الصحافة في العراق: الحريات على نصل السكاكين

المقاله تحت باب  قضايا
في 
12/04/2013 06:00 AM
GMT



عن (نقاش) 
بعد غزوة الأول من نيسان (أبريل) على أربع صحف عراقية وسط بغداد، انخفض منسوب التفاؤل بمستقبل الحريات الصحافية في البلاد، وتجدد السؤال عن حقيقة الحماية القانونية والاجتماعية التي يحصل عليها الصحافيون في العراق.
 خمسون مسلحاً يقتحمون في هجوم متسلسل أربع صحف هي "البرلمان" و "الدستور" و "المستقبل" و"الناس" ويضربون من فيها بالسلاح الأبيض.
 بعض الضحايا أُلقي به من سطحِ بنايةٍ بثلاثةِ طوابق، الصحف التي تعرضت للهجوم، في وضح النهار جميعها تقع بالقرب من نقاط تفتيش عسكرية للشرطة والجيش.
 ويقول بيان رئاسة تحرير صحيفة "البرلمان" إن "رجال دين وشيوخ قبائل قالوا إنهم من أتباع رجل الدين الشيعي محمود الصرخي  زاروا الصحيفة غاضبين جداً من خبر نشرته في صفحتها الأولى في اليوم نفسه  فأكدنا لهم مهنية وحياد الصحيفة، واستعدادها لنشر أي نفي أو تكذيب من الجهة التي يعنيها الخبر".
 عدي حاتم رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق يقول  لـ"نقاش" إن "الأعتداء
 يشير إلى أن وضع الصحفيين في العراق مازال خطرا، وأنهم مازالوا يعملون تحت التهديد وفي بيئة أمنية وقانونية غاية في الخطورة والتعقيد لاسيما وان جماعات العنف في البلاد جميعها تستهدف الصحفيين وتحاول فرض أجندتها الدينية المتشددة عليهم".
 الصحف التي تعرضت إلى الهجوم نشرت قبل وقوعه خبراً عن رجل الدين المثير للجدل محمود الحسني الصرخي، وجاء في الخبر أن الصرخي وأنصاره سيتجهون إلى كربلاء للسيطرة عليها وللمطالبة بحصة من عائدات المرقد الحسيني.
الصحافيون وشهود العيان الذين تحدثت معهم "نقاش" أكدوا أن الأمر بدأ مع "زيارة اعتيادية لوفد يضم رجال دين وزعماء قبائل قالوا إنهم يمثلون الصرخي ومنزعجون من الخبر المنشور بشأن نشاط زعيمهم".
وحاول المحررون في صحيفة "البرلمان" شرح خلفيات النشر، والتوضيح بأن الخبر جاء من وكالة أنباء محلية وبمقدور جماعة رجل الدين الصرخي نشر رد على ما ورد في الخبر من معلومات.
لكن الرد جاء مختلفاً ومفاجئاً، إذ خرج الوفد من مبنى الصحيفة وبعد نحو خمس دقائق اقتحم مراهقون يرتدون سراويل رياضية ويحلمون ادوات قتال حديدية وسكاكين وبدأت غزة الصحف.
المشهد يتكرر في بقية الصحف، لكن المهاجمين أتلفوا معداتٍ وسرقوا سجلات تقيّد حضور وعمل الصحافيين في تلك الصحف، هذه المعلومة كانت لوحدها سبباً كافياً ليشعر الوسط الصحفي بالخوف، والتفكير جدياً بما قد يواجهه من تحديات ومخاطر.
مصادر الشرطة والضحايا أفادوا بأن شباناً في العشرينات يصل عددهم إلى 50 شخصاً يحملون السكاكين والهراوات وأدوات حديدية، اقتحموا الصحف الأربع ولم يتركوا أحداً فيها من دون أن يسقطوه بضرب مبرح.
شاهد عيان كان قريباً من جريدة "البرلمان"، وسط بغداد قرب  مقر السفارة التركية، قال إنه شاهد رجلين يمسكان بأطراف صحفي وألقيا به من الطابق الثالث للبناية "هذا الصحافي يرقد الآن في المستشفى يعالج كسوراً عديدة في رأسه وأطرافه". يضيف
احتجب عن الصدور عدد من الصحف التي تعرضت إلى الهجوم، فيما تناقضت العناوين الرئيسية التي تصدّرت الصحف التي قررت مواصلة الصدور.
بعضهم كتب عنواناً كان يمتدح كثيراً أتباع الصرخي، في حين كتبت أخرى عنواناً ساخناً يتحدث عن "الموت الذي يرافق مهنة الصحافة في البلاد"، وطلبت "الاقتصاص من المهاجمين".
الصرخي أصدر بياناً بعد يوم من الحادثة ينفي فيه أولاً "نيته احتلال كربلاء"، و"مهاجمة أتباعه الصحف الأربع"، لكن صحافياً تعرضت صحيفته إلى الهجوم قال إن "أنصار المرجع الصرخي اتصلوا به بعد الحادث وقدموا اعتذاراً عما جرى وطالبوا بعدم إعطاء القصة حجماً أكبر من حجمها".
ويعتقد عدي حاتم الذي أصدر بياناً طالب به الكشف عن المهاجمين ومعاقبتهم إن "حالة الإفلات من العقاب بالنسبة للمجرمين والمستهدفين للصحفيين ووسائل الإعلام التي أصبحت سائدة منذ عام 2003 ،هي التي شجّعت مثل هذه الجماعات على الاعتداء على مؤسسات إعلامية معروفة  وفي مناطق من المفترض انها تحت السيطرة الأمنية".
الوكيل  الأقدم لوزارة الداخلية عدنان الأسدي زار الصحف الأربعة ووصف الهجوم "بالبلطجة"، وقال إن "العمل غير لائق بمجتمع متمدن" وتعهد بـ"ملاحقة المتهمين". لكن المهاجمين سلكوا في المناطق البغدادية طرقاً تعج بنقاط التفتيش العسكرية، والصحافيون العراقيون لم يجدوا إجابة عن سؤالهم : كيف مرّوا منها ونالوا مرادهم؟.
 
 ضباط كبار في الداخلية العراقية تحدثت معهم "نقاش" يعتقدون بأن سهولة العبور في طرق مؤمّنة باحتراز أمني يعود إلى أنهم "لم يكونوا يحملون أسلحة خفيفة أو ثقيلة، السكاكين فقط".
أما المرجع الصرخي فنفى صلته بالهجوم، والحكومة لم تعلق على الحادثة، حيث ابتلع الوسط الصحافي الضربة بالصمت، والكثير من الخوف.
وفي ظل وضع عراقي ومعقّد خاصة ما يتعلق بحرية التعبير والوصول الحر إلى المعلومة، سيكون من الصعب التقصي عن خيوط المهاجمين والجهة التي تقف وراءهم، لكن ما حدث يجعل مشهد صحافة ما بعد العام 2003 أكثر وضوحاً.
 
 ثمة فوارق ملموسة بين صحافة النظام السابق وبين الراهنة اليوم، ليس أقلها الانفتاح والتعدد، لكن الثمن المدفوع يصل حد التصفية الجسدية، وهو برعاية "صمتٍ رسمي"، وطوائفٍ متناحرة.
 لكن التناقض الحاد في ما يخص الحديث عن الحريات الصحافية في البلاد هو التلاعب او التحايل الذي يحترفه المشرعون العراقيون في صياغة قوانين حماية الصحافيين، إذ لا توفر بحق مناخ عمل راسخ لهم، وتعتمد على صيغ قانونية تعود إلى نظام صدام حسين، بينما لا تزال القوى الأساسية في المجتمع، الدينية منها تجتهد في كبح جماع السلطة الرابعة دون أن يجرؤ أحد على محاسبتها.