حدد نـــــــــــــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، مهمة المثقف في المجتمع، بأمرين؛
الاول، هو الرقابة على المجتمع، بما فيه السلطة ومؤسسات المجتمع المدني، فهو كالراداد في الرقابة.
والثاني، هو توليد الافكار وانتاجها، فهو كالداينمو في التوليد.
واضاف نــــــزار حيدر الذي كان يتحدث للسيدة ايناس أحمد مراسلة الفضائية العراقية في العاصمة الاميركية واشنطن، لبرنامج (صباح الخير يا عراق):
ان لحظة غفلة للمثقف، قد تكون سببا لكارثة، وان اي تماهل من قبله قد يكون سببا لازمة، كما ان اي محاباة قد تكون سببا لتوقف المجتمع وبالتالي تخلفه.
ان اهمية المثقف في المجتمع تنبع من كونه مصدر توليد الافكار، التي اما ان تشكل حلولا لازمات او تطويرا للواقع او استشرافا للمستقبل، ولذلك قيل قديما (في البدء كانت الفكرة) لان كل الحضارات والمدنيات في التاريخ بدات بفكرة لتنمو وتتطور حتى تتشكل بما هي عليه.
ان كل الشعوب والامم انما تفتخر بافكارها، اي بما قدمته للبشرية من افكار انسانية ساهمت في صناعة المجتمعات ذات القيم الحضارية السامية والراقية.
خذي مثلا على ذلك الشعب الاميركي، اضاف نــــــزار حيدر، فان اول ما يفتخر به هو الدستور وهو، كما نعرف، عبارة عن مجموعة من الافكار، فهو يفتخر بها، كما انه يفتخر بمن ابدع ودون هذه الافكار والذين يسمونهم بـ (الآباء المؤسسون) اذ لولا تلك الافكار لما بنيت الولايات المتحدة الاميركية، ولما رايناها على ما هي عليه اليوم.
كما ان العراقيين يفتخرون بحمورابي ومسلته، والتي هي عبارة عن (افكار) دونت فكان لها الاثر الفعال والدور الكبير في تاسيس مدنية راقية وحضارة قل نضيرها.
ولذلك، فعندما يتوقف مثقفو مجتمع ما عن توليد الافكار، يبدأ بلا ريب، عصر الانحطاط، وهذه حقيقة ثابتة لا مجال للنقاش فيها ابدا، والعكس هو الصحيح، فان اول ارهاصات البناء الحضاري، هو الافكار المبدعة والخلاقة التي ينتجها المثقفون المبدعون والمتنورون.
عمن هو مسؤول عن حماية المثقف، قال نـــــزار حيدر:
برايي، فان المجتمع هو المسؤول الاول عن حماية المثقف، اما السلطة فليس لها مصلحة كبيرة في حمايته، اذ عادة ما لا ترغب السطة في ان ترى جيشا من المثقفين في البلاد يعدون عليها انفاسها، ويأخذون عليها كل شاردة وواردة، ينيرون الطريق للناس ويسفهون شعارات الحاكم غير المنطقية، ولهذا السبب نرى ان اول من يتعرض للقمع في البلاد، اي بلاد، هم المثقفون، حصل هذا على مر التاريخ الاسلامي، فكم من المثقفين قتلوا او صلبوا او قطعت السنتهم او ايديهم وارجلهم من خلاف، بسبب فكرة لم تعجب الخليفة او جراء راي يتناقض مع ما تؤمن به السلطة؟.
كما حصل ذات الشئ في اوربا ابان عصر النهضة، عندما نصبت السلطة لهم (وكانت آنذاك بيد الملك والكنيسة) محاكم التفتيش، ليس بحثا عن السلاح والمتفجرات، وانما بحثا عن الافكار التجديدية والتنويرية التي كانوا يخفونها في عقولهم.
هنالك تناقض، في اغلب الاحيان، بين المثقف والسلطة، خاصة المثقفون التجديديون والتنويريون، الذين يحاولون الابداع في انتاج الافكار الثورية الانقلابية التي تدخل في صميم عمليات التغيير الجذري التاريخية.
ولان السلطات لا تحب ان يكون في المجتمع مثل هذه الطبقة من المثقفين، لذلك تسعى الى شرائهم وبالتالي تحويلهم الى قطيع يطلق عليهم صفة (مثقفو السلطة) همهم التبرير للسلطة اخطاءها وجرائمها، وتضخيم منجزاتها وكأنها المعجزة التي لا يقدر على تحقيقها غير الحاكم.
عن الشروط اللازم توفرها في المثقف ليؤدي دوره الصحيح في المجتمع، قال نـــــــــــزار حيدر:
ان على المثقف ان يسعى من اجل ان يبدع في الافكار، فلا يكتفي في تناقل الافكار او تداولها والتعامل معها او اجترارها، بل عليه ان يبدع، وللابداع شروط، منها:
اولا: ان يحافظ على مسافة ما بينه وبين السلطة، حتى لا يتحول الى مثقف سلطة، مثقف تحت الطلب، تلجأ اليه كلما مرت بازمة او حالة من القطيعة والمقاطعة مع الشعب، فيردد ما تقوله او تطلب منه كالببغاء، طبعا من دون ان يعني ذلك الصدام او التقاطع مع السلطة ابدا.
ان الاستقلالية شرط الابداع بالنسبة للمثقف.
ثانيا: ان يفكر في الحاجة فلا يغني خارج السرب، كما يقول المثل المعروف.
ان على المثقف ان يتلمس حاجات المجتمع الثقافية ليفكر فيها، حلا او استشرافا، فلا يفكر خارج الزمن، بطرا كان او تلهيا.
ثالثا: ان يتحلى بالشجاعة ليقتحم كل المساحات الفكرية التي يظن البعض انها من المحرمات.
على المثقف ان يقتحم الممنوعات فيناقش كل الاراء والافكار، كما ان عليه ان يناقش من سبقوهن سواء في الزمن او في الفكرة، وبهذه الطريقة فقط تتطور الافكار وتنمو.
وفي نهاية الحوار دعا نــــــــــــــــــــزار حيدر العراقيين الى ان يقرأوا ويتفاعلوا ويتبنوا الافكار الجديدة والتجديدية والمبدعة التي يكتبها المثقفون العراقيون، قائلا:
لا يكفي ان يكون عندنا مثقفون مبدعون، بل لا بد ان يكون عندنا متلقون مبدعون كذلك، لتكتمل طرفا المعادلة، واعني بالمتلقي المبدع، الذي يقرا بتمعن ويطالع بتفحص، فلا يقرا كل ما يمر عليه بغثه وسمينه، ولا يقبل بكل ما يقراه، بل يجب عليه ان يعمل عقله فيناقش الفكرة ويقلبها ويتفحصها قبل ان يقبلها او يرفضها، وان عليه ان لا يقرا باحكام مسبقة، او في اطار الحب والبغض، فيقبل او يرفض مسبقا حتى قبل ان يقرا الفكرة، بسبب اسم المثقف او هويته او انتماءه او ما الى ذلك، وليكن شعارنا دائما قول رسول الله (ص) {الحكمة ضالة المؤمن}.
واضاف:
في العراق اليوم مشكلتان تحولان دون وجود هذا المتلقي المبدع، الاولى، مخلفات النظام الشمولي البائد، ورواسب سياساته التدميرية، والتي لا زالت تعشعش في عقول الكثيرين، فتراهم يرفضون التجديد في الثقافة والابداع في الافكار، ويحاربون الفكرة، لمجرد انهم لا يحبونها او انها جاءت على لسان من لا يودونه، او بسبب انها تعارض ما (وجدوا عليه آباءهم} وتلك هي المصيبة التي طالما ذكرها القران الكريم متحدثا عن الاقوام التي قاتلت الانبياء لانهم جاءوا لهم بافكار تتناقض ما وجدوا عليه آباءهم.
اما المشكلة الثانية فتتمثل بعبادة الشخصية التي لا زال العراقيون مبتلون بها.
ان هذا المرض يحول دون الابداع ويقف حجر عثرة في طريق التجديد الفكري والثقافي، ويرعب المثقف فلا يفكر في اقتحام الممنوعات والمحرمات، لانه يخشى ان يتعرض للتهديد والوعيد وربما للقتل والتصفية الجسدية اذا ما تجاوز الحدود التي يرسمها امثال هؤلاء حول (معبود الجماهير) المفترض.
ولذلك يجب ان نتعاون جميعا من اجل كنس العراق من كل الاثار السيئة والسلبية المتبقية من النظام البائد، لنقبل بالراي والراي الآخر ونصغ الى الاراء المخالفة ونستمع الى من يخالفنا الراي ولا نقمع الاخر اذا ما اختلف معنا، لنمنح المثقفين فرصة للابداع والتجديد، حتى لا نبقى نجتر الافكار والثقافات ليل نهار كما يجتر الجمل محصوله من الصحراء، خاصة واننا اليوم منهمكون في بناء عراق جديد، يقوم على اساس سلاح الحوار وليس حوار السلاح. |