فاجعات الطريق إلى أوروبا |
المقاله تحت باب قضايا نقاش / شالاو محمد محمد (39 سنة) كان شرطيا في مديرية الشرطة العامة في كركوك وهو احد المهاجرين حيث اصطحب زوجته حربية محمد (34 سنة) وأطفاله الخمسة من كركوك إلى أوروبا أملاً في الحصول على حياة جديدة ولكنه وصل أخيراً إلى "بلاد الأحلام" وحيدا. باع محمد قبل أن يهاجر منزله وسيارته وقدم استقالته إلى الشرطة وسلك مع زوجته وأطفاله الطريق الى أوروبا الا أنهم غرقوا جميعا ليلة الثامن عشر من تشرين الأول (اكتوبر) الماضي ولم ينجُ منهم إلا محمد وحده. محمد الذي استقر الآن في مخيم للاجئين في ألمانيا روى عن طريق الهاتف تفاصيل الحادث وأسباب هجرتهم لـ"نقاش" قائلا: "أصبحت الحياة صعبة في جميع أنحاء العراق وخصوصا في كركوك، كنا جميعا مهددين، كما لم يكن وضعي المالي جيدا بما يكفي لأسعد اطفالي لذلك قررت الهجرة الى اوروبا عن طريق المهربين". وتحدث محمد عن "الحادث المشؤوم" الذي أودى بحياة جميع أعضاء أسرته وقال: "توجهنا ليلة السادس عشر من تشرين الاول (اكتوبر) عن طريق الطائرة إلى تركيا، وبعد الحديث مع احد المهربين الاكراد اتفقت معه على ان يوصلني بقارب الى اليونان مقابل مبلغ ثلاثة آلاف دولار، وفي الثامن عشر من تشرين الاول (اكتوبر) اتصل بي وقال ان القارب جاهز ويتسع لعشرين شخصا وقد ارسل لي صورة القارب عن طريق الفايبر فوافقت، ولكن لدى وصولنا الى بحر ايجة ما رأيناه لم يكن ذلك القارب الذي كان في الصورة بل كان صغيرا جدا، إلا أنني لم اولِ الامر اهتماما كبيرا، بل ان ما أخافني انهم ادخلوا إلى القارب 50 شخصاً". يتذكر محمد كيف كان المهربون يبيعون الركاب بينهم ويقول: "قبل ان ندخل القارب وفي غضون 35 دقيقة تم بيعنا مرتين إلى مهربين آخرين". الهجرة الى اوروبا عن طريق تركيا هي اليوم اكثر طرق الهجرة شيوعا حيث يدخلون تركيا بطريقة مصرحة وهناك يتفقون مع احد المهربين الذي يسلمهم بدوره الى مهربين آخرين الى ان يصلوا الى البلد الذي يريدونه، اما أسعار المهربين فتتغير حسب ضمان وصول المهاجرين الى الجهة المرجوة. إن معظم من يلقون حتفهم في طريق التهريب هم الذين يسلكون طريق البحر حيث يبحر قارب صغير في عتمة الليل وعلى متنه عدد كبير من الركاب معرضين جميعهم لخطر الغرق. وروى محمد وهو يبكي قصة لحظات فقدانه أطفاله الخمسة وزوجته لـ"نقاش" قائلا: "في الساعة الثانية عشرة والنصف ليلا تعرض القارب لموجة قوية قرب جزيرة ليبسوس اليونانية في بحر ايجة تسبب في إغراق القارب، وقد غرق 12 شخصا من مجموع الأشخاص الخمسين الذين كانوا على متنه وكان بين الغرقى أربعة من أفراد أسرتي فيما تم إنقاذ 25 شخصا من قبل قوات خفر السواحل ولا يعرف مصير 13 شخصا آخرين بينهم زوجتي وأطفالي". وبعد اربعة ايام من موت أطفاله وبسبب فقدانه الأمل في الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان لإعادة جثامينهم الى كركوك قرر محمد ان يواري خنده (16 سنة) وهيلين (10 سنة) و فان (6 سنة) و أمين (4 سنة) الثرى في مقبرة للمسلمين في جزيرة كوس اليونانية في الحادي والعشرين من تشرين الاول (أكتوبر) كما يتطلع الى العثور على جثة زوجته وولده عبدالرزاق (11 سنة) بعد ان فقد الامل في العثور عليهم احياء وقد اعتبرت الحكومة اليونانية المفقودين الثلاثة عشرة في عداد الموتى ولم يعثر حتى الآن على اي منهم. احمد الجاف والد محمد الذي فجع بهذه المصيبة رجل في الثانية والسبعين من العمر ويقيم في كركوك، قال بحزن وحسرة شديدين لـ"نقاش": لقد "رجوت ابني وقلت له لا ترحل، ولكنه لم يستمع الي، ما اريده الان هو إعادة جثث زوجة ابني وأحفادي الخمسة". وعلى الرغم من مرور ثلاثة أسابيع على الحادث الا ان أقارب محمد وحربية في كركوك لا يزالون في عزاء ولا يصدقون بسهولة انهم تلقوا نبأ موت حربية وأطفالها خلال دقائق. ولا يزال امجد محمد شقيق حربية يتذكر كيف تلقى نبأ موت أخته واطفالها ويقول: "قلت منذ البداية انهم يختارون طريقا خطأ ولكن محمد قال اننا نبحث عن حياة افضل ولا تحزنوا لأنكم سترون صورنا في المانيا بعد 15 يوما ولكن لم يمر سوى خمسة أيام وتلقيت نبأ موت أختي وأطفالها". وأضاف: "يجب على الحكومة وإدارة كركوك ان يهبوا لنجدتنا ويعملوا على إعادة جثثهم الى كركوك لأننا لا نملك الامكانية لإعادة جثثهم". وبعد كل المصائب التي واجهته لا يتراجع محمد الجاف عن الوصول الى ألمانيا وبمجرد دفن جثث أطفاله تمكن من الوصول عبر المهربين الى ألمانيا وهويستقر الآن في مخيم للاجئين. فقد محمد الامل في الحياة كما يقول وحاول الانتحار مرتين لأنه كما يقول لم يبق لديه احد ليعيش من اجله، ومع انه نادم على انه هاجر من بلده الا انه لا ينوي العودة الى العراق مرة أخرى. ويقول حول نتائج هجرته "حاولت النجاة من السجن الكبير في العراق ولكنني الآن في الجحيم". |