفاء بالرغم من تأجج الحياة في شرايين كون لم يرتو من الحياة ، كونٍ لا يمتلك اشتراطات حياة سوية لأنه مقموع محاصر ، يمتلك امكانيات الفعل لكنَّ الكوابح أقوى من الفعل ، ويستشعر الرغبة لكن القبضة بالمرصاد ، كونٍ مستلب الهوية ؛ لأن القول إفصاح وحضور وهوية : كنت سأقول أشياء كثيرة لكن قميصي خانني فانشغلت بسحابه أزرِّرهُ فلا يستجيب وأحاول فينخلع كنتَ ثملا كالجميع ، لم ترَ حيرتي حيرةَ امرأة لم ترقص ما فيه الكفاية
هكذا ، المستعار يخون الأصل ، المادة تخون الحياة ، الأقنعة تحاصر الوجوه فتحجبها ، والعري هنا وفاء للحقيقة وإخلاص لها ومعها ما دام القميص حجبا للأصل وتغييبا لحضوره. والشاعر ومعه الأنثى يحوِّلان ، والإبداع تحويل ، الشاعر / المرأة تحوِّل رفض الحجب للسحّاب بينما الرافض هو الجسد بصيحة الخصب ولا صدى ، فالجمع ثملٌ والعقل في غياب ، بينما المرأة تظل حاضرة الوعي لكن بقدرة قاصرة عن تحقيق المراد ، لتنهض الحيرة التي لم يبصرها الرجل ، والحيرة حالة إيجابية لو كانت تبحث ، لكنها في الوقت ذاته حالة يجب تجاوزها نحو موقف ما وإلا آلت إلى الإرباك والتشتت ، إذ من المعروف أن الإنسان لا يطرح إلا الأسئلة التي يمكنه أن يجد حلا لها ، لكنه اليوم للأسف غير قادر على إيجاد أبسط الحلول لأسئلته المشروعة . فالمرأة لم ترقص ما فيه الكفاية ، المرأة عجزت عن تأمين حاجاتها الإنسانية حسية ونفسية ، لأن الرقص فعل جسدي وفكري ، إنه تأثيث الفراغ بجمالية الحركة الهائمة في الأثير ، والحركة لا وجهة لها غير تفريغ التوتر وتحقيق الجمال في نظام من الأفعال النشطة والمتحررة من القيد ، إنه لغة شعرية هدفها التواصل ، ومن أين التواصل للمرأة / الحضارة المعاصرة وهي محاصرة بقيود المادة وهيمنة ضوضائها ، وغياب محركات الروح وأنشطة العقل ، وكيف للعقل أن ينشط والخمرة حاضرة تعيق فاعلية الرقص الشعرية ، وتبقي الحضارة المعاصرة قاصرة عن إسعاد الإنسان بالرغم من كل الجهود التي بذلتها لتخفيف أعبائه وتلوين حياته ما دامت الروح ظلت في حيرة وظمأ. والنص يلعب بالزمن ، يلعب بالأفعال ماضية ومضارعة وآمرة وناهية ، وفي الزمن الماضي تتنوع الصيغُ بين قريب وبعيد كما تتنوع في المضارع ، إذ تحولت أكثر من مرة نحو المستقبل القريب ، والنص يلعب بالفعل الناقص الماضي ( كنت ) يكرره مرات لتأصيل روح الحكاية بالاسترجاع ، حتى يتداخل الحاضر بالماضي ليكون اللبس شاملا حين يُقفلُ النص بالجملة الاسمية التي توفرت على صفات بالغة الأسى في انكسارها وحزنها وبرودتها والتي افتقدت كل دفء إنساني ، وهي تُثبت ثبوتا كليا وموجزا ما توفر النص على تفصيله عبر القضية كلها ، وهنا تتبدى المفارقة الحادة ما بين المطلع وهو يعرض أنوثة عارمة تتدفق بنداءاتها وخصبها ومحاولة إغرائها بتكرار مفردتي " كثير ، وكثيرة " والقفل الذي يحيل على انكفاء وانكسار وحزن وإحباط ، كما تتبدى اللعبة الشعرية في عملية الترميز التي عملت الرؤية الشعرية على إحكامها ما بين علاقة إنسانية شخصية وشديدة الخصوصية وقضية كونية شمولية بنسج بدأ ونما وامتد بدقة وفن : أخذتكَ على كتفي ، يدٌ أمسكُ ثوبي بها ويدٌ على خصرك المنكسر حتى سريركَ البارد الحزين |