البصرة – السومرية نيوز
مضيق لا يتجاوز عرضه الـ150 مترا فقط داخل شط العرب، لكن مياهه تلفها الأسرار التي تمتد إلى سائر المنطقة المحيطة به، ولا يخلو دليل ملاحي من تحذير لربابنة السفن حين تبلغه، ويروى أن المضيق هو أول مهبط للشيطان على الأرض وكانت تحرسه أفعى كبيرة، كما قيل إن سكان المنطقة المحيطة به كانوا مصابين على نطاق واسع بحول في العين.
وتخلو النشرات والمراجع الملاحية العربية والعراقية من تسمية موحدة للمضيق الذي يقع بين جزيرتي الشمشومية وأم الرصاص في شط العرب، إلا أن خرائط ونشرات ملاحية أجنبية تدعو ربابنة السفن إلى توخي الحذر وعدم الاتكال على البوصلات المغناطيسية لان مؤشراتها تنحرف أحياناً بشكل مفاجئ لدى اقتراب السفن من المضيق الذي يعد شاهداً تاريخياً على الغزوات والحروب التي شهدها العراق.
ويقول احد أبناء المنطقة ويدعى رحيم شناوة (57 سنة) وهو يشير إلى جزيرة البليانية في شط العرب والتي يقع مضيق الشيطان بالقرب منها "هناك هبط الشيطان لأول مرة على الأرض وعلى هذا الأساس جرت تسمية المضيق من قبل الإنكليز" في إشارة منه إلى القوات البريطانية.
ويضيف شناوة الذي يسكن في قرية صغيرة قريبة من الجزيرة وهو يستعيذ بالله من ذكر الشيطان أن "حكاية هبوط الشيطان توارثتها أجيال لكن تداولها انحسر في السنوات الأخيرة".
ويلفت إلى أن "السكان الأوائل للمناطق القريبة من الجزيرة التي تتميز بصغر مساحتها كانوا يعتقدون أن تسمية المضيق بهذا الاسم هي مؤامرة بريطانية الهدف منها تخويفهم وبالتالي إبعادهم عن مناطقهم". ويتابع القول "لكن الحكاية سهل تصديقها لاحقاً عندما تفرعت منها حكايات أخرى منها ما يفيد بان المضيق كانت تحرس ضفته الغربية أفعى كبيرة".
ويزداد غموض الظاهرة المضيق بتأكيد خبير الملاحة البحرية في الخليج العربي الكابتن كاظم فنجان، الذي يقول إن "مضيق الشيطان ينطوي على لغز كبير، لكنه بخلاف مثلث برمودا في المحيط الأطلسي لم يجذب انتباه الباحثين".
ويضيف فنجان ان "العديد من المراجع البحرية العالمية تتضمن تحذيرات ملاحية مفادها أن على السفن المبحرة في شط العرب توخي الحذر الشديد لدى اجتياز المضيق وعدم الاعتماد على قراءات بوصلاتها المغناطيسية لأنها عرضة للاختلال وبالنتيجة قد تجنح السفن نحو اليابسة".
ويوضح فنجان الذي يعمل مرشداً بحرياً في الشركة العامة لموانئ العراق بعد أن كان معاوناً لمديرها العام لعدة سنوات أن "المضيق يؤثر بصورة غامضة على البوصلات المغناطيسية للسفن والتي تنحرف أحياناً مؤشراتها بشكل مفاجئ باتجاه الشرق بزاوية تصل إلى 45 درجة، لكن المضيق لا يؤثر على البوصلات الجيروسكوبية".
ويروي فنجان أن "تأثير المضيق لا يقتصر فقط على البوصلات البدائية". وقال إن "الانحراف البوصلي في المياه يقابله انحراف في عيون الناس على اليابسة"، ويبين أن "سكان جزيرة البليانية القريبة من المضيق كانوا يعانون من انحراف قرنية العين إذ بلغت نسبة (الحول) لديهم أكثر من 60 %".
إلا أن الخبير البحري يلفت إلى أن "ظاهرة (الحول) تلاشت بعد أن هاجر السكان الأصليون للمناطق القريبة من المضيق على اثر نشوب الحرب العراقية الإيرانية"، ويوضح أن "معظم السكان لم يعودوا إلى مناطقهم بعد انتهاء الحرب بسبب الدمار والألغام التي خلفتها، وحل مكانهم أسر تنحدر من مناطق شمال البصرة وجنوب العمارة الذين باتوا يشكلون حاليا نسبة كبيرة من سكان المناطق القريبة من المضيق".
ويتضمن دليل "اتجاهات الإبحار في البحر الأحمر والخليج الفارسي" الذي أعدته وكالة الاستخبارات المكانية الأميركية (NGA) تحذيرات ملاحية لربابنة السفن التي تمر بمضيق الشيطان، إذ يشير الدليل بطبعته الحادية عشرة الصادرة باللغة الانكليزية في العام 2006 إلى أن "مضيق الشيطان هو ممر ضيق توجد في الجانب الشمالي منه عوامة ضوئية وفي الجانب الجنوبي وضعت عوامة إنقاذ، وعلى السفن المصرح لها بالمرور عبر المضيق الحذر من الجنوح نحو اليابسة على اثر انحراف مؤشر البوصلة الرئيسة في هذه المنطقة".
وكما هو الحال بالنسبة لأدلة الإبحار ونشرات الإرشاد البحري الأخرى فإن الدليل لم يتضمن تفسيراً للظاهرة المذكورة.
أما موسوعة ويبيكيديا فإنها تفردت بنشر معلومات باللغة العربية عن مضيق الشيطان حيث ذكرت أن "السفن التجارية الكبيرة تتعرض لدى عبورها المضيق لقوة خفية تؤثر على بوصلتها المغناطيسية فتضطرب وتتحرك بشكل عشوائي ما يدل على وجود قوة جذب شديدة وغريبة"، وتضيف الموسوعة التي يخضع محتواها باستمرار إلى المراجعة والتعديل "لما كانت السفن الكبيرة تعتمد فيما مضى على البوصلات المغناطيسية فإن هذا الانحراف الفجائي في هذه المنطقة الضيقة يؤدي إلى جنوحها عن خط سيرها وارتطامها بالشاطئ وبخاصة إثناء الملاحة الليلية".
ويروي الخبير الملاحي فنجان انه على الرغم من الظواهر التي يشهدها مضيق الشيطان الذي يقع طرفه الشمالي على بعد بضعة أميال بحرية إلى الجنوب من ميناء أبو فلوس إلا انه لم يشهد منذ سنوات طويلة وقوع حوادث ملاحية.
ويبين أن "ذلك يعود إلى اعتماد السفن في تحديد مساراتها على البوصلات الجيروسكوبية الكهربائية وأنظمة التوجيه الملاحي بالأقمار الصناعية" مستدركا بالقول إن "جميع السفن تحتوي على بوصلات مغناطيسية لكن وجودها يعد كمالياً في ظل تطور تكنولوجيا الملاحة البحرية".
ويعتبر مضيق الشيطان أصغر مضيق بحري في العالم إذ يبلغ عرضه نحو 150 متراً، وتفرض الشركة العامة للموانئ العراقية على السفن التجارية المارة به ضوابط ملاحية لضمان سلامتها من الحوادث تتضمن منع تلاقي السفن وتسابقها بين ضفتي المضيق ومنح الأولوية في الاجتياز للسفينة المتحركة مع التيار.
ويرى رئيس قسم الجيولوجيا البحرية في مركز أبحاث علوم البحار في جامعة البصرة الدكتور عبد الجبار جلوب حسن أن "ظاهرة اضطراب بوصلات السفن التي تسلك المضيق، إن وجدت، فإنها على الأرجح ناجمة عن وجود مخلفات مغناطيسية أو قطع بحرية غارقة في المنطقة خاصة وان الحرب العراقية الإيرانية خلفت فيها غوارق كثيرة".
ويضيف أن "السفن الكبيرة تقوم لدى مرورها بالمضيق بإبطاء سرعتها ثم تنعطف بشكل حاد ما قد يؤثر أيضاً على بوصلاتها المغناطيسية".
لكن المرشد الملاحي في الشركة العامة للموانئ الكابتن البحري حسن زهراوي يستبعد نظرية تأثر بوصلات السفن لدى مرورها بالمضيق بالقطع البحرية والمعادن الغارقة ويشدد على أن "الغوارق ليست لها علاقة باختلال البوصلات المغناطيسية للسفن الكبيرة التي تسلك المضيق".
ويقول زهراوي إن "الظاهرة تم تشخيصها ملاحياً لأول مرة في ثلاثينيات القرن الماضي أي قبل نشوب الحرب بأكثر من 50 سنة وكان شط العرب آنذاك خالياً من القطع البحرية الغارقة".
ويعزز زهراوي من نظرية الظواهر الغريبة في مضيق الشيطان، إذ يلفت إلى إن "المضيق الذي يمتد طولاً لميلين بحريين لا يتسبب بانحراف مؤشر البوصلة المغناطيسية فحسب وإنما باهتزاز بها بشكل غريب".
ويعرب المرشد الملاحي عن اعتقاده بأن "المضيق سمي بهذا الاسم على الأرجح بسبب هذه الظواهر الغريبة التي مازالت تثير دهشة ربابنة السفن الأجنبية التي تسلك قناة شط العرب".
ويذكر مصدر في قوة خفر السواحل العراقية أن المناطق القريبة من مضيق الشيطان والتي تعتبر مناطق حدودية كانت ولا تزال تشهد عمليات تهريب وتسلل، ويقول ممازحا "يبدو أن الشيطان لا يخيف المهربين. |