|
|
رواية "كلاب جلجامش" لشاكر نوري: الأسطورة المعاكسة |
|
|
|
|
تاريخ النشر
12/10/2008 06:00 AM
|
|
|
يستعيد شاكر نوري في روايته الجديدة »كلاب جلجامش« أسطورة الرحلة العميقة التأثير في آداب الشعوب، رحلة جلجامش إلى الخلود. لكن ليس كما جاءت في الأسطورة البابلية القديمة، وانما كما يراها كاتب عراقي معاصر يعيش أحداث وطنه الراهنة، هذا الوطن الذي أصبح هو جلجامش يرتدي ثياب رواية حديثة. وشاكر نوري كاتب وإعلامي عراقي. عمل في التدريس والصحافة والإذاعة بين باريس وأبو ظبي ودبي. نال شهادة الدكتوراه في السينما والمسرح من جامعة السوربون عام .١٩٨٣ أصدر نوري كتباً فكرية وأدبية عديدة أبرزها: »الجن والمتاهة: حوارات مع ألف روب غرييه«، و»هذه وصيتي إلى القرن الواحد والعشرين: حوارات مع روجيه غارودي«. وصدرت له ثلاث روايات: »نافذة العنكبوت« (٢٠٠٠)، »نزوة الموتى« (٢٠٠٤)، وثلاثية »ديالاس بين يديه« (٢٠٠٧) عن دار الفارابي، بيروت. من هم كلاب جلجامش؟ هل هم أبطال الرواية الأصدقاء الثلاثة جلال وأنور وسرمد؟ هل هم أبناء الشعب العراقي الذي يعاني تفشي وباء الخلود؟ هل هم الجنود الأميركيون؟ هل هم العلماء الأميركيون في كواليس المختبرات في علم الجينات في لوس انجلوس الذين أرسلوا بطل الرواية جلال إلى العراق؟ لا يقدم لنا شاكر نوري إجابة حاسمة على هذه التساؤلات، بل يتركها معلقة في عيون القراء. أحياء لا يموتون تتمحور الرواية حول جلال، بطل الرواية، عالم جينات يعمل في الولايات المتحدة يعود إلى العراق لينفذ وصية صديقه أنور في دفنه في تراب الوطن. لكن جلال يفاجأ عند نقطة الحدود بأن أهالي العراق صاروا خالدين في الأبدية.. طبعاً نحن هنا لسنا في عام ١٨٠٠ قبل الميلاد بل في عام ٢٠٠٨ بعد الميلاد وما قبلها من السنوات. تحاكي الرواية الألواح الاثني عشر في ملحمة جلجامش لكن أحداثها تجري في ثلاثة عواصم متروبوليتانية: باريس ولوس انجلوس وسواديا (بغداد) وهي العواصم التي توزعت عليها أدوار شخصيات الرواية. وفي انتقالات بطل الرواية جلال بين معبر »بيل« والفندق والحانة والمسجد والمتحف وحي العاهرات ومركز فحص الإيدز والنهر والسفينة السياحية والغابة تتجسد الرحلة الجلجامشية لإنسان معاصر ومغترب في المكان والزمان. وتتحول »وصفة الكائن الذي ثلثه إنسان وثلثاه إله« ـ كما ورد في الأسطورة ـ إلى مادة للتجسس والقلق الوجودي والاضطراب الأمني وللضحك السوداوي السريالي. فالعراق (سواديا) تحول إلى بلد كل سكانه »خالدون«، إذ إنه ممنوع الموت فيه. لا مقابر ولا جثث ولا مآتم. وتلك سخرية فلسفية تقلب الواقع رأساً على عقب. إذ نعرف جيداً أن العراق (سواديا) بلد يموت الناس فيه كل يوم وبالعشرات ولا تنفك أحداث القتل وسفك الدماء عن الانتشار في مدنه وقراه. فما هو المغزى من قلب هذا الواقع الأليم رأساً على عقب؟ ربما هو نوع من ولوج نوري إلى لاوعي الانسان العراقي المنشغل والمشغول دائما بفكرة الخلود بعد الموت. أما حين تتحول سواديا إلى بلد لا يموت فيه الناس، فهذا أشبه بمشهد مسرحي سريالي في قالب فكاهي أسود، يخترق فيه المشاهدون ما هو غير معقول ويعايشون مفارقات »الخلود« بكل عذاباتها وآلامها، فيتبين لنا أن هذا »الخلود« هو الجحيم بعينه. هكذا تتحول جثة أنور، أي الموت، الباحثة عمن يدفنها بسلام، إلى خلاص فردوسي في نهاية الرواية، تطلبه جماهير سواديا وتتهافت عليه. مسلسل ساخر بالإضافة إلى هذه السخرية من الفكرة الأساسية للرواية والتي ترتكز على الأسطورة الجلجامشية ـ البحث عن الخلود ـ هناك مسلسل ساخر من الأحداث يضفي روح الفكاهة السوداء على حبكة الرواية: التوقف عند معبر بيل ـ الرشوة المتفشية بين رجال الأمن ـ الجلوس إلى جانب الجثة في السيارة وفي الفندق ومحادثتها ـ التعامل مع موظفي الفندق وموظفي الأمن تعاملا كافكاويا، حيث المال وبالدولار هو السيد المطاع. وفوراً يدرك القارئ أن نوري ينقله إلى عراق اليوم بكل ما فيه من مفارقات وأحداث. تغلّف السرد بالرموز الرموز والحكايا والأحداث والتعليقات التي تطال التاريخ الرمزي للعراق، تغلفه في الماضي والحاضر. لكن الرواية لم تنسج محاكاة عميقة ومفصلة مع هذا التاريخ بل بقيت طافحة على سطحه تتعامل مع بعض الجوانب الاستعارية السردية الضحلة أمام المستنقع العراقي الحافل بالمزيد من العناصر التي كان يفترض بنوري أن يتعامل معها. لذا جاء السرد فقيراً بعناصره الحكائية إذا ما قورن بالواقعية السحرية عند غبرييل ماركيز »في مئة عام من العزلة«. ورغم أننا نلحظ تأثر نوري بالتقنية السردية البوليسية عند إدغار ألن والتي كانت رائدة في هذا المجال، إلا أننا يمكننا ان نعتبر رواية نوري فقيرة أمام الغنى والتنوع السردي عند نجيب محفوظ ويوسف ادريس وصنع الله ابراهيم. هكذا، لم تخرج كلاب جلجامش عن اطار الحكاية المطولة التي تحتاج الى مزيد من التمفصل والاستطراد الضروري لإنشاء عمارة روائية يبدو واضحا ان نوري كان يطمح الى بنائها، ولكنه تخلف عن تشييدها واكتفى بما يشبه حكاية بوليسية ساخرة من قصص إدغار ألن بو. يبقى القول ان موضـوع هذه الرواية المستند الى أسطورة جلجامش، هو ريادة فريدة في هذا المجال، تؤهل هذه الرواية ـ الحكاية الى ان تتحول الى فيلم سينمائي من أفلام الرعب الضاحك، بتلاوينه السياسية والانتقادية الساخرة، وبزمنها الروائي الذي يتجاوز برمزيته، حدود المرحلة الآنية، ليحكي الواقع الرمزي للعراق المثير للسخرية والتأمل. لكن سيناريو هذا الفيلم يحتاج إلى كتابة تستعيد الكثير من المواقف والأحداث المغيبة او المستبعدة عن مساحات السرد والتي تحتاج إلى مزيد من التعمق والاستغوار. ([) صادرة عن الدار العربية للعلوم في بيروت |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ صفوان حيدر
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|