هذه المحاضرة ستكون تكملة لما طرح في الأسبوع الماضي تحت عنوان (الدين والعلمانية)، وذلك تلبية لرغبة المضيفين، والجمهور. وحيث كان قد طلب مني أيضا أن أتحدث عن تجربتي في لجنة كتابة الدستور كمقرر للجنة الأولى (لجنة المبادئ الأساسية)، مما أتمنى أن تكون لي فرصة في المستقبل لتلبية هذه الرغبة، سأشير بإيجاز إلى بعض ما له علاقة في دستور 2005 بموضوعنا لهذه الأمسية. وأتناول بالذات المادة الثانية، التي يُشكل عليها تضمنها لنوع من التناقض، لننظر ما إذا كان هناك حقا ثمة تناقض، وأين يكمن هذا التناقض، وكيف عالجه الإسلاميون آنذاك وبذكاء، لصالح الإسلام السياسي، حسب تقديري. المادة الثانية تنص على الآتي: (أولا): الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع: - أ - لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام. - ب - لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية. - ج - لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور. (ثانيا): يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والإيزيديين والصابئة المندائيين. ودعوني أبين أين يكمن التناقض، ثم كيف عالجه الإسلاميون. هناك من جهة تناقض بين ألف وباء، ومن جهة أخرى بين ألف وجيم. لأن هناك بكل تأكيد من ثوابت (أحكام) الإسلام ما يتعارض مع بعض مبادئ الديمقراطية من جهة، ومع بعض الحقوق والحريات الأساسية من جهة أخرى، كما إن بعض مبادئ الديمقراطية وبعض الحقوق والحريات، مما يتعارض مع بعض ثوابت (أحكام) الإسلام، لاسيما بعد رفع عبارة «المجمع عليها»، وإضافة عبارة «أحكام» لتكون «ثوابت أحكام الإسلام» بدلا من «ثوابت الإسلام المجمع عليها»، التي كانت في قانون إدارة الدولة. هذا التناقض ما كان سيكون، لو أبقي على الصيغة التي وردت في قانون إدارة الدولة، والتي نصت على عدم جواز سن قانون يتعارض مع «ثوابت الإسلام المجمع عليها»، بدون ورود كلمة «أحكام»، التي أضيفت من أجل أن يكون الفقه واجتهاد الفقهاء و(المراجع العظام) بصوابه وخطئه هو الحاكم، كما رفعت عبارة «المجمع عليها»، لتكون فتوى أي مرجع بتعارض قانون ما مع الأحكام التي استنبطها هو باجتهاده المشتمل على الصواب والخطأ، على الاعتدال والتطرف، على المرونة والتصلب، بحسب الذوق الفقهي الذي يعتمده ذلك المرجع. لكن هذا التناقض الحاصل في دستور 2005 قد وضع الإسلاميون حلا له في حال حصوله، ولكن على النحو الذي يكون لصالح الإسلام السياسي، إذ جعلوا الأولوية للإسلام، وبتعبير أدق للإسلام السياسي، وبتعبير أكثر دقة للإسلام السياسي وفقا لرؤية الحزب أو الأحزاب الإسلامية المتنفذة وقت حصول حالة التناقض. تأكدت أولوية وحاكمية الإسلام (السياسي) في (أولا) وفي (ثانيا) من المادة. فـ(أولا) جعلت الأولوية للإسلام عبر نص أن الإسلام علاوة على أنه «دين الدولة الرسمي»، فهو «مصدر أساس للتشريع»، وما إضافة «أساس» إلا من أجل الخروج من مأزق التناقض، إذا ما حصل، بجعل الحاكمية للفقه الإسلامي المعبر عنه بـ(الأحكام). و(ثانيا) أكدت أولوية حاكمية الإسلام في مثل هذه الحالات، بقول «يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي». إذن عمل الإسلاميون على أن تكون الديمقراطية في الدستور العراقي مشروطة، وشرطها خط أحمر يضعه فقيه باجتهاده، حتى لو لم يكن خطه الأحمر مما يتفق معه عليه فقهاء آخرون، ناهيك عن أن يكون مما يحظى بالإجماع الفقهي. إذن عند حصول التعارض، ستكون المحكمة الاتحادية العليا، هي المختصة بتأييد التعارض أو عدمه، وهنا جعل صمام أمان إسلاموي آخر، بجعل المحكمة الاتحادية حسب المادة (92) – ثانيا: «تتكون [...] من عدد من القضاة وخبراء في الفقه الإسلامي وفقهاء القانون [...]». إذن لدينا في هذه المحكمة حُرّاس شريعة باسم «خبراء في الفقه الإسلامي»، إذن تبقى ديمقراطيتنا - ولو من الناحية النظرية والمبدئية - محكوما عليها بحكم شريعة الدولة الثيوقراطية أو المؤسسة الدينية، مع وقف التنفيذ. في بداية اهتمامي بموضوعة الديمقراطية كإسلامي آنذاك، عندما كتبت مقالتي الأولى حول الديمقراطية من زاوية فهم شرعية، والتي كتبتها في هامبورغ في 19/02/1994، وراجعتها للمرة الأخيرة في 23/04/1994 لتنشر في مجلة الفكر الجديد (العدد التاسع - آب 1994) التي كانت تصدرها دار الإسلام في لندن، ثم أوعز الشيخ الراحل محمد مهدي شمس الدين بنشرها في مجلة الغدير (المجلد الرابع: العددين 25-26 صيف 1994). من هناك بدأت رحلة عشقي للديمقراطية، مع إيمان عندي راسخ بأن الإسلام لا يمكن إلا أن يكون منسجما ومتوائما كليا مع الديمقراطية، ومرجحا لها، بل لعله ملزما بها على نحو التكليف الشرعي الإلزامي، وليس التخييري فقط، ولو بالعنوان الثانوي. مما ناقشت فيها ما أسميته بـ(عقدة المصطلح) عند الإسلاميين في الثمانينات والتسعينات، وإن اقترح أحد المحاورين من الشيوخ أن أستبدلها بعبارة (إشكالية المصطلح). كما ناقشت ونقدت ما يسميه الإسلاميون بـ(حاكمية الله)، التي تعبر عن فلسفة التوحيد في جانبها السياسي، والمتعارضة مع (حاكمية الشعب) التي هي جوهر الديمقراطية والمعنى اللغوي لجذرها الإغريقي. وناقشت أيضا (الشورى) التي كان يحب الإسلاميون طرحها بديلا عن (الديمقراطية)، وبينت أسباب عدم صلاحية (الشورى) بالمعنى الديني، لتكون بديلا عن الديمقراطية. وكذلك انتقدت من سبقني من الإسلاميين ممن كانوا قد غادروا الحزب الإسلامي الذي كانوا في صفوفه، دون التخلص كليا من رواسب خلفيتهم الإسلامية، في طرحهم للديمقراطية بعنوانها (آلية) للحكم، وبينت أسباب رفضي لهذا الطرح، لكون بعض آليات الديمقراطية يمكن أن تستخدم من قبل أنظمة غير ديمقراطية (مثال ذلك: جمهورية إيران الإسلامية). كما كان لي مع المرجع الراحل محمد حسين فضل الله حوارات مطولة قبل نشر مقالتي، والتي حاول أن يقنعني بأننا - كإسلاميين - يمكن أن نقبل بالديمقراطية، ولكن لا ينبغي لنا أن ندعو لها، كما لم أقتنع بدعوته إلى أن نتعامل معها في كل بلد إسلامي بحسب ظروفه، ولا نلزم أنفسنا بطريقة تعاطٍ ثابتة بقطع النظر عن ظروف البلد المعني، كما كنت أدعو إليه. أما الأحزاب الإسلامية كلها وبلا استثناء، فبقيت لغاية سقوط الديكتاتورية لا تستخدم في أدبياتها مفردة (الديمقراطية). ومن أجل توضيح موقف الإسلام السياسي، أو الإسلام عموما، من الديمقراطية، لا بد من المرور مفهومي العنوان الأولي والعنوان الثانوي للحكم الشرعي. الحكم الشرعي هو كما هو معروف موقف الفقه الإسلامي فيما يراه حكما إلهيا من كل قضية، حيث ينقسم الحكم الشرعي إجمالا إلى وجوب، وحرمة، وإباحة، ثم هناك تقسيم تفصيلي ثلاثي أيضا للإباحة نفسها، إلى الاستحباب والكراهة وإباحة مطلقة. العنوان الأولي هو كل حكم شرعي بدون طروء طارئ من شأنه تغيير الحكم، من أي من الأحكام الخمسة إلى أي حكم من الأربعة المتبقية، فالحرام، يمكن أن يتحول بعنوان ثانوي إلى مباح مع كراهة، أو مباح مطلق، أو مباح مع استحباب، أو واجب. وهكذا بالنسبة لأي من الأحكام الأخرى. الديمقراطية على ضوء ما مر، فحكمها بالعنوان الأولي هو الحرمة، فهي إذن من حيث الأصل في الإسلام، أو لنقل في مشهور الفقه الإسلامي، تعد مفسدة شرعية = حرام. ويمكن للديمقراطية أن تتحول بعنوان ثانوي، أي بلحاظ مصلحة أهم من مفسدتها بالعنوان الأولي، أن تتحول إلى جائزة، أو ربما إلى راجحة، أي مستحبة، وفي بعض الحالات قد تتحول إلى واجبة. متى يكون ذلك؟ إذا توقفت مصلحة إسلامية أو إنسانية عليا على القبول بالديمقراطية، أو لعله الدعوة لها. أهم قاعدة فقهية تعتمد للتحول بالموقف الشرعي من الديمقراطية من الحرمة إلى الإباحة أو الوجوب، هي القاعدة الفقهية المعروفة بـ(درء أكبر المفسدتين بأصغرهما). يعني عندما لا يكون هناك سوى خياران أو لنقل ثلاثة خيارات، وهي خيار الديكتاتورية اللادينية، أو الديمقراطية المشروطة بشرط العلمانية، أي المستثنية للأحزاب الدينية، أو الديمقراطية غير المشروطة، عندها يكون الخيار الثالث الذي يمثل بالعنوان الأولي مفسدة شرعية، هو الخيار الذي يجب القبول به. وقد يضيف بعض الإسلاميين التنويريين خيارا رابعا يرون ضرره أكثر من نفعه، ألا هو الدكتاتورية الثيوقراطية الإسلامية، لأن ذلك إذا كان مطلوبا شرعا بالعنوان الأولي، ولو مع كراهة، لاقترانه بالاستبداد، فقد يتحول عند القليلين من التنويريين - كما كنت عليه عندما كنت إسلاميا ديمقراطيا - بالعنوان الثانوي إلى محرم، لما يترتب عليه من ضرر على الإسلام، خاصة عند الذين يقدمون مشروع الدعوة على مشروع الدولة، إذ يرون - وهكذا كنت أرى - أن نجاح مشروع الدولة بضرر مشروع الدعوة، أي عندما تتحول الدولة إلى عامل تنفير من الإسلام، هو أكثر ضررا من التفريط بمشروع الدولة. بينما أصحاب نظرية أولوية مشروع الدولة (جمهورية إيران الإسلامية مثالا) لا يرون في الاستبداد ضررا، لأنه تحكيم لحاكمية الله حسب قناعتهم، ولأن الناس إنما «أَكثَرُهُم لِلحَقِّ كارِهونَ»، ولأنه «مَن لَم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهُ فَأُلائِكَ هُمُ الكافِرونَ»، والذين «يُريدونَ أَن يُطفِئوا نورَ اللهِ بِأَفواهِهِم وَيَأبَى اللهُ إِلّا أَن يُّتِمَّ نورَهُ وَلَو كَرِهَ الكافِرونَ»، وذلك حسب فهمهم وتأويلهم للنصوص القرآنية آنفة الذكر. نعم حسب رؤية تنويرية تكون الديمقراطية واجبة شرعا، إذا تحولت إلى عقد اجتماعي، وهذا ما كنت أنظّر له من 1993 إلى 2006، حيث كنت أرى أن العقد ملزم شرعا، فإذا ما أصبحت الديمقراطية عقدا اجتماعيا، وجب الالتزام بها شرعا. لكن هل كل الإسلاميين، أو كل الفقهاء يرون يا ترى هذا الوجوب؟ بكل تأكيد ليس هناك إجماع على مثل هذا الوجوب الذي كنت أتمناه، فهناك رؤية تستند إلى نصوص قرآنية تذهب إلى أن العقد أو العهد غير ملزم للمؤمنين، إذا أُبرِم مع من يصطلح القرآن عليهم بـ(الظالمين)، أو (الفاسقين)، أو (الكافرين)، خاصة إذا علمنا أن مصطلح (الفاسق) ينطبق على كل من لا يلتزم بالالتزامات الدينية، أي على سبيل المثال من لا يصلي، أو من يشرب الخمر، ومصطلح الظالم ينطبق على كل من لا يستجيب لدعوة الإسلام، ومصطلح الكافر ينطبق على «مَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهُ»، حتى لو كان مسلما مؤمنا ومصليا. ثم هناك أحكام شرعية أو فرائض دينية (مفردها: فرض)، طالما كانت سارية المفعول، وطالما كان الاجتهاد فيها متعددا، ستبقى الديمقراطية مهدَّدة، على ضوء اجتهاد من الاجتهادات، أو وجه من الأوجه، حيث كل منها (حمّال أوجه). من هذه الفرائض: - فريضة إقامة حكم الله/ أو (إحياء شرع الله)/ أو إقامة الدين. - فريضة الجهاد (في سبيل الله). - فريضة الدعوة إلى الإسلام. - فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. عندما حاولت - قبل اهتدائي إلى العلمانية - كإسلامي مغرم بالديمقراطية آنذاك إثبات الرخصة الشرعية، بل الوجوب الشرعي باعتماد (الديمقراطية)، حلّلتها إلى عناصرها، من أجل طرح كل من تلك العناصر على الإسلام، وأثبت جوازه (كونه حلالا)، أو رجاحته (كونه مستحبا)، أو وجوبه (كونا واجبا)، فتناولت عناصر الديمقراطية على النحو الآتي: 1. الديمقراطية كونها تعني فيما تعني التعددية الحزبية: لكن أليس من الممكن تطبيق الآية «إِنَّ الَّذينَ فَرَّقوا دينَهُم وَكانوا شيعًا لَّستَ مِنهُم في شَيءٍ إِنَّما أَمرُهُم إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِما كانوا يَفعَلونَ»، من أجل تحريم الحياة الحزبية؟ ثم كيف سيكون حال الأحزاب التي ترفض أن (تحكم بما أنزل الله)، بمعنى أنها ليس لديها مشكلة في أن تسن قوانين، ترى فيها مصلحة للوطن والمواطن، حتى لو كان القانون ليس مما «لا يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام»، سواء كان التعارض من (المجمع عليه)، أو من غير المجمع عليه، مما ينفرد بالقول بتعارضه فقيه واحد، لو أوتيت له الفرصة أن يكون (مرجعا أعظم)، وطويت له وسادة الإفتاء والولاية؟ 2. الديمقراطية كونها تعني فيما تعني الحياة البرلمانية: ولكننا نعلم إن الحياة البرلمانية من الناحية الشرعية وبالعنوان الأولي غير ملزمة شرعا، فماذا لو رأى فقيه - خاصة إذا أصبح المرجع الأعلى والأعظم - عدم وجود مصلحة تستوجب التحول إلى العنوان الثانوي، بالقبول بمبدأ إلزامية الحياة البرلمانية؟ 3. الديمقراطية كونها تعني فيما تعني الحرية الفكرية والحرية السياسية: وماذا لو فُعِّلَت من جديد فتوى (حرمة نشر كتب وأفكار الكفر والضلال)؟ 4. الديمقراطية كونها تعني فيما تعني الانتخابات الحرة بالاقتراع السري: لكن ماذا لو تعارض وفق رأي مرجع (أعلى) و(أعظم) مع النص القرآني «وَإِن تُطِع أَكثَرَ مَن في الأَرضِ يُضِلّوكَ عَن سَبيلِ اللهِ، إِن يَّتَّبِعونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِن هُم إِلّا يَخرُصونَ»، أو «وَأَكثَرُهُم لِلحَقِّ كارِهونَ» وغيرها من نصوص لا ترى شرعية وجوب الالتزام برأي الأكثرية؟ 5. الديمقراطية كونها تعني فيما تعني تداول السلطة إذا قضت الانتخابات ذلك. وحيث كان الإسلاميون يرون إشكالا شرعيا في تسليم السلطة للعلمانيين، إذا ما آلت إليهم، فهل تخلّوا يا ترى عن هذه الرؤية الشرعية؟ المهم لدينا نصوص تدعم المواءمة بين الإسلام والديمقراطية، وأخرى ترى التعارض بينهما، أذكر أمثلة محدودة للنوعين من النصوص. النصوص التي يمكن أن يفهم منها رخصة الأخذ بالديمقراطية، أو ترجيحها، أو وجوبها: - «لا إِكراهَ فِي الدّينِ». - «اُدعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ». - «أَفَأَنتَ تُكرِهُ النّاسَ حَتَّى يَكونوا مُؤمِنينَ». - «فَذَكِّر إِنَّما أَنتَ مُذَكِّرٌ ، لَّستَ عَلَيهِم بِمُصَيطِرٍ ، إِلّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ». - «وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلى أَلّا تَعدِلُوا اعدِلوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوى». النصوص التي يمكن أن يفهم منها تحريم الديمقراطية: - «ما كانَ لِمُؤمِنٍ وَّلا مُؤمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسولُهُ أَمراً أَن تَكونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم». - «الرَّسولُ أَولى بِالمُؤمِنينَ مِن أَنفُسِهِم». - «مَن يَّتَّخِذ غَيرَ الإِسلامِ ديناً فَلَن يُّقبَلَ مِنهُ». - «وَمَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهُ فَأُلائِكَ هُمُ الكافِرونَ». - «وَمَن لَّم يَحكُم بِما أنزَلَ الله فَأُلائِكَ هُمُ الظّالِمونَ». - «وَمَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ الله فَأُلائِكَ هُمُ الفاسِقونَ». - «يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا أَطيعُوا اللهَ وَأَطيعُوا الرَّسولَ وَأُلِي الأَمرِ مِنكُم، فَإِن تَنازَعتُم في شَيءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسولِ إِن كُنتُم تُؤمِنونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذالِكَ خَيرٌ وَّأَحسَنُ تَأويلاً، أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ يَزعُمونَ أَنَّهُم آمَنوا بِما أُنزِلَ إِلَيكَ وَما أُنزِلَ مِن قَبلِكَ يُريدونَ أَن يَّتَحاكَموا إِلَى الطّاغوتِ، وَقَد أُمِروا أَن يَّكفُروا بِهِ، وَيُريدُ الشَّيطانُ أَن يُّضِلَّهُم ضَلاَلاً بَعيدًا، وَإِذا قيلَ لَهُم تَعالَوا إِلَى ما أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسولِ رَأَيتَ المُنافِقينَ يَصُدّونَ عَنكَ صُدودًا». والتوقف أمام كل نص يحتاج إلى ما يقترب من مقالة مستقلة، وبحث رمطول. وفي كل الأحوال لكل من هذه النصوص شروح وتفسيرات وتأويلات، تدعم هذا الاتجاه، أو ذاك الاتجاه، وهنا تكمن الخطورة في اعتماد الدين مرجعية للسياسة، وأحد أبرز تلاميذ القرآن المعاصر للتنزيل، كان قد حذر من الرجوع إلى القرآن بقوله: «القرآن حمّال أوجه»، وهكذا يمكن أن يقال إن السُّنّة حمّالة أوجه، والتاريخ الإسلامي حمّال أوجه، والفقه حمّال أوجه، وبالتالي إذن الدين كله، أي (الإسلام) بكل تفاصيله حمّال أوجه، وكل وجه من أوجهه المستنبطة والمفسَّرة والمأوَّلة بشريا من قبل عقول غير معصومة، تُعَدّ مقدسة وإلهية المصدر. لذلك عندما نطرح سؤالا حول طبيعة العلاقة بين الإسلام والديمقراطية، يبرز السؤال المنطقي على الفور: أي إسلام؟ فكيف نتعامل على سبيل المثال مع الفتاوى السياسية؟ وكيف نتعامل مع مجموعة أمور هي من لوازم الديمقراطية، قد تتقاطع مع بعض ثوابت الإسلام، بحسب وجه من أوجه الإسلام، ووجه من أوجه اجتهاد فقهاء الإسلام، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: - موضوعة مساوة المرأة بالرجل. - مساواة غير المسلم بالمسلم بكل الحقوق بلا أي استثناء. - حرية العقيدة (يعني بما في ذلك: حرية الارتداد، حرية الإلحاد، حرية التحول من دين إلى آخر). - حرية الفكر والتعبير، بما في ذلك نقد الفكر الديني، أو نقد الدين نفسه. - الحريات الشخصية. كل ما مر وغيره، يوجب الفصل بين الدين والسياسة، فلا تتدخل مؤسسات الدولة في الشأن الديني، إلا إذا عرّض الأداء الديني أو الفكر الديني - لا الدين - الدولة أو المجتمع أو السلم الأهلي أو الصالح العام للضرر أو الخطر، كما لا تتدخل المؤسسات الدينية ورجال الدين بصفتهم هذه في شؤون الدولة وشؤون السياسة، إلا إذا انتقصت الدولة من الحريات والمقدسات الدينية، من غير وجود مبرر مما ذكر. فيبقى الدين، وحريته غير المنتقصة من حرية الآخر المغاير، ومقدسات الدين، يبقى كل ذلك مصونا، كشأن شخصي، لا يقحم في الشأن العام، فتكون الفائدة للجميع، للدولة، للوطن، للمجتمع، وللدين.
محاضرة ألقيت مساء الأربعاء 08/08/2012 في النجف ضمن أماسي رمضانية تقيمها اللجنة التنسيقية للتيار الديمقراطي في النجف وبالتنسيق مع ديوان الشيخ كامل سميسم واستضافته.
|