... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  منتخبات

   
الشاعر الفرنسي ايف بونفوا (87 عاماً) يراجع كتاباته ومفاهيمه الشعرية

تاريخ النشر       18/12/2010 06:00 AM


تقديم وترجمة:
كوليت مرشليان
صدر للشاعر الفرنسي ايف بونفوا كتاب جديد بعنوان: "غير القابل للإنجاز" يضع فيه أجمل الحوارات الأدبية والمقالات الصحفية التي أجريت معه في حياته.
وتحمل هذه المقابلات في إجاباته سحراً وعمقاً يضاهيان شعره في بعدهما الجمالي والفلسفي.
بونفوا اليوم في السابعة والثمانين ولا زال الشعر يحمل له الدهشة، كل الدهشة. وهو إذ يرفض إقحام القصائد في تأويلات قد تضر بالشعر، يشرح في مطولات قيمة أبعاد الشعر، مكانته وماهيته، وفي الكتاب مقابلات من المرحلة ما بين 1990 و2010 وصفها أحد النقّاد بكلمات تضيء عليها جاء فيها أن قراءة نثر ايف بونفوا هي من القراءات الصعبة، "تأخذك في سحرها ثم سرعان ما تجد نفسك في غموض وعتمة، لكن جمالية الصور تجعلك تقرأ من جديد فتدخل في وضوح الأفكار وسرعان ما تجد نفسك في حديقة مشّعة وأمام نهر تشرب منه ولا رغبة لديك في التوقف..".
من هذه المحاورات اقتطفنا صفحات هي إحدى المقابلات مع بونفوا حول الشعر يعترف فيها أن "غير المنجز" أو "غير المكتمل" هي واحدة من الصفات التي تشرح الشعر، ويعرب عن شغفه بنشر الشعر في المجتمعات التي تتجاهله وننقلها الى العربية:

[ لماذا هذا العنوان "غير القابل للإنجاز"؟ ولماذا طلبت الإجابة على أسئلة هذا الحديث الطويل خطياً؟ هل في ذلك أنك تعتبر المقابلة الأدبية هي بحد ذاتها نوعاً أدبياً متميزاً؟
ـ لماذا؟ لأن المادة الأساسية في كتاب "غير قابل للإنجاز" هي الشعر ولأن صفة "غير مستكّمل" أو "غير منجز" بشكل نهائي من صفات الشعر. الشعر؟ ليس في أن نصدر الكتب ونكدسها على رفوف المكتبات "لنصنع" منها الأدب وتاريخه والثقافة أيضاً، أو بكلام آخر الموت، كلا، بل الشعر هو أن نعيد الى الكلمات ذاكراتها المليئة بما تسميه وبما تعنيه هذه الأشياء البسيطة التي هي من اللانهاية ومن الحياة، حين ننظر إليها في فوريتها المباشرة نحن نجعلها في خطابنا التحليلي تتغير ونضع مكانها تصورها الوسطي (الذي هو بين المعنى المجرد والإدراك) وأوهامها ومجرداتها أي أفكارنا التجريدية عنها.
وهذا المشروع هو من دون شك عمل يصعب علينا إنجازه لأن اللغة لا تأخذ شكلاً إلا حين تصنّف الصور التي ستشكل عالمها، ما يقودها الى فعل التعريف أو التصنيف والترتيب ومن ثم إصدار القوانين الخاصة بوجود هذه الصور.

ذاكرة المباشرة
الشعر يسعى الى إعادة جعل هذا التيار يتصعد من جديد وحين لا يقوى على ذلك، عليه أن يبحث عن أساليب غير مباشرة ليصير ذاكرة هذه المباشرة ويجعل هذا الكائن المتحدث يستيقظ من غفوته التصورية، وحتى هذا العمل المتعلق بالسلبية صعب للغاية ولا نهائي ما دامت أي فكرة داخل مجتمعات منشغلة بأمور أخرى، تبحث وتسعى الى ما لا نهاية الى خنق هذا الصوت. وفي هذه الوضعية، كل ما يهم هو الوضوح عند الذي يكتب، وعناده وإصراره على فهم فكرة معينة وهي أنه هناك داخل الكلمات وداخل الأفكار وحتى داخل كل الانفعالات التي نعيشها في كل لحظة من حياتنا، قوة تعمل على التضليل وعدم الاحساس بالحدس البديهي الذي يحركها.
من هنا أهمية الإصغاء جيداً الى الأسئلة التي تُطرح على من يهمه أمر الشعر، ففي ذلك مناسبة له ليعود ويفهم في خضّم الأفكار وحتى الحميم منها والتي يعيشها كل يوم لماذا ينسى أحياناً واجبه في إيضاح الأمور وهو في ذلك يتخلى عن الرجاء في الوصول.
المقابلة أو المحادثة تحمل لنا حظاً أو أملاً إذا عرفنا أن نقبض على هذا الأمل. ولهذا السبب وجدتني أجيب عن تساؤلك الأول أتمسك كثيراً بالإجابة كتابة على هذه الأسئلة المفيدة لي.
لأنه في الكلام المباشر فقط لا يمكن أن نتطرق إلا الى المشكلات التي نراها مباشرة أمامنا والتي تصل الى أفكارنا بسهولة، أي بمعنى آخر نعطي الأفكار الجاهزة لدينا والتي أطلقناها سابقاً، كذلك يأخذ حديثنا مجرى التسلسل الذي سبق أن استخدمناه، وبالتالي نسير في النظام الذي يصب في التصوري الذي تحدثنا كيف أن الشعر يسعى الى خرقه. يجب أن نعطي أنفسنا الوقت كما الاحتمال والإمكانيات لننتقد أفكارنا التي ربما لم نخضعها كفاية للتحقيق بها. كذلك هذا لا يعني بالتأكيد أنه بمجرد أنني كتبت إجاباتي بنفسي ستكون هذه الإجابات صادقة وحقيقية. ولكن على الأقل، أكون قد واجهت بنفسي وبشكل مباشر وواضح كل تناقضاتي في أفكاري كما كل التفاصيل التي لم ألحظها من قبل.
وهذا يجعل المقابلة أقرب الى كل الأنواع الكتابية التي أنا قادر عليها، وبالتالي ستتغذى منها، أو ربما على عكس ذلك، فهي ستندس بينها لتُقلّق أحلام خيالي بكل أفكارها وما يصل مع هذه الأفكار من إضافات احتمالية ومتوقعة. ليس هناك من كتابة جدية في عصرنا الحديث، هذا إلا إذا امتزج فيها الخلق والنقد، كما الخيال والتوهم المريض، في حوارات متبادلة، وبالتالي يصبح المكتوب مهماً بالحقيقة القوية أكثر منه بالمشاريع الطامحة.

معاصرون
[ هل تقرأ لكتّاب معاصرين (شعراء، روائيين، باحثين، كتّاب مسرح، إلخ...)؟ وإذا نعم، من هم الذين تقدر أعمالهم بشكل ملحوظ؟
ـ نعم، بالتأكيد فأنا أقرأ أعمال بعض المعاصرين، تماماً كما أراقب أهم إنجازات الرسامين والمهندسين وأتابع الأعمال الموسيقية أيضاً، وإذا تحولت الى ما وصلت اليه معك في إجابتي، أي نحو هذا الأفق الواسع، فذلك لأشرح لك طبيعة تعاطفي مع بعض الأعمال، وهذا يشرح أيضاً لماذا قد أقول لك مثلاً، اندريه بروتون أو شيستوف أكثر مما يمكن أن أقول سارتر أو كامو، أو قد أختار جيا كوميتي بدلاً من كل ما سمّي "بالرواية الحديثة". وبنفس النظرة أنا أرمق الشاعر والرسام لأنه كما شرحت سابقاً فإن الإحساس بالناحية الفورية للكلمات هي التي تبني عالماً: ولأن الرسام كما الموسيقي هما أيضاً كائنات تتكلم تماماً مثل الكتّاب، وبالتالي فمهمتهم أيضاً تكمن في كيفية الإضاءة على الكلمات بدلاً من تركها لتواجه التصورية الكامدة والكثيفة والتي يصعب اختراقها.
الشعر حيوي في كل أشكال الإبداع والخلق في الكتابة فهو الذي يصنع الجمال وكأنه اليقظة أو الصرخة القوية للإنقاذ فيقودني الى فنانين كما الى كتّاب وشعراء، ربما لأستمد منهم شجاعة وقوة حين أنظر الى إبداعاتهم أو ربما لأراقب الصعوبات وكيف واجهوها أو الأحلام وكيف جعلتهم هذه الأخيرة يتوهون على طرقات وغالباً ما يحصل ذلك بإحساس مؤثر.
بدأت أفكر منذ أن طرحت عليّ هذا السؤال في كل ما أحببته منذ أن بدأت أعي معنى الأدب والفن واستنتجت بحق أنني لطالما كنت مسحوراً برسامين ونحاتين ومهندسين ولم يكن ذلك يحصل معي في مواجهة الشعر والشعراء. ولكن أحب الآن أن أحصر تفكيري في الشعر فقط. لقد كتبت عن جيا كوميتي كتاباً كاملاً ولكن عن لويس رينيه دي فوريه أيضاً، لكنه مختصر جداً. ولقد أعطيت من وقتي الكثير للشعراء الذين سبقوا جيلي ولشعراء من جيلي أيضاً وفي كل هذا لم أكن أبحث عن التقدير أو التعاطف بحد ذاته إنما بحثت عن التواصل والتبادل.
وفي هذا الإطار أفكر ببول فاليري وجيلبير ليلي وبيار جان جوف وأندريه بروتون وبيار- فرينو وأندريه دوبوشيه. في كل هذه الحالات، بحثت عن علاقات معهم ليس على المستوى الأدبي إنما على مستوى البحث الأدبي الذي يطرح تساؤلات ومشكلات كمثل مسألة "تفاقم الحالة الشعرية في اتجاهات مغلوطة ضمن بنية الإنسان في الكون". وهذا قادني الى مؤلفات لكتّاب من جنسيات مختلفة ولغات مختلفة مثل ييتس السابق وسيفيريس والأقرب الينا بول سلان كما سأذكر بالتأكيد شيستوف وفرانز كافكا وأنا اعتبرهما بمثابة الشاهدين على الشعر الى جانب آخرين على رغم تصريحاتهم المغايرة لما أطرحه حولهما.
ولكن لماذا نفصل دائماً في كلامنا بين الكتّاب المعاصرين وهؤلاء الذين سبقوهم؟ فالذي يميز الشعر هو ذاك "التصحيح" في اللغة الذي رافقها دائماً إنما الشعر في حد ذاته هو عينه إن في بحثه أو في هدفه في كل العصور: دانتي، فيّون، راسين، كيتس هؤلاء أجدهم كلهم معاصرين لنا وكل ما قالوه في ظروف متنوعة ومتفاوتة قد يلائمني أكثر من طروحات المعاصرين.

حياتك
[ لماذا ترفض دائماً الأسئلة التي تتعلق بحياتك الشخصية؟ وحسب رأيك، هل يجب أن نقرأ الأدب دائماً بمعزل عن أي تأثر بحياة الكاتب؟
ـ كلا، أنا لا أتهرب على الإطلاق من الأسئلة التي تمس وجودي. فأنا أعرف أن الأحداث التي يعيشها الكاتب، إن في تاريخ حياته أم في شؤونه الخاصة هي مرتبطة بقوة بكل ما يكتبه ومن دون أن يعي هو ذلك. وهنا أجد أن للقارئ الحق في الدخول الى حياة الكتاب ليفهم أكثر ما يقرأ له. واعترف بأنني كل حياتي لم أتخلّف يوماً عن السعي الى طموحاتي ككل إنسان وأنا أيضاً سعيت الى استكشاف حياة الناس الذين كتبت قصة حياتهم مثل كتابي حول جياكوميتي.
ولكن بما أنني أتطرق الى هذا الموضوع أحب أن أذكر أن كتابي الجديد هو في هذا الإطار وأنا وضعت له عنواناً داخلياً: "بيوغرافيا الكتاب"..

الشعر والفكر
[ في أي إطار تعتبر الشعر شكلاً من أشكال الفكر؟ وهل هو يساعد (لنأخذ التعبير من الفلسفة المحكية) على "فلسفة العالم"؟
ـ لدي ميل لعدم الإجابة عن هذا السؤال لأنه في ناحية تحديد طبيعة الشعر وبالأخص تحديد علاقته بالفكر، أجبت كثيراً عن تساؤلات من هذا النوع ولدي شعور يكبر ويتضخم مع الوقت بأنني على مرّ السنوات رددت العديد من الأفكار في هذا الإطار في حين أنني أشعر من ناحية ثانية أن الشعر هو مصدر المفاجآت والدهشات والقلق والشك وعدم الاكتفاء وعدم الرضى بشكل خاص(...) والصعب في الأمر أنه كلما أردت الغوص من جديد في هذه المسألة أجدد نفسي مجبراً على إعادة الغوص مجدداً في التجارب الجديدة وفي المفهوم الجديد للشعر في كل المراحل(...).
وبالنظر الى أهمية السؤال اليوم ولأنه يجيب برأيي على موضوع أساسي، وبما أنني لدي الرغبة الدائمة في خدمة الشعر خصوصاً في المجتمعات التي تتجاهله، أحب أن أعيد طرح الأفكار التي سبق أن شرحتها حول أن الشعر ليس بنظري وعلى الإطلاق شكلاً من أشكال الفكر، مع الفكر المطروح بقوة حول القلق حيال الحقيقة. كلا، فالشعر، في عمق قصائده ليس لتحديد أو لرصد حقيقة الحياة أو حقيقة الإنسان ووجوده على الأرض، لا بصوره الشعرية العميقة والفلسفية ولا بصوره الرمزية أو غيرها. وهي في كل هذا ليست أفضل الطرق أو أفضل الأنواع الكتابية للبحث في قضايا حياتنا الإنسانية. صحيح أن القصائد قد تضم وتحلل وتصوّر أفكاراً لخدمة القصيدة بحد ذاتها وحسب ما يتطلع الشاعر في استخدامها وهو بالدرجة الأولى الجمالية في القصيدة والجمالية بشكل عام(...).

الرابط
[ كتبت الشعر والدراسات والأبحاث وترجمت عدداً كبيراً من النصوص المهمة. هل لديكَ الإحساس بأن ثمة رابطاً يوحّد كل كتبكَ على أنواعها الكتابية العديدة؟
ـ أجل، بالتأكيد. ولا يحمل سؤالك المفاجأة لي لأن ما طبعته في كتبي وعلى تنوّعه يوصي بالفوضى، ولكن أنا وبما أنني على علم بكل المضمون فحين أستعيد في رأسي كل أعمالي أجدها في ترتيب ووحدة كبيرين.
وفي بداياتي، كنتُ أقول في نفسي: "أنا لن أنشر أكثر من كتاب واحد وسيكون شعراً لأنني كنتُ مأخوذاً بالشعر الى حد التفكير بأنني مهما كتبت سأصل الى نص واحد ووحيد وسيكون في الشعر في نهاية المطاف. ولكن كيف أحاول أكون شاعراً من دون أن أقع في متاهات اللغة وفي أفكار موزّعة حول الشعرية فتجد نفسك مجبراً على شرح أو تبرير ما تكتبه لأن الشعر لطالما كان مهدداً وأحياناً كان ممنوعاً وعلينا كشعراء أن نشرح مساره وماهيته. وبما أننا لا نفهم ما نريد أن نشرحه سوى بالكتابة فوجدت نفسي أكتب نثراً وتحليلاً لأشرح الشعر. الشاعر بودلير عاش التجربة، كذلك دانتي فعل ذلك قبل أن يكتب شعره فحاول في نصوص نثرية ومطوّلات أن يشرح القيمة النسبية للغة اللاتينية وللغة المحكية والفظّة في عصره.

[ هل تقبل بأن تدخل في لعبة تحليل واحد لقصائدك "ذكرى" مثلاً؟
ـ انتَ تطلب مني أن أحلل هذه القصيدة وأنا أعرف السبب في ذلك وهو لأنها تحمل جزءاً كبيراً من ذاكرتي والقديم منها وفيها الكثير من الانفعالات التي صنعت حياتي في مرحلة معينة وبهذا أي عندما أحللها فإنني لأضيف معلومات وملاحظات حولها قد تضيء جزءاً من حياتي (...) بصراحة أجيب أنني أعجز عن فعل ذلك ولسبب بسيط وسأشرحه: (...) أي قصيدة، فهي لا تخضع فقط لفكرة نريد أن نكتبها، ولكن تحت وطأة شكل القصيدة وهنا قصيدة "ذكرى" وهي مؤلفة من 14 شطراً، فهي نتيجة لعبة قوى متعددة وأبرز هذه القوى تلك المتعلقة باللاوعي الذي لا يعرف الشاعر حتى بنفسه أين كانت حينها، أي حين كتابة الشعر (...) قد أعود الى قصيدة ما منها "ذكرى" مثلاً ولكن أعود إليها ليس بكتابة نقدية تشرحها إنما بواحدة موازية لها تسير بقربها وتحاول ربما أن تشرح ما لم يتم البوح به في القصيدة السابقة، لكنها ستكون قصيدة أخرى تعبّر عن نفسها بكلمات لا علاقة لها بأن تطرح نفسها في مقارنة مع كلمات قصيدة أخرى.
عن "المستقبل"

رجوع


100% 75% 50% 25% 0%





 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni