صدر عن دار ميزبوبتاميا في بغداد الديوان الاول للشاعر والاعلامي كاظم غيلان بعنوان "عرس الماي" وقد كتبت قصائد الديوان بفترات مختلفة من حياة الشاعر المريرة منذ سبعينيات القرن العشرين..وبأصدار هذه المجموعة الشعرية الشعبية قد حقق الشاعر منجزه الاول، الذي كتب له مقدمته الشاعر العراقي الرائع رياض النعماني واضاف الدكتور المعمار علي ثويني انطباعه عن الشاعر كاظم غيلان ، وكتب الزميل عدنان المنشد شهادة "للشاعر سجاياه" كرؤية شخصية وايديولجية للشاعر غيلان .. تصدرت لوحة الفنان العراقي فيصل لعيبي غلاف الديوان فضلاً عن لوحاته الداخلية ايضاً وقد قام بتصميم الديوان الدكتور علي ثويني وهذه مقدمة الديوان التي كتبها الشاعر النعماني والتي كانت بعنوان كيان نحيل ومقاوم " ليل وشوارع باردة.. موحشة.. توشك أن تختفي وراءه هي، ووراء العتمة الناحلة،.. ثمة قصبة وحيدة مائلة من شدة عطش الماء تلمحها.. هناك تسير وحيدة في زمهرير الرياح المذعورة عائدة الى جهات الهباء جميعها، فالشاعر في هذه الساعة من الوجع الكوني ليس له مكان في وطنه الذي ظلت تطرده وتطارده في كل زاوية ومنعطف أشباح انحدرت من صلب الموت الأسود.
كم هو غامض وضوح هذا الشاعر الذي يشبه أضواء غروب أهله في الجنوب
أطرق بابه في الهزيع الأخير من الحزن فينفتح الحجاب عن حجاب افتحه فينفتح على حجاب آخر وهكذا هي حال التحولات المنهمكة بمعرفة الطريق الى الجوهر والطيران في التأجج المطلق لزرقة العدم
- هل يمكننا أن نلمس ونرى الماوراء في خرقة المتسكع على ارصفة الواقع الخشن.. الوعر.. المعذب؟
- وهل الشعر غير ذلك؟
انها الحركية التي لا تهدأ والجدل الذي يمنح الشعر طاقة الوجود والحياة على التخوم والاقاصي.. فيتبادل الشاعر والكون حركة الشغوف ويتجلى الآخر بالآخر وهكذا في سيرورة هذا الغموض الساحر لقوانين العملية الابداعية يصبح الكل واحداُ والآخر أنا.
هنا يأتي دور الشاعر في تشكيل هوية عصره وأمته
وعلى يد الشاعر تبقى هذه الهوية سعياُ مفتوحاُ على المستقبل ينقذ عناصر هذه الهوية من التلف والموات ويسنده في ذلك قدرته الفائقة على وعي ضرورة القطيعة مع الماضي وعدم الارتهان لجميع معطياته وتعبيراته.
الذهاب الى المستقبل وخلقه باستمرار هو مايعذب الشاعر الذي يريد انقاذ حاضره. بصراُ وبصيرة تحدق في غضون الواقع وآلامه ومآسيه وجروحه هو الشاعر.
واستطيع ان اقول ان أحد أكثر الشعراء الذين عاشوا جروح وخيبات ومحنة وآلام واقعه المرير هو كاظم غيلان.
دائماُ تراه يمر تائهاُ وذابلاُ في شوارع وليل وطنه الذي (( يحتفي بالحاكمين البغايا)) ويتركه للوحدة والفاقة والعوز رماه العشق الجنوبي البعيد.. فاكتشف نفسه ووجدها في ضياع وعذاب وغربة ووحشة الأرصفة والفنادق الرخيصة واللحظات التي تحتاج الى طاقة خارقة على التحدي والحب ومواجهة الموت في الحياة.
ان محبة هذا الشاعر دامية.. يخاف على نوم حبيبته من يقظة الكلام وتموج الضوء.
" يمشي الياس چن زافوف
والفختايه تملي اجناحهه اگرنفل
وتزقزق عصافير الصبح.. ع القمريه
واحبس انفاسي"
وهكذا..
وفي لغة اخرى تشهر جمالياتها وموسقتها وصفاءها يعلن كاظم قطيعته مع لغة الشعر العامي السائد الذي يكرسه الاعلام الرسمي والخاص هذه الأيام
" گلبي اشلون بي
وكت الصبح يزغر..، ويتلملم على دروبج
يظل سهران
يتمدد لباب البيت
يتلفت على الگبه.. العليها طيور
كل اجناح يتلفت لطولچ
يطرد احروب وحراميه وعذاب"
في هذا المستوى الفني العالي ينظر كاظم الى عناصر مشهده الشعري ويعيد تشكيلها وبناءها من جديد.. ودونما صراخ يتسلل موضوعه من الوله والعشق والتمرد والتلفت وكلاهما يستدعي صمتاُ ملفتاُ الى الصرخة التي توقظ الروح والوعي على(( الحرب والحراميه والعذاب)).
ان هذه النظرة التي ترتهن الى الاشتراطات الفنية والجمالية للعمل الشعري هي المرجعية الاساسية لوعي كاظم الذي ظل- حتى في زمن الطوفان- الى جانب قلة من الشعراء في الكتابة الشعرية نوعاُ من النشاط الفكري والمعرفي الخلاق
اخلاصه لهذه النظرة التي رفعها الى مستوى الموقف والمصير اضافة الى موقفه من السلطة الغاشمة ومجريات السياسة جعلاه يدفع ثمناُ باهضاُ
................................
................................
يالوحشة أيامه الفارغة
والزاخرة بمختلف صنوف فاكهة الحزن
.................................
.................................
ان أياماُ تقطر دماُ ومرارة، ومخبرين ونظاماُ سافلاُ أسوداُ عاشها كاظم بمليء كيانه النحيل، وبكل مالديه من قدرة على المقاومة، واليٍأس والسخرية حتى اذا جاء الحاكمون الجدد كان كاظم هو.. هو
سبحان من لايغير الأحوال
..............................
..............................
في كل مكان وفي كل منقلب ومحنة أردد لنفسي ومع نفسي
كم غريب هذا الغريب في غربته التي صارت وطناُ يئن.. فيملىء التأريخ بوجع القصب وبصراخ معلق في الفضاء،.. كل صرخة صارت(( غرنوقاُ)) يقطع القلب والقصب من جذوره ليعلو.. ويعلو كل صباح في سماء الأهوار مصراً على الاتجاه نحو دم الزنج وراياتهم التي لازالت واقفة في طين الغيب تخمر الأيام للرياح القادمة .
|