|
|
يحيى الكبيسي : ولكنها سجون سرية |
|
|
|
|
تاريخ النشر
03/05/2010 06:00 AM
|
|
|
أثار التقرير الصحفي الذي كتبه نيد باركر في صحيفة Los Angeles Times يوم 19/ 4/ 2010، والذي جاء بعنوان " Secret prison revealed in Baghdad " وتحدث عن سجن سري في مطار المثنى يمارس فيها التعذيب على نطاق واسع، ردود فعل رسمية غاضبة ومشككة. فقد صرح السيد رئيس الوزراء في لقاء مع قناة العراقية يوم 25/ 4 /2010 أن هذه القضية " صنعت من لا شيء"، وبأنه "ليس في العراق سجون سرية أبداً"، ثم تحدث عن الواقعة التي تحدث عنها التقرير قائلا "لا يوجد سجن أصلا، ولا يوجد أحد مسجون فيه" وأن السجناء قد نقلوا منه "قبل أن ينشر التقرير"، وأن "المسجونون فيه وفق قانون العقوبات العسكرية"، متهما بعض أعضاء مجلس النواب بأنهم زاروا السجناء وطلبوا منهم الإدعاء بحصول التعذيب! وكان السيد وزير الدفاع قد تحدث في مؤتمر صحفي يوم 20/ 4/ 2010 أن «رواية السجون السرية فيها الكثير من المغالطات». وأضاف أنها «ليست سرية والمعتقلون فيها، خصوصاً من مدينة الموصل، ليسوا مخطوفين"، أن المعتقلين " يتمتعون بجميع حقوقهم الإنسانية كما تمت مقابلة ذويهم من قبلنا والذين طلبوا زيارة أبنائهم في السجون، وتم لهم ذلك برغم أن هذا الإجراء غير قانوني"، مبينا أن “تلك الادعاءات هي ليست إلا افتراءات لا موجب لها وإننا كحكومة سنرفع دعوى قضائية ضد الصحيفة وكاتبها”. أما وزيرة حقوق الإنسان فقد تحدثت في مؤتمر صحفي في اليوم نفسه أيضا أن التقرير الذي تحدث عن سجون سرية "لم يكن ليسلط الضوء على حدث أو انتهاك معين بل أراد تشويه الحقيقة والإساءة الواضحة للقائد العام للقوات المسلحة السيد رئيس الوزراء نوري المالكي"، وعن الواقعة التي تناولها التقرير قالت الوزيرة "إن الوزارة وفق السياق العام الذي تتبعه في متابعة جميع الشكاوى التي تخص المعتقلين استلمت شكاوى عدة من ذوي المعتقلين الذين تم حجزهم أثناء عمليات سور نينوى في الموصل التي حدثت نهاية العام الماضي 2009، الأمر الذي دعا الوزارة لمفاتحة وزارتي الدفاع والداخلية للإدلاء بأية معلومات عنهم فتبين أن قيادة عمليات نينوى قامت بنقلهم إلى إحدى مراكز احتجاز وزارة الدفاع في بغداد بناءا على أوامر قضائية، وبينت أن الوزارة بناءا على ذلك، شكلت وفدا مشتركا مع قيادة عمليات بغداد الكرخ وقائد الشرطة الاتحادية، لزيارتهم والاطلاع على أحوالهم ومجمل الأوضاع المتعلقة بالمبنى وطبيعة الخدمات المقدمة لهم، كما تم الاطلاع على الأوامر القضائية لهم فضلا عن اللقاء بهم بشكل منفرد عن إدارة السجن لتسلم شكاواهم والنظر بها، وعلى صعيد متصل كشفت بان فريق الوزارة تلقى ادعاءات تعذيب حدثت أثناء عملية التوقيف، الأمر الذي دعا القيادة العامة للقوات المسلحة إلى تشكيل لجنة تحقيقية للنظر في جميع الانتهاكات، سواء في مركز احتجاز نينوى أو بغداد، كما تم توقيف 3 ضباط مشتبه بتورطهم بهذه الحالات، وما زال التحقيق جاريا لمعرفة ملابسات الموضوع. وبينت أن الموقوفين تم نقلهم بعد ذلك إلى إحدى سجون دائرة الإصلاح التابعة لوزارة العدل ، ومن ثم إغلاق مراكز الاحتجاز بشكل نهائي وفق برنامج الوزارة في نقل جميع مراكز احتجاز وزارة الدفاع ومن ثم إغلاق الملف خلال العام الحالي 2010، وكشفت السيدة الوزير إن إجمالي عدد الموقوفين الذين نقلوا من الموصل يبلغ (431) سجينا تم إطلاق سراح (100) منهم بعد صدور أوامر قضائية بذلك". كما نفت الوزيرة أن يكون هذا السجن سريا " إذ أن الوزارة وبعد اطلاعها على الوضع في ذلك السجن اتضح انه يضم هيئة قضائية مكونة من قضاة اثنين وخمسة محققين، الأمر الذي ينفي عنه أية صفة سرية". ولنلاحظ أن السيدة الوزير تعترف بالوقائع التي أوردها التقرير، وإن تجنبت تحديد أي تاريخ زمني: معتقلون من الموصل محجوزون في سجن المثنى، لا أحد يعرف بهم، تعرض بعضهم للتعذيب، تم توقيف ضباط، نقل المعتقلين إلى سجون رسمية. والخلاف الوحيد هو حديثها عن أن السجن ليس سريا. ولكن ما لم تقله السيدة الوزيرة هو أن نقل المعتقلين لم يتم إلا بعد نشر التقرير!!! فقد أعلن الشريف المرتضى، رئيس دائرة إصلاح السجون في وزارة العدل، والذي تمت إقالته بناءا على أمر ديواني من رئاسة الوزراء في 19/ 4/ 2010، أن دائرة الإصلاح قد استلمت بعد الحادثة "وجبتين من معتقلي السجن وهنالك وجبة ثالثة سيتم نقلها قريبا" (صحيفة العالم في 24/ 4/ 2010). إن القضية التي يمكن أن تثار ههنا، بعيدا عن التناقض في المعلومات، مثل حديث السيد المالكي عن محتجزين وفق قانون العقوبات العسكري!!! وعن عملية نقل تمت قبل نشر التقرير!!! وبعيدا عن حديث السيد وزير الدفاع عن "لاقانونية" زيارة الأهالي لأبنائهم المعتقلين!!! هي مدى قانونية مثل هذا الاحتجاز لمدنيين في سجن عسكري؟ وهل هل نحن أما سجن رسمي أو غير رسمي؟ ينص الدستور العراقي في المادة 19/ثاني عشر على: أ ـ يحظر الحجز. ب ـ لا يجوز الحبس أو التوقيف في غير الأماكن المخصصة لذلك وفقاً لقوانين السجون المشمولة بالرعاية الصحية والاجتماعية والخاضعة لسلطات الدولة. ويحدد أمر سلطة الائتلاف رقم 10 الصادر في 6/ 8/ 2010 الخاص بـ "إدارة مراكز الاحتجاز والتوقيف والسجون" المنشور في صحيفة الوقائع العراقية في العدد 3978 بتاريخ 17/ 8/ 2003، على وجوب إخضاع جميع السجون لإشراف وسلطة وزارة العدل حصرا، إذ تنص المادة (1) من القانون على أن "يناط بوزارة العدل بموجب هذا الأمر كامل السلطة والسيطرة اللتين تمارسهما حاليا وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية على جميع مراكز الاحتجاز والتوقيف والسجون. وتلحق بوزارة العدل بموجب هذا الأمر مديرية سجون البالغين ومديرية سجون الأحداث التابعتين لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية وكذلك جميع المرافق التابعة لهما وينقل أيضا إلى ملاك وزارة العدل جميع موظفي هاتين الإدارتين". وقد أكد قانون وزارة العدل رقم (18) لسنة 2005 ،إذ نصت المادة (2/ حادي عشر) على أن تتولى الوزارة " إدارة دائرة الإصلاح العراقية والإشراف عليها وتطويرها بما يؤمن حقوق النزلاء وإعادة تأهيلهم للعودة إلى المجتمع". يصنف القانون العراقي السجون ومراكز الاحتجاز الخاصة بالكبار إلى صنفين: السجون المركزية، ومرافق التوقيف الاحتياطي والتي تعرف بالتسفيرات. وعلى الرغم من أن القانون يعطي لوزارة العدل، حصرا، سلطة إدارة هذه السجون ومراكز الاحتجاز، إلا أن جهات أخرى تنازع وزارة العدل هذه السلطة الحصرية بموجب القانون. وجاء في "التقرير السنوي للسجون والمعتقلات 2008" الصادر عن وزارة حقوق الإنسان أنه " تتعدد سلطات الإدارة لمرافق التوقيف الاحتياطي في العراق على الرغم من أن القانون العراقي (القسم 1 من قانون إدارة السجون )، لا يجيز لغير وزارة العدل إدارة أي مراكز توقيف احتياطية، وتتذرع السلطات المختلفة لكل من وزارات الدفاع والداخلية، بان عملية نقل السلطات المتعددة إلى وزارة العدل تحتاج إلى جملة استعدادات؛ منها ما هو مادي وآخر قانوني، إضافة إلى ضرورات ومعوقات المواقع الأمنية التي تقع فيها تلك المرافق الأمر الذي يستغرق مددا زمنية طويلة". بل إن التقرير يورد سجن مطار المثنى التابع لمديرية الاستخبارات العسكرية، تحت الرقم (15)، ضمن سلسلة من (21) مركز احتجاز يتبع لوزارتي الدفاع والداخلية في مخالفة صريحة للقانون (يشير التقرير إلى أن الطاقة الاستيعابية لسجن مطار المثنى هي 150 محتجزا فقط في حين كان يضم في 2008، أي وقت كتابة التقرير 240 محتجزا، مما دفع التقرير إلى وصف حالة السجن بالـ "اكتظاظ"، في حين تحدثت وزيرة حقوق الإنسان في مؤتمرها الصحفي عن أن عدد المحتجزين في السجن كان 431 سجينا، أي أكثر من طاقته الاستيعابية بثلاث مرات تقريبا). أي أن مجرد احتجاز معتقلين لمدة تقارب الستة أشهر (يدأت عمليا سور نينوى التي تم فيها اعتقال المسجونين في سجن مطار المثنى يوم 1/ 10/ 2009) في سجن تابع لوزارة الدفاع، يعد بحد ذاته خرقا صريحا للقانون. وكانت وزارة حقوق الإنسان في تقريريها للعامين 2007 و 2008 ، قد أشارت صراحة، وبالجملة نفسها، إلى "امتناع وزارة الدفاع عن تسليم مراكز احتجاز تدار من قبلها تحت ذريعة المواقع العسكرية والأمنية". كما أنها طالبت صراحة في توصياتها، في تقريريها للعامين 2007 و 2008، وبالصيغة نفسها، بما يأتي: 1. نقل السجناء والمحتجزين من مواقف الاحتجاز التابعة لوزارتي الداخلية والدفاع، إلى السجون والمراكز النظامية التابعة لوزارتي العدل/دائرة الإصلاح العراقية، والعمل/دائرة إصلاح الأحداث. 2. فك ارتباط المواقف ذات الطاقة التي تزيد على (100) شخص من وزارتي الداخلية والدفاع وإلحاقها بوزارة العدل/ دائرة الإصلاح العراقية. 3. إلغاء مراكز الاحتجاز الأخرى والتي تقل طاقتها عن (100) شخص والتي لا تخضع لولاية وزارة العدل أو دائرة الأحداث. ولكن بدلا من الالتزام بأحكام القانون، يشير التقرير إلى أن وزارة الدفاع قامت باستحداث مركز احتجاز جديد في العام 2008 تابع لقيادة عمليات بغداد، كما قامت وزارة الداخلية باستحداث مواقع احتجاز جديدة هي مرافق التوقيف الاحتياطي لقيادة الشرطة الوطنية/ الفرقة الأولى، سلم إلى مديرية مكافحة الإرهاب، ومركز احتجاز قيادة الشرطة الوطنية الثانية وسلم إلى قيادة عمليات بغداد الكرخ! الأمر الآخر الذي تطرحه هذه الحادثة، هو دور السلطة القضائية في متابعة هذا الملف، فالدستور العراقي نص على أن "تتكون السلطة الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات" (المادة 47). كما نص الدستور على أن "تتكون السلطة القضائية الاتحادية من مجلس الفضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية، ومحكمة التمييز الاتحادية، وجهاز الادعاء العام، وهيئة الإشراف القضائي، والمحاكم الاتحادية الأخرى التي تنظم وفقا للقانون" (المادة 89). وقد نص قانون الإدعاء العام رقم 159 لسنة 1979 المعدل، في المادة (7/ثانيا) أن على الإدعاء العام القيام بما يأتي: "تفتيش المواقف وأقسام دائرة إصلاح الكبار ودائرة الأحداث وتقديم التقارير الشهرية عنها إلى الجهات المعنية". ولا نعرف إذا ما كان جهاز الإدعاء العام يقوم بهذا التفتيش أم لا، حيث لم نسمع عن أي تقارير بهذا الشأن. والسؤال الأهم هو كيف تسوغ هيئة الإدعاء العام، ومن خلفها السلطة الفضائية، استمرار وجود سجون ومراكز احتجاز تخالف أحكام القانون. أي أننا في النهاية، وبكل بساطة، أمام سجون عسكرية، تقوم بحجز مدنيين في مخالفة صريحة للدستور والقانون، ولا تخضع لأية رقابة أو تفتيش، ومن دون معرفة أية جهة بوجودهم فيها، وبالتالي فهي سجون سرية. |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ د. يحيى الكبيسي
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|