أشياء كثيرة تغيرت في العراق منذ الغزو الأميركي وسقوط نظام صدام حسين، ولعل أكثر ما يسمعه المرء من العراقيين اليوم هو شكواهم من انعدام الأمن والأوضاع المعيشية والسياسية والإقتصادية إضافة إلى بروز النزعة الطائفية. وفي الحلقة الثانية من سلسلة الحلقات التي تنشرها «الشرق الأوسط» عن الحياة في العراق من خلال زيارة بعض المواقع الساخنة، والحديث مع الناس، نتناول كيف تغير نمط الحياة اليومي بفعل الأحداث ونتعرف على بعض التفاصيل اليومية للناس العاديين. ولهذا الغرض عايشت «الشرق الأوسط» ليوم كامل الحياة مع عائلة في بغداد لتتعرف على مشاغلها وهمومها ومتاعبها.
يسرع آخر المتأخرين في شوارع بغداد إلى بيته عندما تتجاوز الساعة السادسة مساء. عند الرابعة يعود الجميع الى أسرهم، وقبل ذلك بساعتين تكون النساء من الموظفات قد وصلن إلى بيوتهن بالفعل. أما طالبات الجامعة فيصلن إلى منازلهن عند الواحدة. لا مساء في بغداد، ولا ليل في مدينة ألف ليلة وليلة. عند الساعة الثامنة تتحول المدينة التي كانت تضم أكثر من ستة ملايين نسمة إلى مدينة أشباح باستثناء نقاط التفتيش. لا احد يسهر في المدينة التي لم تكن تعرف معنى النوم.
يمكن أن نعد المناطق التي تغامر محلاتها ومطاعمها ومقاهيها بالسهر حتى الثامنة مساء، على اصابع اليد الواحدة، وهي تحديدا الكرادة داخل، وشارع الكندي، والكاظمية، وفي احيان قليلة شارع فلسطين، او بعض مناطق هذا الشارع.
مشاغل العائلة العراقية لا تحصى، من البحث عن قنينة غاز بسعر 20 الف دينار للقنينة الواحدة، إلى البحث عن ليتر نفط بسعر عشرة آلاف دينار لليتر الواحد، والبحث عن بنزين لمولدات الكهرباء بسعر 20 الف دينار لليتر الواحد، وانتهاء بانتظار ما لن يأتي إلا بشق الأنفس، وهو الماء. وتبدأ المسرحية اليومية المؤلمة بعدم وصول التيار الكهربائي، الذي يأتي لساعتين يوميا في أفضل الاحوال حيث يسمونه هناك «الوطنية»، إذ عندما يأتي تيار الوطنية تسارع العائلة إلى إنزال «عتلة» أو ذراع تأمين ملحقة بصندوق توزيع التيار للبيت، وعادة ما يكون موقع هذا الصندوق خارج البيت قريبا من باب السياج الخارجي. وخلال الساعتين يعيش البيت حالة انذار قصوى حيث يتم تشغيل غسالة الملابس وماطور نقل الماء الى الخزان فوق سطح البيت، والثلاجة، والفريزر، واجهزة تبريد البيت (ايركوندشن) او(ايركولر)، وهذه الثانية لا تحتاج إلى طاقة كهربائية عالية. ومع هذه الفعاليات هناك مهرجان غسل ارضية البيت وتنظيفه ثم وقوف طابور افراد العائلة امام الحمام لاخذ دوش سريع او بما يسمح به الوقت تناسبا مع عدد افراد العائلة.. وكل ذلك يجب ان يتم خلال ساعتين، هذا اذا حالف الحظ هذه العائلة او تلك واستمر التيار الكهربائي لساعتين كاملتين. ولا احد يعرف متى ستأتي ساعتا الحظ، فاحيانا يكون موعد منطقة ما مع التيار الكهربائي الحكومي (الوطنية) خلال ساعات الصبح الاولى، او خلال فترة الظهيرة او المساء، ولكن من سوء حظ اي منطقة ان يأتي التيار الكهربائي ما بين الساعة الثالثة والخامسة فجرا حيث يكون الجميع نياما وقلما تقوم اية عائلة بفعالياتها البيتية المعتمدة على التيار الكهربائي في هذه الفترة الصباحية المبكرة فتضيع عليها فرصة ثمينة لذلك اليوم. ومع انقطاع التيار الكهربائي، فإن جام غضب الأسر ينصب على الحكومة «التي لا ندري اين تذهب بأموال الشعب ولا تهتم بموضوع الخدمات»، حسب ما يقول أحد أفراد العائلة التي عايشنا معها يومها. وصيف بغداد قاس للغاية في العادة حيث ترتفع درجات الحرارة خلال شهري يونيو(حزيران) ويوليو(تموز) الى اكثر من 50 درجة مئوية وعادة ما يرافق انقطاع التيار الكهربائي انقطاع الماء، وحتى في فترات العام الأخرى تكون درجة الحرارة عالية نسبياً إلا في فصل الشتاء حيث تنخفض درجات الحرارة بشدة مما يجعل الناس أيضا في حاجة ماسة إلى الكهرباء.
وهناك خيارات اخرى في موضوع الكهرباء وهي خيارات تهم من هو متمكن ماديا ويستطيع توفير مولد للطاقة الكهربائية وشراء طاقة كهربائية من مولدات تابعة لأشخاص آخرين. وسعر الامبير يتراوح ما بين 20 الى 30 الف دينار ولفترة محدودة كي لا تتعب المولدات. وعندما يتم تشغيل مولد الكهرباء البيتي لا بد من انزال «العتلة» الاولى في صندوق توزيع الطاقة الكهربائية، ورفع ثانية يكون لونها غير لون الاولى كي لا يحصل تداخل وتحترق الاجهزة الكهربائية في البيت. واذا ما جاء التيار الكهربائي من المولدات الخاصة والتي تتوزع بين الاحياء السكنية، فإن هناك «عتلة» ثالثة يجب معالجتها. الكهرباء في العراق تحولت الى تجارة، ما عليك سوى ان تشتري مولدات كبيرة للطاقة الكهربائية وتبيع كهرباء حسب الامبير وتجني الارباح، وكلما ارتفعت درجة الحرارة او ساءت امور تيار الكهرباء الحكومي (الوطنية) فإن سعر الامبير يرتفع، وما على المواطن الا ان يذعن لهذه الاسعار لانقاذ عائلته ونفسه من حر صيف العراق الساخن جدا، أو برد الشتاء القارس.
مسرحي عراقي معروف قال «لقد كان الاعلام المعارض لصدام حسين يقول، ان النظام السابق كان يشغل العراقيين بموضوع الكهرباء ويعاقب الشعب حتى لا يطالب بحقوق سياسية او حياتية اضافية، وكنا نؤمن بهذا الرأي باعتبار ان العراق بلد نفطي وغني وبامكانه ان يوفر الخدمات للناس، ولكن ماذا يجري اليوم؟».
ويضيف «اذا كنا نؤمن بما كان يقوله الاعلام المعارض الذي كان يقوده ذات الاشخاص الذين يقودون البلد اليوم، فكيف نبرر غياب جميع الخدمات اليوم، وهذا يعني ان الحكومة التي يقولون ان الشعب قد اختارها هي الاخرى تعاقب العراقيين وبقسوة اكبر من القسوة التي كان صدام يعاقبنا بها».
كيف تقضي الأسر العراقية اوقات فراغها بعد الرحلات الماراثونية اليومية وراء متطلبات المعيشة اليومية؟ أين يذهبون في الاماسي مثلا؟ كيف يخصصون بعض اوقاتهم للتسلية البريئة؟ ما هي المجالات المتاحة لهم وما هي اختياراتهم؟ مئات الاسئلة التي تندرج تحت هذا الموضوع تبادرت الى الذهن عندما زرنا بعض العائلات.
لنأخذ عائلة ابو زينب مثلا، وهو رجل متقاعد كان موظفا كبيرا في الخطوط الجوية العراقية، وزوجته كانت موظفة في وزارة الاعلام، ولا يمكن القول عنهما انهما كانا بعثيين بل كانا موظفين متميزين في دائرتيهما، وكانا يتمتعان بدخل معقول، ابنتهما الكبيرة زينب انهت دراسة الاقتصاد في الجامعة المستنصرية وهي مخطوبة منذ عامين من طبيب شاب وتأخر زواجهما بسبب الظروف السائدة في البلد، وابنهما زيد حصل توا على شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من الجامعة التكنولوجية ببغداد، وابنتهما الصغيرة زينة، 14 عاما، ما تزال في دراستها المتوسطة. وكان ابو زينب بحكم عمله السابق يتمتع بامتياز الحصول على تذكرة سفر سنوية مجانا الى خارج العراق وتذاكر اخرى بأسعار مخفضة لزوجته وابنائه، ودخلهما الشهري كان كافيا لادارة عائلة غير باذخة لكنها مرتاحة. فجأة وجدت هذه العائلة نفسها تعيش في ظروف صعبة، وما وفروه في سنوات الخير انفقوه في السنوات العجاف.
يقول ابو زينب، الذي رفض نشر اسمه لأسباب امنية، «انا لا استطيع ان اعمل اليوم في اي مهنة، لهذا فكرنا بمشروع بسيط وهو ان نفتح مقهى انترنت نديره انا وابني زيد، لكن المشروع فشل فشلا ذريعا بسبب انقطاع التيار الكهربائي وقلة الزبائن نتيجة الوضع الأمني، وبعنا المقهى بأقل من نصف المبلغ الذي انفقناه لتأسيسه، لا نستطيع السفر الى خارج العراق وليست هناك وظيفة مناسبة لولدي او لابنتي، وانا كنت امضي بعض أوقاتي مع الاصدقاء المقربين في مقهى الحي، لكن المقهى اغلق وتم تحويله الى مطعم للوجبات السريعة وصار شاغلنا هو كيف الحصول على قنينة غاز بسعر معقول، وبنزين لمولد التيار الكهربائي».
اما زوجته ام زينب فتبدو معاناتها اكبر في ظل غياب التيار الكهربائي والماء والحرص على حياة عائلتها، وتقول لـ«الشرق الأوسط» في هذا الصدد «أعيش في قلق كلما خرج ابني مع اصدقائه، وكلما ذهبت ابنتي مع خطيبها الى عائلته، وكلما ذهبت ابنتي الصغيرة الى مدرستها مع ان والدها او شقيقها يقومان بايصالها ذهابا وايابا، وغالبا ما نمنعها من الذهاب للمدرسة لأسبوع او اكثر وحسب الأوضاع الأمنية».
زينب تحدثت من ناحيتها عن صعوبة الخروج مع خطيبها أو زوجها مع وقف التنفيذ كما تقول إذ أنهما عقدا قرانهما بعد اسبوع من خطوبتهما، وكذلك صعوبة الخروج للقاء صديقاتها اللائي تتواصل معهن من خلال الموبايل فقط، بسبب الخوف من الخروج.
وعندما سألناها عن خططها مع خطيبها لاتمام الزواج، قالت «لقد خططنا ان نقيم العرس في احدى محافظات كردستان وغالبا في اربيل كون خطيبي قد وجد عملا هناك، كما يفكر والدي بالانتقال الى هناك حيث الاوضاع اكثر استقرارا، وقد يجد شقيقي عملا له ايضا في اربيل لكثرة المشاريع».
ويذكر ان حفلات اعراس العراقيين تقام حسب الوضع الاقتصادي للعريس، الاغنياء يقيمون حفلات اعراسهم في العاصمة الاردنية عمان او في دبي، والاقل ثراء او من هم فوق الطبقة المتوسطة يختارون احدى مدن كردستان ليقيموا فيها حفلات اعراسهم، حيث بامكانهم دعوة اقاربهم واصدقائهم، اما من ينتسب للطبقة المتوسطة فإما تجده يفضل عدم اقامة أي حفلة والاحتفاظ بالمبالغ التي سيصرفها على الحفل لتعينه في مشواره الجديد او يقيم حفلا بسيطا في بيته او بيت عائلته للمقربين على ان يكون موعد هذا الحفل ما بين الساعة الواحدة وحتى الثالثة ظهرا.
أما زيد فيمضي غالبية وقته أمام جهاز الكومبيوتر وعندما ينقطع التيار الكهربائي عن البيت يذهب الى مقهى للانترنت قريب من الحي الذي يقيمون فيه، ويقول «نحن ننتمي الى جيل مظلوم فقد عانينا في دراستنا حتى انهينا الجامعة، والآن مع اني احمل شهادة البكلوريوس في الهندسة الكهربائية، الا اني لا اجد عملا مناسبا لي، فالدوائر الحكومية تحتاج الى تزكية، والوزارت مقسمة هذه شيعية وتلك سنية واذا اردت العمل في وزارة شيعية فيجب ان احصل على توصية من حزب شيعي، وكذلك اذا اردت العمل في وزارة سنية، وانا من عائلة سنية شيعية ولا نعترف بهذه التصنيفات الطائفية، ثم ان الراتب الشهري للموظف الجديد من حملة شهادة البكلوريوس في الدولة، لا يتجاوز المائتي دولار اميركي وهذا مبلغ لا يسد اليوم النفقات الحياتية لاي شاب عراقي ومتطلباته». ويخشى زيد التنقل كثيرا في بغداد «فالتفجيرات كثيرة وعصابات الاختطاف في كل مكان.. حركتي تقتصر ما بين البيت ومدرسة اختي الصغيرة وكذلك الى مقهى الانترنت القريب للقاء الاصدقاء وتمضية الوقت هناك، والان نخطط للانتقال الى كردستان حيث وعدني احد اصدقاء والدي الذي له شركة مقاولات بناء هناك بعمل معه، ونجد هذا هو الحل الامثل».
يضيف زيد قائلا «هناك ايضا مشكلة الفتيان والمراهقين او من هم في سن السابعة عشرة والثامنة عشرة، فهؤلاء تركوا مدارسهم من شدة اليأس وفي مقاهي الانترنت يرتادون مواقع ممنوعة اجتماعيا وكل يوم يزدادون نقمة على المجتمع، لأنه لم ينصفهم اذ لا مكان يذهبون اليه ولا حدائق او ملاعب او نواد تلمهم، وعلى وزارات مثل الشباب والعمل والشؤون الاجتماعية والمجتمع المدني ان تنتبه لهؤلاء قبل ان يضيعوا انفسهم لا سيما وان العصابات والمخدرات متوفرة في بغداد اضافة الى ظهور من يسمون انفسهم بالمجاهدين الذين يغرون الفتيان بالعمل معهم كانتحاريين او مجاهدين».
ثمة اماكن نادرة يذهب اليها العراقيون صباحا او ظهرا او مساء حتى الساعة السابعة، وتستطيع العائلة البغدادية ان ترتاد هذه الاماكن اذا كانت تسكن في ذات الحي الذي تقع فيه هذه المقاهي. أحد هذه الاحياء المحظوظة والمستقرة امنيا نسبيا هو الحارثية والذي تقع في شارعه الكندي الكثير من المقاهي والمطاعم العائلية التي تبقى مفتوحة حتى الثامنة مساء. وكذلك حي الحارثية الذي كان مخصصا للقضاة والمحامين وتقيم فيه اليوم أسر سنية وشيعية تعيش منذ سنوات طويلة بمحبة لم يؤثر فيها ما حدث في العراق من تفرقة. ثمة أسر كانت تجلس هناك بعد الساعة الخامسة مساء، عندما اقتربنا من احدها رفض رجل بينهم التصوير وفضل الحديث من غير ذكر الاسماء كاملة، وقدم نفسه على ان اسمه تحسين ويعمل في القطاع الخاص ويسكن في حي الحارثية، ثم قال «ليس هناك من اماكن نذهب اليها مع العائلة سوى هذه المقاهي والمطاعم ونحن هنا لتغيير الجو، نأخذ بعض السندويشات ونشرب الشاي ثم نعود الى البيت». ويشير الى ان «ثمة مكان آخر نذهب اليه احيانا كعائلة لكنني اذهب اليه مع اصدقائي ذلك هو نادي الصيد للسباحة او قضاء بعض الوقت مع اصدقائي هناك».
زوجته رنا قالت «انا كنت موظفة لكن الظروف الأمنية اجبرتني على ان اترك عملي واهتم بأطفالي، اهلي يسكنون في حي الدورة، ومن المستحيل ان افكر بزيارتهم كون الاوضاع هناك متوترة دائما، لكنهم يأتون الينا بين فترة واخرى ونحتفي بهم بالمجيء الى هذه المقهى». ثم تضيف قائلة «هنا اكثر ما يزعجنا هو قيام بعض افراد الحمايات الشخصية او افراد الشرطة برمي الرصاص في الهواء لافراغ الشارع من السيارات، وتسهيل مرور مسؤول ما او لاستعراض القوة امام شعب لم تعد لديه القوة، لكثرة ما عانى من سجون وتعذيب وحروب وقصف». زميل صحافي قال عندما اقترحنا عليه مقابلته في مقهى «لم تعد هناك مقاه تلمنا فقد فجروا مقهى الشاهبندر في شارع المتنبي، والذهاب الى مقهى حسن عجمي في شارع الرشيد يعد اليوم مغامرة»، لهذا اقترح اللقاء في صالة «حوار» للعروض التشكيلية التي تعد اليوم مركزا ثقافيا ومكانا للقاء المثقفين العراقيين. اسس هذه الصالة فنان تشكيلي اسمه قاسم سبتي، قام باستئجار بيت قديم في منطقة الوزيرية التي كانت تعد حيا لغالبية وزراء العهد الملكي ومن هنا جاء اسمها (الوزيرية)، ثم تحولت الى منطقة جامعية حيث تقع كليات الآداب والتربية والصيدلة واكاديمية الفنون الجميلة وكلية التربية الرياضية ومعهد الادارة والجامعة المستنصرية، بينما تحولت غالبية بيوتها الكبيرة التي كان يسكنها الوزراء واغنياء بغداد الى مجمعات لإسكان طلبة جامعة بغداد والمستنصرية.
لكن صالة «حوار» سرعان ما تحولت الى ملتقى للمثقفين العراقيين، خاصة بعد ان أنشأ سبتي في ركن من حديقتها مقهى صغيرا. يقول سبتي «لقد قررت المواصلة رغم كل الضغوط الامنية المحيطة بنا، فأنا أشعر بالسعادة عندما اجد هذا الجمع من المثقفين العراقيين بينهم التشكيلي والمسرحي والموسيقي والاستاذ الجامعي يلتقون هنا سواء خلال عرض تشكيلي او للنقاش او للراحة». ويضيف قائلا «كنا في السابق نقيم اماسي مسرحية وموسيقية، لكن الاوضاع اليوم سيئة للغاية، والضيوف يتركون المكان قبيل حلول المساء، والموضوع بالنسبة لي هو معركة بين من يريدنا ان نصمت ونغلق كل صالاتنا ونرحل وبيننا نحن الذين نريد ان نثبت بأن العراقيين هم بناة حضارة رغم كل الظروف».
الواقع الجديد في بغداد، بل وفي محافظات عراقية اخرى ان العراقيين يقارنون بين ما هم عليه اليوم وبين وضعهم في عهد نظام صدام حسين، ويقول صحافي عراقي لم يكن من المؤيدين للنظام السابق ولم يترك العراق: «لقد كنا نعرف في عهد صدام حسين من هو عدونا، وماذا نفعل حتى لا نتعرض للاعتقال او الاعدام، وعندما تحاشينا ذلك وكأننا كنا نمشي في حقل الغام نجونا واستقبلنا العهد الجديد باعتبار اننا سنعيش في عراق جديد مزدهر بالحرية والخير للشعب الذي عانى الكثير، لكن للاسف ان الوضع الجديد جعلنا نندم لرحيل نظام عرف بدكتاتوريته واجرامه». ويضيف هذا الصحافي الذي هدد اكثر من مرة بالقتل ومن اكثر من جهة قائلا «انا مهدد من قبل المقاومة العراقية لأنني متهم بالعمل لصالح القوات الاميركية وهذا غير صحيح، ومهدد من قبل ميليشيا شيعية بتهمة اني طائفي واكتب ضدهم مع اني شيعي علماني لا اعترف بكل هذه التصنيفات، ومهدد من قبل من يسمون انفسهم بالمجاهدين لأنني وصفتهم بالارهابيين، ومهدد من قبل الحكومة لانني قلت وما زلت بنها حكومة ضعيفة ولم تحقق اي شيء للعراقيين، بل ان الاوضاع تتدهور وتمضي الى الاسوأ كل يوم».
قص لنا كاتب عراقي عن كاتب قصة معروف كان مجبرا ان يكتب قصصا ضمن سلسلة كانت وزارة الثقافة والاعلام السابقة تدعمها بقوة وبتوجيه من صدام حسين نفسه تدعى «قصص قادسية صدام»، ومع ان هذا الكاتب كان متزنا وهو كاتب جيد، الا انه تعرض للهجوم من قبل كاتب قصة آخر كان معتقلا في عهد النظام السابق. ويقول هذا الكاتب العراقي ان «القاص الذي كان قد خرج من السجن توا بعد الاحتلال، دخل الى المقهى الذي كان يجلس فيه القاص الاول، وهجم عليه متهما اياه بالصدامي، وهدده بالقتل مما دفع بالقاص الاول الى الاختفاء. ومثل هذه القصص تتكرر في مجالات مهنية اخرى كالاطباء والمهندسين والفنانين وغيرهم، وهذا يعني ان مسلسلا من الثأر والانتقام سوف يستمر الى ما لا نهاية، اذا لم يتمتع الجميع بروح التسامح ونسيان الماضي وطي صفحاته والبدء بصفحات جديدة على ان تصدر الحكومة قرارات قوية بهذا الاتجاه، مثلما حدث في اقليم كردستان |