المقاله تحت باب أخبار و متابعات في
16/02/2015 06:00 AM GMT
جمع الشاعر العراقي المقيم في باريس عبد القادر الجنابي، مختارات من كل مراحله الشعرية ودواوينه التي نشرها طوال أعوام، في كتاب عنوانه «ما بعد الياء» (أعمال شعرية وشقائق نثرية). والكتاب يقدّم الجنابي شاعراً ذا تجربة فريدة في الشعر العربي الجديد، ويساعد القراء على تشكيل صورة شاملة عن هذه التجربة. وكان لا بد لأعمال الجنابي الشعرية أن تلتئم بعدما صدرت في طبعات متفرّقة. ولنا عودة الى هذه الأعمال. وحمل الغلاف الأخير من الديوان(400 صفحة)، كلمة كان كتبها الشاعر أنسي الحاج الذي ربطته بالجنابي صداقة. وهنا كلمة الحاج: «مِنْ فَرْط صدْقه، تبدو فضيحةً أنْ يَكْتب. أمام كهربائه المجنونة، تَشْعُرُها خيانة أنْ يكون خارج الكينونة العارية، العفوية، لا في كتابة ولا في تنظيم. هذا الاحتقار العارم، حيويّة الغضب، هذه الصفعات «التاريخيّة»، وتلك البواطن الرقيقة المجروحة بطفولتها، بواطن العزلة والتيه لظواهر العصيان والزندقة... ما أضيق أيّ تعبير حيالها، ما أصغر الكلام أمام وجودها القاطع الناصع. شراسة عبد القادر الجنابي هي نَصْل عَطَش الصدق، وشِعْرُهُ ليلُ البدر مغسولاً بالعواصف، مُخْصباً قارئه بقَهْر اليأس ولعب الخيال وحَدْس الوحْدة، ملهِماً بدهشة طفل دائم الاكتشاف والتمرّد والحريّة. وكلّما طالعتَهُ وجدت الكلمات تعود من غربة وظائفها اليومية إلى أرض إمكاناتها الشعرية، تقوم من الموت وتدعونا معها إلى القيامة.هو الحياة لا تقليد الحياة. والجذور، معه، تنبش، مقلوبةً، تُرْبتَها بالرفض والكفر وتعيد إخصابها، بعد جفافِ عصور، بمطر التمرّد الكريم. وهو فتنة، كطفل يأبى أنْ يوصَم بغير أحلامه. الزمن معه لا يمرّ: إنّه يحفر في داخل كهف الحلم، منبجساً من تحت ماء نبع لا ينضب، هو نبع اللاوعي الأبعد غوراً من فجر الحياة. وكلّما قرأتَ له ألقى أحجاراً في بِرَك لاوعيك. وهذا المحرّض للباطن والذي يقول إنّه بلا ذاكرة، يملك أجمل الذاكرات: تلك التي أقبلتْ بلا بَرْمَجَة، ورغم اكتنازها بالأطياف الحبيبة وتلك الرجيمة، بدت وكأنّ المستقبل صار وحده ماضيها. حتى لو كرهتَ الكتابة وبات العيشُ عندك هو تؤام الفكر، تظلُّ كتابتُه تثيرك. لأنّها تقفز أبعد من «الكتابة»، ولأنّه، مهما أمعن في تقصّي الألفاظ واللعب بكيميائها، يظل خارج «الجثمان الأدبي» وفي مهبّ ذاته الملتهبة بألف حريق: من نار الغربة الأهلية والوجودية إلى جحيم الحياة والموت. معه، نحن تحت غيم العاصفة الأصفر. وما وراء حروفِه هو ما أمامها: بَرْق العصيان. بَرْقٌ ضاحك حتّى دموع الحريّة».
|