الموصليون بين إعلامين |
المقاله تحت باب قضايا خالص جمعة / نقاش تتصدر مشهد الخطاب الإعلامي الموّجه إلى الموصل قناتان فضائيتان الأولى "تلفزيون الموصل" الذي تأسس مطلع تموز (يوليو) 2014 وهو جزء من مجموعة قنوات الشرقية المملوكة لرجل الأعمال العراقي سعد البزاز، والثانية "نينوى الغد" التي يشرف عليها محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي وافتتحها منتصف عام 2013 ونقلها إلى أربيل بعد سقوط الموصل بأسابيع قليلة. القناتان تبثان من أربيل التي تبعد نحو (70 كلم) عن الموصل وهما تركزان خطابهما على جرائم "داعش" والمضايقات التي يتعرض المدنيون لها والاستعداد لعملية تحرير المحافظة وأوضاع النازحين، لكن تحليل خطاب هاتين القناتين يكشف ضعفاً كبيراً في مصادر الأخبار وبدائية أساليب الطرح والافتقار إلى الصورة. أما وسائل الإعلام العراقية والأجنبية فهي الأخرى بعيدة جداً عن حقيقة ما يجري في الموصل إذ تعتمد فيما تنقل من أخبار على مراسلين يقيمون خارج المدينة، لذا كثيراً ما تبث أخباراً أو شائعات كاذبة، خاصة عندما نتحدث عن فضائيات وصحف ومواقع الكترونية عراقية مرتبط بأحزاب وأجندات سياسية. ويقول جمال البدراني وهو صحفي من الموصل إن المتلّقي فقد ثقته بالمؤسسات الإعلامية بسبب غياب مصادر الأخبار الموثوقة والشلل التام للنشاط الصحفي من داخل الموصل فهناك نحو (250) صحفياً وإعلامياً كانوا يعملون فيها قبل حزيران (يونيو) 2014، غادر (150) منهم تقريباً خارج المدينة أما من بقيّ منهم فتوزعوا بين قتيل ومعتقل لدى "داعش" وعاطل عن العمل. ومن هنا يفسر البدراني الذي يقيم في أربيل حالياً سبب بروز دور صفحات التواصل الاجتماعي "الفيسبوك وتيويتر" التي يديرها إعلاميون موصليون من داخل المدينة وخارجها، وهو يعتقد إنها أصحبت أكثر مصداقية من المؤسسات الإعلامية لأنها أقرب إلى الحدث، وتتبنى خطاباً إعلامياً جديداً يجاري خطاب "داعش" ويسعى إلى تفنيده. ووسط هذا الضعف الكبير والتخبط في الخطاب الإعلامي المعني بشأن الموصل، تثبت "الدولة الاسلامية" نجاحها في الدعاية والترويج لمشروعها من خلال التأثير على سكان الموصل وزيادة قناعتهم بأن هذه الدولة باقية، والتفاعل الكبير الذي تلقاه الأفلام والصور التي تنشرها في العالم كله. ومنذ سيطرتها على الموصل ابتكرت "الدولة الإسلامية" إسلوب النقاط الإعلامية وهي كشك صغير يُبنى في المناطق المكتظة بالسكان تبث فيها أفلاماً من إنتاجها، ومع حلول شهر رمضان الجاري عمل التنظيم على زيادة النقاط الإعلامية ففتحوا عدداً كبيراً منها في الأحياء الشعبية. عند مدخل حي الموصل الجديدة غربي المدينة وضع عناصر المكتب الإعلامي لـ"داعش" شاشة عرض كبيرة ومكبرات صوت ووزعوا أمامها عشرات المقاعد. ويقول سعد محمد أحد سكان الحي إن المراهقين والأطفال والشباب يترددون باستمرار إلى النقطة الإعلامية التي تم افتتاحها مؤخراً ليشاهدوا صوراً من المعارك وحملات الإعدام العلنية والأناشيد الحماسية وخطب قادة "داعش" فضلاً عن البيانات والأوامر والتعليمات الجديدة. ويضيف "ينتهي العرض السينمائي في الهواء الطلق فيذهب بعض المشاهدين إلى مسؤولي النقطة ليحصلوا على ما أعجبهم من أفلام وصور على شريحة ذاكرة لمشاهدتها لاحقاً على الهاتف أو الحاسوب، وغالباً ما يكون حديث المشاهدين بعد انتهاء العرض السينمائي عن قوة داعش ومقاتليها الإسطوريين وهذا ما تسعى الدولة الإسلامية إلى ترسيخه في أذهان السكان". ويوظف تنظيم داعش وسائل إعلام ودعاية أخرى كمنابر الجوامع والدورات الدينية والاستعراضات العسكرية فضلاً عن إذاعة البيان التي افتتحها بعد سيطرته على الموصل، أما الرسائل الموّجهة إلى دول العالم فيمررها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً موقع تويتر. ومن وسط هذا الصراع الإعلامي غير المتكافئ على ما يبدو برزت الأعمال الدرامية العربية التي تتضمن نقداً لاذعاً لتنظيم "الدولة الاسلامية" وحظيت بتفاعل ملحوظ في الموصل. وتعليلاً لهذا التفاعل يقول عيسى شهاب أحد سكان المدينة "هذه الأعمال تصور عناصر داعش على الشاشة كما نراهم نحن على الأرض فهي تعبر عما نريد قوله ونشعر إن في متابعتها رفض لهم واحتجاج على جرائمهم". ويضيف "هذه الدراما باتت حديث المجالس الخاصة إذ تتم المقارنة بين بعض المشاهد وممارسات المتشددين في الموصل مع الكثير من الضحك والتشفي، لكن ذلك محصور ضمن نطاق الأصدقاء والعائلة فقط". النتيجة المقلقة هي إن نسبة كبيرة من الموصليين يعلِّقون على ما يسمعون ويشاهدون من أخبار في وسائل الإعلام بالقول "كله كذب" خاصة عندما يتعلق الأمر بالاستعدادات لتحرير المدينة من التنظيم المتشدد بينما تحظى دعاية الدولة الإسلامية بمصداقية أكبر لديهم ربما لأنها تخاطبهم بالتواصل المباشر وبالصورة. |