|
|
رغم الآلام بغداد لم تزل تقرأ.. وآل حياوي يعاودون بيع الكتب في شارع المتنبي |
|
|
|
|
تاريخ النشر
08/08/2008 06:00 AM
|
|
|
في الأعلى غرفة نوم مقفلة يحتفظ نبيل حياوي فيها بمتاع ابنه الوحيد الذي لم يُكتب له أن يعيش طويلاً، وفي الأسفل يرتعش صوت هذا الأب المنكوب وهو يتذكر تفاصيل انفجار السيارة المفخخة الذي أودى بحياة ابنه وشقيقه، وسوّى مكتبته بالأرض في شارع المُتنبي ببغداد قبل أكثر من سنة. واليوم، وبعد خمس عمليات جراحية، لايزال صاحب المكتبة نبيل حياوي (60 سنة) يجد صعوبة في الوقوف على قدميه، وذراعُه اليسرى مُعطلة، ويتناول سبع حبات في اليوم للتغلب على الألم والإحباط، ولاتزال بعض الشظايا المُنغرسة في أنحاء جسمه تهدد بالقضاء على حياته في أية لحظة. لكن عقوداً من الدكتاتورية والحروب والحظر الدولي أعقبتها خمس سنوات من الاحتلال والعصيان المدني والنزاعات الطائفية، لم تفتّ في عَضُد آل حياوي الذين يمثلون رمز الصمود والمستقبل الواعد في مسلسل المآسي التي شهدها العراق، وهم يرفضون الاستسلام لتيار الاضطرابات التي تعصف بالبلاد في المرحلة الصعبة الحالية. إنهم -آل حياوي- ينتمون إلى فئة من الطبقة الوسطى، آخذة في الزوال لكنها لاتزال تتمتع بنفوذ واسع بين العراقيين الذين يُساورهم قلق بالغ حيال الانشقاقات الطائفية والتوجهات الإسلامية داخل مجتمعهم والذين بقوا رغم ذلك متمسكين بطبيعتهم التعددية والعلمانية. وبالرغم من أن العنف أسفر حتى الآن عن خروج أكثر من مليونيّ شخص من البلاد، وإلى نزيف حادّ في رصيدها من المحترفين، فإن المكتبة التي أعيد بناؤها تشكل مصدر إلهام لأفكار جديدة ونمو ثقافي. وفي كل يوم، في شارع المتنبيّ، يُثابر نبيل حياوي على بيع الكتب ويساهم في تثقيف أجيال جديدة من المحامين والأطباء ومُبرمجي الكمبيوتر. يعتمد بقاء آل حياوي في العراق على التمسك بالوطن والوطنية والتقاليد وعلى الضرورات الاقتصادية والتصوّر بأن القوات الأميركية سوف تخرج من البلاد في النهاية، ويومها سيعتمد العراق على هذه الأسرة وأمثالها من أجل إعادة بناء نفسه، مادياً ومعنوياً. يقول نبيل حياوي: «العراق هو روحي ومنه أذهب وإليه أعود، لكنني لن أغادره أبداً». ومكتبة النهضة التي أسسها عبدالرحمن حياوي العام 1957، وهو من هواة الخط العربي، هي أقدم مكتبة في شارع المتنبي الذي احتفظ بتقاليده الثقافية العريقة إبان العهود الإمبراطورية والاستعمارية والملكية. ولقد تعرّضت مُعظم أنحاء بغداد التي بُنيت قبل 1246 سنة للدمار بفعل المناخ والحروب، وبقي شارع المتنبي واحدا من الصروح القليلة للثقافة والتاريخ في العاصمة بغداد. ويوم الجمعة من كل أسبوع، يتدفق آلاف العراقيين من كافة الطوائف والأديان إلى شارع المتنبي ليشتروا الكتب من الباعة. ويسود شارع المتنبي جوّ عام من الحرية منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق، وفيه يعرض الباعة نصوصاً دينية شيعية، وأخرى وهابية ومجلات غربية تتصدر صفحاتها صور نساء سافرات، وهو ما كان يعرّض باعتَها للحبس حتى وقت قريب. وفي منزله في حيّ المنصور يحتفظ نبيل بصور والده عندما أسّس مكتبة النهضة، وشقيقه محمد وابنه يحيى اللذين لقيا مصرعهما في حادث التفجير المشؤوم يوم الخامس من مارس (آذار) 2007. يومها احترقت المكتبة، واحترقت معها مجموعة من الكتب النادرة والمخطوطات، وكتب الخط التي لا تقدّر بثمن. ورغم الآلام، لايزال العراقيون من كافة الطوائف والأديان يرددون بثقة المقولة الشعبية الشهيرة: «القاهرة تكتب، وبيروت تنشر، وبغداد تقرأ». |
|
رجوع
|
|
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|